“كفاية” بعد 10 سنوات.. ماذا قدّمت وأين هي اليوم؟
تباينت آراء خبراء مصريين حول تقييم "الحركة المصرية من أجل التغيير"، والمعروفة إعلاميا بـ "كفاية"، بمناسبة مرور 10 سنوات على إطلاقها. ففيما يعتبر قيادي ومؤسّس بالحركة أنها "أيقظت الشعب من سُباته" و"المؤسس الحقيقي لثورة 25 يناير" و"صاحبة الدعوة لثورة 30 يونيو"، ويرى كاتب ومحلّل سياسي، أنها "رفعت سقف النقد" و"كسرت حاجز الخوف لدى المصريين"، ينظر إليها خبير قانوني وناشط حقوقي، على أنها "أنشئت لغرض معيّن" و"لإفساح المجال للقادم من الخلف" وأنها "أدّت دورها وانتهت مهمّتها"..
وفي محاولة لعمل جردة حساب للحركة التي شجعت المصريين على الخروج إلى الشارع وأسست للتظاهر ضد الحاكم، طرحت swissinfo.ch عددا من الأسئلة على الخبراء حول تقييم مسار الحركة وتجربتها في المعارضة والإحتجاج بالوسائل السلمية، ودورها في كسر حاجز الخوف لدى فئة عريضة من الجماهير، وأيْن تقف حركة كفايةرابط خارجي اليوم مما حدث ويحدث في مصر منذ 3 يوليو 2013؟ وأخيرا ماذا عن الحملة التي دشّنتها مؤخرا بعنوان: “حاكموهم على 30 سنة فساد”.
حركة وطنية وليست أيديولوجية
في البداية؛ اعتبر الأكاديمي الثائر، الدكتور يحيى القزاز، أن حركة كفاية هي التي أيقظت الشعب من سُباته، وأنها المؤسس والمفجر الحقيقي لثورة 25 يناير 2011، التي خرجت من رحم الحركة؛ وأنها كانت صاحبة الدعوة إلى “ثورة 30 يونيو”؛ مشيرا إلى أن فكرة تأسيس كفاية ترجع للحظة التي اكتشفنا فيها أن سبب ضعف مصر، هو حُكم حسني مبارك، وعندما تيقّنا أنه بدأ بالفعل في التجهيز لتوريث السلطة لنجله جمال، جعلنا الشعار الرئيسي لحركة كفاية “لا للتمديد لا للتوريث”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch؛ قال القزاز، وأحد مؤسسي “كفاية”: “إنجازات الحركة كثيرة؛ أبرزها الدعوى التي رفعها أحد أبنائها، وهو المناضل ناجي رشاد، وطالب فيها بأن يكون الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه، كما أنها هي التي دعمت تحرك ثوار المحلة، الذي بدأ في 6 أبريل 2008 والذي أطلق بعده شباب كفاية على أنفسهم إسم حركة “6 أبريل”رابط خارجي؛ كما أطلقت حملة “لا لبيع مصر”، التي تصدّت لبيع “عمر أفندي” والقطاع العام، وكانت داعمة لحقوق العمال، كما طالبت بمحاكمة لصوص الأراضي ووقفت ضد تجريف الأراضي الزراعية وسرقتها”.
ردّا على السؤال: أيْن حركة كفاية اليوم؟ أجاب القزاز، القيادي حاليا بحركة 9 مارس قائلاً: “كفاية حركة وطنية، وليست أيديولوجية، كانت تضم أعضاءً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكل وطني رافض لحُكم مبارك وللتّوريث، وكل شريف يقف ضد الظُّلم. وعندما قامت ثورة يناير وسطت جماعة الإخوان رابط خارجيعلى الدولة، من خلال قرصنة سياسية أطلق عليها الإنتخابات وتم تفعيل دور الأحزاب، توزّع أعضاؤها على الأحزاب، وعاد كلٌ منهم إلى مشربه الأساسي، وانضوى كل منهم داخل حزبه الممثل لأيديولوجيته السياسية، باستثناء اثنين أو ثلاثة، أنا واحد منهم”.
من هو يحيى القزاز؟
كان من مؤسسي “الحركة المصرية من أجل التغيير”، التي عُرفت إعلاميًا بحركة “كفاية” ولا يزال قياديا بها، كما كان من مؤسسي حركة “تمرّد”، فضلاً عن كونه قياديا بمجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات، المعروفة إعلامياً بـ “حركة 9 مارس”.
يعترف بأن ما حدث في مصر في يوليو 1952 لم يكن ثورة، وإنما كان انقلابا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ويرى أن الشعب المصري هو الوحيد الذي دعم الإنقلاب ووقف بجانبه، وحوّله إلى ثورة شعبية، وأن أي ثورة في بدايتها، هي عمل انقلابي فوضوي ضد القانون، لكنها “عندما تنجح، تصير ثورة بامتياز”، حسب قوله.
كتب مقالاً في 12 /9/ 2004 بعنوان “لا للتجديد لا للتوريث”، صار فيما بعدُ شعارا لحركة “كفاية” مع تعديل طفيف، ليصبح “لا للتمديد.. لا للتوريث”، وذلك قبل 3 أشهر من عقد المؤتمر الأول لحركة “كفاية” في 12/12/ 2004.
كان أول من أطلق الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكّرة، وقد سجل هذا في مقال له بعنوان: “الهروب إلى الجحيم: إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة”، نشر في جريدة الوعي العربي بتاريخ 28 ديسمبر 2012.
“تمرّد” حلّت محل “كفاية”!
القزاز أضاف أنه “عندما قامت ثورة 25 يناير، لم يعد لكفاية دور رئيسي، لأن ما كانت تطالب به من رفض للتمديد والتوريث، حدث بالفعل بإسقاط مبارك، وعليه، فقد أدّت الحركة دورها. غير أنها اليوم، لم تعد كيانا قويا. فمنذ عامين، كانت موجودة في قلب الأحداث؛ وعندما ظهرت تمرّدرابط خارجي، حلت محل كفاية، والناس التي خرجت في 30 يونيو، كانت أوسع من حركة كفاية، لكنهم طبّقوا النموذج الكفائي في تظاهرهم، ومن ثم ذابت الحركة بين الحشود التي خرجت”؛ مشيرا إلى أن “الكيانات الوطنية تضعف، لكنها لا تموت”.
وإذا كانت كفاية قد ضعفت اليوم، فإنها حتما ستعود إلى قوّتها، إذا توفرت الأجواء التي كانت عليها البلاد قبل 25 يناير. فعندما يزداد الظُّـلم والبطش والاستبداد، وعندما تُنتَهك حقوق الإنسان، “ستجد كفاية جاهزة” كما يقول القزاز، لأنها “صرْخة ضمير الوطن بلا تردّد ولا ترتيب جماعي مُسبق. فهي تعبير عن الضمير الجمعي الوطني”؛ كاشفا أنه كان “ضدّ تحوّل كفاية إلى حزب سياسي، لأنها لم تكن حركة أحادية الأيديولوجية، وإنما كانت فصيلاً وطنيا يضم أعضاءً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار”.
وفي تعليقه على حملة “حاكموهم على 30 سنة فساد”؛ التي دشّنتها “كفاية” في الذكرى العاشرة لتأسيسها، قال يحيى القزاز: “هي حملة وطنية ومحاولة لإحياء كفاية مرّة أخرى، ولتكثيف تواجدها على الساحة. وأنا لا أعلِّق على أحكام القضاء، غير أن الناس في مصر ساخِطة على الأحكام التي صدرت مؤخرا بتبرِئة مبارك وأنجاله ورجال نظامه، خاصة قيادات الشرطة الذين كانوا معه؛ موضحا أن “الحملة تستهدِف جمع التوقيعات لإعادة مُحاكمتهم مرة أخرى، وأن المقصود بالحملة، مبارك ونظامه ورجاله”.
رفعت سقف النقد وكسرت حاجز الخوف
من جانبه، أوضح الكاتب والمحلّل السياسي أحمد طه، أنه “في ظل الجمود والشلّل الذي أصاب الحياة السياسية في مصر وعجز أحزاب المعارضة، ظهرت الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، في نهاية عام 2004، ومثّلت باكورة الحركات الاحتجاجية، وهو نمط جديد من الأصوات المعارضة، لم تعرفه مصر من قبل”؛ مشيرا إلى “خروج عدد من الحركات الاحتجاجية الشبابية من رحِم “كفاية”، في مقدِّمتها حركة “شباب 6 أبريل”، التي تأسست على خلفية إضراب عمّال غزل المحلة في 6 أبريل 2008”.
وقال طه، المهتَم بدارسة الحركات السياسية وجماعات الضغط المصرية في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “استطاعت “كفاية” رفع سقف النقد والإحتجاج في مصر، عبْر توجيهه إلى الرئيس وإبنه مباشرة، عبْر شعارها الشهير “لا للتمديد.. لا للتوريث”، كما أنها استطاعت كسر حاجز الخوف لدى المصريين، ومهّدت الطريق أمام موجة الإضرابات والإعتصامات الفِئوية التي اجتاحت مصر في عامي 2007 و2008، والتي قام بها العمّال والموظفون في مختلف مؤسسات الدولة، مطالبين بتحسين أوضاعهم الاقتصادية”.
على الرغم مما حققته “كفاية” إلا أنها ظلّت حركة هُلامية، بدون برنامج سياسي واضح المعالم أحمد طه، كاتب ومحلل سياسي
وتابع المحلّل السياسي قائلاً: “على الرغم مما حققته كفاية، إلا أنها ظلّت حركة هُلامية، بدون برنامج سياسي واضح المعالم، كما أنها ظلت حركة نخبوية دون قواعد شعبية، وعانت في مرحلة لاحقة من صِراعات ونزاعات داخلية، ذات طبيعة أيديولوجية، بسبب اختلاف الخلفيات الفكرية لأعضائها، وبدأ نجْمها في الأفول بعد رحيل المفكر والسياسي الدكتور عبد الوهاب المسيري، المنسِّق العام الثاني للحركة”.
واختتم طه حديثه بقوله: “في فبراير 2010، وبعد عودة الدكتور محمد البرادعي إلى مصر، تأسست “الجمعية الوطنية للتغيير، وانتقل مركز الثقل السياسي الإحتجاجي إليها، خاصة بعد انضمام قيادات الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية” إلى الجمعية منذ اجتماعها التأسيسي، وكان هذا بمثابة الإعلان عن انتهاء دور حركة “كفاية”، ونهاية مرحلتها”.
“أنشأها العسكر.. أدّت مهمتها وانتهى دورها”..
وبرؤية مغايِـرة؛ يرى الخبير القانوني الدكتور السيد مصطفى أبو الخير، أن: “حركة كفاية أنشئت لغرض معيَّن، يتمثل في أن نظام مبارك لا يمكن إصلاحه، ولابد من تغييره، ولكن ليس ذلك من باب الوطنية، بل من باب العمالة للخار، والعداء للداخل، ولإفساح المجال للقادم من الخلف، وهي المؤسسة العسكرية التي رأت أن استمرار نظام مبارك ومن بعده نجله، سيهدِّد نفوذ المؤسسة العسكرية السياسي والاقتصادي”؛ مضيفا: “وقد كان لها ما أرادت، خاصة بعد 25 يناير والانقلاب العسكري، حيث أتمّت مهمّتها وانتهى دورها”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.c”؛ قال أبو الخير، الناشط الحقوقي والمحامي بالنقض والدستورية العليا: “ما يؤكّد كلامي، أننا لم نسمع لحركة كفاية صوتا خلال فترة حُكم المجلس العسكري، والتي امتدّت منذ إسقاط نظام المخلوع حسني مبارك، وحتى قبل تولّي الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي مقاليد البلاد، بينما نشطت مجددا، بمجرد تسلم مرسي للسلطة، حيث أعلنت محاربته وساعدت في إسقاط حُكمه مع قيادات الانقلاب، كما تجد أعضاءها في جبهة الإنقاذ ظاهرين للعيان”.
“حاكموهم على 30 سنة فساد”.. مُجرّد كلام!!
وتعليقا على احتفال الحركة منذ أسابيع بإطلاق حملة توقيعات “حاكموهم على 30 سنة فساد”؛ تساءل أبو الخير: إذا كانت تتبنى فعلاً مبدأ المحاكمة على الجرائم، فلماذا لم تعترِض على جرائم ارتُكِبت بعد انقلاب 3 يوليو، لم يجرأ نظام مبارك على ارتكاب مثلها طيلة 30 عاما حكَم فيها البلاد”، معتبرا أن “إجمالي مَن قُـتل في أقل من عام، أكثر مما قُـتل منذ انقلاب 1952 وحتى 2013″، على حد زعمه.
وأضاف الخبير القانوني: “لماذا لم تُطالب بمحاكمة النظام الإنقلابي على جرائمه، مَن قَـتل وقنص وجرائم يندى لها جبين البشرية، لماذا خصّت نظام مبارك بالذات، وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لم تظهر معارضتها لبراءة مبارك ورموز نظامه، والتي جاءت ضِمن صراع القِوى والأجهزة السيادية؟ لماذا لم نسمع لها صوتا؟”.
واختتم الخبير القانوني قائلا: “ماليا.. تَم تحويل أكثر من 60 مليار دولار من مصر لسويسرا خلال فترة الإنقلاب، جنائيا.. قُتِـل أكثر من عشرة آلاف واعتُقِـل أكثر من أربعين ألف، فأين هي من كل هذا؟ ثم أين كانت من أحكام الإعدام التي صدرت وتصدر بالجملة، دون أي جرائم ارتُكِبت؟ أين كانت من مذابح ومجازر الحرس الجمهوري ورابعة والنهضة ورمسيس، أليست هذه جرائم وفساد؟”؛ معتبرا أن “من فوائد الانقلاب، أنه كشف كل آليات الفساد والفاسدين، وهي منهم”، على حدّ تعبيره.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.