مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استراتيجية أمنية سويسرية تقول نعم للطائرات المقاتلة ولا للأسلحة النووية

بيات نوبس

منذ بداية هذا العام، شغلت سويسرا لأول مرة في تاريخها مقعدا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في الأثناء، من المتوقع أن تضع الحكومة الفدرالية استراتيجية جديدة للأمن القومي. في هذا السياق، يُجادل الدبلوماسي المحترف السابق بيات نوبس بأنه سيكون من الجيّد توقيع الكنفدرالية على معاهدة حظر الأسلحة النووية ووضع سياسة أمنية مشتركة تحظى بالاجماع من طرف المسؤولين عن الدفاع والشؤون الخارجية في آن معا.

أظهرت الحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا أن الحرب كوسيلة لإدارة السياسة لا تزال مُمكنة في أوروبا. لذلك، حتى في القرن الحادي والعشرين، تظل حماية أمن المواطنين والدفاع عنهم – بقوة السلاح، إذا لزم الأمر – مسؤولية أساسية للدولة. 

من المقرر أن يصوت مجلس الشيوخ السويسري على اقتراحرابط خارجي بشأن استراتيجية للأمن والدفاع في البلاد قدمه عضو مجلس النواب توماس ريشتاينر من حزب الوسط. في حالة الموافقة على هذا الاقتراح، كما هو متوقع، ستضطر الحكومة إلى تطوير استراتيجية شاملة تحدد كيفية ضمان أمن سويسرا في المستقبل.  

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي يجب إدراجه عمليا في هذه الاستراتيجية، وكيف يجب صياغتها ؟ 

هذه الاستراتيجية يجب أن تحتوي، في رأيي، على ركنين أساسيْن: الدفاع والدبلوماسية. وأحد التحديات التي تواجه هذه المهمة هو تحقيق توافق بشأن هذه السياسة بين الإدارات التي تعمل بشكل مستقل نسبيًا بشأن قضايا الأمن، وخاصة الدفاع والشؤون الخارجية. في المستقبل، يجب أن تكون هذه الإدارات أكثر اتساقًا للتوصل إلى سياسة أمنية مشتركة، حتى لا يتكرر الجدل السياسي بشأن شراء الطائرات الأمريكية المقاتلة من طراز  أف-35 آي كما حدث مؤخرا. لقد أحاط بعملية الشراء التي تبلغ تكلفتها 6 مليارات فرنك من الشركة المصنعة الأمريكية لوكهيد مارتن جدل حاد، بلغ حد اتهام وزراء سويسريين بارتكاب مخالفات. كما نشأت اختلافات في الرأي بين المكتب الفدرالي لتدقيق الحسابات والمكتب الفدرالي لمُشتريات السلاح بشأن التكلفة الاجمالية النهائية.

المزيد
طائرة من طراز F-35A تحلق فوق الجبال

المزيد

الحكومة السويسرية توافق على شراء طائرات أف – 35 آي المقاتلة الأمريكية

تم نشر هذا المحتوى على يبدو أن المسار المعقد والمثير للجدل الذي سلكته سويسرا لتحسين دفاعها الجوي سينتهي على الأرجح بأسطول من مقاتلات اف-35 آي الأمريكية.

طالع المزيدالحكومة السويسرية توافق على شراء طائرات أف – 35 آي المقاتلة الأمريكية

يجب أن يتعامل الجزء الدفاعي من الاستراتيجية أولاً مع التحديات الملموسة المرتبطة بنزاع مسلح محتمل بطريقة أكثر وضوحًا مما كان عليه الحال في الوثائق السابقة. فالحرب لا تزال هي المهمة الأساسية لجميع القوات المسلحة في جميع أنحاء العالم. وسيتعيّن على الاستراتيجية الجديدة الإجابة على الأسئلة التالية: ما هي سيناريوهات الصراع الممكنة؟ ما هي العقيدة العملياتية التي يجب أن يتبناها الجيش السويسري بشكل معقول؟ ما هي الأسلحة التي ستحتاجها القوات المسلحة؟ وكيف تتعامل سويسرا المُحايدة مع البنية الأمنية الأوروبية وتندمج فيها، نظرا إلى أن السياسة الدفاعية المستقلة بالكامل لم تعد خيارا واقعيا اليوم؟ فالإجابات على هذه الأسئلة الحاسمة لا تزال غير واضحة.

يجب أن تعمل هذا الاستراتيجية أيضًا على تعزيز قدرة البنية الدفاعية لسويسرا وتضمن مرونتها. ولهذه الغاية، سيتعيّن عليها أن تبين كيف يُمكن دمج الخدمة المدنية والدفاع المدني، وهي البدائل المُتاحة حاليا للخدمة العسكرية الإلزامية. وينبغي لها أيضا أن تتناول خيارات اعتماد الخدمة الإلزامية للنساء ووضع التصوّر الضروري لذلك. ومن شأن إشراك المرأة في التجنيد الإلزامي أن يسهم إسهاما حاسما في تحقيق المساواة بين الجنسين، وأن تمنح الوثيقة المنتظرة زخما إضافيا لهذا الموضوع. وفي النرويج، حيث اتخذت هذه الخطوة قبل بضع سنوات، تحظى الخدمة الإلزامية المُحايدة جنسانيا بدعم شعبي كبير، بما في ذلك بين صفوف النساء.

المزيد
أربع نساء جالسات يرتدين ملابس عسكرية

المزيد

الجيش السويسري يتجه لتجنيد المزيد من النساء

تم نشر هذا المحتوى على يقول الجيش السويسري إنه بصدد دراسة إجراءات مختلفة لسد النقص في القوات المسلحة المتاحة للخدمة على المدى الطويل، تشمل تجنيد المزيد من النساء.

طالع المزيدالجيش السويسري يتجه لتجنيد المزيد من النساء

وأخيرا، يجب على الاستراتيجية المنتظرة أن تحسم مسألة تصدير وإعادة تصدير الأسلحة والذخائر المصنعة في سويسرا. فوفقًا للعديد من الخبراء، بالغت الحكومة في تأويل قانون الحيادرابط خارجي عندما منعت ألمانيا من تسليم ذخيرة سويسرية الصنع لدبابة غيبارد الألمانية المضادة للطائرات إلى أوكرانيا. ويجب عدم السماح بحدوث هذا مرة أخرى. ويجب أن توفّر الوثيقة الجديدة مخرجا من هذه المعضلة القابلة للاستمرار بموجب القانون الدولي. بدلاً من ذلك، تشير تقارير نُشرت مؤخرارابط خارجي إلى أن البرلمان يمكنه تكييف وتوضيح القانون الفدرالي بشأن العتاد الحربي، والذي تم تشديده بالفعل دون أي ضغوط خارجية.

أما الجزء الثاني من التقرير، فينبغي تخصيصه للدبلوماسية. وينبغي تعزيز المشاركة العسكرية المتزايدة – على الصعيدين الوطني والدولي – بمشاركة المدنيين. وهذا الالتزام قائم بالفعل إلى حد كبير اليوم. ومع ذلك، هناك حاجة إلى بعض التعديلات. ويُعترف عمومًا بالمستوى العالي لالتزام سويسرا بالسلام في جميع أنحاء العالم،  ويُنظر إلى ذلك على أنه سمة جيدة للدبلوماسية السويسرية. وفي مجال القانون الإنساني الدولي على وجه الخصوص، أظهرت سويسرا التزاما قويا وإيجابيا بوصفها الدولة الراعية لاتفاقيات جنيف. وتشكل المساعي الحميدة لسويسرا – على الرغم من المبالغة في تفسيرها إلى حد ما في النقاش الوطني من حيث أهميتها الحقيقية – عنصرًا مهمًا آخر في ركيزة الأمن المدني. 

وتُوفر عضوية سويسرا غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي طيلة عامي 2023 و2024 فرصة ممتازة لصقل صورة الدبلوماسية الأمنية للبلاد على المستوى العالمي. وتقدم اثنتان من الأولويات الأربع التي اعتمدتها الحكومة لولايتها الأولى في المجلس – بناء السلام المستدام وحماية المدنيين – الدليل على صحة هذا الادعاء. ومع ذلك، وعلى خلفية هذه الاستراتيجية المزدوجة (التسلح العسكري هنا، والمشاركة في سياسة السلام هناك)، سيكون من المنطقي تماما التأكيد على التزام سويسرا بقوة أكبر في مجال نزع السلاح. ومن الخطوات البارزة التي ينبغي أن تتخذها الكنفدرالية في هذا المجال التصديق أخيرا على معاهدة حظر الأسلحة النووية (اختصارا بالانجليزية: TPNW). 

 حتى لو نأت القوى النووية بنفسها عن هذه المعاهدة – يجب وضع أهميتها السياسية العالمية في نصابها الصحيح – فقد وقعت ما لا يقل عن 92 دولة على المعاهدة حتى الآن، وصدقت عليها 68 دولة.

إن تهديد روسيا الصارخ باستخدام الأسلحة النووية في ظل شروط محددة في سياق الحرب في أوكرانيا قد ذكّر العالم بمدى هشاشة السلام النووي. وسيكون من الضروري لسويسرا أن ترسل للعالم رسالة مزدوجة مفادها أن سويسرا بقدر ما ترغب في الحصول على الطائرات المقاتلة من طراز أف – 35 فهي تنبذ الأسلحة النووية. 

أخيرًا، يجب التذكير هنا بمثال نيوزيلندا: فقد صدقت البلاد على معاهدة حظر الأسلحة النووية (TPNW)، وهي تؤكد بذلك بشدة التزامها تجاه الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، تعتمد على قدرة دفاعية قوية بالتحالف مع أستراليا المُجاورة وكذلك مع حلف شمال الأطلسي.

تحرير: مارك لوتنينغير وجيرالدين وونغ ساك هُوي

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية