سويسرا تتجه لمكافحة الفساد الرياضي بمزيد من الحزم
بِصفتها الدولة المُضيفة لـ 65 اتحادا رياضيا دوليا، بِضِمنها الإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، تجد سويسرا نفسها في مواجهة ضغوط تطالبها بإخضاع هذه المنظمات إلى المزيد من المساءلة. ووفقاً للمراقبين، قد تُـصبح سويسرا الدولة الرائدة في مجال مكافحة الفساد الرياضي، في حال تنفيذها للتغييرات الصارمة الجديدة في القانون، المعروضة أمام البرلمان.
في يوم 18سبتمبر 2014، إلتقى أكثر من ثلاثين وزيرا للرياضة من الدول الأعضاء في مجلس أوروبارابط خارجي في بلدة ماغلينغن (وإسمها بالفرنسية ماكولان) الخلابة بكانتون برن، التي ترتفع فوق بحيرة “بيال Biel”، غرب سويسرا، لحضور اجتماع المجلس، بُغية مناقشة القضايا الشائكة المتعلِّقة بالحُكم الرشيد والتلاعُب بنتائج المباريات (أو ما يسمّى بالتواطُـؤ) في الألعاب الرياضية الدولية.
وفي ختام ثاني أيام الإجتماع، الذي ترأسه أولي ماورر، وزير الدفاع والرياضة والشباب السويسري، وقَّعت 15 دولة عضو في مجلس أوروبا على إتفاقية دولية جديدة، تتعهّد فيها بالإلتزام بالمزيد من الرّدع والملاحقة القضائية لعمليات التلاعُب بنتائج المباريات والفساد في عالم الرياضة.
المزيد
مُعاهدة جديدة لمكافحة التّلاعب بنتائج المباريات
وبالرغم من الإهتمام الكبير الذي تركَّز على الإتفاقية، إلّا أن دور سويسرا الهام في مكافحة الفساد الرياضي، لم يَغِب عن أذهان المندوبين. “بوصفها مقرا لأكثر من نصف الاتحادات الرياضية الأولمبيةرابط خارجي واللجنة الأولمبية الدوليةرابط خارجي والاتحاد الدولي لكرة القدمرابط خارجي (الفيفا)، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، التي تلعب دوراً أساسياً في تسيير الرياضة الأوروبية والعالمية، تجد سويسرا نفسها متأثِّـرة بشكل مباشر عند ظهور حالات الفساد في الرياضة”، كما جاء في الخطاب الذي توجَّه به مايكل كونارتي، نائب رئيس الجمعية البرلمانية الفرعية لمجلس أوروبا لشؤون التعليم والشباب والرياضة إلى جموع الحاضرين.
ومع توجّه جميع الأنظار إلى دولة جبال الألب، يحرص المسؤولون السويسريون على التأكيد على جدِّيتهم في تناوُل هذا الموضوع، واطِّـلاعِهم الجيد على حجم المشكلة.
“يسُـرّ سويسرا أن تؤكّد على دورها الفاعل في محاربة الإنتهاكات التي تهدِّد قيمة ومِصداقية عالم الرياضة”، كما قال الوزير ماورر.
ويشير السويسريون إلى التقرير الخاص بالفساد الرياضيرابط خارجي الصادر عن المكتب الفدرالي للرياضة في عام 2012، الذي دعا إلى “اتخاذ إجراءات أكثر صرامة”، وأدّى إلى جملة من التغييرات القانونية التي تتضمّن تعديلات على قانون المنافسة غير المشروعة في قانون العقوبات السويسري، والتي يجري النظر فيها من قِبل البرلمان.
وسوف تؤدّي هذه التغييرات القانونية إلى جعل الفساد الخاص، جريمة جنائية، حتى وإن لم يؤدِّ إلى الإخلال بالمنافسة، وفقاً للوضع الحالي. كما سيتم التعامل مع قضايا الفساد الخاص بشكل تِلقائي. وفي الوقت الرّاهن، لا تضطلع المحاكِم السويسرية بقضايا الفساد الخاص، إلّا عند تلقّـيها شكوى من إحدى الشركات أو الجماعات أو الأفراد. وفي المستقبل، سوف تكون جميع المنظمات الرياضية والشركات والجمعيات العادية مَعنية بهذا الأمر.
ولكن هناك تغييرات قانونية أخرى تمضي قُـدماً. ففي الدورة الخريفية الأخيرة للبرلمان الفدرالي (من 8 إلى 26 سبتمبر 2014)، أيَّـد النواب تعديلات على قانون سويسري لمكافحة غسيل الأموال، بُـغية تصنيف كِبار مسؤولي الرياضة في سويسرا كـ “أشخاص معرضين سياسيا”، وإخضاعهم بالتالي إلى المزيد من الشفافية والتدقيق المالي. فضلاً عن ذلك، تم تنقيح التشريعات المتعلِّقة باليانصيب الوطني من أجل مكافحة المراهنات غيْر القانونية والتلاعب بنتائج المباريات.
وفي خطابه في بلدة ماغلينغن، طرح ماتياس ريموند، مدير المكتب الفدرالي للرياضة، مِثالاً آخر حول مدى صرامة الخطاب السويسري، حين قال: “يُمكن أن تُعاقب المُنظمات في بعض الحالات، إذا لم تَتَّخِذ التدابير اللازمة والصائبة لمنع الفساد على نِطاق المنظمة”.
موقف قيادي
وكما يرى المراقبون، تضطلع سويسرا الآن بدور قيادي، بعد أعوام من المماطلة والتأجيل، بسبب شعورها بالقلق إزاء صورتها. من جهته، اتفق ينس سيّر أندرسن، مدير الاتحاد المستقل لمراقبة الرياضة المسمّى Play the Game “إلعب اللعبةرابط خارجي” (وهو اتحاد دولي يهدف إلى دعم الأساس الأخلاقي للرياضة وتعزيز الديمقراطية والشفافية وحرية التعبير في هذا المجال)، بأن ما يُطرَح من تغييرات على الورق، يُرسِل إشارة مهمّة. وقال:”لقد تحلّى السويسريون بالصبر”، مضيفا أن “التشريع يأتي ببُطء، ولكنه متى جاء فسوف يكون مصدر إلهام كبير، ليس للإتحادات الرياضية التي سوف تضطر إلى التكيف مع تشريعات أكثر صرامة فَحَسب، ولكن للدول الأخرى أيضاً التي سيتعيّن عليها النظر في ما ينبغي القيام به مع الإتحادات الخاصة بها.”
من جهته، اعتبر جان – لو شابليرابط خارجي، الخبير في إدارة المنظمات الرياضية في معهد الدراسات العليا للإدارة العامة في لوزان، أن هذه كانت “تغييرات كبيرة، من شأنها أن تغيِّـر المشهد [الرياضي]”. وقال: “لقد أدت الحكومة السويسرية دورها بعد تقرير عام 2012، والكرة الآن في ملعب البرلمان”.
آراء متباينة
في الأثناء، تتباين وجهات نظر البرلمانيين الذين يُـتابعون هذه القضايا عن كثَـب بشأن ما قد يحدُث لاحقاً. فمن جهته، أعرب كارلو سوماروغارابط خارجي، النائب الإشتراكي الذي طرح مبادرة برلمانية حول الفساد في الرياضة في ديسمبر 2010 عن “قلقه الشديد” من أن يعمل البرلمان وقطاع الأعمال الخاصة على إضعاف أو تعديل هذه التغييرات القانونية. إذ أنه “على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، أمضت الفيفا وقتها في تكوين قوى الضغط (اللوبيات) والإجتماع مع الأحزاب والبرلمانيين، بُـغية إقناعهم باتِّـخاذها للتدابير اللاّزمة، وبعدم وجود ما يُبرِّر مثل هذه التغييرات القانونية”، على حد تعبيره.
ويرى رولاند بوخلرابط خارجي، النائب عن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، الذي قدَّم مقترحاً حول نفس الموضوع في عام 2010، أن تصريحات وسلوك مسؤولي الفيفا الأخيرة، قد تؤدي فعلاً إلى سنّ قوانين وطنية صارمة جداً. وقال ضمن هذا السياق: “إن التغييرات الخاصة بتصنيف كبار مسؤولي الرياضة في سويسرا كأشخاص مُعَرَّضين سياسيا، مُبالغ فيها، لكن [الفيفا والمنظمات الرياضية الأخرى] هي التي تسبَّبت في التحريض على ذلك. وترى غالبية أعضاء البرلمان بأن هذا هو الحل الوحيد”.
في السياق، أشار النائب عن حزب الشعب السويسري إلى المعركة الأخيرة حول شفافية التحقيق في لجنة الفيفا للأخلاقيات، بشأن عملية تقديم العطاءات لنهائيات كأس العالم لعاميْ 2018 و2022، وإلى فضيحة أخرى منفصلة حملت تسمية “فضيحة الساعات”. وكان محقق قواعد السلوك والأخلاقيات في الفيفا، قد أمر مسؤولين عن كُرة القدم في 18 سبتمبر الماضي، بإعادة 65 ساعة فاخرة مُنِحت لهم كهدايا في كأس العالم من قِبَل الإتحاد البرازيلي لكرة القدم، أو المجازفة باتخاذ إجراءات تأديبية. وتبلغ قيمة الساعة الواحدة 25,000 فرنك سويسري.
إجراءات تنظيمية
وخارج الإطار القانوني الشامل الجديد، يقول المراقبون بأن القضية الأكبر بالنسبة للمنظمات التي تتّخذ من سويسرا مقرّا لها، هي تنظيم وحل مشاكلها الخاصة.
وفي عام 2012، أظهرت دراسة إستقصائية شملت 35 اتحاداً أولمبياً، أجراها الإتحاد المستقل لمراقبة الرياضة بالتعاون مع سِت جامعات أوروبية أخرى، بأن ثلث هذه الإتحادات فقط كانت تتوفّر على لجنة للأخلاقيات أو التدقيق أو المراجعة المالية. ولم تمثل الإتحادات التي كانت تمتلِك معايير موضوعية وشفّافة لتسليم صناديق التنمية، سوى قلّة ضئيلة. وأظهرت أبحاث أخرى أن نسبة الإتحادات التي تنشر تقاريرها المالية أو تظهرها عند الطلب، كانت أقل من النصف.
“مثل هذا الإفتقار إلى الإدارة الرشيدة، يوفِّر أرضاً خصبة للفساد”، كما قال أرنو غيرارت، الباحث في الاتحاد المستقل لمراقبة الرياضة، مضيفا أنه “باستطاعة الأشخاص المتحكّمين في هذه المنظمات، فعل ما يشاؤون، إذ لا وجود لمَن يُحاسبهم”.
لكن باكريت جيرار – زابيلّي، سكرتيرة لجنة الأخلاقيات في اللجنة الأولمبية الدولية، رفضت هذه الاتهامات قائلة بأنه من غير العدل تصوّر أن جميع المنظمات الرياضية متأثِّـرة بالفساد. “هذا لا يعكس الحقيقة، لكنه لا يعني أن خطر الفساد غيْر موجود، مثلما هو عليه الحال في باقي أجزاء المجتمع ،”كما صرحت في المؤتمر، وهي تتلُـو قائمة طويلة من مبادرات الحُكم الرشيد، التي تتَّـبِعُها اللجنة الأولمبية الدولية والاتحادات.
وبدورها، تدافع الفيفا بقوّة عن عملية الإصلاح الداخلية والإعداد الجديد التي أنجزتها مؤخراً. “منذ تنفيذ هذه الإصلاحات، أصبحت لدينا مؤسسة نموذجية في مجال أخلاقيات المِهنة”، كما قال سيب بلاتر، رئيس الفيفا في المؤتمر العالمي حول القيادة الأخلاقية للرياضة في زيورخ يوم 19 سبتمبر، والذي نظمه المنتدى العالمي لأخلاقيات العمل. وأضاف بلاتر: “نحن المنظمة الرياضية الوحيدة التي تتوفّر على مثل هذه الهيئة المستقلّة للأخلاقيات، ليس لأحد غيْرنا مثل هذه اللجنة، ولا حتى اللجنة الأولمبية الدولية”.
ربما تكون الفيفا قد اتّخذت خُطوات معيّنة، ولكن ماذا بشأن بعض الاتحادات الأخرى؟ فمع إعتزام سويسرا الإضطلاع بدور أكثر صرامة في المراقبة والتنظيم في المستقبل، فإنها قد تجِد نفسها مطالبة بالمساعدة في تعزيز الجهود الداخلية للاتحادات، وهذا ما يعتقده بعض المندوبين على الأقل.
“أودّ أن أقترح ضرورة تحفيز معايير الإمتثال والتنظيم الذاتي، ودعمها بالتغييرات الجديدة في القانون السويسري، إذا إقتضى الأمر ذلك”، كما أختتم كونّارتي.
الاتحادات الرياضية العالمية
تستضيف سويسرا في الوقت الراهن نحو 65 اتحاداً ومنظمة رياضية دولية إختارت الكنفدرالية مقراً لعملياتها. وكانت اللجنة الأولمبية الدولية أول منظمة رياضية استقرّت على أراضي دولة جبال الألب، عندما قرّر البارون بيار دي كوبرتين، إنشاء مقر للألعاب الأولمبية في لوزان على ضفاف بحيرة ليمان (تُسمى أحيانا بحيرة جنيف) في عام 1915.
وفي عاصمته لوزان، يحتضن كانتون فو لوحده نحو 20 اتحاداً رياضياً دولياً. فبالإضافة إلى اللجنة الأولمبية الدولية، يوفر الكانتون موطناً لمحكمة التحكيم في القضايا الرياضية (CAS) والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) والاتحاد الدولي للجمباز (FIG) والإتحاد الدولي لسباق الدراجات الهوائية (UCI) والاتحاد الدولي للكرة الطائرة (FIVB).
ومن بين المنظمات الرياضية المنتشِرة في أماكن أخرى في سويسرا، نجد الإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في زيورخ، والإتحاد الدولي لكرة السلة في جنيف، والاتحاد الدولي لكرة اليد في بازل، والاتحاد الدولي للتزلّج على الجليد في بلدة “أوبرهوفن” في كانتون برن، والاتحاد الدولي للهوكي على الجليد في زيورخ.
هناك عدة عوامل جعلت من سويسرا مقرّاً جذاباً للإتحادات والمنظمات الرياضية. فبالإضافة إلى ما تقدِّمه من نظام ضريبي وقانوني مُـلائم وجذّاب، فإنها تتميز بموقِعها الجغرافي والقوى العاملة المؤهلة تأهيلاً عالياً، والإستقرار السياسي، والحياد، والإستقرار الأمني، ونوعية الحياة.
كذلك، تتمتع الهيئات الرياضية التي اتّخذت من سويسرا مقرّاً لها، بوضع الجمعيات. ووِفقاً لقانون الجمعيات السويسري الذي يوفِّر مُـرونة لامُـتناهية، لا تُلزَم هذه الهيئات بالتّسجيل مع الدولة أو بنشر تقارير حول حِساباتها المالية. كما تُمنح إعفاءات ضريبية وشروطا قانونية مرِنة، تسمح لها بإدارة شؤونها الخاصة وتستثنيها من قوانين مكافحة الفساد السويسرية.
قدَّرت دراسة نُشِرت في نهاية عام 2007 أن الإيرادات المالية المُتحقّقة لكانتون فو، نتيجة وجود جميع هذه الهيئات الرياضية والإتحادات الدولية، بلغت نحو 200 مليون فرنك سويسري سنوياً، كما بلغ عدد الوظائف المرتبطة بنشاط هذه المنظمات 1,400 وظيفة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.