“إرادة السوريين قوية جداً وسوف تعود سوريا أفضل بكثير من ذي قبل”
رغم تعرضه للإصابة مرتين نتيجة القصف المُستمر للمركز الإعلامي الذي قام بتأسيسه، لا ينوي الناشط والصحفي أكرم الأحمد وزوجته ريم أحمد التي لم تَسلَم من المضايقات بدورها مغادرة سوريا. وهما يعتبران بقاءهما لتوثيق ما يحدث في الداخل السوري واجباً، سيما في ظل ما يُواجهه الصحفيون والنشطاء غير المُوالين للنظام وأعوانه من مخاطر، واعتماد النظام السوري سياسة غَلق البلاد بوجه الصحفيين.
مع دخول الثورة السورية عامها السابع، قامت مجموعة أصدقاء حلبرابط خارجي بتنظيم مجموعة من الندوات واللقاءات الإعلامية في عدد من المدن الأوروبية، قَدَّم خلالها كل من الصحفي والناشط السياسي أكرم الأحمد مدير المركز الصحفي السوري والصحفية ريم أحمد العضوة في المركز، شهادة حية حول الوضع الإنساني الكارثي لسكان سوريا في الداخل. وكانت جامعة جنيف مسرحاً لإحدى هذه الندوات التي عقدت يوم 29 مارس 2017، والتي أشترك في تنظيمها أيضاً فرع طلاب جامعة جنيف لمنظمة العفو الدوليةرابط خارجي وجمعية نساء سوريا من أجل الديمقراطيةرابط خارجي.
كما يقول أكرم الأحمدرابط خارجي، فإن الشعب السوري يتوق للحرية والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة واختفاء السجون وأفرع المخابرات، لكنه يدفع ثمناً كبيراً جداً مقابل ذلك، وهو يشعر بالخُذلان من جميع الأطراف الدولية. مع ذلك، يشدد مدير المركز الصحفي السوري على أن “القسم الأكبر من السوريين قادرٌ على الحراك ومُصِرٌ على نَيل الحرية والخلاص من هذه الأسرة التي تصر على حكم سوريا منذ أربعين عاماً والتي قَرَنَت إسم سوريا باسمها”.
أكرم الأحمد
ولد في ريف حماة في عام 1971، يعيش ويعمل حاليا في محافظة إدلب.
حاصل على دبلوم في الإعلام من جامعة دمشق وشهادة من المعهد العالي للإدارة العامة في دمشق.
أسس في عام 2014 واحدة من أولى وكالات الإعلام الحر في سوريا، هي المركز الصحافي السوريرابط خارجي الذي يعتبر مصدراً هاماً للمعلومات حول النزاع في سوريا اليوم.
يقوم بتدريب المئات من النشطاء والإعلاميين على العمل الإعلامي في الداخل السوري وفي الخارج أيضاً لصالح منظمات المجتمع المدني، كما ينشط في تغطية أحداث الثورة السورية وتسليط الضوء على الواقع السوري.
له مقالات في العديد من الصحف مثل ‘الأيام’ السورية الألكترونية، ومجلة ‘الحدث’ الشهرية ومجلة ‘عين المدينة’ نصف الشهرية.
الأحمد يرى أن الإعلام الغربي – أو وسائل الإعلام بشكل عام – يتجاهل هذا الحراك وما تقوم به المؤسسات والمجالس المدنية والمحلية والصحفيين والأطباء وغيرهم من الموجودين داخل سوريا، الذين يُصِرّون على الإستمرار بالعمل والإنابة عن مؤسسات النظام، والذين يتعرضون إلى قصف مُستمر يزيد عما تتعرض إليه داعش “التي لا يقصفها النظام أصلاً”، على حد قوله. وهو يَرِدُ ذلك إلى عدة أسباب، في مقدمتها إعتماد النظام الحاكم سياسية إغلاق سوريا بوجه الإعلام الأجنبي، بالإضافة إلى ضعف مؤسسات الإعلام المحلي البديل وعدم ارتقائها إلى مستوى المادة التحليلية المُوَجَهة للشعوب الأخرى، وقدراتها المتواضعة على التخاطب باللغات العالمية، علاوة على الحملة الإعلامية التي تقودها روسيا وإيران والنظام وحتى الصين، والضخ المالي الكبير من طَرَف النظام باتجاه الإعلام الموالي له، حسب رأيه.
بين مطرقة النظام وسندان ‘داعش‘
لهذه الأسباب، ومع توفر هامش أكبر من الحرية في بعض مناطق سوريا المُحَرّرة و”التخلص من سلطة النظام والفروع الأمنية” في بداية عام 2011، قام الأحمد بتأسيس مكتب صحفي في ريف حماة، وسَّعه لاحقاً ليصبح المركز الصحفي السوريرابط خارجي. لكن الصعوبات التي كابدها المركز ولا يزال، لم تقتصر على قصفه المستمر من قبل قوات النظام فحسب – ما يضطر العاملين فيه إلى تغيير مكاتبهم التي تقع غالبيتها تحت الأرض كل 6 أشهر – لكن الصحفيين، وبحسب الأحمد، بدأوا يتعرضون بعد عام 2014 حصراً إلى مضايقات أخرى بسبب ما ينشرونه مع ظهور الجماعات الجهادية مثل ‘داعش’ والقاعدة في المنطقة. وحتى بعد طَرد الجيش السوري الحر لداعش من ريف حماة وإدلب إلى الرقة، ظلت هذه الجماعات مُحتفظة ببعض البؤر التي ما برحت تستهدف الصحفيين بعبوات ناسفة أو إطلاق النار أو وسائل أخرى “وهي عوامل قللت من حرية الصحافة بعض الشيء، لكنها تبقى مع ذلك أفضل بكثير من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام”.
ومن أجل ضمان استمرار العمل في المركز، “تم تجهيزه بمولدات كهرباء تعمل على الديزل وألواح الطاقة الشمسية، كما أنه يعتمد نوعين من الإنترنت هما الإنترنت الفضائي بالإضافة إلى الإنترنت التركي”، وفقاً للأحمد.
بدائل قد لا تصلح للإستهلاك البشري
وفقاً للصحفي والناشط السوري، إضطر الكثير من السوريين إلى تغيير عاداتهم للتأقلم مع واقعهم الجديد. “قبل اندلاع الثورة في 2011، كان متوسط دخل الأسرة السورية المتعارف عليه نحو 500 دولار. وهذا المُرَتَّب لم يتغير رغم إنخفاض القوة الشرائية للعملة، وأصبحت قيمته تقارب 60 دولاراً اليوم. وفي المقابل إرتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب إرتفاع قيمة الدولار نتيجة الحرب وصعوبة وصول المواد، والأتاوات التي تفرضها حواجز النظام على هذه المواد عند إنتقالها من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة، مما خلق أزمة إقتصادية لم تَستَثنِ الغالبية. كما توقف الكثير من المعامل عن العمل والمزارعين عن الزراعة، ما خلق طبقة كبيرة من السوريين العاطلين عن العمل”، كما أخبر الأحمد .swissinfo.ch.
ويرى الأحمد أن 70% ممن إلتحقوا بـ ‘داعش’ من السوريين إنما فعلوا ذلك نتيجة البطالة والحاجة للمال لأن ’التنظيم‘ يقدم مرتبات عالية بالمقارنة مع الدخل في سوريا لتوفره على إمكانيات مالية كبيرة بسبب سيطرته على مواقع نفطية استراتيجية. كما يشير إلى تغيير الناس لعادات طعامهم، حيث بدأوا بزراعة حدائق منازلهم بدلاً من شراء الخضراوات، أو الإعتماد على بعض الحشائش التي تنبت في البرية في الطبخ. “لقد أصبحت موائدهم تفتقر للكثير من أصناف الطعام التي إعتادوا عليها في السابق. وقد لا تكون الكثير من البدائل التي يعتمدها السوريون اليوم مُغذية أو صالحة للإستهلاك البشري، لكنهم مُجبرون على تناولها نتيجة الوضع الإقتصادي”، كما يقول.
ومع أن الإحصائات تشير إلى مقتل حوالي 500,000 سوري نتيجة الحرب، لكن الأحمد يعتقد أن عدد الذين ماتوا نتيجة سوء التغذية، أو التسمم، أو الأمراض التي لم يجدوا لها دواءً أو طبيباً يعالجها، أو الأخطاء الطبية في المستشفيات فاق المليون نسمة. “لقد هاجر الكثير من الأطباء من سوريا ولم يعد هناك إختصاصيين. واليوم يعمل في العديد من المشافي الميدانية شباب لم يُكملوا دراستهم الطبية – نتيجة الضغط والخوف من النظام والسوق لأداء الخدمة العسكرية – وبالرغم من أنهم يبذلون أقصى جهدهم للمساعدة، لكنهم يفتقرون للخبرة وهو ما يتسبب بنتائج وخيمة”.
ريم أحمد
ولدت في 1984، تعيش وتعمل في محافظة إدلب.
حاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة والحضارة الفرنسية، وتقوم بترجمة المقالات من الفرنسية إلى العربية في المركز الإعلامي السوري.
تعمل كصحفية في المركز الصحفي السوري والعديد من وسائل الإعلام السورية الأخرى مثل مجلة ‘الحدث‘ و ‘عين المدينة’ و‘ياسمين سوريا’ وجريدة ‘زيتون’، حيث تحلل الوضع السياسي في سوريا وتوثق حالة المدنيين وخاصة النساء في الأجزاء الشمالية المحررة من البلاد والآثار التي تركتها الحرب عليهن. كما تعطي دورات تدريبية في مجال التحرير الصحفي.
كتبت سيناريو فيلم وثائقي من إنتاج المركز الصحفي السوري.
دور فعال للمرأة رغم الواقع المرير
مع فقدان الكثير من النساء في سوريا لأزواجهن وأخوتهن وأبنائهن وآبائهن نتيجة الصراع المسلح أو السجن أو حتى الهجرة، بات عليهن الإضطلاع بدور الرجل أيضاً. وكما تقول ريم أحمد :”تضطر المرأة في الكثير من الأحيان للتنقل عبر الحواجز بين القرية والمدينة، لجلب الغذاء. وهي تأخذ دور المعلم إن كانت متعلمة بسبب حرمان الأطفال من المدارس، وتدبر الشؤون المنزلية على ضوء شمعة أحياناً بسبب إنقطاع الكهرباء. والعديد من النساء مُجبَرات على جَلْب الماء وحمله فوق رؤوسهن لمسافات بعيدة – وهذه مياه خاصة بالأرياف ومناطق شمال سوريا المحررة وهي مُنحصِرة على الشرب والطبخ فقط وليست للإستعمالات المُعتادة الأخرى. وكثيراً ما تضطر النساء في هذه المناطق إلى تعويض غاز الطهي بالحطب بسبب ارتفاع أسعاره أو إنقطاعه أحياناً، كما قد تكون مُرغَمة على إعداد حساء من أعشاب صالحة للغذاء لأطفالها لأنه يُشبع أكثر”.
وكما تضيف :”هناك 8000 سيدة معتقلة في سجون النظام بينهن 3000 قاصر. كما تشير آخر الإحصائيات إلى مقتل 23,591 إمرأة على أيدي النظام، هذا عدا عن تعرض الكثير من النساء للإغتصاب و لحوادث مروعة”.
رغم كل هذه المشاق، تضطلع المرأة السورية بدور فعال في العديد من النشاطات الحياتية كما تؤكد عضوة المركز الصحفي السوري، ضاربة المثل بالإقبال الكبير على الدورات التدريبية التي يخصصها لهن مكتب المركز الموجود في إدلب الخاص بالنساء. “تحمل العديد من النساء اللواتي يحضَرنَ هذه الدورات إختصاصات مختلفة، لكنهن يَرغَبنَ بالعمل في المجال الإعلامي. ومما يؤسف له هو أن وسائل الإعلام غالباً ما تقدم المرأة بصورة ضحية نتيجة ما يجري من أحداث، ولا تُظهِر نشاطاتها الأخرى، حيث تلعب المرأة دوراً فعالاً ولا سيما في مجال الإعلام. واليوم هناك 13 سيدة تعمل في مكتب المركز في إدلب”، كما اخبرت أحمد swissinfo.ch.
“لا مكان للتشدد في سوريا”
بالرغم من تعدد أطراف الصراع في سوريا بدءاً بقوات النظام ومَن يواليها من إيران والعراق ولبنان، والفصائل المعارضة والإسلامية المدعومة من تركيا ودول الخليج، وصولاً للأكراد الذين يحلمون باستقلال ذاتي، وأخيراً الجهاديين وعلى رأسهم تنظيم ‘داعش’، يرى الأحمد أن “الشعب السوري جَبّار ومستعد لأن يعود أفضل مما كان عليه بمجرد أن تهدأ الحرب”.
“إن إرادة السوريين قوية جداً وسوف تعود سوريا أفضل بكثير من ذي قبل، فهي تتوفر على إمكانات إقتصادية كبيرة جداً كانت مُسخرة لعائلة واحد فقط، وفي حال غادرت هذه العائلة السلطة فستعود أفضل من ذي قبل. المتشددون الإسلاميون لا مكان لهم في مستقبل سوريا. إن 40% من السوريين هم من المسيحيين والعلويين والدروز، وهؤلاء لا يقبلون بوجود الإسلاميين البتة. كما أن أكثر من 40% من بقية السوريين على عداء شديد مع المُتطرفين. وهكذا لا يَدعَم هؤلاء سوى نسبة قليلة، وبالنتيجة لن يكون لهم أي وجود في سوريا. وأنا أرى بعيني كيف يعود الناس للتظاهر ضد النظام وضد الفصائل المتطرفة أيضا عندما يهدأ القصف لبضعة أيام”.
“سويسرا مُحايدة جداً”
على صعيد آخر، يرى الأحمد ان الموقف السويسري الرسمي من الحرب في سوريا “مُحايد جداً”. وكما يقول :”لا يمنع أن تعتمد سويسرا سياسة الحياد، لكن الجانب الإنساني والمدني والحياتي للمواطنين السوريين يجب أن لا يغيب عن وسائل إعلام دولة كسويسرا. نحن نتمنى من الحكومة السويسرية – ومن جميع الحكومات الأوروبية – موقفاً أكثر واقعية ومُساندة للحراك المدني الديمقراطي الذي يتمثل بالمجالس المحلية والمؤسسات المدنية، لأن هذا الحراك ضعيف ومُحارَب بشكل كبير من النظام وبعض الأطراف المُناهضة للديمقراطية والتعددية، كما نأمل أن تُمارس الشعوب الأوروبية ضغطاً على حكوماتها لمساندة هذا الحراك المدني”.
وَفي ختام لقائنا، سألت الأحمد عن سبب عدم مغادرته لسوريا وانتقاله مع أسرته إلى مكان أكثر أماناً، سيما وأنه أصيب مرتين نتيجة قصف قوات النظام للمركز الإعلامي السوري، فأجابني بالقول :”حيث كنت واحداً من أوائل الأشخاص الذين ساهموا في وجود هذه الثورة، أشعر بمسؤولية مُضاعفة عندما أرى هذه النسبة الكبيرة من الدماء والقتلى والمُعاقين. كما أعتبر بقائي واجباً لأن مبادئي الصحفية والأخلاقية تُحتِّم علي ذلك، ولأني أحلم بوطن حر وديمقراطي وتعددية. وكذلك لكي أحاول تشذيب الخطاب الصحفي الذي بدأ ينحرف نتيجة وجود الصحفيين العسكريين والمكاتب العسكرية التي تتبع عدة إيديولوجيات وأحزاب ما أدى إلى ظهور خطاب إعلامي عدائي، وبناء مؤسسة تتبنى الحيادية والإستقلالية وتسلط الضوء على مُعاناة الناس ووضعهم المعيشي”.
المركز الصحفي السوري
مؤسسة إعلامية مستقلة تستهدف نقل ما يحدث في الداخل إلى خارج سوريا. وهي تضم وكالة أنباء المركز الصحفي السوري (spc)، وراديو الحدث، ومجلة الحدث السوري الشهرية، والمعهد السوري للإعلام، وقسما للتوثيق وآخر لإنتاج المواد المرئية.
يتوفر المركز على تجمّعَين للمكاتب، الأول في ريف حماة والثاني بمدينة إدلب، يعمل فيها 52 صحفياً بالإضافة إلى 15 مراسلاً يتوزعون على باقي مناطق سوريا.
من أساسيات العمل في المركز أن لا يكون للعاملين فيه أي إنتماءات ايديولوجية أو حزبية أو سياسية. وهو يستقي المعلومات التي يقوم ببثها ونشرها من المراسلين الذين يقوم بتدريبهم في مكاتبه في إدلب وحماة، ومن ثمَّ إرسالهم إلى مناطق إقامتهم ليكونوا مراسلين له، بالإضافة إلى مصادر خاصة كالمجالس المحلية والدفاع المدني المُنتشرين في كل قرية وبلدة. أما النُشطاء المقيمون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو ‘داعش’ الذين لا يستطيعون الوصول إلى مكاتب المركز، فيتم تدريبهم عن طريق الإنترنت. وهذا التدريب مجاني، حيث يعمل جميع موظفو المركز بشكل تطوعي.
يتبع المركز إستراتيجية تتمثل بتدريب الصحفيين تدريباً نظرياً، ومن ثم مطالبتهم بتدريب عملي لمدة 6 أشهر أو سنة، يُمنحون بعدها شهادة من المركز الصحفي تخولهم للعمل في مؤسسات أخرى أيضاً في الغالب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.