كيف يستنير العلم والدبلوماسية ببعضهما البعض
كانت إمكانات الحوسبة الكمومية أحد محاور مؤتمر قمة عُقدت مؤخرا في جنيف وهدفت إلى تحسين الحوار بين الدبلوماسيين والأوساط العلمية من أجل "حماية رفاهيتنا الجماعية". في التقرير التالي، يشرح باحثان مزايا الحوسبة الكمومية ومخاطرها المحتملة.
خلال الاجتماع الذي ضم علماء ودبلوماسيون ورجال صناعة ومستثمرون في جنيف في إطار أول قمة على الإطلاق لـ “مؤسسة جنيف الرائدة للعلوم والديبلوماسيةرابط خارجي” (يشار إليها اختصاراً بـ GESDA)، دار النقاش حول مسائل شتى من أبرزها كيف ينبغي لمُقرري السياسات الاستعداد للحوسبة الكمومية وتوفير الحوكمة لها وضمان أن تكون في متناول الجميع. ولكن لسائل أن يسأل: ما هي الحواسيب الكمومية؟ وما سيكون بمقدورها أن تفعل؟
تُجري الحواسيب الكمومية عمليات حسابية باستخدام خصائص ميكانيكيا الكمّ التي تصف سلوك الذرات والجسيمات في المستوى دون الذري، كدراسة كيفية تفاعل الإلكترونات مع بعضها البعض على سبيل المثال. وبما أن الحواسيب الكمومية تعمل وفق مجموعة القواعد نفسها التي تعمل بها الجُزيئات، فهي بذلك أقدر على مُحاكاة الجزيئات من الحواسيب التقليدية.
رغم التطورات المهمة، لا زالت الحواسيب الكمومية صغيرة ولا يُمكن التعويل عليها في الوقت الحاضر. فهي ليست قادرة بعدُ على حل المشاكل التي تعجز الحواسيب التقليدية على حلها.
في هذا الصدد، يقول نيكولا جيزان، الأستاذ الفخري في جامعة جنيف وفي معهد شافهاوزن للتكنولوجيا والخبير في التكنولوجيا الكمية: “لا يزال هناك بعض الريبة، لكنني لا أرى أيّ سبب يحول دون القدرة على تطوير حاسوب كمومي من هذا النوع، على الرغم من أن ذلك يشكل تحديا هندسيا هائلا”.
في الواقع، يُمكن أن تساعد الحواسيب الكمومية على حل بعض أكثر المشاكل إلحاحاً في العالم. إذ بإمكانها أن تسرّع اكتشاف المواد اللازمة لصنع بطاريات تدوم لفترة أطول وألواح شمسية أفضل وابتكار علاجات طبية جديدة. وبالإضافة إلى ذلك، من شأن الحواسيب الكمومية أن تخترق أساليب التشفير الحالية، مما يعني أن المعلومات الآمنة اليوم قد تصبح مهددة بالنكشاف في قادم الأيام.
وبالنسبة للشركات الخاصة، فإن الفوز بالسباق لتطوير حواسيب كمومية موثوقة وقوية يعني جني فوائد اقتصادية كبيرة. وبالنسبة للدول، فإن ذلك يعني تحقيق منفعة كبيرة فيما يتعلق بالأمن القومي.
ويقول جيزان إن الحواسيب الكمومية القادرة على مُحاكاة جزيئات جديدة يمكن أن تُبتكر بعد فترة تتراوح بين خمسة وعشرة أعوام، في حين أن الحواسيب الكمومية الأكثر قوة التي يُمكنها فك التشفير قد تصبح أمراً واقعاً خلال فترة تتراوح بين عشرة وعشرين عاماً.
على أية حال، سوف تتوقف وتيرة تطور هذه التكنولوجيا على مستوى رؤوس الأموال المستَثمَرة فيها. فشركات التكنولوجيا الكبرى مثل آي بي إم ومايكروسوفت وغوغل تعمل كل منها على تطوير حواسيب كمومية، في حين تستثمر الولايات المتحدة والصين وأوروبا بكثافة في التكنولوجيا الكمّيّة.
في السياق، يقول هايك ريل، وهو عضو باحث في مركز أبحاث آي بي أم في زيورخ، إن توقع وصول هذه التكنولوجيا أمر مهم، “لأنك تراهن على سيناريوهات مختلفة، وبعضها قد يعجبك، والبعض الآخر قد لا يعجبك”، وأضاف “بعدها يمكنك أيضا التفكير في نوع النظم التي قد تحتاج إليها، أو نوع البحث الذي ينبغي أن تتبناه”.
عقدت مؤسسة جنيف الرائدة للعلوم والدبلوماسية (يُشار إليها اختصارا بـ GESDA)، المدعومة من قبل الحكومة السويسرية وسلطات جنيف، أول قمة لهارابط خارجي في جنيف من 7 إلى 9 أكتوبر 2021. وجمع المؤتمر كوكبة من العلماء والدبلوماسيين وأطرافا معنية ناقشوا التطورات العلمية المستقبلية استباقا لتأثيراتها المتوقعة على المجتمعات البشرية.
الدبلوماسية في خدمة العلم
يحتاج العلماء إلى أطر عمل ملائمة كي يعملوا على نحو جيّد. ويقول ريل: “يوجد بالتأكيد علاقة تبادل بين العلم والدبلوماسية، وبين العلم والسياسة لأن الدبلوماسية تستطيع أيضاً إسداء المشورة إلى العلم”.
وتقع على عاتق السياسيين والدبلوماسيين مسؤولية توفير الفرص للباحثين بغية التعاون عبر الحدود. وتؤثر المبادرات والتمويل الرامي إلى معالجة مشاكل تقنية معينة على اتجاه جهود البحث.
ويقول جيزان: “إنه لأمر عبثي للجميع أن تكون سويسرا خارج إطار البحث الأوروبي لأن ذلك سيُلحق الضرر تماما بكل من سويسرا وأوروبا على حد سواء. وسيكون من المهم حقا أن تفهم أوروبا وسويسرا أننا إذا تحاورنا معا أكثر وحققنا تعاونا أكبر، سيعود ذلك علينا جميعا بالنفع”.
ومنذ يوليو 2021، أصبح لدى سويسرا إمكانية وصول محدودة إلى برنامج هورايزن أوروبا (Horizon Europe)، وهو برنامج الاتحاد الأوروبي الرائد لتمويل أعمال البحث والابتكار، وذلك بسبب فشل المفاوضات الجارية بين برن وبروكسل بشأن إطار مؤسساتي يُنظم العلاقات الثنائية.
العلم في خدمة الدبلوماسية
إن العديد من مشاكل البشرية اليوم مثل تغير المناخ أو جائحة كوفيد -19 كونية بطبيعتها. وليس من السهل إقناع الحكومات في جميع أنحاء العالم بالموافقة على العمل معاً لإيجاد حلول، ولكن الباحثين قادرون على المساعدة في ذلك.
ويقول ريل مشدداً على أهمية التواصل في هذا المجال: “تحب الأوساط البحثية أن تعمل معاً على الصعيد العالمي، وقد ساعد هذا التعاون تاريخياً على تخطي بعض الحواجز”.
وأفضى تضافر جهود الباحثين على نطاق عالمي خلال الجائحة إلى تطوير اللقاحات بسرعة قياسية. وخلال الحرب الباردة، كان العلماء السوفيات يُشاركون في المشاريع البحثية في إطار المنظمة الأوروبية للبحوث النووية (سيرن CERN) في جنيف، مما سمح باستمرار التواصل إلى حد ما.
ويقول ريل: “لدينا أرضيّة مشتركة في العلم وهي نوعا ما عالمية. فالعلماء في الولايات المتحدة وكندا واستراليا وأوروبا والصين يعملون جميعاً على حل المشاكل نفسها، وجميعهم يحاولون معالجة المسائل التقنية نفسها”.
تنوير مقررو السياسات
إضافة إلى ذلك، يؤدي العلماء دوراً هاماً في تزويد أصحاب القرار وواضعي السياسات بالمعلومات وتبادل الحقائق معهم ومع الجمهور على حد سواء، حتى وإن لو يكن بمقدور السياسيين الاعتماد فقط على الأدلة العلمية عند اتخاذ القرارات. وبالفعل، تجلت بوضوح التحديات المتمثلة في نقل الأدلة القائمة على الحقائق أثناء الجائحة.
ويقول ريل: “أعتقد أنه من المهم جداً أن نُعلم المجتمع أيضاً بما نقوم به كي لا تبقى الأمور لغزاً يُخيف الناس”.
وفي نهاية المطاف، سيتعيّن على العلماء والدبلوماسيين والسياسيين العمل معاً من أجل التصدي بنجاح للتحديات العالمية. ويضيف ريل: “إنه بالفعل تعاون بين العلماء والديبلوماسيين من خلال تفاعلهم على الصعيد العالمي كي يحلوا المشاكل سوية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.