قطر تترأس مؤتمر العمل التابع للأمم المتحدة رغم الاحترازات
رغم ورود اسمه ضمن تحقيقات ما يطلق عليه “قطرغيت” في البرلمان الأوروبي، يترأس وزير العمل القطري، مؤتمر العمل الدولي التابع للأمم المتحدة في جنيف والذي يتصدر جدول أعماله آليات تعزيز ظروف العمل العالمية. ويرى البعض أن هذا الاختيار ينسجم مع ما أنجزته هذه الدولة الخليجية من إصلاحات على هذا الصعيد.
يوم الاثنين الماضي، تم انتخاب وزير العمل القطري، علي بن صميخ المري، لرئاسة المؤتمر الدولي للعمل ILC الذي ينعقد في جنيف، والذي تستمر أعماله حتى 16 من شهر يونيو الحالي. وتشكّل أعمال هذا المؤتمر السنوي، الذي يحمل راية منظمة العمل الدولية ILO – وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن حماية حقوق العمال – فرصة للتوصل إلى معايير عمل عالمية، حيث يجمع بين ممثلي كل من الحكومات وأصحاب العمل وممثلي العمال.
وكان انتخاب المري قد تم وفق الأصول المرعية الإجراء، في القاعة 19 لقصر الأمم في جنيف، والتي تُعرف بين الدبلوماسيين بقاعة “قطر”. حيث تم تمويل إعادة تأهيل هذه القاعة وتجديدها بمبلغ 20 مليون فرنك سويسري من قِبَل الدولة الخليجية الصغيرة في عام 2019.
وكما هو الحال عادة في مؤتمر العمل الدولي، تم انتخاب المري بالتزكية بين الأعضاء. وهذا يعني أن لا أحد قد عارض تعيينه، وبالتالي لم يكن هناك من داعٍ لإجراء عملية التصويت. ومع ذلك، فقد كان انتخابه مثار جدل منذ بداية المشاورات على هوية الرئيس.
ومع أن دور الرئيس يكمن إلى حدّ كبير في الطابع التكريمي والتنظيمي للمؤتمر، إلا أنه مع ذلك يوفر له فرصة لقاء المجتمع الدولي ويحمل مخاطر تأثير هذا الدور على سمعة منظمة العمل الدولية. أما مهامه الرئيسية فتتمثّل في توجيه مسار النقاشات والحرص على المحافظة على النظام وضمان التوافق بشأن القضايا المطروحة للنقاش.
وعلى الرغم من أنه لم يتم توجيه اتهامات بحق المري في ارتكاب أي سلوك غير قانوني، إلا أن اسمه ورد في تحقيق الشرطة البلجيكية في فضيحة “قطرغيت”، المتعلقة بمسألة الفساد والاتهامات المزعومة في البرلمان الأوروبي. وفي هذا الشأن، يُشتبه في تورّط العديد من النواب الأوروبيين في تلقّي أموال من الدوحة، مقابل الثناء على الحكومة القطرية والتقليل من أهمية انتهاكات حقوق العمال، التي ارتُكبت في سياق كأس العالم لكرة القدم لعام 2022.
ومن المعروف أن قطر تتعرّض بشكل دائم لانتقادات من جانب منظمات حقوق الإنسان وحقوق العمال، بسبب المعاملة التي تُمارس بحق العمال المهاجرين. وعلى حد زعم صحيفة “الغارديان” The Guardianرابط خارجي، فقد تم تسجيل وفاة أكثر من 6500 من هؤلاء العمال في قطر منذ عام 2010 نتيجة لظروف العمل القاسية.
ترشّح أثار جدلا
في العام الماضي، وقبل اندلاع فضيحة “قطرغيت”، كان المري قد شغل منصبَ نائب الرئيس للمؤتمر، وبالتالي – وكما جرى العُرف – تم ترشيحه هذا العام من قبل الدول الأعضاء لرئاسة المؤتمر. وأوضح المتحدّث باسم الأمانة العامة لمنظمة العمل الدولية، أن هذه الأخيرة “لم تشارك بأي شكل من الأشكال في عملية انتخاب الرئيس”، وذلك وفقاً لما ذكره أمام الصحفيين الحاضرين في جنيف الأسبوع الماضي.
وفي الأسابيع الأخيرة، كانت عدة نقابات ومجموعات دفاع ة عن حقوق العمال وحقوق الإنسان قد أعربت عن قلقها إزاء ترشيحه؛ حيث كانت هناك خشية من قِبَلها أن تشكّل رئاسة قطر للمؤتمر لهذا العام ضربة لمصداقية المنظمة وسمعتها. كما كان البعض منها يأمل أن تعارض مجموعة العمال في منظمة العمل الدولية – الفرع التنفيذي الذي يمثل مصالح الموظفين على مستوى العالم – انتخاب المري، وتطالب بإجراء تصويت.
وفي هذا السياق، في 2 يونيو الحالي، وجّهه قادة منظمة “فايرسكوير” FairSquare ، وهي منظمة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة، رسالة إلكترونية إلى الاتحاد الدولي للنقابات ITUC ورد فيها: “إن قطر ما تزال دولة ذات نظام استبدادي عميق، حيث يستمر نظام العمل فيها في غض الطرف عن الانتهاكات أو تسهيلها، لا سيّما منها تلك التي تم إنشاء منظمة العمل الدولية بغية الوقوف بوجهها والقضاء عليها”. وأضاف هؤلاء القادة قائلين: “نشجعكم بوصف اتحادكم أكبر هيئة نقابية عالمية، على تعبئة الأعضاء في مجموعة عمال منظمة العمل الدولية، وحثّهم على المطالبة بإجراء تصويت”.
ولكنّ مجموعة العمال في المنظمة قررت عدم إبداء أية معارضة لترؤس قطر لأعمال المؤتمر. كما أن المتحدثة باسم المجموعة أعربت ببساطة عن “شكوك جدية” لدى بعض النقابات حول التزام الدوحة بتعهداتها في العمل على تحسين وضع العمال المهاجرين بعد كأس العالم. وأضافت أنه بعد التشاور مع قطر تحت رعاية منظمة العمل الدولية، تم التوصل إلى “تفاهم مشترك” بشأن ضرورة تسريع المضي بالإصلاحات.
توقيت غير ملائم
تأتي رئاسة قطر للمؤتمر في توقيت حرج بالنسبة لمنظمة العمل الدولية؛ ففي مارس من هذا العام، أثارت صحيفة نيويورك تايمزرابط خارجي قضية تتهم فيها المنظمة بالتقليل من أهمية انتهاكات حقوق العمال التي تم تسجيلها في سياق كأس العالم، وذلك استجابةً لضغوط تلقتها من الدوحة. وتكررت التصريحات الإيجابية في هذا الشأن لصالح الدوحة، من قبل سياسيين في الاتحاد الأوروبي، حتى وُضع البعض منهم فيما بعد في خانة المشتبه بهم في قضية “قطرغيت”.
ومن المعروف أن منظمة العمل الدولية هي منظمة تتمتع بالسلطة التي تمكّنها من التحقيق في أعمال الحكومات والكشف عن الانتهاكات التي تمارسها. في عام 2014، قدّم العمال إلى منظمة العمل الدولية شكوى ضد حكومة قطر على خلفية انتهاكها للاتفاقيات بشأن العمل القسري والرقابة على العمل. وعلى الرغم من إلغاء قطر لنظام “الكفالة”، لايزال نشطاء في مجاليْ حقوق الإنسان وحقوق العمل يؤكدون أن هذه الممارسة تجعل العمال عرضة للعمل القسري ولأنماط أخرى من الاستغلال وسوء المعاملة.
وفي عام 2017، وبدلاً من أن تقوم منظمة العمل الدولية بإنشاء لجنة تحقيق في هذه الانتهاكات، قررت إغلاق ملف الشكوى ، بل ودخلترابط خارجي أيضاً في برنامج تعاون فني مدته ثلاث سنوات مع قطر، لتعزيز أنظمتها الوطنية وفقاً للمعايير الدولية.
وكجزء من الاتفاق على هذا البرنامج، قدمت قطر مساهمة بقيمة 25 مليون دولار لتمويل مكتب منظمة العمل الدولية في الدوحة – وهو مبلغ كبير يخرج عن المألوف، ولم يتم الإعلان عنه خلال توقيع الصفقة. هذا الأمر، حدا بالنقاد إلى التشكيك في استقلالية منظمة العمل الدولية. إلا أن المنظمة، من جهتها، تعتبررابط خارجي أنه لا يوجد شيء غير عادي يدعو للاستغراب في الاتفاق.
ومنذ ذلك الحين، تحسنت ظروف العمل في قطر. فقد أقرّت حكومة الدوحة حدّاً أدنى للأجور، وتدعي أنه بإمكان العمال الأجانب تغيير وظائفهم دون أخذ إذن أصحاب العمل الحاليين. ومع ذلك، لا يزال العمال عاجزين على الانضمام إلى نقابات العمال أو تشكيل نقابة ترعى شؤونهم. وخلال السنوات الخمس الماضية، لم تصادق قطر على أية اتفاقية من الاتفاقيات المقترحة من قِبَل منظّمة العمل الدولية. وعلى صعيد المقارنة، صادقت السعودية المجاورة على ثلاث اتفاقيات مع المنظّمة. ووفقاً لمجموعات معنية بالدفاع عن حقوق العمال وحقوق الإنسان، لا تزال هناك حالات انتهاكات تحدث بحق العمال الأجانب في البلاد.
لا يشكّل ما جرى مع رئاسة مؤتمر العمل التابع للأمم المتحدة، الحدث الأول الذي يثير التساؤلات عن تأثير قطر في المنظمات المقرة في جنيف؛ ففي العام الماضي، نشرتSWI swissinfo.ch تقريراً عن كيفية إطلاق الدوحة قبل كأس العالم، بعناية ودقة، عملية بناء صورة عالمية من خلال المنظمات التي أنشأتها في المدينة السويسرية.
تحرير: فيرجيني مانجين
ترجمة: جيلان ندا
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.