أوكرانيا: حربٌ حتى النَصر أم تنازلاتٌ مقابل السلام؟
هل يساهم الدعم العسكري الأوروبي الواسع لأوكرانيا في إنهاء الحرب، وما هي فرص الدبلوماسية لتحقيق عملية سلام أو البدء بها حتى؟ SWI swissinfo سألت خبيرين أوكرانيين في منتدى بازل للسلام عن رأيهما حول هذا الموضوع.
تتابع الباحثة يوليا ميريموفا دراستها في قسم “النوع الاجتماعي، والحرب والأمن” في جامعة بازل، حيث تدرس دور المرأة في الحرب الأوكرانية. وفي الحديث الذي أجرته مؤخراً مع مقاتلات أوكرانيات، أكدت لها جميع النساء رَغبتهنّ في السلام، كما تقول الخبيرة في العلوم السياسية على هامش منتدى بازل للسلام السويسري الذي عُقِدَ في مدينة بازل السويسرية. لكنها عندما سألتهُنَّ عما يعنيه السلام بالنسبة لهُنّ، اختصرت إجابتهن على كلمة واحدة فقط هي: “النصر”.
بالنسبة لميريموفا، فإن للسلام شروط مُسبقة أخرى، فتحقيق العدالة ومحاسبة المعتدي الروسي شروط لا غنى عنها لإحلال السلام الدائم. وأي تسويات لا تشمل هذه المبادئ ستؤدي إلى أن الصراع لن يُحَل ولكنه سيؤَجَل فقط. “الصراع المُجَمَّد هو حَل مُجَمَّد”. وتؤكد يوليا على ضرورة عدم تكرار السيناريو القائم في مولدوفا وجورجيا، وكلاهما من الجمهوريات السوفيتية السابقة غير المستقرة.
ميريموفا مقتنعة أيضا تماماً بأهمية مطالبة أوكرانيا بالحق في تقرير موعد العودة إلى طاولة المفاوضات بنفسها. “وهذا لا يمكن أن يحدث ما لم يكن موقفها التفاوضي أقوى من موقف الطرف المعتدي”، كما تقول. ولتحقيق ذلك، فإن كييف تحتاج إلى الدعم العسكري الكامل من أوروبا.
أوروبا المنقسمة
لكن هذه المساعدات العسكرية غير المُقيدة بالتحديد مثار جدل في أوروبا. فقد أظهر استطلاع رأيرابط خارجي، أجري في شهر سبتمبر الماضي، تأييد غالبية السكان في سبع دول أوروبية لمسألة تسليم الاتحاد الأوروبي للأسلحة إلى أوكرانيا. مع ذلك، كانت هذه الأغلبية ضئيلة ولم تَزِد عن 55% فقط. وفي بلدان أخرى مثل إيطاليا، أيَّدَت نسبة (39%) فقط هذا الإجراء. كما كشف استطلاع رابط خارجيآخر أجري في شهر نوفمبر، تأييد 30% فقط من الإيطاليين الذين شملهم الاستطلاع تسليم بلادهم الأسلحة إلى أوكرانيا، مقارنة بنسبة 48% في ألمانيا.
هذا الاتجاه ينعكس أيضا في السياسة الخارجية لبعض البلدان، حيث ترددت ألمانيا لفترة طويلة في تسليم دبابات قتالية من طراز “ليوبارد 2” (Leopard 2) إلى أوكرانيا خشية أن تُصبح طَرَفا في الحرب. كما تخشى بعض الأطراف في ألمانيا من أن خطوة كهذه قد تؤدي إلى إضعاف قدرتها الدفاعية أو إلى تصعيد نووي حتى.
المزيد
من جانبه، يتفهم ماكسيم ياكوفلييفرابط خارجي، رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة الوطنية “أكاديمية كييف موهيلا” مخاوف الأوروبيين من الانجِرار إلى حرب طويلة الأمد تسفر عن تكاليف إنسانية وعسكرية باهضة.
مع ذلك، يرى الباحث والمحلل السياسي أيضا أن الدعم العسكري لأوكرانيا ضد روسيا هو السبيل الوحيد لإحلال السلام، وإلّا سيتم إرسال إشارة خاطئة إلى جميع الطغاة في العالم. ويخلص ياكوفلييف إلى القول: “إذا لم تقف أوروبا في وجه المعتدين الروس، فإن الثمن سيكون أعلى لاحقاً”.
أوروبا الموحدة
وبحسب ياكوفلييف، فإن جيران روسيا المُباشرين هم الأكثر إدراكا لهذه الحقيقة. ويشير ياكوفلييف إلى تقديم الدنمارك وبولندا مساعدات عسكرية إلى كييف على الرغم من ندرة مواردها، لأن وقف العدوان الروسي يصب في مصلحتهما الخاصة أيضاً -. ويضيف: “كانت فنلندا دولة محايدة لفترة طويلة، لكنها اليوم واحدة من أكبر المؤيدين لأوكرانيا، لأنها عانت من بطش الاحتلال الروسي نفسه”. كما يُذَكِّر بتقديم دول محايدة مثل فنلندا والسويد طلباً رسمياً للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن كل هذا الدعم يبقى مُجرد قطرة في المحيط، على حد قوله.
في ذات السياق، قال فولفجانج إيشينغَررابط خارجي، الرئيس السابق لمؤتمر ميونيخ للأمن مؤخرا في مقابلة مع صحيفة “فيلت أم زونتاغ” (Welt am Sonntag) الألمانية الصادرة يوم الأحد، أن كمية الذخيرة التي تطلقها أوكرانيا في يوم واحد، تعادل الكمية التي تنتجها ألمانيا في ستة أشهر. هذا التصريح يضع الأمور في نصابها: أوروبا مُطالَبة بالعمل كَيَدٍ واحدة.
لقد أدركَت أوروبا الآن أن سياسة النأي بالنفس لم تعُد مُمكنة
يوليا ميريموفا
بالنسبة للباحثة في النوع الاجتماعي ميريموفا، من الواضح أن أوروبا قد غَضَّت الطرف لفترة طويلة جدا. وهي تُذَكِّر بمشاركة الدول الأوروبية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي عام 2014، أثناء الهجوم الروسي على أوكرانيا واحتلاله لشبه جزيرة القرم. وكما تقول: “بعد مرور ثماني سنوات، ها هي روسيا تشن حربا أخرى. لقد كان هذا متوقعا، لكن أوروبا أدركت الآن أن سياسة النأي بالنفس لم تعُد مُمكنة، حتى عندما يتعلق الأمر بتحقيق الاستقلال الاستراتيجي في مجال الطاقة والأمن. إنها المرة الأولى التي تقف فيها أوروبا متحدة بهذا الشكل منذ الحرب العالمية الثانية”.
سويسرا تتفاوض بشأن حيادها
وفقاً لماكسيم ياكوفلييف فإن الدَعم السويسري لإوكرانيا مهم أيضا. وبرأيه، فإن “أي تأخير في تقديم المساعدة العسكرية يُطيل أمد الحرب، ولا يستنزف روسيا فحسب بل أوكرانيا أيضاً”. ويطالب ياكوفلييف بسماح الكنفدرالية بتصدير أسلحة مصنوعة في سويسرا من دول ثالثة سبق أن اشترتها منها إلى أوكرانيا، كما يقول أنه يتعين عليها “مُصادرة أموال الأثرياء الروس المُقربين من بوتين والإفراج عنها لإعادة إعمار القرى والبنُى التحتية الأوكرانية المُدمرة”.
في غضون ذلك، تُبذَل الجهود بالفعل في سويسرا لإعادة تفسير سياسة الحياد. وفي الآونة الأخيرة، أيدترابط خارجي لجنة السياسة الأمنية التابعة لمجلس النواب إمكانية إعادة تصدير المعدات الحربية السويسرية الصنع من قبل دول ثالثة إلى الدول المُتحاربة [أوكرانيا هنا] في ظل ظروف معينة. وجادلت أغلبية في المجلس بضرورة مساهمة سويسرا في الأمن الأوروبي عبر تقديم المزيد من المساعدات الهامة إلى أوكرانيا.
على ما يبدو، يحظى هذا التحول في السياسة السويسرية بتأييد أغلبية طفيفة من السكان. وكما أظهر استطلاع للرأي أجرته أسبوعية “نويه تسورخَر تسايتونغ أم زونتاغرابط خارجي” (الصادرة بالألمانية في زيورخ)، ونشرته في موفى شهر يناير، أيَّد 55% من المُستطلعة آراؤهم، أو مالوا إلى تأييد مسألة سماح سويسرا لدول أخرى بِنَقل الأسلحة المُنتجة فيها إلى أوكرانيا.
ولم يرفض سوى 40% من المستطلعة آراؤهم، أو مالوا إلى رَفض هذه المسألة. وفي شهر ديسمبر الماضي فقط، كان 64% من المشاركين في الاستطلاعرابط خارجي قد أيدوا حفاظ سويسرا على حيادها تجاه روسيا وأوكرانيا.
افتراض “السيناريو الأسوأ”
يعتقد ياكوفلييف أن بإمكان سويسرا أن تُسَخِّر خبرتها الطويلة في الدبلوماسية وبناء السلام في الوقت المناسب، وأن تلعب دورا مهما في إعادة الإعمار على وجه الخصوص. وهو يرى أن مؤتمر لوغانو [الذي عُقِدَ في بداية شهر يوليو 2022] “كان علامة فارقة”.
مع ذلك، ما يزال السلام مجرد أمنية بعيدة المنال في الوقت الراهن. وهو يقول بأن هذا هو السبب الذي يجعله يعيش وفقاً لشعار: “شن الحرب كما لو لم يكن هناك سلام، وخض مفاوضات السلام كما لو لم يكن هناك حرب”. واليوم، يجد ياكوفلييف نفسه بعيداً عن أسرته لأنه لا يمكنه مغادرة أوكرانيا بسبب خدمة الاحتياط العسكرية، بينما تعيش زوجته وطفله البالغ من العمر عامين في المنفى بفرنسا. وكما يقول الخبير السياسي: “أنا لم أحمل بندقية في يدي أبدا، ولكنني مستعد”.
بالنسبة لياكوفلييف، يرتبط حلم السلام بوطن آمن، وهذا لن يتحقق إلّا في حال انسحب الجيش الروسي من أوكرانيا. “قد يكون نَزع السلاح، ونَزع السلاح النووي من المناطق الحدودية مثل شبه جزيرة القرم في نهاية الحرب أمرا مُحبذاً”، كما يقول. “لكن الرغبة في التوصل إلى اتفاق سلام بأي ثمن ستقود إلى نتائج عكسية، خاصة إذا لم يُبدِ بوتين أي استعداد للتفاوض”.
ما الذي سيعنيه سلام في أوكرانيا المهزومة لمستقبل الأمن والسلام في أوروبا والعالم؟
ماكسيم ياكوفلييف
يضع ياكوفلييف السيناريو الأسوأ في الصدارة. ” السؤال الرئيسي الذي يجب طرحه اليوم هو: ماذا سيحدث إذا لم تدعم أوروبا أوكرانيا بالشكل الكافي وخسرت كييف الحرب”؟ ويمضي في التساؤل: “ما الذي سيعنيه سلام في أوكرانيا المهزومة لمستقبل الأمن والسلام في أوروبا والعالم”؟
إن انتصار روسيا بوتين من شأنه أن يعزز النظام الاستبدادي في روسيا. لكن ياكوفلييف يُذَكِّرنا من ناحية أخرى بأن “مراجعة تاريخ الإمبراطورية الروسية يكشف عن حدوث تغييرات مهمة في النظام عقب الهزائم العسكرية”.
تحرير: مارك لويتينيغّر
ترجمة: ياسمين كنونة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.