الرئيسة السابقة لتشيلي تتسلم المُهمة الأصعب في العالم
"إن الصمت لا يُكسِبك الاحترام - على الإطلاق". كانت كلمات المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين أثناء أحدى مؤتمراته الصحفية الأخيرة قبل مغادرته لمنصبه في يوم 31 أغسطس الجاري. وكان المفوض الأممي الأعلى لحقوق الإنسان، قد أعلَن في شهر ديسمبر الماضي عدم نيّته الترشح لولاية ثانية.
إستناداً إلى هذا المعيار، يجب أن يكون الأمير الأردني واحداً من الرجال الأكثر احتراماً على هذا الكوكب، إن لم يكن أكثرهم إحتراماً على الإطلاق. وبِصراحته التي إشتُهِرَ بها، لم يَدَّخر المفوض السامي لحقوق الإنسان أحداً قدر تعلُّق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم. وطيلة فترة وجوده في منصبه، كان أعضاء السلك الصحفي في مدينة جنيف يتطلعون إلى خطاباته وتصريحاته بفارغ الصبر: فهنا يقف دبلوماسي أمَمي يعلن عن رأيه بكل صراحة، ولا يتردد أبداً عن مهمة التحدث عن حقيقة وضع حقوق الإنسان إلى بعض أكثر مُنتهكي هذه الحقوق نفوذاً في العالم.
لم يَتَرَدَّد الأمير زيد في وَصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو رئيس الوزراء المَجري فيكتور أوربان، بـ “مُثيري الفتنة”. كما قال أن الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي “بحاجة إلى تقييم نفسي”. ولطالما حذَّر المسؤول الأممي من مخاطر كراهية الأجانب والشعوبية. وقد أكسَبه موقفه هذا مَوَدَّة الناشطين في مجال حقوق الإنسان على مستوى العالم أجمع.
“لقد كان صريحاً للغاية في وقت عصيب للغاية”، كما يقول لويس شاربونو، مدير قسم الأمم المتحدة في منظمة هيومن رايتس ووتشرابط خارجي.
“كان يذكرهم [رؤساء العالم] بإمكانية مواجهتهم للمساءَلة. إذا كانوا في أعلى الهرم القيادي للجرائم، فقد يُفضي ذلك إلى مواجهتهم للعواقب في نهاية المطاف. ورغم أن موقفه هذا لم يُكسبة الكثير من الأصدقاء، ولكني أعتقد أنه مُهم”.
وظيفة لا رفيق لها
بالفعل، فإن الصراحة التي عُرف بها ابن رعد، لم تُكسبه أي أصدقاء. وحتى في بلده الأصلي الأردن، فَترت الآراء التي كانت تقترح ذات مرة مكافأته بِمَنصب دبلوماسي رفيع في أعقاب توليه منصب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسانرابط خارجي. لم تكن العاصمة الأردنية سعيدة عندما انتقد زيد إستعادة الأردن العمل بتنفيذ بقوبة الإعدام [المُجمدة منذ يونيو 2006]، أو عند توبيخه الحكومة حينما استضافت القمة العربية، التي ضَمَّت قائمة ضيوفها الرئيس السوداني عمر حسن البشير، المتهم بارتكاب جرائم حرب.
في شهر ديسمبر 2017، أعلن المسؤول الأممي عن عدم سَعيه للترشح لولاية ثانية في مَنصبه. وحتى لو أراد ذلك، (الأمر الذي نفاه، لأن ذلك يعني ‘الركوع والخنوع، والحَد من استقلاليته كمفوض لحقوق الإنسان’)، فإنه لن يحصَل على الوظيفة مرة ثانية. وكما هو معروف، يحتاج مفوضو حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى دَعم مجلس الأمن الدولي لتولي هذا المنصب. بيد أن ابن رعد لن يَحظَ بدعم ثلاث دول دائمة العضوية (هي الاتحاد الروسي، والصين والولايات المتحدة)، وربما الدول الخمس جميعها.
لكن، وعلى الرغم من أن ابن رعد قد يكون شكَّل سابقة في صراحته، ألّا أنَّ كل مفوض لحقوق الإنسان نال نصيبة من انتقادات زَعماء العالم. ومن المُرَجَّح أن هذه الوظيفة هي الأصعب التي يتعين على الأمم المتحدة تقديمها: ففي الوقت الذي يُمكن فيه لرؤساء وكالات الإغاثة مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن يبدوا بشكل فاضل من خلال تقديم المساعدة إلى المُستضعفين، يقع على عاتق مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مناشدة القادة العسكريين والسياسيين، الذين تسببت أفعالهم في نشوء هذه الأوضاع الهَشة في المقام الأول.
وعلى سبيل المثال، كانت ماري روبنسن [التي عملت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من عام 1997 إلى عام 2002] قد أغضبت الصين، كونها أول مفوض سامي لحقوق الإنسان يقوم بزيارة التيبت. كما تَعَرَّضت لانتقاد إدراة الرئيس الأمريكي بوش، لقولها ان ‘الحرب على الإرهاب’ يمكن أن تقوض معايير حقوق الإنسان. وبدورها أيضاً، قالت لويزَ آربور [وهي محامية، ومُدَّعٍ عام وقاضية كندية، تتبوأ حالياً منصب الممثل الخاص للأمم المتحدة للهجرة الدولية] أن “الحرب على الإرهاب تسببت في انتكاسة جدّ خطيرة لجدول أعمال حقوق الإنسان الدولي”.
في نفس السياق، إصطدمت نافي بيلاي [مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق لإنسان بين عامي 2008 و2012] بسريلانكا، بسبب أشارتها إلى الفظائع المُرتَكَبة في نهاية فترة الحرب الأهلية، وكذلك بإسرائيل بسبب انتقاداتها لأنتهاكاتها المُقترفة في غزة. وبالنسبة للكثيرين، فإن عدم تمتع المفوض السامي لحقوق الإنسان بشعبية بين الحكومات، يُعَدُّ مؤشراً جيداً على تنفيذه/تنفيذها لوظيفته/وظيفتها بالشكل الصحيح.
وبحسب شاربونو، “يتعين على المفوض السامي أن يتحدَّث عن أشياء لا يرغب العديدون بسماعها، وهو – أو هي- ليسوا في هذا المنصب من أجل اللف والدوران حول الموضوع”.
من جهتها، تقول عائشة ديفان مديرة برنامج أنشطة كَسب التأييد بمنظمة العفو الدوليةرابط خارجي “إن الحسين صوت قيادي قوي ومُستقل لحقوق الإنسان في العالم”. وتضيف: “لقد كان واضحاً وثابتاً جداً، وهذا ما نبحث عنه في عملنا”.
وكما مضت قائلة: “سوف نفتقده بكل تأكيد”.
المرشحة المثالية؟
الآن، واعتباراً من الأول من سبتمبر المقبل، بات من المُقَرَّر أن تحل ميشيل باتشيليترابط خارجي، الرئيسة السابقة لتشيلي محل الأمير الأردني زيد بن رعد الحسين في هذه المهمة الشديدة الصعوبة. وكانت الجمعية العامة التي تضم 193 دولة قد صوَّتَت بالإجماع على تعيينها في العاشر من أغسطس الجاري.
ولم تكن باتشيليت الخيار الأول بالنسبة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس فحسب، ولكنها كانت المُرَشَّحة المثالية للحكومات وجماعات حقوق الإنسان أيضاً. وهذه السيدة المُنتَخَبة لهذا المنصب الرفيع، مُطَّلِعة تماماً على دهاليز الدبلوماسية الدولية. وفي نفس الوقت، فإن السياسية الشيلية الإشتراكية التي تبلغ من العمر 66 عاماً كانت هي الأخرى ضحية لانتهاكات حقوق الإنسان. فقد تم اعتقالها، وكذلك والدتها ووالدها في عهد الرئيس التشيلي الأسبق أوغستو بينوشيه، حيث ذاقوا أنواع التعذيب. وقد لقي والد باتشيليت حتفه نتيجة لذلك.
لكن هل ستكون رئيسة تشيلي السابقة صريحة مثل خلفها ابن رعد؟ السويسري نيلس ميلزر الذي يشغل حالياً منصب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بملف التعذيب، والذي لم تنجح محاولته للظفر بوظيفة المفوض السامي لحقوق الإنسان لم يكن مؤيداً لأسلوب زيد الفظ.
وكما كتب ميلزر: “يجب أن يفهم المفوض السامي القادم بأن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يعني مهاجمة الحكومات”. وأضاف: “ان الهدف من هذه الوظيفة ليست تنسيب اللوم أو الخطأ”.
هذا النهج قد يكون مفضلاً عند بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة. ذلك أن العديد من الحكومات لا تشعر بالارتياح إزاء نهَج “الكَشف والفَضح” الذي يتبعه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وترى أنه يأتي بنتائج عكسية.
على الجانب الآخر، سوف يبحث نشطاء حقوق الإنسان عن شَخص يتبع خطوات الحسين. وكما يرى شاربونو، فأن الشخص الذي يحتاج إلى المهارات الدبلوماسية الناعمة إنما هو الأمين العام للأمم المتحدة. وبغية نجاح مهمته مع هذه الدول، فإنه بحاجة إلى مفوض لحقوق الإنسان لا يتردد في الإفصاح عن رأيه بصراحة.
“إذا عَيَّنَ [غوتيريس] شخصاً يتحاشى التطرق إلى المواضيع غير السارة في هذا المنصب، فسوف يزيد ذلك من صعوبة مهمته. إن الأمين العام بحاجة إلى شخص يقود معركة حقوق الإنسان.
ومهما كان الأسلوب الذي ستعتمده باتشيليت، فإن مهمتها الجديدة سوف تمثل تحدياً هائلاً بالتأكيد، سيما وأن بعض البلدان التي دَعَمَت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقوة منذ 70 عاماً، أصبحت تجادل اليوم وبنشاط موضوع عالمية هذه الحقوق بالفعل، أو ضرورتها حتى.
المزيد
التاريخ المُضطرب لمبنى قصر ويلسون
وكان دونالد ترامب قد صرَّح أثناء حملته الإنتخابية بأن التعذيب ‘يؤتي ثماره’. وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال حول نوعية الحوار الذي سيدور بين رئيس يقترح إعادة العمل بالتعذيب، ومفوضة أممية لحقوق الإنسان كانت هي نفسها ضحية لهذه الممارسات.
وفي تعليقها على ترشيح باتشيليت، قالت عائشة ديفان من منظمة حقوق الإنسان، إنه “يأتي في وقت مضطرب بالنسبة لمجتمع حقوق الإنسان. ومع إقترابنا من الذكرى السنوية السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن الحريات الواردة فيه تتعرض لتهديد دائم في جميع أنحاء العالم”.
وأضافت قائلة: “هذا [المنصب] سوف يتطلب قائداً قوياً ومَبدئياً، لديه الإستعداد لقول الحقيقة للموجودين في السلطة، وقادراً على تعبئة الموارد والإرادة السياسية، للدفاع عن حقوقنا في هذا المناخ الصعب”.
رغم ذلك، لم تفقد ديفان الأمل تماماً، على الرغم من التحديات التي تواجهها حقوق الإنسان في بعض البلدان، والأزمات العديدة القائمة.
“أنا أرى هذه التحديات، ولكنني أرى فُرَص المشاركة أيضاً. إن التوقف والإستسلام ليس خياراً قائماً”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.