سويسرا تستعد للحسم بشأن اختيار قضاة وقاضيات المحكمة الفدرالية عن طريق القرعة
تطالب مبادرة شعبية باختيار القضاة والقاضيات مُستقبلاً عن طريق القرعة، حتى تكون أحكامهم القضائية مستقلة عن السياسة وبعيدة عن تأثيراتها. لكن لا يبدو أن النجاح سيُحالف هذا المقترح، على الرغم من أن النقد الذي يُوجّه للنظام المعمول به حاليا في سويسرا في محله.
فالأمر الممنوع في بعض البلدان، يُعدّ في سويسرا جزءً من النظام: إذ أن القضاة والقاضيات أعضاء في أحزاب سياسية وهم مُنتخبون من طرف البرلمان الفدرالي. واليوم، تسعى إحدى المبادرات الشعبية إلى تغيير هذا الوضع.
تدعو المُبادرة الشعبية «تعيين القضاة الفدراليين بواسطة القرعة أو (مبادرة بخصوص القضاء)» إلى اختيار قضاة المحكمة الفدرالية عن طريق القرعة، مع مراعاة التمثيل اللغوي في البلد على أن تختار لجنة متخصصة مسبقاً الأفراد المؤهلين للدخول في القرعة. وفقاً لنص المبادرة، يجب أن يخضع هذا القبول حصراً لمعايير الموضوعية والكفاءة المهنية والشخصية لممارسة هذه الوظيفة. كما تطالب المبادرة بألا تكون مدة الولاية محدودة وألا تنتهي إلا بعد خمس سنوات من بلوغ القضاة سن التقاعد العادي. في حين تفرض الممارسة الحالية إعادة انتخاب القضاة بانتظام من قبل البرلمان.
أين تكمُن المشكلة؟
تكمُن المشكلة بصفة أساسية في استقلال القضاء السويسري. حيث أنه متداخل بشدة مع السياسة. وهذا ينطبق على جميع القضاة والقاضيات، لكن المبادرة تستهدف أعلاهم درجةً وهم القضاة الفدراليون (أي الأعضاء في المحكمة الفدرالية، أعلى هيئة قضائية في البلاد). فبحسب ما تسعى إليه هذه المبادرة، يجب أن يجري ترشيحهم مستقبلاً من قِبل لجنة متخصّصة، وذلك وفقاً لكفاءاتهم، وبعدها يتم تعيينهم عن طريق القرعة.
ولا يجب – وفقاً لما تقترحه المبادرة المعروضة على تصويت الناخبين ـ أن يضطر القضاة الفدراليون إلى ترشيح أنفسهم ليُعاد اختيارهم مرة أخرى، بل ينبغي أن يبقوا في مناصبهم حتى بلوغهم سن السبعين. فقط في حال إخلالهم الفادح بواجباتهم الوظيفية أو إصابتهم بمرض، حينها يحق للبرلمان إلغاء تعيينهم.
ما هي المشكلة الواجب حلها؟
من المعروف، أن البرلمان الفدرالي في سويسرا هو من يقوم حتى وقتنا الحالي بتوزيع المناصب القضائية بحسب حصة الأحزاب في تركيبته. أما القضاة غير المنتمين لأحزاب سياسية، فلا تتاح لهم أي فرصة لتولي منصب.
وفي حال وقوع الاختيار على إحدى القضاة أو القاضيات، فيجب عليه أو عليها حينئذ تسديد مبالغ مالية لحزبها ـ أو ما يُعرف بضريبة التفويض، وهي ظاهرة فريدة من نوعها على مستوى العالم. بالنسبة للأحزاب، فإن ضرائب التفويض تعد مصدراً هاماً للتمويل. وفي المقابل، يُمكن للقاضي أو القاضية في حال إعادة انتخابه/ها توقع مساندة الحزب له/لها.
المزيد
القضاة السويسريون في قبضة الأحزاب؟
إلا أن هذا النظام يؤدي إلى تسييس الأحكام القضائية: فالقضاة والقاضيات يمكن أن يتأثروا في أثناء إصدارهم للأحكام القضائية بانتماءاتهم الحزبية، مثلما توضح التقييمات التي تم إجراؤها. وهذا ليس فقط لأسباب تتعلق بالأيديولوجيات التي يعتقدونها. لكن الأحزاب تُمارس بدورها أحيانا ضغوطاً قوية: فإذا لم يرق أحد الأحكام للحزب، فإنه يهدد بعدم إعادة ترشيح القاضي أو القاضية المعني/ة بالأمر.
المزيد
نحو قضاة مستقلين سياسياً: سويسرا تتحسّس طريقها
لكن هذا الترابط المتبادل هو ذاته ما يجعل الاستقلال القضائي وفصل السلطات محل شك. لذلك، فإن النقد الذي يوجّهه أصحاب المبادرة للنظام المعمول به في سويسرا في محله. كذلك، سبق أن ألقت مجموعة الدول المناهضة للفساد (يُشار إليها اختصارا بـ GRECO) التابعة لمجلس أوروبا باللائمة على سويسرا في هذا الشأن. وبرغم كل هذا، فقد لا تكون لهذه المبادرة فرصة في تحقيق أي نجاح، حيث أن المقترح الخاص بإجراء اقتراع يبدو شديد التطرف.
من يقف خلف المبادرة؟
في هذا الصدد، نشير إلى أن هذه المبادرة تقف خلفها لجنة من المواطنين المحيطين بشخصية رجل الأعمال المرموق أدريان غاسر، صاحب مجموعة شركات لورتسه. فبوصفه واحداً من أكثر أصحاب الشركات ثراءً في سويسرا، فإن لديه بعضاً من الخبرة مع القضاء السويسري ـ وهي ليست جميعها جيّدة، بالطبع. ويتهم غاسر البرلمان السويسري بالمحسوبية لدى قيامه باختيار القضاة والقاضيات.
المزيد
وَلِمَ لا يتم اختيار القضاة بواسطة القرعة؟
أهم الحجج التي تسوّقها المبادرة
جدير بالذكر أن أهم مطلب ينادي به أصحاب المبادرة هو تحييد القضاء عن السياسة. فالنظام الحالي لا يضمن الفصل بين السلطات، بل أصبحت السلطة القضائية اليد الطولى للسلطة التشريعية.
فوفقاً لأصحاب المبادرة، قد يضمن نظام القرعة استقلال القضاء عن الأحزاب السياسية ويؤدي إلى اختيار الأفضل من بين القضاة، حيث ستصبح الكفاءة المهنية وليس الانتماء الحزبي هي الفيصل. كذلك يُرجّح أن يتحسّن التنوع فيمن يتولى منصب القضاء، فعلى سبيل المثال سيُصبح للنساء والرجال نفس الفرص للحصول على منصب.
ومع إلغاء عملية إعادة الانتخاب، فقد يُحال أيضاً دون قيام البرلمان بممارسة ضغط سياسي على القضاء، من خلال التهديد بإلغاء انتخابه للقضاة والقاضيات وعدم التجديد لهم/لهن.
أهم الحجج الرافضة للمبادرة
من جانبهم، يرى المعارضون أن المبادرة شديدة التطرف. فالنظام القائم يعمل جيّداً، والاختيار عن طريق البرلمان يعطي للعملية شرعية ديمقراطية، على حد النغمة السائدة في غرفتي البرلمان. فـ “الديمقراطية أفضل من اليانصيب”، مثلما عبّر عن ذلك أحد البرلمانيين تعبيراً دقيقاً.
المزيد
«المحاكم السويسرية تفصل في القضايا السياسية أكثر فأكثر»
فضلاً عن ذلك، فإن رافضي المبادرة يرون أن البرلمان يُمكنه أن يُراعي – أثناء عملية الاختيار – معايير محددة مثل السن والجنس أو المنشأ، وبهذا يكفل التوازن الاجتماعي في إدارة القضاء.
في سياق متصل، ترى وزيرة العدل والشرطة أن إدراج الاختيار بالقرعة يُعتبر غريباً على النظام. فعملية الاقتراع تتناقض مع التقاليد السياسية لسويسرا وتُعتبر جسماً دخيلا بل غريبا عن منظومته التشريعية، على حد قولها. “فمن سيتم اختيارهم وفقاً لنظام القرعة لن يكونوا أفضل الأشخاص، بل أوفرهم حظاً”.
من المؤيّد ومن المُعارض؟
رفضت الحكومة والبرلمان هذه المبادرة الشعبية باتفاق شبه تام، وبدون عرض أي اقتراح مضاد لها. أما من جانب الأحزاب، فلم تُسمع سوى أصوات معارضة لها حتى الآن.
من بين ثمانية وثلاثين قاضياً يعملون بدوام كامل في المحكمة الفدرالية، نجد خمسة عشر امرأة وثلاثة وعشرين رجلاً. ثلاث قضاة يتحدثون الإيطالية، واثنا عشر منهم ناطقون بالفرنسية وثلاثة وعشرون يتحدثون الألمانية. أما اللغة الرومانشية فهي غير ممثلة في التركيبة الحالية.
في سياق العملية الانتخابية، عادة ما تُراعي الجمعية الفدرالية (التي تتشكل من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ) متطلبات التمثيل النسبي للأحزاب السياسية الرئيسية الممثلة في البرلمان الفدرالي. حاليا، يحظى حزب الشعب السويسري بأكبر عدد من المقاعد (18 عضوا)، يليه حزب الوسط، الديمقراطي المسيحي سابقا (8 أعضاء)، فالحزب الليبرالي الراديكالي (7 أعضاء)، أما الحزب الاشتراكي فيحتل المرتبة الرابعة (5 أعضاء)، يليه حزب الخضر (4 أعضاء) والخضر الليبراليون (عضوان).
المصدر: الموقع الرسمي للمحكمة الفدراليةرابط خارجي و اللجنة القضائية رابط خارجيالتابعة للبرلمان الفدرالي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.