“اليمن بات مجرد ورقة ضغط للمجتمع الدولي”
في عام 2016، إضطَرَّت الناشطة والإعلامية وفاء الصغير التي كانت تعمل في وكالة سبأ اليمنية للأنباء إلى مغادرة المدينة التي وُلِدَت ونشأت وأكملت دراستها الجامعية فيها، لينتهي بها المطاف كلاجئة في كانتون فو غرب سويسرا. swissinfo.ch حاورت الصغير حول عامها الأول في سويسرا، ومشاركتها في الأنشطة السياسية المتعلقة بوطنها من على التراب السويسري.
تقول الإعلامية اليمنية وفاء الصغير:” بعد أن دخل الحوثيون العاصمة صنعاء في عام 2014، قاموا بفرض سيطرتهم على جميع وسائل الإعلام ومنها وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي كنت أعمل فيها، وأجبروا موظفيها على اتباع سياسة “إذا لم تكن معي فأنت ضدي”. وقد دفعتني الضغوط التي مُورست علينا كموظفين، والمشادات الكلامية بيني وبين مديري (الذي كان ينتمي إلى الحوثيين)، وما حدث من انتهاكات متتالية (مثل الفصل لمدة أربعة أيام، أو تخفيض الراتب بدون سبب) إلى الخروج من اليمن في نهاية المطاف”.
في بداية الأمر، توَجَهَت الصغير التي تبلغ السادسة والعشرين من عمرها إلى القاهرة، حيث يقيم شقيقها، وحاولت متابعة عملها من هناك، لكن بدون جدوى. وكما تقول: “للأسف الشديد، يجد المصريون أنفسهم صعوبة في العثور على وظيفة في القاهرة، فما بالك لو لم تكن تحمل الجنسية المصرية”.
وفي حوالي منتصف عام 2017، التقت الصغير بوزير الاعلام اليمني معمر الارياني، الذي كان قد جاء إلى القاهرة في زيارة رسمية، لبحث موضوع الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون والاعلاميون اليمنيون. وبعد أن شرحت له حكايتها، وَعَدها بالحصول على عَمل عَبر الشرعية كمُراسلة لوكالة سبأ، و اقترح عليها فكرة المجيء إلى سويسرا لحضور مؤتمر حول الإنتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون اليمنيون على هامش الدورة 36 لمجلس حقوق الانسان بجنيف، الأمر الذي حدث بالفعل.
وحيث أن للإعلامية الشابة شقيقا وشقيقة يُقيمان في ألمانيا، فقد فَضَّلَت التوجه إلى هناك بِنية الإقامة معهما. لكن مَسعاها لم يَتَكَلل بالنجاح بِسَبب اتفاقية دبلن (التي تنص على ضرورة طلب اللجوء في أول بلد أوروبي تصل إليه)، مما اضطرها للعودة إلى سويسرا. وفي بداية عام 2018، قامت بتقديم طلب لجوء في مركز الاستقبال والاجراءات في ‘فالورب’ Vallorbe (كانتون فو)، حيث تم مَنحَها حق اللجوء السياسي في سويسرا بعد أربعة أشهر.
منذ ذلك الحين، والصغير تدرس اللغة الفرنسية، وتُشارك في فعاليات عديدة وفي منظمات تهتم بالإندماج، كما تعمل مع الموقع الاعلامي للمدرسة الذي يحمل اسم Voix d’Exilsرابط خارجي (أصوات المَهَاجر).
الإفتقار إلى المعلومات
المشكلة التي واجهت الصغير في بداية وجودها بسويسرا هي “عدم وجود الكثير من المعلومات على الانترنت حول اللجوء أو الإندماج في سويسرا، مما جعلني أشعر كالتائهة”، كما تقول. وهكذا اضطرت لانتظار موعدها مع المساعدة الإجتماعية لتعريفها ببعض المعلومات الأساسية، مثل المنظمات التي يمكن أن تساعد اللاجئين على الإندماج وتوفير حياة اجتماعية بسيطة، الأمر الذي ساعدها بالفعل، حيث أصبح لديها الآن عدد من الاصدقاء السويسريين الذين تتواصل معهم.
ومن خلال تسجيلها في هذه المنظمات، استطاعت الصغير العثور على سكن في بلدية “بالّون” (Ballens) بكانتون فو، مع أسرة سويسرية مكونة من الأم والأب وطفليهما. وكما تقول:” إنها أسرة لطيفة وتساعدني، وقد كانت الأم – وهي إنسانة رائعة – تعيش في اليمن لبعض الوقت، وتحب العادات والتقاليد اليمنية”.
في انتظار المجهول
ترى الصغير أن سويسرا تتعامل مع اللاجئين – سواء كانوا يمنيين أو من جنسيات أخرى – وفقاً لقانونها، و”من المؤكد أنها لن تتمكن من قبول الجميع”. لكنها ترى ضرورة تسريع عملية النَظَر في طلباتهم، “لأنه من غير العادل أن يعيش الناس في انتظار المجهول، ليأتيهم الجواب السلبي بعد سنة أو سنتين”.
وهي تضرب مثلاً بعضو في نقابة الصحفيين اليمنيين كان قد تقدم بطلب للجوء في سويسرا قبل مجيئها للكنفدرالية، لكنه مكث في إحدى مراكز الاستقبال لمدة 3 سنوات قبل أن يُمنح صفة لاجيء. “كما توجد هناك قصص كثيرة أخرى، حيث يظل عدد كبير من طالبي اللجوء اليمنيين في مراكز الإستقبال دون أن يتم إعلامهم بأي جديد بشأن ملفاتهم”، كما تضيف.
من وجهة نظر اللاجئة اليمنية، توجد هناك بعض أنواع التعاملات التي تَمنع اللاجيء من الإندماج في المجتمع السويسري. “القانون السويسري رائع، كما لا توجد مشاعر عُنصرية في البلاد مثلما نرى في غيرها من الدول المجاورة. لكن، وفي كانتون فو حيث أعيش، توجد هناك مدرسة للاجئين، بإمكانها أن تساعدهم في العثور على عمل في تخصّصات معينة، لكن هذه الخيارات محدودة و‘دونية’ مثل التنظيف أو الطلاء، كما يوجد هناك نوع من الإجبار على ممارسة هذه الأعمال”.
وبرأيها، يبدو أنه ليس لدى السويسريين القدرة على استيعاب توفر اللاجئين على خبرات أخرى، أو أن بإمكانهم ممارسة حرف يُمكن للسويسريين الاستفادة منها. “هناك عدد من اللاجئين الذين كَوَّنوا حياتهم المهنية بالفعل، ولديهم شهادات جامعية وخبرة واسعة، وليس من المعقول أن نلغي ماضي الشخص برمته ونجعله يبدأ من جديد، أو أن يمارس مهنة بعيدة كل البعد عن مجال تعليمه، فهؤلاء الأشخاص يُمكن أن يكونوا مواطنين مفيدين جداً لسويسرا”، على حد قولها.
وفي اعتقادها أيضاً، فإنه من الصعب على اللاجيء أن يندمج في المدن بسبب صعوبة العثور على سكن، لا سيما إذا كان عاطلاً عن العمل ويتلقى مساعدات إجتماعية. ولو أراد اللاجيء أن يقيم مع أسرة – الأمر الذي يُساعده على الإندماج أيضاً – فإن السكن غالباً ما يكون بعيداً عن المدينة، كما هو الحال مع الأسرة التي تقيم معها، والتي تبعد عن مدينة لوزان حوالي ساعة ونصف، “لأنني لا أستطيع العثور على سكن في لوزان – رغم وجود الشقق”، كما تقول.
يجب عدم إقصاء أي طرف، والوصول إلى طاولة الحوار، والعمل على تطبيق الفدرالية التي تم الإتفاق عليها في الحوار الوطني في عام 2014
جرائم إبادة ونقاط ضعف وثغرات
رغم كل شيء، تواظب الصغير على متابعة الأحداث المأساوية التي تجري في وطنها، كما تتواصل مع أهلها وأصدقائها باستمرار. وهي تشارك في العديد من الفعاليات والإجتماعات التي تقام في سويسرا وأوروبا عموماً، مثل فعاليات التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسانرابط خارجي المُقامة على هامش اجتماعات مجلس حقوق الانسان في جنيف، أو الندوات المقامة من قبل منظمات أخرى في سويسرا، والتي يحضرها العديد من الناشطين والوجوه اليمنية المستقلة التي تأتي من حين لآخر إلى سويسرا “للتعريف بالافكار الموجودة في اليمن على أرض الواقع، ورَصد ما يحدث هناك بحيادية تامة، وتَجريم الأطراف بشكل واضح، مع الحِرص على عَدَم إقصاء أي طرف”، على حد قولها.
وكما تضيف الإعلامية الشابة: “نحن كمواطنين متواجدين خارج اليمن، نلاحظ وجود فساد داخلي كبير في البلاد، بالإضافة إلى فساد المنظمات الدولية، ونحاول تسليط الضوء على هذا الوضع، وإصدار البيانات الإستنكارية”، وهذا يحدث من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً.
ولكن، كيف تنظر الناشطة اليمنية إلى مستقبل النزاع في اليمن؟ “للأسف الشديد لا توجد هناك شفافية، لا في العمل المدني، ولا من طرف الحكومة الشرعية الموجودة في السعودية، بالإضافة إلى وجود نقاط ضعف وثغرات كبيرة في كادر الدولة”، كما تجيب. وهي تشدد على وجود فساد كبير وانتهاكات وجرائم حرب من طرف جماعة الحوثي، وعلى تواطئ المجتمع الدولي معهم “بدليل عدم تطبيق اتفاق ستوكهولم [الذي تم التوصل إليه بين الحكومة اليمنية الشرعية والحوثيين في ديسمبر 2018]، وقيام الحوثيين بخرق بنود الإتفاق يومياً، مثلما يحدث في مناطق قبائل حجور”. وترى الناشطة أن الوضع المأساوي في اليمن سوف يستمر طالما لم تُتَّخَذ خطوات حقيقية لحل المشكلة القائمة في البلاد، وتضيف “يجب عدم إقصاء أي طرف، والوصول إلى طاولة الحوار، والعمل على تطبيق الفدرالية التي تم الاتفاق عليها في الحوار الوطني في عام 2014”.
الحوار اليمني- اليمني بجنيف
برأي وفاء الصغير، فإن الحوار اليمني-اليمني الذي تستضيفه جنيف يبوء بالفشل دائماً “لأن المحرك الأساسي فيه هو القوى الخارجية الدخيلة على الرأي والمشهد اليمني وليس القوى اليمنية، وكل طرف من هذه الأطراف يعمل من أجل مصلحته الخاصة”. وكما توضح: “لقد كنت ضمن الوفد الإعلامي المُنَسِّق في مشاورات السويد بين الأطراف اليمنية [في ديسمبر 2018]. وعلى سبيل المثال، كان يتم الإتفاق على أحد البنود على الورق، والتوقيع عليه، بيد أنَّ الآراء تكون قد تغيّرت صبيحة اليوم التالي على إثر الإتصالات التي يُجريها كل طرف”.
في هذا الصدد، ترى الإعلامية بان الجميع يُلقي باللائمة على السعودية ودول التحالف بشأن ما يقع من انتهاكات وتتساءل: “أين دور إيران؟ ولماذا لا يكون لها دور في المعونات والإغاثة الإنسانية؟ ولماذا لا ينُحى عليها باللائمة أيضاً؟ هناك تهاون وتواطؤ من طرف القوى الخارجية، دون وجود أي خطوات فعلية، واليمن بات مجرد ورقة ضغط للمجتمع الدولي”.
ومع أن الصغير لا تنفي وقوع كمية كبيرة من الجرائم والإنتهاكات من قبل دول التحالف بقيادة السعودية، لكنها ترى أن هناك قدر كبير من القصور والتخاذل في موقف (الحكومة) الشرعية أيضاً. “هناك فجوة لا تسمح لنا بانتقاد دول الجوار لأن كل دولة في النهاية تبحث عن مصلحتها، ووجود الحوثي يهدد دول الجوار والمنطقة. لكن جميع الإنتهاكات تُرصد، وما يقع من جرائم لن يسقط بالتقادم، فهناك ناشطون ومنظمات مجتمع مدني وأشخاص يكتبون من الطرفين، سواء من التحالف أو الشرعية أو من طرف الحوثي”.
سويسرا “مستفيدة” أيضاً..
وماذا عن التعاطي السويسري مع ما يحدث في اليمن؟ تذهب وفاء الصغير إلى أن “سويسرا – مثلها مثل العديد من الدول الأخرى – تستفيد من الحرب القائمة في اليمن، بدليل صادرات سويسرا من المُعدّات الحربية إلى السعودية”، “بالإضافة إلى ذلك، نرى أن هناك تغييب إعلامي في سويسرا؛ فمن غير المعقول أن لا يتم التطرق إلى تفاصيل ما يحدث في اليمن. كذلك نجد انحيازاً لصالح طرف دون الآخر – وانا هنا أتكلم عن المجتمع الغربي عموماً وسويسرا هي جزء من هذا المجتمع – بدليل أن ردود الافعال تأتي لصالح طرف دون الآخر” [في إشارة إلى إيران]. وتتسائل الإعلامية ما إذا كان هذا الموقف “مرتبطا بالسياسة والاقتصاد واستنزاف السعودية بالمليارات عندما تود الدول الضغط عليها بورقة اليمن كما تفعل أمريكا”، على حد قولها.
وبما أن وفاء الصغير أكملت دراستها الجامعية في مجال الإعلام، وعملت في وكالة سبأ اليمنية الرسمية، اختتمت لقائي معها بسؤالها عن رغبتها بممارسة هذه المهنة انطلاقا من سويسرا أيضاً، فردت بالقول: “أنا أتطلع إلى ذلك كثيراً، لكن الأمر يتطلب بعض الوقت. لقد توجّهت إلى جامعة لوزان للسؤال عن معادلة شهادتي، لكن الشهادات اليمنية غير مُعترف بها للأسف، هذا أولاً. الأمر الثاني هو حاجتي إلى إتقان اللغة الفرنسية، وهو ما أعمل عليه في الوقت الراهن، بالإضافة إلى مشاركتي في الأنشطة السياسية المتعلقة باليمن. لكنني أنوي التوجّه إلى الجامعة حال الإنتهاء من هذه النشاطات”.
المزيد
سويسرا تتعهد بتقديم المزيد من المساعدات الطارئة لليمن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.