“كلنا رابحون” في الصفقة الكبرى المُرتقبة
كلنا رابحون!.. هي المعادلة التي رسمها الرئيس الايراني حسن روحاني منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها المفاوضات بين بلاده والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا حول برنامج بلاده النووي، وهي الأساس في أي اتفاق تريد التوصل له هذه الدول نيابة عن المجتمع الدولي، ومن ضمنه منطقة الخليج التي لا تملك أي هامش لعرقلتها، ليكون منصة اتفاقات وتفاهمات أخرى بين طهران وبقية العالم.
لقد حدد الرئيس روحاني في معادلة “كلنا رابحون” معالم علاقة مستقبلية بين ايران والغرب والولايات المتحدة تحديدا خارج دائرة الغرق في تفاصيل يكمُن فيها الشيطان وهي في الغالب ترجمات رديئة للغة الصمت الإيرانية، وكأن روحاني كان يريد أن يقول للغرب: “نحن جاهزون لنكون كما كنا من قبل: دولة حليفة للغرب ولا تقوّض السلام وتشارك في صنعه”.
ما لا يعرفه الكثيرون هو أن ايران تريد بالفعل الاتفاق النووي، ولا تريد تحقيق انتصار على الطرف الآخر، وأن لغة الغالب والمغلوب ما عادت مفيدة معها خصوصاً في عهد الإعتدال وزوال حقبة من التشدد والتطرف شهدت الكثير من الهزات المحلية والأقليمية وحتى الدولية إبَّان حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
وقد أبلغ المفاوض الايراني نظراءه خصوصاً الأمريكي خلال كل تلك الجولات السابقة من المفاوضات، أننا جئنا هنا لنتفق لا لننتصر، فان كُنْتُمْ مُستعدين فسنستمر معكم حتى نتفق، وإلّا فلا تضيعوا وقتنا ووقتكم بأحاديث سبق وأن تبودلت وتكررت في السنوات الماضية منذ “اتفاقية قصر سعادت آباد 2003 ” التي علقت ايران بموجبها تطوعاً تخصيب اليورانيوم بنسبة 5% لتعزيز الثقة..
المزيد
خبراء يُرجّحون إمكانية التوصل لاتفاق إيراني مع الغرب
دعم مُطلق من خامنئي
الرئيس روحاني أعلنها صريحة وواضحة في نيويورك أثناء مشاركته الجلسة العمومية لمنظمة الامم المتحدة بُعيد انتخابه في صيف 2013 أنه مستعد (آنذاك) للتوقيع على اتفاق حول البرنامج النووي، بتفويض مُطلق من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. روحاني لم يتحدث بتلك الثقة إلا لأنه كان بالفعل حصل على تفويض مُطلق من الولي الفقيه الذي يملك وحده كلمة الفصل في القضايا الخلافية.
من المعلوم أن المفاوضات النووية وتفاصيلها والجناح الذي يخوضها، على رأس القضايا التي يختلف بشأنها الايرانيون، ولذلك فان أول ما فعله روحاني قبل أن يُطلق إشارة البدء في التفاوض مع الغرب، كان الجلوس وجهاً لوجه مع خامنئي، الذي أكد له تأييده لتمشيه (تشديد على سلمية البرنامج النووي والتوصل لاتفاق وفق شروط معاهدة الإنتشار النووي)، إلا أنه اشترط عليه (حسب مصادر عليمة) التوصل إلى اتفاق “يضمن حقوق إيران النووية” وعدم تقديم تنازلات “تهز كبرياءنا الوطني”، حسب نفس المصادر.
في الواقع، كان الرئيس روحاني مترددا من نجاح مفاوضاته وفريقه مع الغرب إذا لم يحصل على كل المعلومات عن البرنامج النووي الايراني منطلقاً من تجربته السابقة عندما كان أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي، حين قاد بنفسه تلك المفاوضات مع الترويكا الأوروبية آنذاك (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وهو مُكبّل اليدين.
روحاني يدرك أيضا أن الحرس الثوري ورغم حاجته للعملات الصعبة ليتمكن من الإستمرار في تنفيذ خططه السرية والعلنية في مناطق الصراع ومناطق تحتاجها ايران لتعزيز نفوذها، فانه لا يبدو مُرتاحا للتفاوض مع “الشيطان الأكبر”، وربما يُخفي (أي الحرس الثوري) عنه معلومات بشأن تفاصيل البرنامج النووي، تجعل موقفه حرجاً في المفاوضات التي تركز هذه المرة تحديداً على عنصر الثقة، والنوايا الحسنة، ما دامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكل أجهزة الإستخبارات، قد عجزت أن تثبت – حتى الآن على الأقل- أن البرنامج النووي الايراني خرج عن طابعه السلمي!
بدايات النجاح
نجاح روحاني في أن يُمسك هو وفريقه في الحكومة (وبشكل خاص وزارة الخارجيةرابط خارجي) بالملف النووي، ويتخلص بذلك من “الاثنينية” وازدواجية الموقف الإيراني، أقنع الطرف الآخر، بأن إيران جدية في التوصل الى اتفاق يُنهي الجدل حول البرنامج النووي، في عهد الرئيس المعتدل. واقتنع الغرب أن ايران تفاوض هذه المرة، ولا تلعب بعامل الوقت كما كانت تفعل في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، عندما كان الملف النووي بيد الحرس الثوري، وكانت المفاوضات تدار من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي، في ازدواجية مكّنت طهران آنذاك من التلاعب بعامل الوقت لصالحها، وإطالة أمد المفاوضات لتنجح في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% بعدما كانت تخصبه بنسبة لا تتجاوز الـ 5% في أثناء رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي.
هنا، صار لزاماً على واشنطن وهي الطرف الأقوى في المفاوضات الجديدة أن تدرك من جهتها (ومعها حلفاؤها الأوروبيون) عمق التغيير الحاصل في إيران بعد انتخاب روحاني (في أغسطس 2013)، بعد انضمامها لها لتكبر الدائرة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا بعد ما كانت بين الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وايران، وإذن …فان الجميع يفاوض هذه المرّة، ولا يوجد أي مبرر لعرقلة التوصل الى اتفاق، أو إلى تمديدها، وقد قال جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي بوضوح يوم 15 مارس الجاري (قبل وصوله الى لوزان غرب سويسرا): “لو كان برنامج إيران النووي سلميا فعلا فلننجز الأمر”. وجاءت تصريحات كيري في مقابلة أجراها معه برنامج “واجه الأمة” في شبكة سي بي إس الأمريكية خلال تواجده في منتجع شرم الشيخ في مصر، الذي أطلق منه تصريحه حول “ضرورة التحدث الى الرئيس السوري بشار الأسد”، حليف طهران الإستراتيجي من أجل إنهاء الحرب التي تتورط فيها ايران بقوة في سوريا، حيث بدا وكأنه يُؤشر إلى مرحلة جديدة من العلاقات مع ايران في إطار صفقة كبرى لا تنتهي بسوريا ولن تتوقف عند حدود ما يجري على الأرض في العراق (حيث يتنامى النفوذ الإيراني ويمتد، بتنسيق مباشر مع واشنطن وغالبا ما يحدث عبر الحكومة العراقية).
تسريبات ومزاعم
سرّب موقع “أشرف نيوز” المعني بالإنشقاقات داخل منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة، تصريحات من داخل القيادة الايرانية العليا حول ما يُمكن أن يقوم به قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، خارج دائرة العراق حيث يتواجد هناك بذريعة دعم العراقيين في الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية (أو ما يُعرف بداعش)، حيث كشف الموقع – المتهم من قبل منظمة مجاهدي خلق بأنه مدعوم من طرف الحرس الثوري الايراني أو حتى تابع لوزارة الإستخبارات الايرانية – أن المرشد الايراني الأعلى آية الله علي خامنئي، كلف سليماني والأمين العام لحزب الله اللبناني بالتدخل في نصرة ما أسماه “شيعة البحرين” أي المعارضة الشيعية التي تقود الإحتجاجات في المملكة منذ فبراير 2011.
الموقع نسب إلى مصادر في الحرس الثوري قولها أن “التعليمات صدرت لفيلق القدس للتنسيق مع حزب الله لاتخاذ ما يلزم لإنقاذ الشعب الذي يباد على حد تعبيرها“، مضيفة أن “الشعب البحريني يناشدنا ونحن في فيلق القدس سنلبي النداء ولن نخذلهم لأنهم أولى بالمساعدة”.
شرطي الخليج من جديد؟
بدا واضحا أن خامنئي ربما كان يقدم للأمريكيين نصيحة كي يعتمد أوباما (وأي إدارة تأتي بعده) على دور ايران فيما يتعلق باستقرار الخليج، وأنه يعرف كيف يستخدم أوراقه خصوصاً وأن بعض التسريبات (انظر النص المصاحب على الهامش) أشارت إلى ما اعتبرته “إخفاق وزارة الخارجية الإيرانية في حل الأزمة البحرينية”.
من الملفت أيضا أن إيران صرحت مؤخراً بأنها ستلجأ إلى استراتيجية التدخل السريع في الأزمات الإقليمية في المناطق الساخنة، عندما أرسلت مؤخراً فرقة كوماندوز إلى اليمن قامت بتحرير ديبلوماسي ايراني مُحتجز لدى القاعدة منذ حوالي عامين، وهو ما يعني أن طهران لا ترفض التعاون المباشر مع الغرب وخصوصا أمريكا، ربما لتصبح مُجدداً كما كانت في زمن الشاه السابق شرطيّ الخليج، وَإِنْ تدثرت اليوم بعباءة الولي الفقيه! وذلك في ضوء ما نُقل عن تكليف خامنئي لسليماني قائد فيلق القدس بخصوص الأوضاع في البحرين.
عموماً، يُمكن القول أن الإرادة السياسية التي تحلت بها طهران، وكشفت عن رغبتها في التوصل لاتفاق ينقل الملف النووي من مجلس الأمن الدولي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رابط خارجي(وهذا ما أخّـر التوصل إلى اتفاق قبل التمديد الذي حصل في نوفمبر 2014)، هي المطلوبة من الطرف الآخر وخاصة من جانب الولايات المتحدة، التي تتجه الإدارة فيها نحو فرض صفقتها الكبرى مع ايران على الجميع، رغم معارضة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الإنتخابية، لسبب بسيط بعيداً عن الدور الذي يمكن أن تلعبه طهران في حل أزمات المنطقة خصوصاً في الحرب على داعش، يتلخص في أن البرنامج النووي الإيراني بعد التوقيع على الإتفاق الشامل سيكون برنامجا “بدون أنياب”..
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.