ماذا يحدث في الجامعات المصرية؟!
لا يستطيع باحثٌ جاد أو مؤرخ منصف، أن ينكر الدور الوطني الذي قامت به الحركة الطلاّبية، على مدى تاريخ مصر؛ وأن الطلبة كانوا المحرّك الأول والأقوى للحِراك الثوري والمُقاوم، فهُم شهداء كوبري عباس ومُقاومو الاحتلال على ضفاف القناة، وفي صدارة المقاومة الشعبية بالسويس عام 73 وأبطال انتفاضة 77 والشعلة التي أطلقت ثورة 25 يناير 2011.
ومنذ قيام الجيش بعزْل الرئيس المُنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013 في أعقاب نزول قطاع من الشعب إلى الشارع، مطالبا الجيش بالتدخل وإنقاذ البلاد، انطلقت مظاهرات ومسيرات محدودة تُطالب بعوْدته، وشارك طلاّب الجامعات المصرية في هذه الفعاليات، واندلعت أعمال عنف بين الطلاّب وقوات الأمن المكلّفة بحراسة الجامعات.. ولا تزال مُستمرة.. حتى غدا طلاب الجامعات صداعا في رأس النظام.
57 احتجاجاً طلابياً في الأسبوع الأول بالجامعات
رصد مؤشر الحراك الطلابي في برنامج مؤشر الديمقراطية التابع «للمركز التنموي الدولي» خلال الفترة من السبت 11 إلى الخميس 16 أكتوبر 2014، حراكا طلابيا واسعا، امتد لتنظيم 58 احتجاجاً طلابياً خلال 6 أيام، بمتوسط 10 احتجاجات طلابية يومياً.
وقال البيان الصادر عن «البرنامج»، إن الاحتجاجات الطلابية خرجت في 18 جامعة، تصدّرتها جامعات الأزهر بـ 12 احتجاجاً، ثم جامعتا القاهرة والإسكندرية اللّتان شهدت كل منهما 7 احتجاجات، وعين شمس وحلوان شهِدتا 4 احتجاجات لكل منهما، تلتهما جامعة المنوفية بـ 3 احتجاجات. في حين شهدت المعاهد العليا احتجاجا واحدا. وقام طلاّب التعليم ما قبل الجامعي، بتنظيم احتجاجين خلال فترة الرصد.
وكانت المطالب الثلاثة الأساسية للاحتجاجات الطلابية خلال الأسبوع الأول هي: الإفراج عن الطلاب المحبوسين في 27 احتجاجا، وعودة الطلاّب المفصولين في 15 احتجاجا، والاعتراض على العنف الأمني وتواجد شركة فالكون الأمنية في 10 احتجاجات طلابية.
بينما عبّر الطلاب عن مطالبهم بانتهاج 7 وسائل احتجاجية، جاء على رأسها التظاهر، حيث شهدت الجامعات المصرية 27 مظاهرة تلتْها المسيرات الاحتجاجية، بعد تنظيم الطلاّب لـ 18 مسيرة، ثم الوقفات الاحتجاجية التي بلغت ثمانِ وقفات، تلاها تنظيم الطلاّب لسلسلتيْن بشريتيْن، وحالة واحدة من الإضراب عن الدراسة، وأخرى للتَّجمْهُـر وحالة قطع طريق.
وأوضح البيان أنه، بالرغم من شرعية مطالب الطلاّب المتعلقة بالمناخ الجامعي والبعيدة تماما عن العمل السياسي أو إدارة الدولة، ورغم أن 98% من الوسائل الاحتجاجية التي انتهجها الطلاب هي وسائل سِلمية، إلا أن العنف الأمني المفرط في مواجهة تلك الاحتجاجات، قد أحال 30% من تلك الاحتجاجات السِّلمية لأحداث عُنف وشغَب ومواجهات، حيث رصد التقرير وقوع 17 حالة عنف بالجامعات المصرية.
“ثورة الطلاّب”.. مبالغات إعلامية؟
في البداية؛ قال الدكتور مصطفي كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة: “ليس صحيحا ما يحاول البعض أن يصوِّره من أن هناك ثورة طلاّبية مشتعلة في الجامعات المصرية، وإنما هي مجرّد بضعة مئات من الطلاّب يتظاهرون داخل الحرم الجامعي ويهتفون ضدّ الإدارة أو الحكومة لبعض الوقت، ثم يعودون إلى كُليّاتهم ومُحاضراتهم”؛ مشيرا إلى أن “بعضهم يشعلون الشماريخ للتعبير عن غضبهم”.
وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch؛ أضاف السيد، المؤلف الرئيسي لتقرير التنمية البشريةرابط خارجي الإنسانية العربي للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 2009: “في تقديري أن ما يحدث داخل الجامعات، وثيق الصلة بحالة الصراع السياسي القائم في خارج الجامعات، بين جماعة الإخوان المسلمينرابط خارجي من جهة، والنظام الحاكم للبلاد من جهة أخرى”، نافيا ما تردّد عن “رغبة وزارة الداخلية في الدخول إلى الحرم الجامعي، حتى لا تصطدِم بالطلاّب، وهذا ما أكّده لي رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار”.
في الأثناء، يرى الخبير السياسي والأكاديمي، أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى استخدام طلاب الجامعات، خاصة المنتمين لفِكرها أو المتعاطفين معها، كورقة وأداة مهمّة، وليست وحيدة، للضغط على النظام القائم في البلاد، لتعديل وضعها السياسي الشائك ووقف المواجهة الشديدة التي أطلقتها الدولة ضدها، ولقناعتها بأهمية وقُدرة الشباب، والطلاّب بصفة خاصة، على ممارسة هذا الضغط.
وصفة للخروج من المأزق الراهن!
مصطفي كامل السيد تابع قائلاً: “ليس صحيحا ما يردده البعض من أن النظام الحالي يسعى لإحكام قبضته على المؤسسات الجامعية، التي لم تستسلم بعدُ للوضع الجديد. فالأوضاع داخل الجامعات المصرية، وفي جامعة القاهرة التي أشرف بالتدريس لطلابها والتواجد بها بشكل يومي، ليست على هذا النحو الذي يسعى البعض لتسويقه. فالدراسة تسير على ما يُرام والمحاضرات منتظمة، ولا ينفي هذا خروج بعض الطلاب من حين لآخر للتظاهر هنا أو هناك”.
من جهة أخرى، أشار السيد، الذي يشغل أيضا منصب المدير التنفيذي لـ مركز شركاء التنمية للبحوث والاستشارات والتدريبرابط خارجي، إلى أن “أساتذة الجامعات وأعضاء هيئة التدريس، رفضوا محاولة الحكومة إقرار قانون يمنح رؤساء الجامعات سلطة فصل أعضاء هيئة التدريس، وهو ما رفضه أيضا طلاب الجامعات، واستنكرته غالبية الرأي العام في مصر، وفي النهاية، رفض قسم التشريع مجلس الدولة إقرار القانون واعتبره مخالفا للدستور”.
ومن وجهة نظره، فإن الخروج من المأزق الرّاهن “يتطلّب اتخاذ عدة إجراءات من جانب الحكومة، في مقدّمتها: الإفراج عن الطلاب المُعتقَـلين وإعادة المفصولين إلى كلياتهم، كما يتطلّب أيضا من جانب الطلاّب احترام قدسية الجامعة وعدم تعطيل العملية التعليمية والإمتناع نهائيا عن استخدام العُنف في مظاهراتهم، التي يجب أن تتحلّى بالسلمية والتحضر”، على حد قوله.
الحركة الطلاّبية.. “نبض الشارع”
وبرُؤية مختلفة؛ أوضح أسامة الهتيمي، الكاتب الصحفي والقيادي السابق في الحركة الطلابية المصرية، أن “الجهاز الأمني المصري يُدرك إلى أيّ مدى يحظى الحِراك الطلابي بمِصداقية شديدة لدى الشارع المصري، كوْن أن الحركة الطلابية حركة نزيهة، إذا ما قورنت بالتيارات والقِوى السياسية خارج أسوار الجامعة. فهي لا تتحرك وِفق حسابات أو مصالِح سياسية خاصة، وإنما هي بما تقدّمه من فاعليات وبما ترفعه من شعارات، لا تعبِّر إلا عن نبض الشارع المصري”، على حد تعبيره.
وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، أوضح الهتيمي، أحد مؤرِّخي الحركة الطلابية بالجامعات المصرية، أن “الحركة الطلابية أولاً وأخيرا، جزءٌ من الشارع المصري، يشعُر بآلامه وآماله، ومن ثم، فإن الْـتِـحام هذا الحِراك بالشارع، كفيل بأن يتسبّب في وقوع انتِفاضة شعبية عارِمة، تُعيد إلى الذاكرة ما حدث في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حيث الإنتفاضة الطلابية والتحامها بالجماهير وثورة 1919 وانتفاضة 1935، وما حدث أيضا عامي 1972 و1977”.
وأضاف: “في هذا الإطار، فإن الجهاز الأمني يُدرك أنه من الخطورة بمكان أن يُترك للحِراك الطلابي حُريته في التوسّع والإمتداد، خاصة وأن حالةً من الاحتقان السياسي تتصاعد يوما بعد يوم في الشارع المصري، نظرا لاعتبارات كثيرة، بعضُها يتعلق بالجانب الإقتصادي، والبعض الآخر اجتماعي، فضلا عن الأوضاع السياسية المتردِّية منذ يونيو 2013”.
على هامش الجدل اليومي في الجامعات المصرية
تُعتبر الجامعات الورقة الأخيرة للمعارضة المصرية أو بالأصح لجماعة الإخوان المسلمين، التي تراهن على طلاب الجامعات المصرية في استمرار الثورة، وفي ذاكرتها التاريخ النضالي الطويل والذي لا يُنسى لجامعتيْ الأزهر والقاهرة، ضدّ الاحتلال والاستعمار.
كما تَعتبر السلطةُ الحالية والجهات الأمنية على وجه الخصوص، أن طلاب الجامعات هُم العقبة الكبرى أمام القضاء على هذه الجماعة، وإسكات الأصوات المعارضة في البلاد والرافضة لما بعد 3 يوليو 2013.
أثار تعاقُد الجامعات مع شركة “فالكون” للأمن الخاص لحفظ الأمن والنظام على بوابات ومداخل الجامعات، جدلاً كبيرا، وحدثت احتكاكات مباشرة مع بعض الطلاب والأساتذة، وحتى مع موظفي الأمن الإداري، وتمّ الإعتداء على أمْن فالكون من شباب الثورة بالجامعة، وهناك اتجاه لم ينضج بعدُ لإعادة الحرَس الجامعي.\
دخل الأساتذة الجامعيون على الخطّ، بعد صدور قرارين جعلا مستقبل الأساتذة واستقلال الجامعة على المحك وهما:
أ- القرار الجمهوري الصادر في 25 يونيو 2014، بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972، ليُصبح “لرئيس الجمهورية حقّ تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وإقالتهم من منصبهم في أي وقت وقبل انتهاء مدة تعيينهم”.
ب- قرار رئيس مجلس الوزراء بتعديل بعض أحكام قانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961، بشأن إعادة تنظيم الأزهر وهيئاته، بما يسمح بحق رئيس الجامعة بـ “عزل أي عضو بهيئة التدريس من الوظيفة يشترك في مظاهرات تُعرقل العملية التعليمية”.
صداعٌ مزمنٌ في رأس الحكّام!
ويرى الهتيمي؛ أن “الجهاز الأمني يُحاول تبرير القبْضة الأمنية الشديدة والإجراءات الصارمة، التي يتَّخذها ضد الحِراك الطلابي في الجامعات، بالادِّعاء بأن هذا الحِراك يقتصِر على طلاّب جماعة الإخوان المسلمين، الذين هُم، ووِفق ما صدر من قرارات حكومية سابقة، جماعة إرهابية يجوز للدولة أن تتعاطى معهم بكل قوة”، مشيرا إلى أن “هذا يتنافى مع واقِع الحركة الطلاّبية، التي تضم بين صفوفها طلابا ينتمون إلى تيارات وقوى سياسية متعدّدة، ليبرالية وناصرية ويسارية”.
واستطرد قائلاً: “الحركة الطلابية، وعلى مدار تاريخ مصر الحديث، تمثِّل صداعا مزمنا لأي نظام حاكِم مهْما كان توجّهه، ذلك أن الحركة الطلابية حركة زئبقِية كبيرة العدد، لا يُمكن لأي نظام أن يُسيطر عليها، فضلا عن أنها حسّاسة بدرجة كبيرة لهموم وتطلّعات الشعب، وعليه، فهي دائما تنشد الأفضل ولا تقبل بالأمر الواقع”.
واختتم الهتيمي بقوله: “تعلَم السلطة جيِّدا أنه ليس من السهل عليها أن تُحكم قبْضتها على الحراك الطلابي، غير أنها مع ذلك لا تفتأ تكرّر محاولة إحكام السيطرة بين الحين والآخر أو على أقل تقدير، العمل على إجهاض فاعليات هذا الحِراك، حتى يحد من تحقيق أهدافه، التي تتعارض بكل تأكيد مع السلوك السياسي للسلطة”.
تراجُع التحوّل الديمقراطي..
من جانبه، يعتبر الناشط الحقوقي فريد زهران، أن “هناك تراجُع واضح فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي، اعتبارا من 30 يونيو 2013. ومن أبرز ملامِح هذا التحوّل غير الديمقراطي أو هذا التعسْكُـر في التحول الديمقراطي، ما يحدث في الجامعات؛ مثل: إلغاء انتخاب عمداء الكليات ورؤساء الجامعات وتعيينهم من قِبَل رئيس الجمهورية، وإلغاء أسْر الطلبة ذات الطابع السياسي، وحرمان الطلاب من العمل السياسي والعودة لتدخل الأمن في شؤون الجامعة، ليس فقط لفضّ التظاهرات، وإنما بعرض ملفّات كاملة عليه لأخذ موافقتها، كعرف أكثر منه قانون مكتوب”.
وقال زهران، نائب رئيس الحزب المصري الاجتماعيرابط خارجي وأبرز قادة الحركة الطلابية المصرية في السبعينيات في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “كل هذه القرارات تأتي في إطار التطوّرات غير الديمقراطية أو التراجُع عن الديمقراطية الذي تشهده البلاد، ومن أمثلته: قانون الجمعيات الأهلية الجديد وقانون التظاهر الجديد، ….إلخ”؛ معتبرا أن “ما يحدُث في الجامعات، ليس منبت الصّلة بما يحدُث على الساحة السياسية المصرية”.
وأضاف أن “هناك مواقِف وبيانات واضحة لبعض المنظمات الحقوقية، أدانت فيها ما يحدث في الجامعات، لكن هناك تقييد شديد لحركتها من ناحية، وتعتيم إعلامي على مواقِفها وأنشطتها من ناحية أخرى”؛ متوقعا “أننا سنشهد في غضون أسابيع قليلة، ما يمكن وصفه بالهجمة الشّرسة ضد المنظمات الحقوقية، فيما تتّجه الدولة لتخليق وإنشاء منظمات حقوقية موالية لها”.
ولخَّص زهران؛ العضو بالمنتدى المدني الأرو – متوسطي، رشتة (وصفة) الخروج من المأزق الراهن في الجامعات، في كلمة واحدة هي، “الديمقراطية”، وذكّر بأن “الإنتخابات الطلابية الديمقراطية الوحيدة التي أقيمت في الجامعات بعهد مرسي، لم يحصل فيها الإخوان إلا على 25%، فيما حصلت باقي القوى السياسية اليسارية والليبرالية على 75%”، مشيرا إلى أن “الحل في مواجهة الإخوان واستبداد الدولة، هو ببساطة استمرار عملية التحول الديمقراطي”.
الميل للعنف وافتقاد القدوة
وفي سياق ذي صلة، أوضح الخبير النفسي الدكتور سمير عبد الفتاح، أن “هذه الشريحة العمرية بجميع الجامعات المصرية، تقترب من 2 مليون طالب، وهي تمثِّل الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 18– 25 عاما، وتتميز بعدد من الخصائص النفسية والسلوكية، في مقدِّمتها: الرّغبة في تحقيق الذات واستنفاذ مخزون النشاط الكامن لديها، كما أنها تشعُر بالحاجة إلى إشباع الحاجات النفسية والرياضية والإجتماعية والإقتصادية لديها”؛ مشيرا إلى أن “ثورة 25 يناير قامت على أيْدي شريحة الشباب”.
وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، قال عبد الفتاح، أستاذ علم النفس وعميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية (ببنها) سابقا: “الشباب في هذا العمر ينشد العدالة ويتوق إلى الحرية المطلقة بلا ضوابط، ويميل إلى العنف، لافتقاده القُدوة، ومن ثم فهو يحتاج إلى الإقناع، ولا تفلح مواجهته بالقوة”؛ مطالبا المسؤولين بالجامعات، بـ “الإهتمام بالأنشطة الطلابية واحتواء الطلاب وتوجيههم وإرشادهم والردّ على أسئلتهم واستفساراتهم”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.