ماذا تكتب الصحافة السويسرية عن العالم العربي؟
رأيٌ يميّز بين دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة وبين استغلال القضية لتحقيق أهداف أخرى، وتحليلٌ ينظر إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية بسبب أعمال العنف والتهجير القسري، وفوزٌ "شمال كوريّ" متوقّع للسيسي: هذا أبرز ما تناولته الصحف السويسرية هذا الأسبوع.
هناك فلسطين المأمولة وفلسطين الذريعة
في مقال رأي في صحيفة “لوتون”، بعنوان “هناك فلسطين، وفلسطين”، كتب جون أوغست نيرو، نائب رئيس الرابطة السويسرية الإسرائيلية مؤكدا على الفارق بين فلسطين المأمولة وفلسطين الذريعة التي تعيق حلّ الصراع، حيث “تستغل حماس والمدافعون عنها القضية الفلسطينية لتحقيق مآرب أخرى”، وفق رأيه.
وطرح الكاتب تساؤلات حول “سبب عدم انتباه العالم لبعض الأمور في غزة، مثل حفر الأنفاق وبناء مستودعات للأسلحة تحت مبان الأونروا ومنظمات إنسانية”… و”كيف يمكن لهؤلاء الحريصين على إبداء رأيهم، أن يبذلوا هذه الجهود الكبيرة للتأكيد على أن المسؤولية عن اندلاع الأعمال العدائية مشتركة، رغم أن الحقائق واضحة؟”. كما يضيف:”لماذا تتدخل إيران وحلفاؤها؟ وكيف تظل أحزابنا اليسارية المهتمة بحقوق المرأة في عصر حركة #MeToo صامتة إزاء فظاعة عمليات الاغتصاب وغيرها من عمليات القتل التي ترتكبها حماس؟”، بحسب قوله. ثم يستمر في التساؤل: “كيف يمكن لهذه الحركة اليسارية الواعية أن تدير ظهرها للمكاسب الاجتماعية الموجودة في إسرائيل؟”. بالنسبة للكثيرين، يرى الكاتب “يُعتبر الدفاع عن فلسطين ذريعة مريحة”.
ويرجع كاتب المقال عدم قيام دولة فلسطين إلى “الخلط الكبير بين هدفين رئيسيين: إنشاء دولة بمباركة المجتمع الدولي، مما يلبي رغبة الشعب الفلسطيني في الاستقلال. والهدف الثاني المتمثّل في استغلال القضية الفلسطينية من قبل حركات سياسية بهدف إحراز تقدم حاسم في قضايا أخرى ذات أولوية مثل الحرب ضد الإمبريالية والرأسمالية والصهيونية والولايات المتحدة وإسرائيل والدول الخليجية وغيرها”. والقضية الفلسطينية هنا ما هي إلا “ذريعة لتكريس عدم الثقة والعداء تجاه إسرائيل”، يضيف الكاتب.
ويخلص المقال في النهاية إلى دعوة “جميع المعنيين إلى التمييز بين ما يُساهم في إنشاء كيان فلسطيني مستقل، وبين من يهدف إلى أشياء أخرى لن تقود في النهاية إلا إلى تأخير هذه العملية.”
(المصدر: لوتونرابط خارجي، 11 ديسمبر 2023، بالفرنسية)
“أنت في عداد الموتى، إذا لم ترحل خلال 24 ساعة”
في ريبورتاج من تلال جنوب الخليل، سلطت الصحفية اندريا شبارلينغر في “نويه تسرخر تسايتونغ” الضوء على الوضع المأساوي الذي تعيشه الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية بسبب أعمال العنف والتهجير القسري التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون في المنطقة.
والتقت الصحفية بعدد من الأشخاص المتضررين، من بينهم فارس سمامرة (56 عاما)، وهو مزارع فلسطيني دمر المستوطنون منزله. وتصف شبارلينغر حالة سمامرة بعد تهجيره وأسرته بالقول “يقف فارس سمامرة، في باحة منزله، أو فيما بقي منه: جدران الأساس وإطار الباب وبعض جدران الغرف، التي لونها أبناؤه بألوان زاهية. وهو يقاوم عواطفه. لا ينبغي للرجل أن يبكي، خاصة أمام الغرباء، ولا سيما أن هذا الرجل لم يتبق له سوى كبريائه؟ لكن الألم كبير للغاية، والدموع تنهمر على وجهه، وهو يدخل منزله المدمر للمرة الأولى. فبعد فراره، هدم المستوطنون منزله بالحفارات ودمروا أيضًا ما تركته العائلة من أثاث صغير”.
وتوضح الصحفية أن سمامرة هو واحد من مئات الفلسطينيات والفلسطينيين الذين تستهدفهم أعمال التهجير القسري في المنطقة (ج) المتنازع عليها، والتي تشكل حوالي ثلثي الضفة الغربية وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية.
ووفقاً للقانون الدولي، فإن هذه الأراضي محتلة، وبالتالي فإن بناء المستوطنات هناك غير قانوني، لكن الدولة الإسرائيلية تتجاهل القانون، فقد قامت بتوسيع المستوطنات بشكل مطرد على مدى العقود القليلة الماضية، ويقول أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو الآن صراحة إن المنطقة (ج) هي جزء من إسرائيل ويجب ضمّها.
ومثل معظم الفلسطينيات والفلسطينيين في هذه المناطق الريفية بالضفة الغربية، كان سمامرة يكسب رزقه من تربية الماشية. ويقول “إن الحياة هنا لم تكن سهلة على الإطلاق، ومع ذلك فلديه هناك العديد من الذكريات الرائعة المرتبطة بهذا المنزل. جميع أبنائه وبناته نشأوا هنا”.
ولد فارس سمامرة هنا في قرية زنوتا الواقعة في التلال جنوب الخليل. ويؤكد أنه مثل والده وجده وجده الأكبر قادر على إثبات ما لا يستطيع الكثير من الفلسطينيات والفلسطينيين إثباته: أن الأرض التي يقع عليها منزله مملوكة لعائلته. لكن المستوطنين المتطرفين من بؤرة ميتريم الاستيطانية القريبة لا يعيرون اهتماماً لهذه الحقائق.
في 14 أكتوبر الماضي، اقتحم المستوطنون منزله ليلاً، مدججين بالسلاح، وضربوا زوجته أمامه ووجهوا أعقاب بنادقهم نحو رؤوس الأطفال. ثم قاموا بإفراغ خزانات المياه ودمروا اللوائح الشمسية. وقبل مغادرتهم، هددوا بقتل الأسرة بأكملها إذا لم يغادروا خلال 24 ساعة.
ويقول والد الأسرة: “في تلك اللحظة أصبح واضحا لي أننا لا نستطيع البقاء هنا” ثم يستدرك قائلا: “ولكن إلى أين يجب أن نذهب؟”
وفي الليالي التالية، جاء المستوطنون مرارًا وتكرارًا إلى القرية لنشر الرعب فيها، وألقوا قنابل صوتية على المنازل ودمروا الاسطبلات. كما دمروا المدرسة في القرية، التي يلتحق بها 40 طفلة وطفلاً فلسطينياً. في 27 أكتوبر، جلس سمامرة وعشرون من رؤساء الأسرة الآخرين وقرروا بقلب مثقل مغادرة القرية.
كان أهل القرية واعون بأن رحيلهم يعني فقدان أرض أجدادهم إلى الأبد، واقتلاع 250 شخصًا من وطنهم والقضاء على مجتمعهم. لكنهم لم يروا أي مخرج آخر.
ومنذ 7 أكتوبر، وحتى الآن، أدت هذه الهجمات إلى تهجير سكان عدة قرى ونزوح أكثر من 16 تجمعا قرويا .
وتزايدت وتيرة الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون على القرى الفلسطينية في الضفة الغربية بشكل مطرد في السنوات الأخيرة. ومع الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على قرى جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر، ازداد الوضع سوءاً من ذلك. ولم يعد المستوطنون اليهود المتطرفون يهاجمون القرويات والقرويين المسلمين في الحقول فحسب، بل منازلهم أيضًا. إنهم يريدون الانتقام من الفلسطينيين، ويرون أن الحرب الجارية في غزة، والتي تجذب انتباه العالم حالياً، فرصة لخلق وقائع جديدة هنا على الأرض.
وازدادت الأمور سوءًا منذ وصول ائتلاف يميني إلى السلطة في نهاية عام 2022، حيث تضم الحكومة قادة حركة الاستيطان مثل إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، والذي شبه عنف المستوطنين بـ “رش الجرافيتي”. وبحسب مصادر مطلعة، حذر بن غفير ضباط الشرطة في الضفة الغربية من اتخاذ إجراءات ضد المستوطنين العنيفين، وفق ما جاء في الصحيفة.
(المصدر: نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي، 12 ديسمبر 2023، بالألمانية)
فوز ” شمال كوريّ” متوقّع للسيسي
تناولت صحيفة “تاغس أنتسايغير” بالتحليل الانتخابات الرئاسية في مصر واستهلت مقالها بالتأكيد على أن “الانتخابات في مصر لم تكن حرّة ونزيهة على الإطلاق، ومع ذلك، فإن الحرب التي شنتها إسرائيل ضد حماس أعطت الرئيس الحالي دفعة غير متوقّعة تزيد من شعبيته”.
وأشار مراسل الصحيفة برند دوريس إلى أن السلطات حذرت من الأخبار الكاذبة حول نتائج الانتخابات، مع تأكيدها في الوقت نفسه على توقّع إعادة انتخاب السيسي بفوز ساحق. وقارن الصحفي نتائج الانتخابات بمثيلاتها في كوريا الشمالية، وقال: “فاز عبد الفتاح السيسي في انتخابات رئاسية عامي 2014 و2018 على التوالي بنسبة 97%، ومن المتوقع أن تكون نتيجة الانتخابات هذا العام مماثلة”.
وذكرت الصحيفة الإجراءات المتخذة لتعزيز نسبة الإقبال في الانتخابات، حيث صدرت تعليمات لموظفي وموظفات الدولة بالتصويت، وقامت الشركات الكبرى بنقل الموظفات والموظفين بالحافلات إلى مراكز الاقتراع، وتم توزيع الهدايا للتشجيع على التصويت، كما أعلن بعض نجمات ونجوم السينما المصريّة مشاركتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن وعلى الرغم من ارتفاع نسبة إقبال الناخبات والناخبين، فإن صحة الانتخابات تظل “موضع شك”، بحسب الصحيفة.
وأوضح صاحب المقال كيف أن “الحرب التي شنتها إسرائيل ضد حماس منحت السيسي شعبية إضافية”، وأضاف بأنّ الاتحاد الأوروبي يخطط لاستثمار ما يصل إلى 10 مليارات يورو لدعم مصر ماليا.
وختم برند دوريس مقاله موضّحا كيف أن: “المزيد من التصعيد في غزة قد يصبح أكثر خطورة بالنسبة للسيسي، خاصّة في حال تزايدت التساؤلات بين المصريات والمصريين أنفسهم حول عدم تدفق المزيد من المساعدات عبر معبر رفح الحدودي؟ ولماذا يسمح الجانب المصري فقط بالمرور لتلك الشاحنات التي وافقت عليها إسرائيل. وقد تصبح الأمور أكثر صعوبة إذا أصبح مئات الآلاف من الفلسطينيات والفلسطينيين يائسين إلى الحد الذي قد يدفعهم إلى محاولة اختراق الحدود، كما حدث في عام 2008”.
(المصدر: تاغيس أنتسايغيررابط خارجي، 13 ديسمبر 2023، بالألمانية)
فيما يلي مختارات من مقالاتنا لهذا الأسبوع:
+ بيات يانس: من متدرّب زراعي إلى وزير في الحكومة الفدرالية السويسرية
+ ما الذي سيتغير في السياسة السويسرية بعد انتخاب التشكيلة الحكومية الجديدة؟
+ انتخاب بيات يانس عضوًا جديدًا في الحكومة السويسرية
+ مفارقة سويسرية .. الأحزاب الحاكمة أبرزُ طرفٍ في المعارضة!
+ كيف يُنتَخَب أعضاء الحكومة الفدرالية السويسرية؟
+ دار رعاية لتخفيف الآلام .. حيث انتظار الموت في جو “أُسريّ”
+ فولكر تورك: “إذا كانت هناك رسالة واحدة، فهي مركزية حقوق الإنسان”
+ تايم لاين: سويسرا والصراع في الشرق الأوسط
+قصّة بقاء وتضامن: داخل أعنف زلزال في المغرب منذ قرن
للمشاركة في النقاش الأسبوعي:
المزيد
يمكنكم/ن الكتابة لنا عبر هذا العنوان الإلكتروني إذا كان لديكم/ن رأي أو انتقاد أو اقتراح لموضوع ما.
نقدم لكم هنا عرضنا الصحفي الأخير لهذا العام، ونلتقي في الأسبوع الثاني من شهر يناير المقبل. نتمنّى لكم/ن سنة سعيدة!
تحرير: عبد الحفيظ العبدلي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.