عندما تتحوّل سويسرا من مموّل إلى مستفيد
بنوك التنمية مثيرةٌ للجدل! ففي هذه المؤسسات المالية المتعددة الأطراف والعابرة للأمم التي ينبغي أن تشجع التنمية الاقتصادية في البلدان الفقيرة، تتمتع سويسرا بنفوذ كبير وتستفيد من ذلك. ووفق دراسة جديدة، فإن أموال البنك الدولي تتدفق عبر أقنية الفساد، إلى حسابات مصرفية في سويسرا.
بنوك التنمية، المتعددة الأطرافرابط خارجي، هي مؤسسات عابرة للأمم تنشؤها الدول التي تساعد البلدان النامية بواسطة منحها القروض المالية والاستشارات والمساعدة التقنية. بنوك التنمية تمنح القروض التي ترفض تقديمها البنوك العادية بسبب المخاطر، ومن أجل إعادة تمويل القروض تشغّل أموالاً ضخمة في أسواق رأس المال العالمية.
من يُدير بنوك التنمية؟
تحدد الدول الأعضاء اتجاه بنك التنمية اعتمادًا على مساهمة كل منها في رأس المال واستناداً إلى وزنها الاقتصادي. يتم ترتيب الدول في مجموعات تصويت، لكل منها مدير تنفيذي يمثلها بالكامل في مجلس الإدارة.رابط خارجي
حين يقدم البنك الدولي أموالاً، ينبغي أن تدور عجلة الاقتصاد في بلد معين من البلدان النامية أو المصنّعة حديثًا، غير أن الأرصدة المالية لأغنياء ذلك البلد ترتفع في مؤسسات مالية خارجية بشكل مفاجيء وموازٍ لذلك، وهو ما يشبه إلى حد كبير القانون الطبيعي.
أخيرا، توصلت دراسة للبنك الدوليرابط خارجي إلى نتيجة مفادها أن 7.5% من أموال التنمية التي يدفعها البنك تذهبُ إلى حسابات في ملاذات ضريبية، وذلك عبر الفساد في البلدان التي تتلقى تلك الأموال، وأن “سويسرا بمركزها المصرفي هي أهم الوجهات المقصودة في هذا الشأن”. هكذا، تستفيد البنوك السويسرية بشكلٍ غير مباشر من الأموال التي تخصّصها بنوك التنمية واقعيًا للتطوير الاقتصادي في البلدان الفقيرة.
دانييل بِرخماير، مدير التعاون المتعدد الأطراف في أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية لا يعرف تفاصيل تلك الدراسة، لكنه يشير إلى أنها وُضعت في مرحلة تدقيق جديدة تقوم على معطيات أقل رصانة أو أنها ذات مفاعيل أقل تأثيراً من الناحية الإحصائية، ويقول بأن “الفساد في الكثير من البلدان الفقيرة هو مشكلة يجب كبحها، سواءٌ من قبل المؤسسات أم باتخاذ إجراءات رقابية”
الشركات السويسرية تستفيد
لكن سويسرا تكسب الكثير أيضًا بشكل مباشر من أموال بنوك التنمية حيث تربح الشركات السويسرية من المشاريع التي تمولها هذه البنوك، ففي مجالات الصحة والمالية والبنى التحتية للمياه والطاقة والزراعة على وجه الخصوص تتمتع تلك الشركات بحضور قوي.
مبدئيًّا، تكون أبواب المناقصات العامة للعقود التي تطرحها بنوك التنمية، مفتوحةً للجميع، لكن يبقى نجاح الشركات السويسرية بشكلٍ دائم في الحصول على هذه العقود المربحة ملفتًا للنظر، ومن الواضح أن هذه الشركات حققت في هذا المجال حرفيّة وراكمت خبرة لا شك فيهما.
فهل هذه المناقصات تُعدّ بشكلٍ مُسبق وفقًا لحاجات الشركات السويسرية، أو أن الخبرة في الإجراءات المعقدة نوعًا ما في طرح المناقصات تنقص الدول الأخرى، لا يوجب جواب قطعي إلى حد الآن.
في نهاية الأمر لا تحصل الشركات السويسرية على مجرد عقد عمل في البلد الذي يتلقى المساعدات، وإنما تضع قدمها في سوقٍ ناهضةرابط خارجي، إذا سار كل شيءٍ على ما يرام.
سويسرا صاحبة نفوذ كبير
سويسرا بلد صغير، لكن لها تأثير كبير نوعًا ما في بنوك التنمية، فرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين هما العضوان الأكثر نفوذاً، إلا أن سويسرا تدير لجانًا مهمة وتقدم حاليًّا مدراء تنفيذيين للعديد من تلك البنوك؛ وبسبب قوتها الاقتصادية ومساهماتها الكبيرة في رؤوس الأموال فإنها تتمتّع بالكثير من حقوق التصويت المتناسبة مع ذلك. بشكلٍ خاص، لسويسرا تأثير كبير في المشاريع التي تمولها بشكلٍ مباشر.
يقول بِرخماير: “بالقياس إلى حجمها، فإن سويسرا لها تأثير يفوق المعدل الوسطي”، ويضيف: “سويسرا من المتبرعين العشرة الأوائل، وبالإضافة إلى ذلك فإنها حققت مكانة جيدة، بشكل غير رسمي، وذلك عبر نشاطها في تقديم اقتراحات؛ وهي تُعد من قادة الرأي”.
لكن كريستينا لانتس من “تحالف الجنوبرابط خارجي” وهو تجمع مدني يضم المنظمات غير الحكومية السويسرية العاملة في المجالات التنموية تقول منتقدةً: “في مجال حقوق التصويت في بنوك التنمية، توجد هوّة بين الدول الغربية والدول النامية”.
ولا عجب في ذلك: فالدول الغربية تمنح الأموال، وفي المقابل فإنها تريد مشاركة في القرار. من يدفع الأموال يُصدر الأوامر. هذا ما يراه بِرخماير أيضًا: “نحن نستخدم الكثير من الأموال، وعليه نريد أيضًا المشاركة في تحديد المسار”.
توظيف القطاع الخاص؛ فكرة سويسرية؟
ساهمت سويسرا بشكلٍ حاسم في المسار المثير للجدل للبنك الدولي، والذي ينبغي على أساسه توظيف القطاع الخاص في مساعدات التنمية. في هذا الصدد، يؤكد بِرخماير بأن “سويسرا كانت من أوائل الذين قالوا بوجوب الاستفادة من طاقة القطاع الخاص بشكل هادف”، ويستدرك: “لكننا أوضحنا دائمًا بأن الأمر لا يتعلق بعقد صفقات منفردة ومتناثرة، بل بتحولات، وهذا يعني خلق أسواق شفافة على المدى المتوسط”.
إن الهدف، يقول آخر، لا يتعلق بأن تعقد بعض الشركات ما أمكنها من صفقات مربحة، بل بتطوير الاقتصاد (في البلد المعني) كوحدة متكاملة. لكن تشغيل الشركات الخاصة في المساعدة على التنمية يلقى انتقاداً لدى المنظمات غير الحكوميةرابط خارجي.
تقول لانتس: “تريد الشركات تخفيض المخاطر إلى الحد الأدنى وزيادة أرباحها إلى الحد الأقصى، لكن الاستثمارات في البلدان الأكثر فقراً تحمل مخاطر، كما أن الكثير من الاجراءات الضرورية لمكافحة الفقر، كالاستثمارات في مشاريع قطاعات التربية والصحة، غير مربحة”، وتضيف بأن “البنك الدولي يحاول من خلال تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلقاء المخاطر على الدول النامية”، أو بتعبير آخر: خصخصة الأرباح و”تأميم” المخاطر.
ويوجد تناقض آخر، وهو أن الشركات الخاصة ملزمة قانونيًّا أمام المساهمين بزيادة أرباحها إلى الحد الأقصى، وذلك على العكس من المنظمات غير الربحية. في الكثير من الحالات يصعب تصور إمكانية الملائمة بين التوجّه الربحي من جهة والمصلحة العامة المتوخاة من مساعدات التنمية من جهة أخرى.
ولا تستطيع أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية نفسها حل هذا التناقض بطريقة حاسمة، لكنها تتفق مع إتلاف “تحالف الجنوب” على ضرورة تشجيع الشركات المحلية خصوصًا، الصغيرة منها والمتوسطة، كما يتفقان على وجوب خلق سوقٍ محلية نابضة؛ حتى أن لانتس تقر في هذا الصدد: “أن هناك دون ريب استثمارات خاصة جيدة ومفيدة”.
اِنتقاد نجاحات بنوك التنمية
ساهمت مجموعة البنك الدولي، بشكلٍ جوهري، وفقً الحكومة الفدرالية، في الحد من ظاهرة الفقر المدقع على مستوى العالم: حيث تراجع معدّل الفقر من 41% في عام 1981 إلى 10% في عام 2015.
لكن لانتس تعترض وتقول: “في الثمانينيات زاد البنك الدولي من نسبة الفقر، وذلك من خلال برامج التعديل الهيكلي”. والمقصود بذلك، السياسة المنتشرة آنذاك لمكافحة الديون في الدول النامية، والتي أريد من خلالها توجيه البلدان التي تتلقى المساعدات نحو اقتصاد السوق الحر، على سبيل المثال من خلال خصخصة مؤسسات الدولة.
وتلحق آلية أخرى أضرارا بالمجال التنموي: كأن تنشأ شركات عالمية كبرى بنى تحتية ضخمة ومكلفة، وتُفرض الرسوم على استخدامها، فيتحول ذلك إلى مشكلة عندما لا يستطيع المستخدمون دفع تلك الرسوم لأن الرواتب المحلية لا تكفي لذلك، أو عندما تجري خصخصة الشوارع وإمدادات الطاقة.
وتشرح لانتس هذه الظاهرة : “في موزمبيق على سبيل المثال يجري دائمًا تمويل المزيد من البنى التحتية عبر شراكة القطاعين العام والخاص، فيتوجب على الناس فجأةً دفع رسوم لاستخدام الشوارع وهم لا يعرفون لماذا”، وحسب لانتس أيضًا فإن المدارس بعد خصخصتها تطلب تكاليف دراسة لا يستطيع الكثير من الآباء تسديدها على الإطلاق. في تنزانيا مثلا، أدت إحدى شراكات القطاعين العام والخاص لإنتاج الطاقة الكهربائية، والمدعومة من البنك الدولي، إلى رفع أسعار التيار الكهربائي حيث زادت في سنة واحدة بنسبة 40%. بالتأكيد يستفيد السكان من البنى التحتيةرابط خارجي، ولكن عندما لا يُرسل الناس أولادهم إلى المدارس بسبب الرسوم أو لا يستخدمون الشوارع للتجارة فإن التنمية تتعرقل أكثر مما يجري تشجيعها.
لانتس تُقر بأنه “من الطبيعي أن هناك أيضًا مشاريع جيدة لبنوك التنمية حيث تدفقت الكثير من الأموال في مشاريع الطاقة المتجددة؛ على سبيل المثال، جرى التوسع في بناء الألواح الصغيرة للطاقة الشمسية”، لكنها تنتقد في الوقت نفسه استمرار تدفق الكثير من الأموال في مجال الوقود الإحفوري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.