احتجاجات في العراق.. وأوضاع مأساوية في اليمن
يتركّز العرض الصحفي لهذا الأسبوع على مستجدات الاوضاع في العراق وعلى تقارير حول أوضاع حقوق الإنسان في اليمن وموقف الحكومة السعودية من عمل الصحفيين بعد مرور عام على مقتل الإعلامي جمال خاشقجي.
الحكومة العراقية بين كرّ وفرّ
تحت عنوان “بغداد تتعامل مع غضب الشباب تعامل من لا حول ولا قوة له” قدمت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ تحليلاً رابط خارجيحول الأحداث الأخيرة في العراق، وذلك بقلم مراسلتها من القدس إنغا روغ، التي تستهل تحليلها مقدمةً تلخيص لما أسفرت عنه الاحتجاجات إلى الآن من مقتل 30 شخص وإصابة 1500 جريح. وتتطرق الصحفية إلى الطريقة الحازمة التي تعاملت بها الحكومة هناك مع الاحتجاجات في البداية ولكن أيضاً للوعود المقدمة من قبلها وأهمها، تقديم الدعم المالي للأسر المحتاجة.
“الحكومة العراقية هي واحدة من أكثر الحكومات فسادا في العالم، فعلى الرغم من إيرادات النفط العالية، فإن مئات الآلاف من الشباب المتدفقين إلى دخول سوق العمل كل عام، لا يجدون وظائف.” هكذا تحكم روغ على الحكومة العراقية وعلى البطالة، النقطة الحساسة التي دفعت الشباب إلى الخروج إلى الشوارع والتظاهر في العديد من مدن البلاد. لم يأت الأمر مفاجئاً حقاً، فقد نبه الخبراء في المنطقة من غضبٍ شبابي قريب في حال لم تتحرك الحكومة ولم توفر فرص عمل لهؤلاء تبشرهم بمستقبل أفضل”، كما تضيف الصحيفة.
على ما يبدو وبحسب روغ، فقد غيّرت الحكومة العراقية بعد ثلاثة أيام من انطلاقه سياستها في التعامل مع هذا الحراك الشبابي، من العنف إلى الاعتراف بأنّ له ما يبرره، فصرّح رئيس الحكومة عادل عبد المهدي ليلة الجمعة 4 أكتوبر بأنّ حكومته ستبحث عن حلول مناسبة، ولكنه أكدّ عدم وجود “عصا سحرية لحل جميع المشاكل”، ومع ذلك أكدّ عبد المهدي على أنّه ينبغي مساعدة الأسر المحرومة، وقال “سنقدم مرتبات شهرية للعائلات العراقية المحتاجة لتحقيق العدالة”، وحثّ المتظاهرين على عدم ترك الاحتجاجات السلمية تنزلق إلى الفوضى.
بعد هزيمة تنظيم الدولة لا تزال الحكومة العراقية في صدد القيام بإصلاحات تحتاج إلى سنين لتظهر انعكاساتها إلى العيان، ووضع حلول للعداءات من قبل مناصري إيران، ومحاولة إخراج العراق من الصراع الإيراني الأمريكي، بحسب الصحيفة. ويرى بعض المعلقين على الأوضاع في بلاد الرافديْن في هذا الحراك ربيعاً عربيّاً على الرغم من عدم وجود دكتاتور هناك، ولكن خيبة الأمل من الحكومات المتوالية والتي لا تنجح في إيجاد حلول لمشاكل البلاد أدت إلى تلك المظاهرات حديثة العهد. وردة الفعل الأولى من طرف الحكومة الحالية كان استخدام العنف “والرصاص الحي” أحياناً، ضدّ المحتجين السلميين في أغلب الأحيان، ما أدى منذ بداية الحراك يوم الثلاثاء 1 أكتوبر الجاري، إلى سقوط 30 قتيل من بينهم 2 من قوات الأمن و1500 جريح تقريباً.
كما تتطرق الصحفية إلى ذكر الانفجار الذي وقع الأمس الخميس 3 أكتوبر في المنطقة الخضراء من بغداد حيث مقرّ الحكومة والعديد من البعثات الأجنبية وبينها مقر التحالف الأمريكي ضد تنظيم الدولة، الذي لم يتضرر بحسب المتحدث الأمريكي هناك، والذي دعا بدوره إلى الحوار والحفاظ على السلمية في المظاهرات والحراك هناك، ولكنه شدد على أنّ مثل هذه الأعمال لن يتم التساهل في التعامل معها، وأنّ التحالف يحتفظ بحق الرد بنفسه على مثل هذه الاعتداءات. ومن جانبها عبرت جانين هاننيس-بلاشيرت رئيسة البعثة الأمم المتحدة في العراق عن قلقها من الأحداث وطالبت الحكومة بضبط النفس إلى أقسى الحدود، فالعنف لن يؤدي إلّا إلى المزيد من التوتر والتصعيد. مع العلم أنّ الحكومة قد قامت بإجراءات صارمة لامتصاص غضب الناس وكبح المظاهرات، ومنها حظر التجول في بغداد وعماره، ومن أجل منع تنسيق المزيد من المظاهرات، قامت بحجب خدمة الانترنت عن كامل البلاد ما عدا مناطق الأكراد في الشمال، بحسب الصحيفة.
والجدير بالذكر أيضاً أنّ رئيس الحكومة عادل عبد المهدي قدّ حمّل مثيري الشغب المسؤولية كاملة لما يحث، ولكنه وعد في الوقت ذاته “بتقديم حلول حاسمة للمشاكل الكثيرة”، التي تراكمت في السنوات الأخيرة. وترى روغ أنّ “الكلمات الجميلة لا تكفي لأخذ زمام الأمور، حيث أنّ من يقوم بالاحتجاجات من الشباب والرجال المحبطين، حتى وإن تمكنت الحكومة من قمع المظاهرات، فإنّهم سيخرجون من جديد إلى الشوارع، عندما لا يجدون بديلاً عن ذلك”.
المملكة العربية السعودية والنفط
نشرت صحيفة لوتون ليوم 3 أكتوبر الجاري مقالا بقلم لورون هورفاث، في ركن “أفكار للنقاش”رابط خارجي تحت عنوان “المملكة العربية السعودية والنفط: مساهمة المملكة في سوق النفط الدولية مهمة إلى درجة لا يمكن السماح لها بالفشل”. “فالمملكة التي تحظى بحماية أمريكية لصيقة، لها القدرة على استخراج 12 مليون برميل من النفط في اليوم، ما يجعل منها الضامن الأساسي وأكبر سفير للنفط في العالم، وبالتالي الضامنة لاستقرار هذه السوق”. لكن المفارقة على حدّ قول كاتب المقال “أن سوء طالع وليّ العهد السعودي، والقرارات السيئة غير المدروسة التي اتخذها منذ أصبح الحاكم الفعلي للمملكة، وكذلك الهجمات الأخيرة على المرافق النفطية، أدت إلى انهيار صادرات النفط إلى النصف في لمحة بصر، كلها مؤشرات تدلّ على بداية عهد ما بعد النفط مقابل الطاقات المتجددة”.
التقرير يشير كذلك إلى أن المملكة العربية السعودية توجد في وضع صعب مع تصاعد التوتّر بين طهران وواشنطن، فالأولى وللرد على الخطوات الامريكية التصعيدية ضدها، بدأت تعتمد القاعدة الإستراتيجية التالية “إذا ما هاجمتني أهاجم اصدقائك”، وفي هذه الحالة المملكة العربية السعودية هي الهدف المثالي للرد الإيراني، وهذا بالفعل ما يفسّر الهجمات المتكررة والجريئة التي باتت تستهدف الرياض. ولكن هذه الهجمات التي تمت بواسطة طائرات من دون طيار وقبضة من الصواريخ كشفت إلى أي حد هي ضعيفة ولا معنى للمليارات الكثيرة التي دفعتها على ترسانة الأسلحة التي اشترتها من أكثر من مصدر”.
خطورة الهجوم على المرافق البترولية مؤخرا أشدّ بكثير مما ذكر حتى الآن، وبحسب هذا المحلل السويسري “تعتمد المملكة بنسبة 90% على النفط والغاز في تحقيق طموحاتها واحتياجاتها، ولكي تحافظ على توازن ميزانيتها لابد أن يظل سعر البرميل 85 دولار على الأقل. ثم إن السعودية تنوي فتح باب الاستثمار الأجنبي في أسهم شركة أرامكو الوطنية في عام 2020، وتعرّض صناعة النفط السعودية إلى هجمات مثل التي حصلت في الأسابيع والاشهر الماضية يمكن ان يجعل المستثمرين الأجانب يصرفون أنظارهم عن هذه الأسهم”.
أما النقطة الأخيرة في هذا التحليل فهي الإشارة إلى أن “هشاشة وضع المملكة العربية السعودية يعكس إلى حد كبير هشاشة الاقتصاد العالمي الذي يعتمد على النفط والغاز إلى درجة أصبح فيها هذا القطاع “مهما ولا يمكن تحمل تبعات انهياره”. فالثورة الصناعية تأسست على معادلة “المزيد من الطاقة يعادل المزيد من النمو والثروة”. لكن هذه المعادلة باتت موضع استفهام على المستويين الاقتصادي والبيئي. وبالتالي يتساءل كاتب المقال: هل يمكن أن يؤدي انهيار عصر النفط في المملكة العربية السعودية إلى تغيير المعادلة لصالح الطاقات المتجددة؟
“العالم نسينا”
أما صحيفة “لا ليبرتي” فقد خصصت الجمعة 4 أكتوبر ركنها الخاص “حدث اليوم” لمأساة اليمنرابط خارجي، وعاصمته صنعاء “التي يطرق البؤس أبوابها كل يوم”، على حد قول تياري جاكولاي، “وهو بؤس يأخذ أشكالا متعددة من قنابل وامراض معدية وسوء تغذية، تخطف كل مرة أبأ او أخا او أما..”. والجميع بحسب هذا التقرير “تحوّل إلى ضحية لهذه الحرب المجنونة التي حصدت أرواح أكثر من 90 ألف يمني، وشردت أزيد من 3 ملايين مواطن”. صنعاء، هذه المدينة الجريحة التي توجد في تقاطع النيران بين المتمردين الحوثيين على الشرعية في البلاد والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الذي يدعم الحكومة في عدن.
المقال كتب بمناسبة زيارة الناشطة اليمنية سعاد القادري إلى جنيف طلبا للدعم الدولي للضغط على الأطراف المتنازعة من اجل إيقاف الحرب التي أرهقت كاهل سكان صنعاء حيث تقطن هذه الناشطة.
ومن أبرز ما جاء في حوار أجرته الصحيفة السويسرية مع هذه الناشطة تأكيدها على
– شعور اليمنيين بأن العالم قد تخلى عنهم ونسيهم، وأن المجتمع الدولي لا يتحمل مسؤوليته تجاههم.
– أن الحرب في بلدها والحصار المضروب على العديد من مناطقها، أدى إلى ندرة في المواد الغذائية، أو إلى ارتفاع أسعارها في الأسواق.
– انهيار مرافق الدولة والخدمات الأساسية في اغلب المناطق.
– أن الجزء الأكبر من الشعب اليمني يعيش على المساعدات الانسانية بشرط وصولها للمحتاجين، وان الجزء الآخر يستفيد من إعانات المغتربين الذين يعملون في الخارج.
– توقّف مرافق الدولة على دفع الأجور لنسبة كبيرة من الموظفين.
– أن المستشفيات ممتلئة بالمرضى والمصابين، وهي اهداف مشروعة بالنسبة لأطراف النزاع.
“هل أكون خاشقجي آخر؟”
ليس في عنوان هذا التقرير الذي نشرته صحيفة “لوتون” السويسرية يوم الأربعاء 2 أكتوبر رابط خارجيأي مجازية بل هي قصّة حقيقية لمأساة عاشها صحفي يمني يسمّى يحي السواري، ويأتي نشر هذه الشهادة المرعبة بالتزامن مع مرور سنة على اغتيال وتقطيع أوصال الصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي، وموجة الإدانة التي أعقبت تلك الجريمة النكراء.
في مقدمة التقرير، يكتب صاحب المقال: “كان من المنتظر أن تدفع موجة الإدانة والاحتجاجات على مقتل خاشقجي الرياض إلى أن تراجع طريقة تعاملها مع الصحفيين، لكن القصة التي وردت تفاصيلها في هذا المقال تثبت العكس تماما”.
تعود الاحداث التي يرويها التقرير إلى بداية 2019، حيث استغرب الصحفي اليمني السواري حضور قوات سعودية في محافظة المهرة، منطقة لا يوجد فيها عدد كبير من السكان تقع اقصى شرق اليمن. فأراد أن يكشف سبب هذا الحضور، خاصة وأن التحالف العربي يدعي أن حضوره في اليمن هو من أجل محاربة التمرّد الحوثي. لكن الصحفي توصّل إلى أن الوجود السعودي في تلك المنطقة هو لأغراض استراتيجية مختلفة تماما: “من أجل بناء أنابيب لنقل النفط السعودي من دون حاجة إلى مضيق هرمز الذي بات الامن فيه مهددا بعد التوترات الأخيرة بين إيران وجيرانها الخليجيين والقوى الدولية”.
لكن الصحفي اليمني، بحسب هذا التقرير، لم ينجح في إكمال تحقيقه، “فقد ألقي عليه القبض في عاصمة المحافظة ثم سلم إلى العسكريين السعوديين والتهمة “التعرّض إلى مصالح المملكة العربية السعودية”. وبالنسبة للسلطات السعودية: “الصحفي هو مجرم، وهو شخصية خطيرة، لابد من إيقافه عند حدّه”. ويستند التقرير إلى شهادة “مراسلين بلا حدود” التي تؤكّد أن الصحفيين عرضة للإضطهاد من جميع الأطراف المتنازعة في المنطقة وخاصة إذا ما مسّ هؤلاء بالمصالح السعودية”.
سجن سرّي في المطار
هكذا بدأت أيام الجمر التي امتدت 56 يوما بالنسبة للصحفي السواري: “أعين معصبّة، وتحقيقيات طويلة واتهام بالتجسس لصالح المتمردين الحوثيين ولحزب الله ولقطر، وللمخابرات العمانية، لكن الصحفي اليمني رفض كل هذه الاتهامات”، تذكّر الصحيفة التي تؤكد مصادرها وجود سلسلة من السجون السرية في اليمن والعديد من القواعد العسكرية السعودية خاصة في شرق اليمن”. لكن الصحيفة تورد الرد السعودي على اتهامات الصحفي اليمني، إذ بحسب مصدر عسكري سعودي “السواري كان معتقلا لدى الامن اليمني، وليس هناك شيئا يسمى سجون سرية تابعة للملكة في اليمن”.
ووفقا لنفس التقرير يبدو ان الجهات السعودية قد خشيت من تبعات اعتقال هذا الصحفي فقررت تسليمه إلى ميليشيا محلية للتعامل مع الصحفي بعيدا عن الأضواء.
وبالفعل تقول الصحيفة “تعرّض الصحفي السواري إلى أعمال تعذيب شنيعة، وإلى صدمات بالكهرباء ..”. وهذه الممارسات بحسب الصحفي اليمني “كان يشرف عليها ضباط سعوديون بشكل مباشر”. ولو لا ان “تمكن هذا الصحفي من الفرار، لربما واجه مصيرا يشبه مصير خاشقجي”، على حد رأي الصحيفة السويسرية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.