هكذا يُسهم القطاع الاقتصادي في تمويل المساعدات التنموية
من خلال استراتيجيتها الجديدة للتعاون الدولي، ترغب سويسرا في إقامة شراكات وثيقة مع القطاع الخاص في التعاون الإنمائي. كيف يتم ذلك؟
في استراتيجية سويسرا للتعاون الدولي بين عامي 2021 ـ 2024، يتعيّن أن تصل حصة المشاريع التي يشارك في تمويلها القطاع الخاص، والتي تبلغ حالياً 5%، إلى الضعف خلال أربع سنوات إن أمكن. ويتم ذلك من خلال حشد موارد إضافية. لأنه مع وجود 17 هدفاً للتنمية المستدامة في خطة 2030رابط خارجي، تزداد الاحتياجات المالية.
يقول جيورغ فاراغو، المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية: «إنها مسألة خلق فرص عمل. ففي البلدان النامية، تسعة وظائف من أصل عشرة تتبع للقطاع الخاص. ولا سبيل للخروج من حالة الفقر بدون دخل منتظم وبدون عمل». ولذا، فإن القطاع الخاص يلعب دوراً رئيسياً أيضاً في التعاون الدولي.
وبحسب باتريسيا دانزي، المديرة الجديدة لوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، فإن إشراك القطاع الخاص في التعاون الانمائي هو ضروري بالنسبة للبلدان النامية بحد ذاتها، التي لا تريد الاعتماد الدائم على المساعدات. وكما ذكر جيورغ فاراغو: «بإشراك القطاع الخاص، يُمكن أن تبقى الحلول مستدامة حتى بعد انتهاء عملية التدخل من أجل المساعدة».
ما هي طريقة عمل نماذج التمويل؟
إنَّ إشراك الاقتصاد الخاص في المساعدة الإنمائية العامة هي ظاهرة عالمية. وتبحث الرؤوس المفكرة في مختلف المجالات منذ فترة طويلة عن طريقة للخروج من الخطط القديمة وتحقيق التكافؤ. من بين هؤلاء المفكرين فريتز بروغر، الباحث في مركز التعاون والتنمية (NADEL)رابط خارجي التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، الذي يقول موضحاً: «باختصار، ييُمكننا تقسيم جمع الأموال الخاصة إلى ثلاث فئات:
- الاستثمارات المباشرة على شكل قروض وأسهم في رأس المال
- الضمانات والتأمينات
- المدفوعات التي تعتمد على النتائج المحققة».
ووفقاً لجيورغ فاراغو، بالإضافة إلى النماذج الكلاسيكية التي تُنفّذ من خلالها الوكالة السويسرية للتنمية والتعاونرابط خارجي مشروعاً وتموّله بالشراكة مع شركاء من القطاع الخاص، هناك أيضاً مشاريع تقودها بطريقة «التمويل المختلط». والمقصود هنا هو استخدام الأموال العامة لتشجيع استثمارات القطاع الخاص. ويقول المتحدث باسم وزارة الخارجية مُوضحاً: «يعتمد المبدأ الأساسي للتمويل المختلط على دعم الاستثمارات التي تكون فعّالة ولكنها لا تجذب المستثمرين عادة».
مثال رقم 1: اللجنة الدولية للصليب الأحمر
تلجأ اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص (تعرف اختصارا بـ PPP)، وتُطلق عليها اسم “سندات الأثر الإنسانيرابط خارجي“، من أجل تشغيل مراكز إعادة تأهيل جرحى الحرب. وكما هو مذكور في الفيديو التوضيحي الموجود أدناه (باللغة الانجليزية): «لا نستطيع القيام بذلك بمفردنا، نحن بحاجة إلى مساعدة القطاع الخاص وشركاء جدد».
ويكون التمويل على هذا النحو: تُستخدم الأموال الخاصة بإنشاء البُنى التحتية. ويتم تقييم الأثر من قبل مراقبين مستقلين. في نهاية السنة الخامسة، يساعد أولئك الذين يُطلق عليهم اسم “الممولين النهائيين” اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تسديد المبالغ التي دفعها المستثمرون، بحسب نجاح المساعدة التي حصل عليها السكان. وبالتالي يمكن أن يعود المشروع على المستثمرين بأرباح أو بخسائر. أما “الممولون النهائيون” فهم مانحون. وهذا بالضبط هو حال سويسرا، التي تساهم في سندات الأثر الإنساني للجنة الدولية للصليب الأحمر بمبلغ تصل قيمته إلى 10 ملايين فرنكرابط خارجي.
تعليقاً على هذا الموضوع، يقول البروفسور ريموند سانر، المندوب السابق في اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسس المشارك لمركز التنمية الاجتماعية والاقتصاديةرابط خارجي في جنيف: «بالنسبة لي، أرى أنَّ هذه الفكرة ثورية. لم يسبق لي أن سمعت عن مستثمرين من القطاع الخاص يهتمون بأمور من هذا النوع ـ ربما كمانحين، ولكن ليس كمقدمي رؤوس أموال للمستشفيات. ولا يتم هذا الأمر إلا لأن بإمكان اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تضمن، بفضل الأموال العامة، بعض العائدات على الاستثمار مقابل المخاطر التي تحفّ المشاركة في مشروع إنساني».
مثال رقم 2: مصارف التنمية
مثال آخر عن الطريقة التي تُمكّن الدول من حشد الأموال الخاصة، إنها بنوك التنمية متعددة الأطراف. وهي عبارة عن بنوك تعاونية أسّستها الدول، التي تقدم قروضاً للبلدان النامية، وهو الأمر الذي ترفضه البنوك «العادية» بسبب المخاطر.
لإعادة تمويل القروض، تقوم مصارف التنمية ـ التي تحصل على تصنيف جيّد بفضل الدول المؤسسة الغنية التي تدعمها ـ بجمع مبالغ كبيرة من المال في أسواق رؤوس الأموال الدولية. وبذلك، يمكن تحقيق أرباح من الأموال الخاصة، هنا أيضاً، بفضل الأموال العامة.
وللعلم، فإن سويسرا ملتزمة مع العديد من بنوك التنمية ولها تأثير كبير نسبياً فيها.
كيف يمكننا تحسين مفهوم: «الشعب أولاً»
لكن إشراك الاقتصاد الخاص في التعاون الإنمائي هو أمر مثير للجدل أيضاً. لقد قامت بعض الدول المانحة بجميع أنواع التجارب. وفي هذا الصدد، يقول ريموند سانر: «في البداية، كانت الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الغالب عبارة عن ” القيمة مقابل المال”. كان هدف المستثمرين هو تحقيق الأرباح». وهو ما يؤدي في بعض الأحيان إلى الفساد، أو ببساطة إلى القيام بمشاريع للبنية التحتية دون أهداف مقنعة.
وهذا هو السبب الذي يجعلنا نبحث حالياً عن أشكال جديدة من الشراكة بين الدول والاقتصاد الخاص. فقد طوّرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبارابط خارجي مفهوم «الشعب أولاً في الشراكة بين القطاعين العام والخاص» (يُشار إليها اختصارا بـ PfPPP). الفكرة، هي أنه ينبغي إدماج الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضمن أهداف خطة 2030، أي أن تكون أيضاً استثماراً اجتماعياً وبيئياً.
ريموند سانر، العضو في مجلس إدارة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، يقول: «اعتباراً من الآن، يجب أن تكون هناك قيمة مضافة للمجتمع أو للناس، وهذا يعني أنَّه يجب أن تكون مشاريع (PfPPP) المتعلقة بالبنية التحتية بوضوح مفيدة أيضاً للمجتمع والبيئة».
تقييمات سرّيّة جزئياً
ولكن كيف يمكن التأكد من أنَّ الأمور تسير على ما يرام وأنَّ مفهوم «الشعب أولاً» ليس مجرد ذر للرماد في العيون؟
يجيب ريموند سانر: «عن طريق التقييم».
تقوم سويسرا بتقييم المشاريع التي تمولها عن طريق خبراء مستقلين، وفقاً لمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.رابط خارجي وتقوم الحكومة الفدرالية بإبلاغ البرلمان عن فعّالية البرامج. وبحسب جيورغ فاراغو، تخطط الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون بالإضافة إلى ذلك بين عامي 2021 – 2022 لإجراء تقييم مؤسساتي كبير بخصوص الوفاء بالتزامات القطاع الخاص.
ومع ذلك، يقول ريموند سانر أنه «لم يشهد الكثير من هذه التقييمات حتى هذه اللحظة».
فليس هناك أي إلزام للإعلان عن نتائج هذا النوع من التقييم. ويُشير البروفسور إلى أنه «بشكل عام، ليست هناك سوى تقييمات متفرقة». علماً بأننا، وبدون تقييمات منهجية، لا نعرف جيّدا ما هي الدروس التي يجب أن نتعلمها من المشاريع الضخمة التي تشارك سويسرا في تمويلها.
ما الذي نجح؟
وما الذي نستطيع تحسينه؟
يُعقب ريموند سانر متأسفاً: «يبقى هذان السؤالان دون جواب».
أعرب المقرر الخاص في الأمم المتحدة، المعني بالحق في التنمية، عن قلقه إزاء استراتيجية سويسرا الجديدة 2021 – 2024 فيما يتعلق بالتعاون الدولي. وانتقد قيام سويسرا بإدراج تكاليف دعم طالبي اللجوء ضمن ميزانية التعاون الإنمائي. وكتب المقرر الأممي أنَّ ذلك من شأنه أن يقلل من الميزانية المخصّصة فعلياً للبلدان النامية بنسبة 0,4% من الناتج المحلي الاجمالي. كما عبّر عن الخشية من أن تربط سويسرا مساعداتها التنموية بمصالحها الخاصة على المدى البعيد. وسيكون ذلك – حسب رأيه – تغييراً في التوجّه بالمقارنة مع الهدف السابق، الذي كان يتمثل في مكافحة الفقر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا