إلى أين تتجه الأوضاع في شمال سوريا؟
كما كان متوقعاً، اهتمت جميع الصحف السويسرية الصادرة هذا الأسبوع بشكل يومي ومكثّف بسير الحرب في شمال سوريا بعد إعلان الرئيس الأمريكي المفاجئ عن سحب بعض قواته من المنطقة وإطلاق أنقرة لعملية "نبع السلام" العسكرية داخل الأراضي السورية.
في معرض تعليقها على إعلان الرئيس الأمريكي الصادم يوم الأحد 6 أكتوبر الجاري عن قراره القاضي بسحب قوات بلاده من سوريا، تحدثت فاليري دو غرافنريد مراسلة صحيفة “لوتون” في نيويورك عما أسمته “تذبذب دونالد ترامب المثير للمخاوف”رابط خارجي، وفي محاولة منها للعثور على بعض المنطق في قراره، توصلت إلى احتمال وجود سببين وذهبت إلى أن “الرئيس يُنفّذ من جهة وعدا قطعه على نفسه في حملته الانتخابية في الوقت الذي يسعى فيه إلى إعادة انتخابه في عام 2020. ومن جهة أخرى، فهو يبحث عن تشتيت الانتباه ويتمكن من فرض جدل آخر عوضا عن الـ “قضية الأوكرانية” التي أدت إلى أن يكون مُستهدفا بإجراءات الإقالة”.
ومع أن ترامب “يعرف تماما كيف يُغيّر الخطاب متى كان ذلك مُلائما له إلا أنه تصرّف – مرة أخرى – منفردا في ظل جهل تام بالوقائع الميدانية”. لذلك يبدو أن الرئيس اضطر – تحت الضغط – للتراجع.. “فبعد أن ترك المجال مفتوحا لأردوغان للتحرك ضد القوات الكردية في سوريا، هدد دونالد ترامب بـ “تدمير اقتصاد تركيا والقضاء عليه تماما” إذا ما “تجاوزت أنقرة الحدود”.. وفي نهاية المطاف، أبلغ البيت الأبيض أنه لن يكون هناك انسحاب شامل (للقوات الأمريكية) وإنما إعادة انتشار لما بين “50 و100” من عناصر القوات الخاصة نحو قواعد أمريكية أخرى في سوريا.
أخيرا، اعتبرت المراسلة أن موقف ترامب “أشبه ما يكون بانتحار سياسي”. ذلك أنه “بالرغم من أنه معتاد على اتخاذ القرارات المتسرّعة وعلى القيام بتصرفات غير محسوبة إلا أنه أثار هذه المرة استهجان كبار الشخصيات النافذة في الحزب الجمهوري في وقت يحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى ضمان دعمهم قبل ثلاثة عشر شهرا من الانتخابات الرئاسية”.
خيانة واشنطن للأكراد
في عددها الصادر يوم 8 أكتوبر الجاري، أجرت صحيفة “لوتون” حوارا مطولا رابط خارجيمع دومينيك مُويْزي (Dominique Moisi)، الخبير في الشؤون الجغرافية – السياسية والمستشار الخاص لمعهد مونتانيه (Montaigne) الفرنسي. وفي رد عن سؤال بخصوص الأهداف التي تسعى تركيا لتحقيقها في سوريا، اعتبر مويزي أن “الرئيس رجب طيب أردوغان يُريد أن ينشغل الأتراك بمسائل أخرى بعيدا عن القمع السياسي أو الوضع الاقتصادي. إنه يلعب على وتر القومية التركية والخشية من أن يُصبح الأكراد مستقلين”.
في السياق، ذهب إلى أن “هدف أنقرة يتمثل – على المدى القصير – في منع الأكراد من السيطرة على هذه الأراضي الحدودية”، ولم يستبعد أن تذهب إلى حد إعادة توطين سوريين لاجئين في تركيا (في هذه المناطق) لتغيير التوازن الديموغرافي القائم فيها”. ولكن هل يعني القرار الأمريكي التخلي النهائي عن الأكراد؟ أجاب دومينيك مُويْزي قائلا: “هذا الحدث له دلالة مُزدوجة. فمن جهة، يتعلق الأمر بخيانة الأكراد الذين كانوا حلفاء بالأمس والذين تم التخلي عنهم اليوم. ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة تتخلى أيضا عن دورها في الشرق الأوسط”.
وبخصوص الخيارات المتاحة اليوم للأكراد، قال الخبير الفرنسي “في الحالة المثالية، كان يُفترض أن يعتمد الأكراد على أوروبا لكنهم يستنتجون أنها لن تفعل شيئا نظرا لوجود مقايضة تركية حول مسألة اللاجئين ولعدم رغبة أي حكومة أوروبية في نشر قواتها على الأرض لحمايتهم. أما الاستدارة نحو السوريين أو الروس فليس بالأمر السهل جدا. فليس من مصلحة السوريين تقوية الأكراد في هذه المرحلة. أما الروس فمن مصلحتهم الإبقاء على روسيا مقسّمة وضعيفة من أجل تعزيز أهمية حضورهم. وهكذا يجد الأكراد أنفسهم وحيدين بشكل رهيب على الساحة الدولية”، على حد قوله.
من المعلوم أن الأكراد السوريين يحتجزون حوالي 12 ألف جهادي من بينهم أربعة آلاف أجنبي، فما الذي يُمكن أن يحصل لهم؟ يرى مويزي أن هذه المسألة قد تُسفر عن “سيناريو كارثي”، ذلك أن “الأكراد – لأنهم يشعرون بأنهم تعرضوا لخيانة وخاصة لأنه لم تعد لديهم الوسائل للإحتفاظ بهم – قد يُطلقون سراحهم أو يستخدمون هذه الإمكانية للقيام بمقايضة تجاه الغربيين”، حسب رأيه.
في معرض أجوبته عن أسئلة “لوتون”، لم يستبعد الخبير عودة المقاتلين الأوروبيين التابعين لتنظيم “الدولة الإسلامية” إلى أوروبا أو استئناف القتال على عين المكان لكنه استدرك قائلا: “الإستنتاج واضح: الأنانية الأمريكية تتسم بعدم المسؤولية للشرق الأوسط ولمكافحة الإرهاب ولمفهوم الثقة في التحالفات أصلا. لو كنا نرغب في الحصول على دليل إضافي على ما تتسم به الدبلوماسية الأمريكية في ظل إدارة ترامب من عدم مسؤولية، فقد حصلنا عليه للتو”.
تركيا تمر إلى الهجوم
على إثر انطلاق العمليات العسكرية التركية يوم الأربعاء 9 أكتوبر الجاري، تراوحت العناوين التي اختارتها الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية الصادرة في اليوم الموالي لتغطيتها للأحداث بين “تركيا تطلق هجومها ضد الأكراد السوريين” (24 ساعة) و”تركيا تمرّ إلى الهجوم في سوريا” و”أردوغان أطلق حربه في سوريا” (لا ليبرتي) و”تركيا تُسعد الدولة الإسلامية” (لوتون).
وفي حوار نشرته صحيفة “24 ساعةرابط خارجي” في عددها الصادر يوم 10 أكتوبر، تكهّن جوردي تيجيل غورغاس، الأستاذ في معهد التاريخ بجامعة جنيف والمتخصص في المسألة الكردية بأن التدخل العسكري التركي قد يُسفر عن عودة تنظيم “الدولة الإسلامية” للبروز مجددا. وذهب الخبير إلى أن هذا الهجوم “قد يؤدي إلى حالة من عدم الإستقرار في كامل المنطقة” بل اعتبره “هدية لداعش”، ذلك أن “قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التابعة لوحدات حماية الشعب الكردي (YPG) هي الوحيدة التي تقاتل الجهاديين ولن تتمكن من خوض المواجهة على الجبهتين في نفس الوقت. كما يُخشى أيضا من أن تنتقل العدوى إلى العراق الذي يوجد حاليا في حالة عدم استقرار. وهو ما قد يُرغم الولايات المتحدة على العودة إلى المنطقة بمزيد من الوسائل”، حسب تقديره.
في عددها الصادر يوم 11 أكتوبر، اعتبرت صحيفة “لا ليبرتيرابط خارجي” في تعليق لها على تطورات العملية العسكرية التركية أن “المجموعة الدولية مستمرة في دفع ثمن أخطائها في سوريا” وكتب تياري جاكوليه يقول: “فهي لم تتجرأ ابدا على التحرك عندما كان الوقت يسمح بذلك قبل تدخل النجدة الروسية: في عام 2011 منذ بداية النزاع كما هو الحال في ليبيا أو في سبتمبر 2013 بعد الهجوم بالغاز الكيماوي”، وبعد أن عدّد ما أسماها “فُرصا مهدورة وأخطاء في تقدير الموقف وتراجعات استراتيجية”، اعتبر أن “جميع الإختيارات السيئة المُمكنة قد تم القيام بها من طرف القادة الأوروبيين”. لذلك فإن “أوروبا ستواصل دفع أثمان ذلك”، حسب رأيه.
في هذ الصدد، فإن “التطهير المُبرمج للمنطقة الكردية الخاضعة لحكم شبه ذاتي سيؤدي إلى تدفق موجات جديدة من المهاجرين إلى أوروبا… وإذا ما تُرك المجال للرئيس التركي لمواصلة هجومه، فسوف يفر الأكراد إلى العراق وإلى أوروبا كما حصل في عام 2015”. أما الخطأ الآخر الذي ارتكبه الأوروبيون فيتمثل في التردد الذي اتسمت به مواقفهم من استعادة مواطنيهم الجهاديين المعتقلين في سوريا حيث “فضل المسيّرون طويلا ترك المسألة بيد الأكراد مع المخاطرة باحتمال استفادة مقاتلين تابعين لتنظيم “الدولة الإسلامية” من الهجوم التركي للهروب والعودة – ربما – إلى أوروبا”.
“تجاه المعتدي العنيف لا تنفع الطأطأة”
في قسم الآراء لصحيفة نويه تسورخر تسايتونغ ليوم الخميس 10 أكتوبررابط خارجي، يقدم دانييل شتاينفورت تقييمه وتحليله لآخر المستجدات في شمال سوريا، من الهجمات التركية على المنطقة والموقف الأمريكي والأوروبي منها، مستهلاً رأيه بنقد مباشر للموقف الأوروبي من سياسة تركيا في المنطقة، كما يظهر في عنوان مقالته “ثمن الخنوع” ومن ثم “تجاه المعتدي العنيف لا تنفع الطأطأة”. يفسر شتاينفورت موقف المغلوب على أمره الذي يبديه الاتحاد الأوروبي تجاه أردوغان بمحاولة الحفاظ على “صفقة تركيا”، التي تعد بمنع اللّاجئين من الوصول إلى أوروبا، ويرى في نفس الوقت أن لهذه المبادرة جانب مظلم، حيث “جعلت من أوروبا عرضة للابتزاز”.
قرر ترامب التنحي جانباً و”عدم الوقوف في وجه دبابات حلف الناتو”، ما فسح المجال لانطلاق هذا “الغزو المثير للجدل جدّاً، الذي ينتقل بالحرب الأهلية في سوريا إلى طور جديد”، بحسب الصحفي، الذي يرى بأنّ هذه التطورات لا بد أن يكون لها تأثير على أوروبا وإنّ انحصرت في بداية الأمر على مظاهرات في شوارعها، ينظمها الأكراد، “إلّا أنّ العواقب ستكون على المدى البعيد بالغة التأثير، بدءًا بموجات جديدة من اللّاجئين لتصل إلى استعادة تنظيم الدولة الإسلامية لقوته، وبالتالي عودة خطر الهجمات الإرهابية”.
يضيف شتاينفورت أنّ الاتحاد الأوروبي لم يقدم بعد رداً مناسباً على “اعتداء أردوغان العنيف هذا”، فدعوة الممثلة العليا لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي “جميع أطراف الصراع” لوقف الأعمال القتالية إشارة إلى “قلة الحيلة” وبنفس الوقت “قول شنيع”، فهو يحمل قوات حماية الشعب الكردي التي يريد أردوغان “القضاء عليها” ذنب الهجمات العسكرية الأخيرة، “وكأن أوروبا قد نسيت أيّة مجموعة في سوريا قد ساهمت بأكبر نصيب في عملية القضاء على تنظيم الدولة”. وبعد ذلك يأتي الصحفي على ذكر الحجة التي تتكرر في كل نقاش حول الأعمال التركية في المنطقة ومفادها أنّ تركيا لها الحق في فعل ما عليها من أجل حماية حدودها، ولكنه يطرح السؤال نفسه على أوروبا قائلا: “إلى أي مدى سيخدم التخلي عن أكبر الحلفاء ضد تنظيم الدولة المصالح الأوروبية؟”.
فكرة مجنونة
لقد أصبح “مستبدّ البوسفور” من الجرأة بمكان ليسعى إلى تحميل أوروبا نفقات التخلّص من مليونيْ لاجئ سوري “لم يعد مرغوبا بهم في تركيا”، وذلك من خلال نقلهم إلى شمال سوريا، ما سيكلّف الاتحاد الأوروبي بحدود 20 مليار دولار أمريكي، ويضيف الصحفي “وقد أعجب أردوغان تخويف الاتحاد الأوروبي من الحدود المفتوحة، حيث تعاني تركيا من أزمة اقتصادية حادة”، ومع أنّ الأوروبيين لن يقبلوا بدعم حرب كهذه “تهدف إلى تطهير عرق بعينه وتضرب بالقانون الدولي عرض الحائط، لكنهم لن يقوموا أيضاً بعمل بطولي يردع أردوغان، ناهيك عن بذل جهد كبير من جديد من أجل حماية مشتركة للحدود وانتهاج سياسة لجوء منيعة”، حسب رأي دانييل شتاينفورت.
النصر على تنظيم الدولة في خطر
من جهتها، خصصت صحيفة تاغس أنتسايغير الصادرة بالألمانية ليوم الثلاثاء 8 أكتوبررابط خارجي في قسم الآراء زاوية للشأن السوري، عبّر فيها أحد محرّري الصحيفة من الخارج باول أنتون كروغير عن تقييمه لآخر مستجدات الوضع هناك. ينتقد الصحفي مباشرة قرار ترامب بالتخلي عن الأكراد في شمال سوريا، وذلك في عنوان مقالته “النجاح في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في خطر، بسبب ترامب”، ومن ثم يضيف “لقد خذل ترامب بدم بارد الأكراد الذين فقدوا الآلاف من رجالهم” في المعارك ضد التنظيم، والآن تهددهم حرب جديدة، بعد إعلان الرئيس الأمريكي يوم الأحد 6 أكتوبر أنّه لن يكون في المنطقة حضور لأمريكا، وأنّ عمليات للقوات التركية ستبدأ هناك.
يرى كروغير أنّ قرار ترامب هذا يجسّد من جديد “أحد قرارات الرئيس الأمريكي الاندفاعية” التي صدمت حلفاءه بدءا باالأكراد ومرورا بالمملكة المتحدة وفرنسا وذهبت بجهود حكومته ذاتها أدراج الرياح، وهي التي كانت بصدد تطبيق اتفاقية أمن مع القوات الكردية كان من شأنها “أن تأخذ قلق أنقرة بعين الاعتبار ولكن تمنع في نفس الوقت دخول القوات التركية إلى المنطقة”. ويضيف الصحفي أنّ المخاوف الآن تكمُن في فتح جبهة جديدة في شمال سوريا قد تؤدي إلى مقتل وتشريد المزيد من الناس بدلا من إسكان اللاجئين السوريين هناك، كما اقترح أردوغان، بذلك يكون ترامب قد خذل الأكراد، وليس له أن ينتظر من حلفائه، الذين لا يزالون تحت وقع الصدمة، دعماً جديداً في حال اقتضى الأمر ذلك.
من وجهة نظر الصحفي باول أنتون كروغير، فإنّ المستفيدين ممّا يحدث في المنطقة هم أعداء الولايات المتحدة وحلفائها، ومنهم إيران والنظام السوري وروسيا، وقد يفرط بالنجاح في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، المتواجد ليس فقط في شكل خلايا كامنة في سوريا وإنما أيضاً في دولة العراق المجاورة. ويرى أنه “من النفاق أنّ يبرر البيت الأبيض سماحه بالهجمات التركية على المنطقة بأنّ أوروبا قد رفضت استعادة المساجين من مواطنيها ممن انتموا إلى تنظيم الدولة”، فالولايات المتحدة ترفض دفع أموال الضرائب من أجلهم. ثمّ يقتبس كروغير عن مبعوث ترامب السابق إلى سوريا بريت ماكغورك رأيه القائل بأنّ “هناك خلل في عمق السياسة الأمريكية الخارجية بشكل عام”، وأنّ هناك أهدافاً كبيرة ورئيساً يكتفي بأدنى الحلول وعلميات غير منظمة من أجل تحليل الحقائق وتطوير الخبرات الممكنة.
ومن ثمّ يختتم كروغير رأيه بالتنويه إلى أنّ الأكراد “لن يسمحوا بطردهم من ديارهم بدون قتال”، وأنّ “أوروبا ستشعر بعواقب ما يحدث بشكل مباشر، ولذلك ينبغي على الأوروبيين التحرك بأقصى سرعة والتفكير في كيفية الحد ممّا قد تخلفه تطورات الوضع في شمال سوريا”، على حد قوله.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.