مكافحة الإرهاب بين الوقاية والتدخل في الحريات الشخصية
دعي الناخبون السويسريون إلى صناديق الإقتراع يوم 25 سبتمبر 2016 للحسم بشأن قانون فدرالي جديد خاص بالإستخبارات (LRens)، يهدف إلى تحسين مواجهة التهديد الإرهابي. وفي حين تبدي الأحزاب اليسارية قلقها من احتمال حدوث تجاوزات على غرار ما حدث في وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA)، يسعى المدافعون عن نص القانون إلى منع ظهور بؤرة تطرف في سويسرا كالتي تشكّلت في بلدية "مولنبيك" البلجيكية.
من المُفترض أن يتيح القانون الفدرالي الجديد بشأن الإستخبارات (LRens)، الذي صادق عليه البرلمان في الخريف الماضي، سبلا أفضل لمواجهة الإرهاب، والتجسس، وانتشار الأسلحة.
المزيد
أجهزة المُخابرات السويسرية تستعد للمزيد من المراقبة
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، سيتم تزويد جهاز الإستخبارات الفدرالي (SRC) بأدوات جديدة. فبالإضافة إلى مراقبة المكالمات الهاتفية، ستتاح إمكانية مراقبة البريد الإلكتروني، واختراق نُظم الحاسوب خارج سويسرا أو حتى تركيب أجهزة تنصُّت.
وترى الحكومة وغالبية أحزاب اليمين في البرلمان الفدرالي أن هذه الأدوات الجديدة ضرورية جداً لمكافحة الخطر الإرهابي والإختراقات المعلوماتية. فقد أظهرت التفجيرات الأخيرة في باريس وبروكسل، وعملية القرصنة التي تعرضت لها هذا الربيع شركة الأسلحة “RUAG” [ذات الصلة الوثيقة بالكنفدرالية]، ووزارة الدفاع الفدرالية، أن هذه التهديدات تشكل خطراً حقيقياً.
هوغ هيلتبولد، النائب عن الحزب الليبرالي ـ الراديكالي (يمين) علّق قائلا: “نحن نعيش في عالم قد تغيّر بشكل ملحوظ وأصبح من الضروري وضع قانون خاص يتماشى مع الوضع الراهن. وأعتقد أنه من المهم التوفر على الإمكانات اللاّزمة لمحاربة الإرهاب”، قبل أن يضيف: “بإمكاننا اليوم القيام بعدد من الإجراءات، ولكن ليس بوسعنا تنفيذ كل ما يجب فعله. فالفكرة إذاً هي توفير الأدوات اللازمة لجهاز المخابرات الفدرالي ليستطيع القيام بعمله على أكمل وجه.”
أما المعارضون ـ الذين ينتمون بشكل رئيسي إلى يسار الطيف السياسي ـ فيعتبرون أن الإمكانات المُستخدمة ستكون غير مُتناسبة. وقال النائب الاشتراكي جون-كريستوف شفاب منتقداً: “يتيح هذا القانون المراقبة الجماعية والمراقبة الوقائية، وهما إجراءان غير فعّالان، عدا عن أنهما يتعارضان مع الحقوق الأساسية”.
وقد نجح المعارضون، الذين خسروا في مجلس النواب أمام المُؤيدين للقانون، في جمع تواقيع كافية لطرح استفتاء شعبي، لذلك دُعي الناخبون للإدلاء برأيهم في الموضوع.
أهمية حف اللّحية جيداً
إن ما يخشاه المعارضون هو أن يفتح القانون الجديد الطريق أمام مراقبة واسعة النطاق وجماعية للسكّان. وما يجعل الأمر أكثر خطورة، هو إمكانية استخدام هذه الأدوات حتى في غياب تهديد حقيقي، حسب رأيهم.
فقد عبَّر جون-كريستوف شفاب عن تخوفه قائلاً: “تعني المراقبة الوقائية أن تُراقب شخصاً ما بطريقة مُكثّفة لا لوجود اشتباه ثابت بجريمة خطيرة، وإنما لمجرد حدس لديك. وربما سيُصنَّف إرهابياً مُحتملاً لأنه كثّ اللحية أو لأنه يتردد باستمرار إلى المسجد. وهذا انتهاك لفرضية البراءة وفيه انتهاك خطير للحقوق الأساسية.”
المزيد
حذر سويسري رغم محدودية أعداد الملتحقين بمناطق النزاعات المسلّحة
ويدحض هوغ هيلتبولد فكرة وقوع انحرافات من هذا القبيل بقوله: “لن تشرع [أجهزة الإستخبارات] في التجسّس على كل شخص لمُجرد أن لحيته طويلة، لسنا في سويسرا بصدد تطبيق ممارسات مثل تلك التي عرفتها بعض البلدان، بل يتعلق الأمر حقّا بتحليل شحيح ومُوجّه للأشخاص الذين يمكن أن يتسبّبوا ببعض المشاكل، وقد يصل عددهم إلى عشرة حالات أو عشرين في السنة.”
ضمانات
ويعتبر النائب الليبرالي ـ الراديكالي أن القانون الجديد يُمثّل “حلاً توافقياً” بين احترام الحقوق الأساسية للمواطنين والأدوات المُتاحة لجهاز المخابرات الفدرالي. لذا أكّد قائلاً: “لسنا بصدد إنشاء “وكالة أمن قومية أمريكية” على النمط السويسري، وإنما نُقدم لجهاز المخابرات الفدرالي ما يلزمه للقيام بعمله.”
وقد تقرر إرفاق القانون الجديد بضمانات من شأنها أن تقلل إلى حد كبير من احتمال وقوع أية تجاوزات. “فمن الناحية العملية، عندما يُشتبه بشخص يسعى للقيام بعمل إرهابي، يجب تقديم طلب مراقبة ويجب أن يتم الإقرار بالحكم من ثلاث سلطات: وزير الدفاع، ووفد الحكومة الفدرالية المكلف بالأمن، والمحكمة الإدارية الفدرالية. وهي ثلاث هيئات لكل منها رؤية مختلفة تماماً، وأعتقد أن هذا العنصر يضمن الحقوق الأساسية للمواطنين.”
لكن المعارضين لا يؤمنون أبدا بفعالية هذا النوع من الضمانات: “القاضي الذي سيتعامل مع عشرين حالة من هذا النوع في السنة، ليس في موقع قوة، لأنه لا يفصل في مثل هذه القضايا باستمرار وبالتالي فليس لديه الأدوات اللازمة لتكوين فقه قضائي كاف بهذا الشأن. والمشكلة هي ذاتها بالنسبة للسلطة السياسية. فلو طلب أي عامل في المخابرات السرّية مراقبة شخص يُشتبه بأنه يخطط لهجوم إرهابي، فلا أحد سيرفض طلبه ـ لا من أحزاب اليسار ولا من أحزاب اليمين ـ خاصة في مثل هذا المناخ العام المشحون الذي نعيشه”، على حد تعبير جون-كريستوف شفاب.
فضحية “الملفات السريّة”
يُذكّر المُنددون بالقانون الجديد بأن لدى الأجهزة الأمنية مَيل مُؤسف للإفراط في استخدام وسائل الرقابة. وفي هذا الصدد يُمكن ذكر تجاوزات وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة التي فضحها إيدوارد سنودن. أما بالنسبة لسويسرا، المُتأثرة بقضية التقارير الأمنية التي تكشّفت للعلن قبل ربع قرن. وكانت الأجهزة الأمنية قد قامت خلال الحرب الباردة بمراقبة المواطنين على نطاق واسع، وفي بعض الأحيان لِمُجرد قيامهم بزيارة أحد بلدان أوروبا الشرقية أو النشاط في صفوف مُنظمة يسارية.
المزيد
فضيحة التجسس التي أخضعت الشرطة الفدرالية للرّقابة
وحذّر جون-كريستوف شفاب قائلاً: “يجب ألا ننسى هذه القضية التي تُبيّن أسلوب الرقابة المُعتاد في سويسرا؛ وأعني التجسس الوقائي لبعض الأشخاص لِمُجرد الإعتقاد بأن ممارساتهم السياسية، علماً بأنها شرعية وقانونية تماماً، يمكن أن تُشكّل بداية لتهديد أمني للبلد. ولا يزال هذا التقليد موجوداً إلى الآن. إن منح أدوات اختراق كهذه للأجهزة السرّية التي تصعُب مراقبتها ليس بالفكرة الجيدة”.
غير أنَّ هوغ هيلتبولد يُريد الطمأنة بقوله: “أعلم تماماً بأن قضية التقارير السرّية كانت صادمة، ولكننا لسنا أبداً بصدد سيناريو مُماثل. إن ما نريده هو مجرد التَّحقُّق من بعض الأشخاص الذين يُحتَمل أن يُشكّلوا خطراً [على سويسرا]”.
هل الوِقاية فعّالة حقاً؟
يعتبر المُعارضون للقانون أن المزيد من الرقابة لا يعني بالضرورة المزيد من الأمن. فقد نوَّه شفاب إلى: “أن منفّذي الهجمات الإرهابية في باريس أو أورلاندو كانوا معروفين من الأجهزة الأمنية. المشكلة أن الأجهزة الأمنية لم تكن متعاونة وكانت تسيء استخدام معلوماتها. إن القانون الجديد ينص على استغلال الشبكات السلكية التي تسمح بمراقبة كافة حركات التواصل عبر الإنترنت. لكن هنا أيضاً ستكون هذه المراقبة غير مُجدية، وذلك لأن حجم المعلومات كبير لدرجة تجعلها غير قابلة للإستعمال.”
إلا أن هوغ هيلتبولد يجد أن حجة عدم الفعالية غير مقبولة: “لا أحد يتكلم عن جميع الهجمات التي تمَّ إحباطها بفضل الكشف عنها في وقت مُبكر. بالتأكيد لن ننجح في حل جميع المشاكل، ولكن إن ساعد هذا القانون على تجنّب عدد من الهجمات الإرهابية فسوف يُمثِّل هذا الأمر بحدِّ ذاته نجاحاً.”
كما يُعبِّر النائب الليبرالي ـ الراديكالي عن خشيته من ظهور مشكلة أخرى في حال تم رفض قانون الإستخبارات هذا، قائلا: “لقد نجحت جميع البلاد المجاورة لنا بتكييف تشريعاتها لتشديد الحراسة من احتمال وقوع هجمات. فلو غامرت سويسرا بعدم القيام بإجراء مُماثل لكان الرهان كبيراً على أن مولنبيك جديدة ستتكوّن في سويسرا، لأنكم لو وضعتم أنفسكم مكان الإرهابيين لوجدتم أنّ من مصلحتكم الذهاب إلى بلد لا يُراقِبُ أحداً، وحيث تستطيعون القيام بأعمالكم بكل طمأنينة.”
المسار السياسي
صادق البرلمان الفدرالي في شهر سبتمبر الماضي على القانون الفدرالي الجديد بشأن الاستخبارات (LRens). وبموجب هذا القانون، سيتم ضبط جميع النشاطات الإستخباراتية واستبدال القوانين الحالية التي تحكم القطاع “والتي لم تعد مُناسِبة للتصدي للمخاطر والتهديدات في وقتنا الراهن”، بحسب الوثائق الرسمية لوزارة الدفاعرابط خارجي.
تم اعتماد نص القانون من قِبَل مجلس النواب (الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي التي تمثل الشعب) بأغلبية 145 صوتاً ضد 41 صوتاً، وامتنع 8 عن التصويت. أما مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان الفدرالي التي تمثل الكانتونات الستة والعشرين)، فقد أيَّده بنسبة 35 صوتاً ضد 5 أصوات، وامتنع 3 عن التصويت.
طُرِحَ الإستفتاء من قِبَل “التحالف ضد دولة المباحث” بقيادة الشبيبة الإشتراكية رابط خارجيبالإضافة إلى الحزب الإشتراكيرابط خارجي، وحزب الخضررابط خارجي، والشباب الخضررابط خارجي، وحزب القراصنةرابط خارجي، وحزب العملرابط خارجي، والتجمع من أجل سويسرا بدون جيشرابط خارجي، والمجتمع الرقميرابط خارجي، والحقوق الأساسيةرابط خارجي، ونقابة وسائل الإعلام والإتصالات (سينديكومرابط خارجي)، وقائمة الحزب البديل في زيورخ رابط خارجي(حزب يساري راديكالي).
ورُفعَ ملف الإستفتاء إلى المُستَشاريّة الإتحادية السويسرية مصحوباً بـ 56055 رابط خارجيتوقيعاً مقبولاً. وسيُدلي المواطنون برأيهم بتاريخ 25 سبتمبر 2016. وبما أنه استفتاء، فإن غالبية أصوات الناخبين تكفي لتحديد النتيجة (وليس الغالبية المزدوجة، أي غالبية أصوات الناخبين وغالبية أصوات الكانتونات، عندما يتعلق الأمر بمبادرة شعبية).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.