تدابير يائسة في أوقات عصيبة نتيجة تأثير الفيروس على مدينة جنيف الدولية
تعتبر مدينة جنيف في الخطوط الأمامية للاضطراب الناجم عن فيروس كورونا المستجد. فبعد أن تم إلغاء معرض السيارات السنوي فيها، ماتزال قائمة المؤتمرات والاجتماعات التي تم إلغاؤها أو تأجيلها في هذه المدينة السويسرية الأكثر دولية، آخذة في التوسع.
وفي حين أن أعداد المصابين في مدينة جنيف بفيروس كورونا لا تزال منخفضة نسبياً – هناك العشرات من الحالات المؤكدة، دون تسجيل وفيات إلى حين كتابة هذا التقرير – فإن الآثار المترتبة لانتشار هذا الفيروس على الأنشطة في هذه المدينة الدولية، هي آثار لا يستهان بها، حيث تعتبر هذه المدينة مركزا للحوكمة العالمية وأكبر مركز عالمي للمؤتمرات الدولية.
ويعتبر معرض السياراترابط خارجي (600000 زائر)، ومعرض الاختراعاترابط خارجي (50000)، ومهرجان أفلام حقوق الإنسانرابط خارجي (40000) من بين أولى المناسبات المحلية التي لحقتها الخسائر نتيجة تفشي الفيروس في العالم، والذي أدى لاتخاذ إجراءات حظر على المناسبات العامة المهمة في سويسرا. والقائمة تطول؛ فقد تم إلغاء 200 من الأنشطة الجانبية في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وكذلك الأسبوع العالمي لعلوم الدماغ جنيفرابط خارجي. وتم كذلك تأجيل منتدى جنيف للصحةرابط خارجي، ومنتدى القمة العالمية لمجتمع المعلوماترابط خارجي (WSIS)رابط خارجي ، وقمة منظمة العفو الدولية من أجل القمة العالمية الجيدةرابط خارجي بالإضافة إلى اجتماع مجلس إدارة منظمة العمل الدوليةرابط خارجي. والجدير بالذكر أن هذه الأحداث مجتمعة تستقطب الآلاف من الزوار من مختلف أنحاء العالم.
في 10 مارس، أعلن المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو أنه سيتم تعليق جميع الاجتماعات في المنظمة في الفترة من 11 إلى 20 مارس. ويأتي هذا في أعقاب التأكيد على إصابة أحد موظفي أمانة منظمة التجارة العالمية بفيروس كورونا. وفي 12 مارس، قالت منظمة العمل الدولية إنه تم تحديد حالة محتملة في مقرها. ويقيم الموظف في المنزل للتعافي بينما يتم تطهير مناطق المقر الرئيسي.
After confirmation of one #COVID19رابط خارجي case in the WTO staff, the organization is suspending all meetings from tomorrow until 20 March.
— WTO (@wto) March 10, 2020رابط خارجي
More details: https://t.co/BvByNZUN94رابط خارجي pic.twitter.com/OFpyY3vGGwرابط خارجي
ومع أن اجتماعات مؤتمر نزع السلاح والمناقشات العادية للدورة 43 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (24 فبراير – 20 مارس) ظلت مستمرة، إلا أن مجلس حقوق الإنسان وافق يوم 12 مارس الجاري على تعليق أشغال دورته الثالثة والأربعين يوم الجمعة 13 مارس “حتى إشعار آخر”. وفي نفس اليوم، أعلن مؤتمر نزع السلاح عن تأجيل جلستيه العامتين التاليتين المبرمجتيت في مارس. وجاءت القرارات بعد يوم واحد من تشديد سلطات كانتون جنيف إجراءاتها، قائلة إن الاجتماعات العامة في المدينة السويسرية يجب أن تقتصر على 100 شخص.
قصر الأمم
في أروقة قصر الأمم التاريخي، وهو المقر الأوروبي للأمم المتحدة، يبدو العمل مستمراً، إلا أنا الصخب والضجيج المعهودين في هذه الفترة من العام قد غابا ليحل محله قلق واضح تدور رحاه حول الفيروس.
وفي الوقت الذي تم فيه تعليق جولات الجمهور المصحوبة بمرشدين لقصر الأمم المتحدة، تستمر اجتماعات مؤتمر نزع السلاح وكذلك المناقشات المنتظمة للدورة 43 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة – وإن كانت الأخيرة تعقد في قاعة مؤتمرات أكبر بكثير للحفاظ على مسافة كافية بين المشاركين. أما وراء الكواليس، فيسعى المسؤولون في الأمم المتحدة إلى إنشاء خليات لإدارة الأزمات، وللتنسيق مع الأعضاء الآخرين في المنظومة، وإعلامرابط خارجي الموظفين ومنظمي الأحداث بالتطورات المستجدة ومحاولة طمأنتهم، وأيضاً إلى وضع خطط للحالات الطارئة. كما تم توفير زجاجات من المواد المطهرة في صالات الاجتماعات، والإيعاز إلى المنظمين بالحرص على ألا تتعدى فترة جلوس المشاركين في هذه الاجتماعات 15 دقيقة إذا كانت المسافة التي تفصل بين مقاعدهم تقل عن المترين.
“نحن نحاول مواصلة أنشطة الأمم المتحدة الأساسية قدر الإمكان” ، كما يوضح السيد ريال لوبلان ، رئيس الصحافة والعلاقات الخارجية في مكتب الأمم المتحدة في جنيف. “يبذل الجميع جهوداً في اتخاذ ترتيبات بديلة كاستخدام مؤتمرات الفيديو أو الاجتماعات عن بُعد، وإجراء تقييم للمخاطر والعمل بتوصيات السلطات السويسرية ومنظمة الصحة العالمية”.
المزيد
كوفيد – 19: هذا هو الوضع في سويسرا
تقييم المخاطر
ويبدو أن أكبر عشر منظمات دولية في جنيف، اتخذت بدورها تدابير مماثلة وذلك بالتعاون الوثيق مع منظمة الصحة العالمية والسلطات السويسرية. وإضافة إلى تقييم المخاطر، تتضمن هذه التدابير خطوات عملية كإنشاء صفحات إلكترونية توفّر المعلومات عن التدابير الوقائية، وتقدّم التوجيهات والتحديثات حول ترتيبات العمل والسفر وتحدد “المسافة الآمنة بين الأشخاص”. وقد تم التشجيع على استخدام مؤتمرات الفيديو والاجتماعات الافتراضية على نطاق واسع وحيثما أمكن، مع موظفي المكاتب الميدانية الذين يعملون من منازلهم في بعض الأحيان.
وعلى سبيل المثال، قامت لجنة الصليب الأحمر الدولية بتعليق جميع رحلات السفر غير الضرورية حتى تاريخ 15 أبريل من العام الحالي. وقد أثر ذلك سلبياً على جميع الدورات التدريبية وورش العمل والندوات التي تتطلب السفر عبر المطارات الدولية.
“تدابير يائسة”
ألحق قرار إلغاء 200 من الأنشطة الجانبية لمجلس حقوق الإنسان، والتي كانت المنظمات غير الحكومية والدول قد تولت تنظيمها خلال الشهر الجاري، ضرراً بأكثر من 1000 مشارك، كان العديد منهم قد وصل إلى جنيف آتياً من بلدان أخرى. ويصف رولاندو غوميز، المتحدث باسم المجلس، هذا القرار بأنه “تدبير يائس في أوقات عصيبة”.
ويقول أحد نشطاء حقوق الإنسان لـ swissinfo.ch: “إنه قرار مثير للإحباط ولا يصب في مصلحة المنظمات غير الحكومية”. ويضيف: ” إنها الجلسة الأساسية التي تستقطب الكثير من العاملين في الميدان من أجل طرح قضاياهم في جنيف أمام الدول. هذه الفرصة هي ذات أهمية كبيرة بالنسبة لهم، وقد أدى هذا القرار إلى حرمانهم منها”.
لكن غوميز يرى أن القرار كان مدروساً بعناية، ويقول: ” هذا القرار لم يقتصر على تقيم الضرر الذي قد يلحق بالمشاركين في جنيف، بل تعداه إلى أهمية الحد من خطر نقل الفيروس مرة أخرى إلى البلدان التي تعاني من ضعف النظم الصحية”.
ضمان الاستمرارية
في مواجهة تهديد فيروس كورونا، لا تفرض الأمم المتحدة قيوداً للسفر، بل تعوّل عل حس المسؤولية الفردية. وقد يتم الاستعلام من المشاركين في الاجتماعات، القادمين من الدول المعرضة لخطر فيروس كورونا عن خط سير الرحلة إلى جنيف، ولكن لا تؤخذ تدابير لا تسمح لهم بالحضور. ويقول لوبلان إنه قد تم وضع إجراءات وقائية ملائمة، كما أن الهيئة العالمية تبذل قصارى جهدها “للحفاظ على صحة الناس بحسب الظروف المستجدة”، ولكن “ليس لدينا التسهيلات اللازمة لفحص الأشخاص”.
من جانبه، قام الاتحاد الدولي للاتصالاترابط خارجي (ITU)رابط خارجي بتأجيل اجتماعيه الكبيرين القادمين – منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات (WSIS)، والقمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق الصالح العام – إلى وقت لاحق من العام. وتم إبلاغ زوار الاتحاد الدولي للاتصالات من البلدان المتأثرة بالفيروس، كما أي شخص قام، قبل حضور اجتماع الاتحاد الدولي للاتصالات، وخلال الأسبوعين الماضيين، بزيارة إحدى المناطق المتأثرة، بأنه سيتم التحقق من درجة حرارته وأنه من الممكن أن يستبعد. وسيتعين إذن على جميع المندوبين تقديم معلومات عن الأماكن التي تمت زيارتها للمساعدة في تتبع فيروس كوفيد-19.
ورداً على سؤال حول الأثر العام للفيروس على مدينة جنيف الدولية، قالت باولا سيريسيتي، المتحدثة باسم البعثة السويسرية لدى الأمم المتحدة في جنيف، إن المنظمات الدولية تعمل على “ضمان استمرارية العمل” في المدينة، مع تنفيذ تدابير لحماية صحة الموظفين.
وأضافت “بشكل عام، ووفقاً لتوصيات الأمين العام للأمم المتحدة، تُعقد اجتماعات مع الموظفين والدبلوماسيين المقيمين في جنيف، مما يجعل سفر ووصول الوفود من العواصم الأجنبية إلى جنيف يقتصر على الضرورة القصوى”.
ماذا تقول السلطات السويسرية
في أعقاب انتشار فيروس كورونا في أوروبا، فرضت سويسرا في 28 من شهر فبراير المنصرم حظراً على المناسبات العامة والخاصة التي تجمع أكثر من 1000 شخص في نفس المكان وذلك حتى تاريخ 15 من شهر مارس الحالي على الأقل.
وتُعتبر سلطات كانتون جنيفرابط خارجي، ولا سيما الخدمة الطبية في الكانتون، مرجعية اتصال أساسية للمنظمات الدولية، حيث تعطي هذه المرجعية الأجوبة المناسبة، على العديد من الطلبات المتقدمة من قبَل المهتمين بإمكانية عقد أو إلغاء التجمعات التي يقل عدد جمهورها عن 1000 شخص.
وتصر السلطات المعنية على أن مثل هذه التجمعات ليست محظورة ولا تتطلب أي إذن مسبق. ويؤكد لوران باوليلو، مدير التعاون والاتصال في إدارة الأمن والتوظيف والصحة في جنيف، أن قرار الإبقاء على التجمّعات المتعلّقة بالمناسبات الصغيرة أو إلغائها، يعود بصورة حصرية، إلى الجهات المنظّمة لهذه التجمّعات..
وفي هذه الحالة، ينبغي على المنظمين إجراء تقييم مناسب للمخاطر، وإذا أبقوا على الحدث الخاص بهم، فيجب عليهم عندئذ، اتخاذ تدابير وقائيةرابط خارجي للحد من مخاطر انتقال العدوى. من هذه التدابير، الطلب من الأشخاص المعرضين للخطر أو أولئك الذين سافروا إلى المناطق “المعرضة للخطر” (الصين وإيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية وسنغافورة وفرنسا وألمانيا) في الأيام الـ 15 السابقة للحدث، بعدم المشاركة، بالإضافة إلى توفير معلومات للمشاركين، حول تدابير الحماية ضد العدوى، وضمان القدرة على تعقب أمكنة تواجدهم ومسارهم.
ويقول باوليلو إن الحظر السويسري الحالي قائم حتى تاريخ 15 مارس الحالي، ولكن تمهيداً للمستقبل، تم وسيتم إلغاء كل النشاطات والمناسبات الصيفية. وصرح قائلاً: “من البديهي أن أية مناسبة لن تستحق عناء تنظيمها، إذا كنا نعلم أن الجمهور لن يشارك بها، لعدم شعوره بالاطمئنان”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.