“مؤشر الديمقراطية” يحذر من تصاعد النزعة الاستبدادية حول العالم
لا يخشى الجيل الجديد من الحكام الديكتاتوريين الانتخابات ولا مشاركة المواطنين في الحياة العامة، لكنهم نسوا رغبة الناس في الحرية، حسب مؤشر الديمقراطية حول العالم لعام 2022 المنشور يوم 30 نوفمبر 2022.
في نهاية الأسبوع الماضي، كانت مدينة شانغهاي الصينية مسرحًا للاحتجاجات التي دعت إلى إلغاء إجراءات “سياسة صفر كوفيد” الصارمة، وفي كثير من الحالات إلى مزيد من الحرية. وسرعان ما انتشرت المظاهرات في المدن الرئيسية في الصين – بكين وووهان – بالإضافة إلى أكثر من خمسين جامعة. ولا زالت الحركة الاحتجاجية مستمرة.
وفي إيران، تهز مظاهرات شعبية مناطق شتى في الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من شهرين، بعد مقتل شابة في مركز للشرطة. وفي بودابست، دعا المعلمون والطلاب وأولياء الأمور إلى العصيان المدني في نهاية الأسبوع الماضي ضد حكومة فيكتور أوربان القومية وإلى إنشاء سلسلة بشرية بطول عشر كيلومترات.
المستبدون في صعود
في هذا السياق، قال ألكسندر هدسون، المتخصص في تقييم الديمقراطية في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية وأحد المشاركين في تأليف تقرير مؤشر الديمقراطية حول العالم لعام 2022رابط خارجي: “هذه ردود فعل رائعة حقًا ويُمكن أن تساهم في (حدوث) تطورات إيجابية”.
لكن هذه المظاهرات الأخيرة لا يُمكن أن تخفي حقيقة أن الحكام المستبدين قد زادوا بشكل كبير على المستوى العالمي، وفقًا للتقرير.
منظمة انترناشونال أيديا (International IDEAرابط خارجي) هي وكالة دولية حكومية لدعم الديمقراطية تتخذ من العاصمة السويدية ستوكهولم مقرا لها وتقوم بنشر تقريرها السنوي عن حالة الديمقراطية العالمية منذ عام 2017. ويحلل التقرير كيف تسير الدول فيما يتعلق بدعم المبادئ الديمقراطية، بما في ذلك قياس عوامل معينة مثل الرفاهية الأساسية وغياب الفساد والمساواة الاجتماعية.
وفقًا لآخر تقرير سنوي صادر عنها، أصبح عدد الدول أكثر استبدادًا بمقدار الضعف في عام 2021 مقارنةً بتلك التي أصبحت أكثر ديمقراطية. ويضيف هدسون: “لقد زاد قمع الأنظمة الاستبدادية، حيث كانت سنة 2021 العام الأسوأ على الإطلاق”.
انتكاسة تُعيد العالم إلى عام 1990
تظهر الإحصائيات أن العالم قد عاد إلى ما كان عليه في نهاية الحرب الباردة، مع عدد مماثل تقريبًا من الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية مثل عام 1990، فمن بين 173 دولة تم تحليل أوضاعها في التقرير، يمكن تصنيف 104 دولة على أنها ديمقراطية.
أربعة عشر من هذه البلدان أصبحت أكثر ديمقراطية في عام 2021 مقارنة بالعام السابق، في حين أن 48 دولة أصبحت أقل ديمقراطية. ومن بين 69 نظامًا استبداديًا شملهم الاستطلاع، أصبح أكثر من نصفهم أكثر قمعية في عام 2021.
ولكن في حين أن عدد الدول الديمقراطية مقابل الأنظمة الاستبدادية هو نفسه تقريبًا كما كان في تسعينيات القرن الماضي، فقد تمكن القادة الديكتاتوريون من التكيّف مع عالم رقمي يتخطى الحدود الوطنية. فقبل شن روسيا الحرب ضد جارتها أوكرانيا وإلغاء ما تبقى من الحرية في روسيا، طوّر الرئيس فلاديمير بوتين علامته التجارية الخاصة مما يُمكن تسميته بـ “الاستبداد الانتخابي”، وهو نظام يُجري انتخابات منتظمة ولكنها غير حرة وغير نزيهة. في غضون ذلك، أعلن الرئيس المجري فيكنور أوربان في عام 2014 عن إنشاء “ديمقراطية غير ليبرالية”، مستشهداً بتركيا وروسيا كمثالين.
ويقول هدسون: “لقد أصبحت وسائل القمع بالتأكيد أكثر إبداعًا”، ويستدرك مضيفا: “لكن الأنظمة الاستبدادية في الوقت نفسه أكثر عرضة للخطأ. أما أخطاؤها فهي تستغرق وقتًا طويلاً لإصلاحها، كما يُمكننا أن نرى حاليًا في حرب بوتين”.
116 نسخة من الديمقراطية
إضافة إلى ما سبق، يقدم التقرير شيئاً من بصيص الأمل، فمع اندلاع الاحتجاجات في عدد من الدول الاستبدادية، سجلت عدة دول حول العالم ارتفاعا في مؤشرها المقياسي الديمقراطي في تقرير هذا العام، على غرار غامبيا وسريلانكا وتشيلي ومولدوفا.
في الوقت نفسه، ظلت بلدان أخرى، مثل سويسرا والدول الاسكندنافية، مستقرة في جميع المتغيّرات (وعددها 116) التي انكب مؤلفو التقرير على تحليلها. وبالتالي، فإن هذه البلدان تمس بوضوح آثارًا طويلة المدى فيما يتعلق بالسلام ومراكمة الثروة وخلق الرفاهية.
تقول جيادا جانولا ، المحاضرة في العلوم السياسية بجامعة برن: “الديمقراطية السويسرية تعمل بشكل جيّد. لقد شهدنا أيضًا تحسينات في مجالات مختلفة (من الديمقراطية) في السنوات العشر الماضية، بما في ذلك تطبيق قواعد الشفافية الجديدة الأحزاب السياسية أو تمثيل أكثر مساواة لكل من النساء والرجال في البرلمان”. وفي إشارة إلى مقياس الديمقراطيةرابط خارجي، وهو مشروع مشترك سويسري – ألماني لقياس الديمقراطية يرصد التغييرات الصغيرة في مسار دمقرطة بلد ما لفتت جانولا إلى أنه سجّل – على الرغم من الخطوات الإيجابية المُشار إليها – تطورات سلبية، على غرار المواقف المتسمة بقدر أكبر من الاستقطاب بين الأحزاب السياسية وبين الناخبين أنفسهم.
ماذا بعد؟
يصف تقرير مؤشر الديمقراطية حول العالم لعام 2022 الوضع الحالي للديمقراطية بأنه عند مفترق طرق تاريخي. وجاء فيه: “بالنظر إلى الاتجاهات الحالية، تتعرض الديمقراطيات لضغوط قوية. ولحسن الحظ، فإن الجهود جارية بالفعل لتعزيز الهياكل الديمقراطية”.
ويقول هدسون إن هذه الجهود تشمل كل شيء بدءًا من السماح بالاحتجاجات وحتى المؤسسات الانتخابية القوية التي أقامت الدليل على فعاليتها، كما ثبت مؤخرًا في كينيا والبرازيل، اللتان أنجزتا انتخابات عامة سلمية بشكل عام سنة 2022. ويضيف هدسون بأنه نظرًا لأن الحكام المستبدين يُعيدون اكتشاف أنفسهم، يحتاج الديمقراطيون أيضًا إلى أن يكونوا مُبدعين على حد سواء وذلك عبر تعزيز وحماية المؤسسات القائمة و “إضفاء الطابع الديمقراطي على الديمقراطية نفسها” على جميع المستويات السياسية (محليا وإقليميا ووطنيا).
ترجمة: مي المهدي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.