تصويت مجلس حقوق الإنسان بشأن الصين يعكس تحوّلا في ميزان القوى
رفض ممثلو هيئة الأمم المتحدة المسؤولة عن حماية حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم مناقشة الوضع في إقليم شينجيانغ في شمال غرب الصين، على الرغم من جهود الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية في هذا الشأن.
في 6 أكتوبر 2022، صوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بالرفض على “مسودة قرار” تاريخية لإجراء مناقشة حول وضع حقوق الإنسان في مقاطعة شينجيانغ الصينية.
ومنذ تاريخ إنشائه، أي منذ ستة عشر عاماً، لم يستهدف المجلس أبداً، أيّ عضو دائم في مجلس الأمن الدولي. وقبل التصويت، كان ممثلو الدول الأعضاء يتساءلون: هل من المُمكن أن توافق أعلى هيئة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة على إجراء مناقشة حول الانتهاكات المزعومة، والتي وجدت الأمم المتحدة أنها قد ترقى إلى مرتبة “جرائم ضد الإنسانية”، من قبل واحدة من أقوى دول العالم، الصين؟
وبالرغم من أن نتيجة التصويت جاءت متقاربة – 19 ضد، و17 مع، وامتناع 11 عضواً عن التصويت – إلا أنها اعتُبِرَت، على الصعيد الدبلوماسي، فوزاً كبيراً للصين.
وكتبت بعثة الصين لدى الأمم المتحدة في جنيف على حسابها على موقع تويتر أن النتيجة أظهرت “المعارضة الحازمة من قبل الدول النامية لمحاولات التوظيف السياسي للقضايا المتعلقة بشينجيانغ من قبل بعض الدول الغربية”. وصرّحت الوفود الغربية، التي كانت قد قدّمت نص الاقتراح، أن التصويت، وبغض النظر عن نتيجته، قد أظهر أن عدداً كبيراً من الحكومات مستعدة للوقوف في وجه الصين.
لكن بعض المراقبين المتابعين لما يحدث في منظمة الأمم المتحدة تساءلوا عما إذا كان المجلس – الذي يمتلك تفويضاً يخوّله العمل على تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أنحاء العالم وعلى معالجة الانتهاكات أينما حدثت – قد فقد على إثر ذلك مكانته وهالته الأخلاقية.
<<<< ما هي مهام مجلس حقوق الإنسان؟ ألقت SWI swissinfo.ch نظرة عن كثب على كيفية إنشائه وآلية عمله:
ضربة لمصداقية المجلس
يقول مارك ليمون، المدير التنفيذي لـ مجموعة الحقوق العالميةرابط خارجي، وهي مؤسسة فكرية لها مكاتب تعمل في كل من جنيف و نيويورك وبوغوتا: “من المستحيل اعتبار نتيجة هذا التصويت إلا كضربة لمصداقية مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة”.
وقد عارض العديد من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي مثل إندونيسيا وقطر ودول أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا مشروع القرار. وامتنعت بعض أكبر الديمقراطيات في العالم مثل الهند والبرازيل والمكسيك عن التصويت.
وبحسب رافاييل فيانا ديفيد المدافع عن حقوق الإنسان في كل من الصين وأمريكا اللاتينية في منظمة التضامن الدولي لحقوق الإنسانرابط خارجي، وهي منظمة غير حكومية لها مكاتب في كل من جنيف ونيويورك، “فقد تم تقويض مصداقية هؤلاء الأعضاء كجهات فاعلة بناءة في المجلس، ليس لأنهم لم يتخذوا موقفاً من الصين يتناسب ودور المجلس فحسب، ولكن لأن حكوماتهم درجت تقليديّاً على تشجيع الحوار باعتباره الملاذ الأول لحل الأزمات الوطنية أو لمعالجة الأوضاع التي تعتبرها مثيرة للجدل”.
أما مارك ليمون، فيرى أن نتيجة التصويت ليست بالضرورة “ضربة قاتلة” لمصداقية وسمعة المجلس.
وبعد يوم واحد من التصويت الذي استهدف الصين، أصدر المجلس قراراً بتكليف مقرر خاص معني بروسيا، وهو بمثابة قرار تاريخي آخر ضد عضو قوي في مجلس الأمن. ويعتبر رافاييل فيانا ديفيد أن هذه النتيجة التي أتت لصالح الصين كانت، قبل عامين من الآن، “غير واردة على الإطلاق”.
وحتى العام الماضي، عندما رفض المجلس تجديد ولاية الخبراء الذين يحققون في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في الحرب الأهلية اليمنية، لم يسبق أبداً للمجلس أن صوّت ضد أي قرار. وكان لخطوة الرفض وقع الصدمة على المدافعين عن حقوق الإنسان في ذلك الوقت. وبرفض المجلس مشروع القرار المتعلّق بالانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في مقاطعة شينجيانغ الصينية، يكون قد سجّل حتى الآن رفضه لمُقترحيْن.
تحوّل في ميزان القوى
يقول مارك ليمون: “هناك تحوّل واضح في ميزان القوى في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”. ويعتقد ليمون أن معالم هذا التحوّل بدأت في الظهور بعد تخلّي الولايات المتحدة عن عضويتها في المجلس في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. “إذا أردنا التحدث عن لاعب واحد مُسيطر على ميزان القوى الآن في المجلس، نستطيع تسمية الصين دون تردّد. تتبعها مباشرة الولايات المتحدة، لكنها لم تعد تملك نفس السلطة التي اعتدنا عليها”.
تاريخياً، كان المعسكر الغربي يمسك بمفاتيح آليات نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، من خلال مٌثُلِه العليا في الديمقراطية، وتركيزه على احترام الحقوق المدنية والسياسية للأفراد في أنحاء العالم. وحتى وقت قريب، نادراً ما كانت مشاريع قرارات الدول الغربية هدفاً للرفض من قِبَل الدول الأخرى. لكن، في السنوات الأخيرة، شهد هذا الواقع تحوّلاً ملحوظاً في ميزان القوى.
في عام 2020 وعلى إثر مقتل جورج فلويْد على أيدي الشرطة الأمريكية، قام المجلس بتكليف المفوض السامي بإعداد تقرير عن العنصرية المنهجية من قِبَل السلطات النظامية، وعنف الشرطة ضد الأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي. وركز على رصد الممارسات في هذا الشأن التي تجري في الولايات المتحدة. وفي عام 2021، تم اعتماد قرار بقيادة الصين بشأن “التأثير السلبي لتركات الاستعمار على حقوق الإنسان”، والذي يستهدف دول أوروبا الغربية وكندا والولايات المتحدة، ولكن دون تسميتها.
ويعتبر ليمون أنه وأمام هذه التطورات داخل المجلس، لم يكن بوسع الدول الغربية سوى الاعتراف بأخطائها؛ حيث وجدت نفسها أمام خياريْن لا ثالث لهما: “فإما أن ترفض النقد مطلقاً، وتبدو بعد ذلك تماماً مثل الصين أو روسيا. أو تعترف قائلة، “نعم، نحن ندرك أن لدينا مشكلة، لكننا نرغب بالقيام بجهود ما حيالها”.
وقبل التصويت في 6 أكتوبر الجاري، أعربت ممثلة الولايات المتحدة الدائمة في مجلس حقوق الإنسان، ميشيل تيلور، أمام المجلس عن رغبة بلادها في رؤية “عدم رفض أي دولة من الدول الأعضاء، مهما كانت قوتها، المشاركة في مناقشات المجلس، بما في ذلك بلدي، الولايات المتحدة، وجمهورية الصين الشعبية”.
وبحسب فيليكس كيرشماير، المدير التنفيذي لمنصة جنيف لحقوق الإنسانرابط خارجي، فإن مثل هذه التصريحات من قبل الحكومات القوية “ستجعل من الصعب على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن تفادي المشاركة في المناقشات أيّاً كانت”.
ضربة للضحايا
أما بالنسبة للضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان، فمن الصعب تقبّل النتيجة التي أسفر عنها تصويت المجلس في 6 أكتوبر الجاري.
لقد علّق الكثير من المعنيين آمالهم على النتائج المرجوّة من تقرير ميشيل باشليت، المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنتهية ولايتها، بشأن شينجيانغ بعد نشره في 31 أغسطس 2022، وعوّلوا كثيراً على تمكّن المجلس أخيراً من معالجة الأوضاع هناك. ويحتوي التقرير على أدلة توثّق انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتمييزي، والذي وصفته الأمم المتحدة بأنه قد يرقى إلى “جرائم ضد الإنسانية”.
“اليوم، وبعد أن حصلنا على تقرير من مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوثّق الانتهاكات، من اللازم اتخاذ إجراءات ملموسة على مستوى الأمم المتحدة بشأن الصين”، على حد تعبير زومريتاي أركين، مدير منظمة البرامج والدعم في المؤتمر الأويغوري العالميرابط خارجي، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من ميونيخ مقرّاً لها. ويضيف أركين قائلاً: “إن إفلات المرتكبين لهذه الانتهاكات من العقاب ليس هو العزاء الذي نقدّمه لأهالي الضحايا وللناجين وللمجتمعات المحلية المتضررة”.
وعلى الرغم من خيبة الأمل التي تلقّتها الجماعات الحقوقية على إثر تصويت المجلس في 6 أكتوبر، إلا أنها ستواصل دفاعها عن أهمية تحقيق المُساءلة في الأمم المتحدة. وفي هذا الصدد، يقول أركين: “سنحرص على النضال من خلال فضاء الأمم المتحدة لأنه لا يزال، على الرغم من كل ما حدث، المساحة المناسبة لنا للعمل ولاتخاذ إجراءات متعددة الأطراف”.
أعضاء جدد
من جهته، يقول رافاييل فيانا ديفيد: “إن حال المجلس من حال أعضائه، وهناك تغيّرات في العضوية تطرأ كل عام”. ويضيف قائلاً: “داخل المجلس، لا يُعتَبر الفارق بصوتين بين من مع ومن ضد فارقاً كبيراً “.
دوريا، يتم انتخاب أعضاء المجلس لولاية مدتها ثلاث سنوات. وفي 11 أكتوبر الجاري، انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة اثنا عشر عضواً جديداً يمثّلون دولهم. سبعة من بين هذه الدول، بما في ذلك السودان وبنغلاديش وفيتنام، لديها سجل في الأعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وفقاً لتقرير صدر عن الأمم المتحدة. ومع ذلك، لم يتم إعادة انتخاب فنزويلا، التي اتهمها خبراء مفّوضون من الأمم المتحدة بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
في سياق الانتخابات، قدمت ثلاث مناطق جغرافية من أصل خمس لائحة تضم عدداً من المرشحين يساوي عدد المقاعد المتاحة – أي ما يُعرَف ” باللائحة المغلقة”.
يقول رافاييل ديفيد: “إحدى الطرق الوحيدة لتحسين آلية العضوية هي إجراء عملية انتخاب تنافسية وشفافة. فأحد الشروط المُسبقة الذي ينبغي إقراره هو تقديم لوائح تنافسية، وهذا يعود إلى رغبة كل دولة من الدول الموجودة في المناطق المختلفة”.
إصلاحات؟
وعلى ما يبدو، فإن استمرار عدم القدرة على المساس بالصين في مجلس حقوق الإنسان، قد يثير تساؤلات عدّة حول ضرورة إجراء إصلاحات في آليات عمل المجلس.
ووفقاً لليمون، فهذه الاصلاحات ليست بالضرورة حتميّة. لكن يمكن للمجلس أن ينفق المزيد من الموارد لمساعدة “الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي ترغب فعليّاً بتحسين الأوضاع المتعلّقة بحقوق الإنسان في بلادها، ولكنها تفتقر إلى القدرة على القيام بذلك”. ويضيف قائلاً: “هذا لا يعني أن الإدانة العلنية للدول ليست ضرورية في بعض الأحيان، بل هي كذلك”، ولكن ينبغي للمجلس أن يركز اهتمامه أكثر على العمل على منع انتهاكات حقوق الإنسان ومعالجة الأزمات في مرحلة مبكرة.
وبالنظر إلى السياق الجغرافي – السياسي الحالي، فإنه لا مفر من وجود مستوى معيّن من استقطاب الدول في هيئة متعددة الأطراف، كما يشير كيرشماير. ويقول : “يميل الناس إلى تناسي أنها – في نهاية المطاف – نفس الدول التي تجري المباحثات وتتخذ القرارات في المجلس وداخل المنظمات الأخرى؛ المجلس ليس سلطة أخلاقية سامية، فهو قائم على مجموعة من الدول، ولا بد أن تظهر فيه المصالح السياسية”.
تحرير: إيموجين فولكس
ترجمة: جيلان ندا
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.