قفزة كبرى أخرى إلى الأمام من أجل التنمية
خلال شهر سبتمبر الجاري، سيُـحقق العالم إنجازاً تاريخياً في جهود التنمية العالمية، حيث ستتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة، وهي مجموعة طَـموحة من الأهداف العالمية التي يُنتَظَر أن تعمل على تحسين حياة الملايين من البشر بحلول عام 2030.
بقلم: خافيير سولانا – مدريد
الواقع، أن تأسيس أهداف التنمية المستدامة في الذكرى السنوية السبعين لتأسيس الأمم المتحدةرابط خارجي، أمر ملائم تماما. فبرغم أن سجِل الأمم المتحدة في العقود السّبع الماضية لم يكن مِثاليا، حيث اشتمل على العديد من الإستجابات غير الكافية، فإن نجاحها في إشراك العالم في السّعي وراء تحقيق أكثر الأهداف المشتركة نقاء، مثل هدف التنمية، كان مُبهِـرا.
في عام 2000، تبنّت الأمم المتحدة أجندة التنمية التي ارتكزت على ما يُسمّى الأهداف الإنمائية للألفية، واسترشدت بمبدإٍ مفادُه أنه لا ينبغي لأحد أن يضطر إلى المُعاناة من عواقب الفقر المُدقع. في ذلك الوقت، كانت قِلّة قليلة من الناس يعتقدون أن هذه الأهداف يُمكن تحقيقها بحلول عام 2015. ولكن، برغم أن الفقر لم يُستأصَـل بعدُ، فقد تحقق قدر كبير من التقدّم ــ وبعض الإنتصارات الكبرى.
منذ عام 1990 (السنة المرجِعية لقياس التحسن)، انخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع (أي على أقل من دولار وربع الدولار في اليوم) بنسبة 33%، من 1.9 مليار شخص إلى 836 مليار شخص على مستوى العالم، مع حدوث أغلب هذا التقدّم بعد دخول الأهداف الإنمائية للألفية حيِّز التنفيذ. وارتفع عدد الأشخاص القادرين على الوصول إلى مياه الشرب الآمنة بنسبة 15%، لكي يبلغ 1.9 مليار شخص. وانخفض معدّل الوفيات بين الأطفال الرضّع بأكثر من النصف، وانخفض معدّل الوفيات بين الأمّهات بنسبة 45%.
وعلى نحو مماثل، ارتفعت معدّلات الإلتحاق بالمدارس الابتدائية من 83% إلى 91% منذ عام 2000. وانخفض عدد الإصابات الجديدة بعدوى فيروس نقص المناعة المكتسب(إيدز/سيدا) بنحو 40%. كما ارتفعت مساعدات التنمية الرسمية من البلدان المتقدِّمة بنسبة 66%.
بُعد جديد اسمه “الإستدامة”
الواقع، أن هذه الأرقام تُشير إلى إمكانية تحقيق تغييرات كبيرة بالإستعانة بأهداف محدّدة بشكل جيّد مع العمل الحقيقي. وكانت هذه الفِكرة مفيدة للغاية في تصميم أجندة التنمية لمرحلة ما بعد 2015. وتبنى أهداف التنمية المستدامة على نجاحات الأهداف الإنمائية للألفية، في حين تضيف بُعداً جديدا، وهو الإستدامة. الآن يُدرك زعماء العالم أن الجهود المبذولة لتلبية احتياجات التنمية اليوم، لا ينبغي لها أن تعرِّض آفاق أجيال المستقبل للخطر.
سلسلة “وجهات نظر”
تستضيف swissinfo.ch دوريا بعض المُساهمات الخارجية المختارة. وسوف ننشر بانتظام نصوصا مُختارة لخبراء، وصانعي قرار، ومراقبين متميّزين، لتقديم وجهات نظر تتسم بالعمق والجدّة والطرافة حول سويسرا أو بعض القضايا المثيرة ذات العلاقة بهذا البلد. ويبقى الهدف في نهاية المطاف تفعيل الحوار ومزيد إثراء النقاش العام.
إن بُعد الاستدامة يجلب معه نظْرة عالمية كانت غائبة عن الأهداف الإنمائية للألفية. فالبلدان المتقدمة لم تعُد مجرّد جهات تعمل على تمكين التقدم، فتخصص نسبة من ناتجها المحلي الإجمالي لدعم جهود البلدان النامية الرامية إلى الحدّ من الفقر وتحسين الصحة ورفع مستويات المعيشة، بل يتعيّن عليها أن تكون مُشارِكة مُلتزمة ونشِطة في الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف المتّفق عليها، وفي بعض الحالات يتعيّن عليها أن تعمل حتى على تعديل سياساتها المحلية.
وبهذا المعنى، فإن أهداف التنمية المستدامة تعكِس بشكلٍ أكثر وضوحاً إيمان الأمم المتحدة بأننا جميعاً مواطنون عالميون. ويكمُن هذا الإيمان الرّاسخ وراء تأسيس القانون الإنساني الدولي والمحاكم فوْق الوطنية التي تتصدّى لانتهاكات هذا القانون. كما أسّس لتبنّي مبدأ “المسؤولية عن الحماية”، الذي يُطالب المجتمع الدولي بالدفاع عن شعب أي دولة ضدّ جرائم الفظائع الجماعية، عندما تفشل حكومة هذا الشعب في القيام بالمهمة.
إن الأمر يتعلّق بالكرامة الشخصية. فأنت أياً كانت هويتك أو مكان مولدك، لابد أن تتمتّع بحق أساسي يتمثل في حمايتك من الجرائم الوحشية، مثل الإبادة الجماعية أو المُعاناة بلا داع من الفقر المدقع. وأجيال المستقبل أيضاً تستحِق الكرامة الشخصية، بما في ذلك تلك التي تتيحها البيئة النظيفة الصحية. وقد أكَّد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على الكرامة الشخصية في المناقشات التي أدّت إلى اعتماد أهداف التنمية المستدامة، حتى أنه طلب من البابا فرانسيس إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الشأن في اجتماعها التالي.
آليات للتقييم والمساءلة
إذن، ما الذي تحمله لنا أجندة التنمية التالية على وجه التحديد؟ تحتوي الأجندة التمهيدية، والتي تم التوصّل إلى الإتفاق عليها في بداية شهر أغسطس 2015، على سبعة عشر هدفا ــ بما في ذلك إنهاء الفقر بكافة أشكاله وتحقيق الأمن الغذائي وتشجيع الزراعة المستدامة وتوفير التعليم العالي الجودة للجميع وضمان القدرة على الوصول إلى الطاقة والمياه النظيفة، وتبني تدابير عاجلة لمكافحة تغير المناخ ــ ويدعم هذه الأهداف 169 مقصداً فرعيا.
المزيد
أهداف الألفية وما بعدها
وسيتطلب تحقيق هذه الأجندة الطموحة، وجود آليات تقييم واقعية وفعّالة للمساعدة في الكشف عن أفضل السياسات وإبقاء الجهود التي تبذلها الدول على المسار الصحيح. ووِفقاً للأجندة التمهيدية، فسوف يتم توجيه إجراءات الرّصد بواسطة البلدان كلّ على حِدة، حتى يتسنّى لكل حكومة تكييفها وِفقاً لأولوياتها الوطنية.
بيْد أن الأمر متروك للمجتمع الدولي لضمان وضع أهداف ومواعيد نهاية محدّدة لتلبية هذه الأهداف من قِبَل كل الحكومات. ففي غياب آليات المساءلة القوية، لن ترقى أهداف التنمية المستدامة إلى ما يزيد عن ممارسة في رفع الوعْي، وبالتالي، إخضاع الصحة والكرامة ورخاء البشرية للمصالح الوطنية الضيقة القصيرة الأمد. وتقدّم قمة أهداف التنمية المستدامة المقبلة، والتي ستجمع بين أكبر تركيز من رؤساء الدول والحكومات في تاريخ الأمم المتحدة، الفرصة المثالية لإنشاء مثل هذه الآليات. الحق، أن أهداف التنمية المستدامة شديدة الطموح، ولكن بالإلتزام المتواصل من قِبَل كل البلدان، التقدمة والنامية على حدٍّ سواء، يستطيع العالم أن يضمن الإحتفال بقفزة أخرى كبرى إلى الأمام في عام 2030.
(سبق أن نُشر هذا المقال في موقع بروجيكت سينديكيترابط خارجي).
الأفكار الواردة في هذا المقال لا تعبّر سوى عن آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر swissinfo.ch. أما العناوين الفرعية فقد تمت إضافتها من طرف swissinfo.ch
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.