هل تواجه جنيف صعوبة في جذب الشركات والموظفين؟
في الآونة الأخيرة، أعلنت عدة شركات أمريكية ويابانية، من الشركات المتعددة الجنسيات، عن تقليص حجم أعمالها في جنيف. فهل تأتي هذه الخطوة كجزء من توجه عام يعكس مناخ الأعمال وسوق العمل المحلي؟
على ضوء أخبار حديثة قاتمة عن وضع الأعمال في جنيف، حذر رئيس غرفة التجارة السويسرية الأمريكية (Amchamرابط خارجي) مارتن نافيل من أن الكانتون أصبح يجد صعوبة في جذب شركات أمريكية جديدة. وأشار إلى انخفاض عدد موظفي الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات بنسبة 10 % خلال العقد الماضي. وبحسب قوله فإن هذا الوضع يرجع في جزء منه إلى” تقلبات مستجدة متعلقة بالحياة السياسية في سويسرا” وكذلك إلى المنافسة الشديدة في سوق العمل، التي تمارسها كل من هولندا وإيرلندا.
وتلا هذا التحذير إعلان كل من شركة التبغ اليابانية جي تي أيرابط خارجي (JTI) وشركة كوتي -الولايات المتحدة- المتخصّصة في مستحضرات التجميلرابط خارجي، عن خفض عدد الموظفين العاملين لديهما في جنيف.
وبحسب سجورد برويرز، الرئيس التنفيذي لشركة أوريس ريلوكيشن Auris Relocation، فإن التكلفة المرتفعة للرواتب تماشياً مع مستوى المعيشة في سويسرا، أصبحت تشكل تحدياً واضحاً يواجه الشركات الأجنبية الكبرى: “تسرّح الشركات عدداً من موظفيها بسبب ضغوط التكلفة الي تعتبر عالية نسبياً”. كما أضاف أن زيورخ تشهد وضعاً مماثلاً. “بالنسبة لبعض الوظائف، من غير المنطقي الإبقاء عليها في سويسرا”.
إلا أن بيير موداي، وزير التنمية الاقتصادية في كانتون جنيفرابط خارجي، له مقاربة مختلفة لهذا الأمر. فهو يعارض نافيل في رأيه ويقلل من أهمية تحذيره؛ ويوضح قائلاً: “هذه خيارات فردية تستجيب لظروف واحتياجات مختلفة تماماً”، مُضيفاً أن شركتي جي تي أي وكوتي قد أكدتا من جديد علاقاتهما الوثيقة بجنيف.
ويقول غيوم بلانشان، مدير شركة روبرت والترز سويسرارابط خارجي للاستشارات المتخصصة في التوظيف، إن قرار كوتي بتركيز ثلثي موظفيها في أمستردام، كان قراراً معقداً ويجب ألا يُنظر إليه من وجهة نظر مالية بحتة. كما أنه يرفض فكرة أن جنيف تواجه مشاكل في جذب شركات أمريكية جديدة.
ويشير أيضاً إلى أن “بعض الشركات قد نقلت في السنوات الأخيرة، مراكز صنع القرار مرة أخرى إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى الحد من استقلاليتها في جنيف وإلى ترشيد النفقات المالية”.
وافدون جدد
ووفقاً لأحدث أرقام الترويج الاقتصادي، تظل منطقة غرب سويسرا وجهة جذابة للشركات الأجنبية الجديدة؛ ففي ربيع هذا العام، سجّلت وكالة تطوير الأعمال في منطقة جنيف برن الكبرىرابط خارجي تأسيس 92 شركة جديدة في المنطقة في عام 2018، بما في ذلك العديد من الشركات الناشئة.
ويقول جوليان جيبرت، المدير التنفيذي لفرع جنيف في شركة مايكل بيج للتوظيفرابط خارجي: “لا تزال هناك شركات تنشأ وتنمو هنا، ولكن ليس بنفس المستوى الذي كانت عليه قبل 10-15 سنة، حين كانت الشركات المتعددة الجنسيات تنتقل للعمل ومعها 200 موظف. أما اليوم فهي تبدأ العمل معتمدة على عشرة موظفين، ثم تقوم بتوظيف عشرة آخرين ثم 15 آخرين في العام التالي”.
بدوره، يشير موداي إلى أن شركات مثل هيفليت باكارد وفيسبوك ومايكروسوفت، اختارت جنيف مقراً لها للقيام بتطوير مشاريع رقمية جديدة. ويأمل أن يعطي قرار فيسبوك باتخاذ مدينة جنيف مقراً لجزء من مشروعها للعملة الرقمية “ليبرا”، دفعة قوية لمقومات المنطقة فيما يتعلق بتقنية قاعدة البيانات المتسلسلة (بلوكتشاين).
أين المواهب؟
على المستوى العام، فإن الاقتصاد القائم على التصدير في سويسرا قد شهد تباطؤاً ملحوظاً. ومن المتوقع ألا يتجاوز النمو الاقتصادي هذا العام نسبة 0.8 %، ثم 1.7 % في عام 2020، لا سيما وأن سويسرا تعاني من ضغوط التجارة الدولية. وبالرغم من ذلك، لا يزال المعدل الوطني للبطالة في سويسرا من أدنى المعدلات في أوروبا. حيث وصل في العام الماضي إلى 2.5 %، وهي أدنى نسبة منذ عام 2002، ثم انخفض إلى 2.1 % في يوليو من هذا العام. ومن الجدير بالذكر أن معدل البطالة في جنيف بلغ 3.8 %، وهي أعلى نسبة مقارنة بالكانتونات الأخرى.
وعلى الرغم من هذه النسبة، فقد أفادت معظم وكالات التوظيف المحلية لـ swissinfo.ch، بوجود سوق عمل “ديناميكي” و “واعد” ينمو بشكل مطرد. كما أوضحت أن المشكلة تكمن في إيجاد الموهبة المناسبة، لا سيما بالنسبة لوظائف الإدارة المتخصصة والهندسة والدعم الفني والإداري، وكذلك وظائف تكنولوجيا المعلومات.
ويقول بلانشان من شركة روبرت والترز سويسرا: “من حيث الحجم، سوق العمل مستقر نسبياً مقارنة بالعام الماضي. ولكن المشكلة تكمُن في ندرة المرشحين للوظائف”.
وبحسب ما جاء في مؤشر مايكل بيج الأخير للوظائف في سويسرارابط خارجي، والذي تم نشره في شهر سبتمبر الماضي، فقد حدثت طفرة في عدد الوظائف الشاغرة في جميع أنحاء البلاد (20%) وذلك بعد انتهاء العطلة الصيفية العام الماضي، بزيادة قدرها 19% في المنطقة الواقعة على ضفاف بُحيرة ليمان.
عودة حركة التداول التجاري
تصل نسبة الدخل الضريبي في جنيف، من قطاعات صناعة الساعات والتمويل وتجارة السلع الأساسية إلى حوالي 60 %. ومنذ عام 2009، أثّر تلاشي السرية المصرفية السويسرية بشدة على قطاع التمويل المزدهر؛ ففي جنيف فقط، تقلص عدد البنوك بمقدار الربع خلال العقد الماضي. ومع ذلك فإن سويسرا لا تزال تعتبر أكبر مركز لإدارة الثروات والأصول الدولية في العالم، لكن الحصول حالياً على وظيفة في قطاع التمويل في جنيف، يبقى رغبة صعبة المنال.
يقول نيكولاس لوتر، الذي يقود شركةرابط خارجي نوردواند Nordwand لتكنولوجيا المعلومات والتمويل والتوظيف التنفيذي في جنيفرابط خارجي: “اليوم، إذا قمت بوضع إعلان لمنصب محلل مالي [على موقع إلكتروني للوظائف الشاغرة] فستصلك خلال أسبوع واحد ما لا يقل عن 100 – 200 سيرة ذاتية، فهناك الكثير من الأشخاص المؤهلين لشغل مثل هذا المنصب. أما في مجال تكنولوجيا المعلومات، فهناك على الأقل أربعة أو خمسة عروض عمل كل شهر، والمتخصصون في هذا المجال يستطيعون بكل سهولة الانتقال إلى عمل جديد حين يشاؤون، فكل ما عليهم هو ملء استمارة العمل”.
من جهة أخرى، تُعدّ جنيف أيضاً مركزاً هاماً لتجارة السلع الأساسية، وتضم شركات مثل ترافيغورا (Trafigura) وفيتول Vitol التي توفر لوحدها 22 % من إيرادات الضرائب في الكانتونرابط خارجي.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه شركة الصناعات الزراعية الأمريكية “بونغ” مؤخراً عن استغنائها عن عشرات الموظفين من تجار الحبوب في جنيف، كجزء من عملية إعادة الهيكلة العالمية من أجل خفض التكاليف والحد من تعرضها لمخاطر السوق، أعلنت شركة “توتال” عن نقلها نحو 200 تاجر للطاقة والغاز والغاز الطبيعي المسال من لندن وباريس للانضمام إلى 300 موظف آخر يعملون في جنيف.
ويقول جيبرت: “لقد عادت حركة التداول التجاري لنشاطها خلال العام الماضي؛ فهناك شركات جديدة تصل إلى جنيف وتتخذها مقراً لها، وهو ما لم يكن ليحدث منذ عامين أو أربعة أعوام”.
ويعزى ذلك إلى موافقة الناخبين في وقت سابق من هذا العام على تغيير نظام ضرائب الشركات في سويسرا؛ حيث خفضت عدة كانتونات معدلات الضريبة الرئيسية. وجاء ذلك التخفيض من أجل تعويض حاجة الشركات المتعددة الجنسيات، التي تقع مكاتبها والشركات الفرعية التابعة لها في سويسرا، إلى التخلي عن الامتيازات الخاصة. ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه قد تم تخفيض معدل ضريبة دخل الشركات في جنيف من 24.2% إلى 13.99%.
من السابق لأوانه تحديد الأثر الذي سيُحدثه هذا التغيير الضريبي، لكن المراقبين للوضع ومنهم برويرز الخبير في عملية نقل الشركات، متفائلون. ويشرح هذا الخبير، أن انعدام اليقين الذي كان محيطاً في السنوات الماضية بالإصلاح الضريبي للشركات، قد أجبر العديد منها على تعليق قراراتها وتحركاتها الاستثمارية. أما الآن “فقد تغير الوضع، ولا بد أن نشهد بعض الحركة من جديد. لا شك أن هناك بعض المعطيات التي تدل على أن الأمور تتغير، لكن ذلك سيستغرق حتماً بعض الوقت”، على حد قوله.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.