لماذا نحتاج إلى الميثاق العالمي بشأن الهجرة؟
اعتمد 160 بلدا عضو في الأمم المتحدة رسميا اتفاقا دوليا بشأن الهجرة خلال لقاء عقد يوميْ 10 و11 ديسمبر نهاية العام الماضي بمدينة مراكش المغربية ما يعد بنهج تعاوني أفضل وأكثر تنسيقا في مواجهة تحديات الهجرة على الساحة الدولية في المستقبل. فلماذا تعتبر هذه الاتفاقية ضرورية؟ لماذا هي مثيرة للجدل؟، ولماذا تتغيب سويسرا، التي ساعدت في وضعها وصياغتها، عن هذا اللقاء المهم؟
من المقرر أن يؤكد رؤساء الدول والحكومات في 10-11 ديسمبر، في مراكش التزامهم رسمياً بالميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظّمة والنظاميةرابط خارجي، وهي اتفاقيةرابط خارجي متعددة الأطراف أُبرمت في وقت سابق من هذا العام، تحت رعاية الأمم المتحدة.
وتأتي الوثيقة الختامية التي تتكون من 31 صفحة، والمؤتمر الحكومي الدولي، وحفل مراسم المصادقة على الاتفاقية، تتويجًا لمفاوضات مكثفة استمرت تقريبًا لمدة عامين، شارك فيها أعضاء من المجتمع المدني وحكومات ممثلون عن القطاع الخاص، برعاية كل من السفيرين المكسيكي خوان خوسيه غوميز كوماتشو، والسويسري يورغ لوبر.
لماذا نحتاج إلى اتفاق عالمي للهجرة؟
وفقا للأمم المتحدة، هناك اليوم أكثر من 258 مليون مهاجر في العالمرابط خارجي. ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم بسبب العولمة وتسهيل الاتصالات والنقل والتجارة، فضلا عن تزايد حدة الفوارق في الثروات، والاختلالات الديمغرافية وتغير المناخ. وتقول الأمم المتحدة إن الهجرة توفر فرصاً وفوائد هائلة سواء للمهاجرين أو للمجتمعات المضيفة أو للمجتمعات الأصلية. ولكن عندما تفتقر الهجرة إلى التنظيم بشكل جيْد، فإنها قد تشكّل معضلة كبيرة، ولذلك، فمن اللازم أن تكون أكثر أمانًا وأكثر تنظيمًا ونظامية.
وقد اكتسبت الاتفاقية زخماً بعد أزمة الهجرة في أوروبا في عام 2015، والتي شهدت أكبر تدفق للاجئين والمهاجرين منذ الحرب العالمية الثانية. وهي ثمرة معاهدات ومبادرات سابقة متعلقة بحقوق الإنسان والتنمية مثل المنتدى العالمي للهجرة والتنميةرابط خارجي، ونابعة من التزام سياسي يُعرف باسم “إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرينرابط خارجي“، والذي تم تبنيه بالإجماع في عام 2016 من قبل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ 193.
المزيد
“نحن نعيد بناء الحدود في عقول الناس”
إلام تهدف هذه الاتفاقية؟
حوالي ربع سكان سويسرا، البالغ عددهم 8.4 مليون نسمة لديهم جوازات سفر أجنبية، وغالبيتم رعايا أوروبيين. وقد ارتفعت نسبة السويسريين من أصول أجنبية بشكل طفيف العام الماضي إلى 37.2 %. وتشمل هذه النسبة كل المواطنين – القادمين من دول أجنبية، والسويسريين المجنّسين، والمواطنين المولودين في سويسرا الذين وُلد كل من والديهم في الخارج.
وفي العام الماضي، بلغ صافي أعداد المهاجرين إلى سويسرا من الاتحاد الأوروبي حوالي 34000 شخص أقل مما سجّلته السنوات القياسية السابقة كعام 2013، عندما بلغ عدد القادمين من الاتحاد الأوروبي 66000 شخص أكثر ممن غادروا. أما بالنسبة لعام 2018، فقد بلغ صافي أعداد المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي حتى شهر أكتوبر، 26809 شخصاً. وفي الوقت نفسه، هناك أكثر من 750000 مواطن سويسري يعيشون في الخارج.
إن الدول الأعضاء لن تصادق على ميثاق عالمي ملزم. فالميثاق في الواقع، هو صك تعاون متعدد الأطراف غير ملزم يهدف إلى وضع مبادئ وتوصيات مشتركة بشأن الهجرة المنظمة، مما يقلل التدفقات غير النظامية للمهاجرين. وقد تم إعداد الميثاق بعد دراسة مطولة للبيانات المتعلّقة بالهجرة بالإضافة إلى استشارات تفصيلية.
ويحتوي الميثاق على عشرة مبادئ توجيهية و23 هدفًا. لكل منها قائمة طويلة من الإجراءات التطوعية المحتملة، والتي يمكن للدول الاختيار من بينها. وتشمل هذه التدابير الوقاية من العوامل الدافعة للهجرة، ومكافحة الاتجار بالبشر وإدارة الحدود وتسهيل العودة. كما يركز على أفضل الإجراءات والحلول لتسهيل الهجرة النظامية.
ويقول والتر كالين، أستاذ القانون الدولي في جامعة برن في حديث مع swissinfo.ch: إن قوة الميثاق تكمن في أنه وثيقة شاملة ومتوازنة للغاية، تأخذ بعين الاعتبار كلاً من المخاوف الجديّة المشروعة لأولئك الذين يريدون ضبط الحدود، وحقوق المهاجرين”.
أما بالنسبة لفنسنت شتيل، مدير مركز الهجرة العالمي في معهد الدراسات العليا في جنيف، فإن الميثاق لا يخلق قواعد جديدة ولكنه يعيد صياغة القواعد الحالية. وبالرغم من أن الميثاق طوعي، إلا أنه يمكن أن يحدث فرقاً، كما يقول.
ويعقب شتيل قائلاً “سيتم إنشاء عملية متابعة ومراجعة لتقييم تنفيذ الميثاق. فحتى ولو لم يكن ملزماً قانونياً، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة ستجتمع كل أربع سنوات لتقييم التنفيذ. هناك افتراض قوي على الورق بأن هذه الالتزامات سوف تؤخذ على محمل الجد من قبل الدول وسيتم تنفيذها “.
المزيد
هجرة الأوروبيين إلى سويسرا عبر قرن ونصف من الزمن
من مع ومن ضد؟
صادقت 192 دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدةرابط خارجي على الاتفاقية، بما في ذلك سويسرا، في شهر يوليو. في حين رفضت الولايات المتحدة المصادقة عليها، العام الماضي، مبرّرة موقفها بالقول إن المسألة المطروحة “ببساطة، لا تتناسب مع السيادة الأمريكية”.
ومنذ ذلك الحين وقبل انعقاد المؤتمر، أعلنت عدة دول أخرى رفضها الانضمام إلى هذه الاتفاقية، بينما مازالت دول أخرى مترددة لم تحسم أمرها. وكانت كل من إسرائيل وأستراليا والنمسا وبولندا وبلغاريا وتشيكيا والمجر وجمهورية الدومينيكان، من بين الدول التي انسحبت. فعلى سبيل المثال، تخشى الحكومة النمساوية من أن تكون عاقبة انضمامها إلى هذه الاتفاقية، في نهاية المطاف، هو الاعتراف بـ “حق الإنسان في الهجرة”. وإيطاليا التي تصدّرت حكومتها عناوين الصحف في إجراءاتها القمعية ضد الهجرة، ستحدد موقفها بعد أن يقوم البرلمان بدراسة الميثاق.
أما الممثلة الخاصة للأمين العام في الأمم المتحدة في شؤون الهجرة الدوليةرابط خارجي، لويز أربور، فما تزال واثقة مع غيرها من مؤيدي الميثاق، من مستقبله، بالرغم من عمليات الانسحاب، وتتوقع “مشاركة كبيرة للغاية” في مراكش. كما وصفت الاقتراحات الرامية إلى رفضه بـ “المؤسفة” و “الخاطئة”. وتقول أربور إن الميثاق لا ينتقص من حقوق الدول في إدارة حدودها، ولكنه يسعى بكل بساطة إلى تنظيم الحركات العابرة للحدود.
وفي مقارنة لمضمون هذا الميثاق مع أهداف التنمية المستدامة الـ 17 للأمم المتحدة للعام 2030، تقول أربور: “إن الميثاق ليس بأي حال من الأحوال تعديّاً على سيادة الدول – فهو غير ملزم قانونًيا. إنه إطار للتعاون فقط”.
ووصف وزير الخارجية السويسري السابق بيتر ماورر الرئيس الحالي للجنة الدولية للصليب الأحمر، الاتفاقية بأنها تسوية جيدة. وهو يقدّر عدد الدول التي ستوقع عليها ما بين 160 إلى 180 دولة.
ما هو الموقف الرسمي لسويسرا؟
لعل من سخرية القدر، أن الوثيقة التي ساعد الدبلوماسيون السويسريون في التوصّل إليها وصياغتها أصبحت هي نفسها موضوعاً مثيرا للجدل السياسي في سويسرا.
ففي الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في سبتمبر، أعطى الرئيس السويسري آلان بيرسيه، مباركته الشخصية للوثيقة. وفي 10 أكتوبر، حذت الحكومة الفدرالية حذوه، من خلال إعطاء الضوء الأخضر للاتفاقية التي تتماشى “مبادئها وأهدافها التوجيهية بشكل كامل مع سياسة سويسرا بشأن الهجرة”.
ولكن، وأمام المقاومة المتزايدة من سياسيين ينتمون إلى حزب الوسط والأحزاب اليمينية في سويسرا، أصبح الجهاز التنفيذي متردداً في تقديم دعمه الكامل للميثاق. وقررت الحكومة الفدرالية بقيادة وزير الخارجية، إينياتسيو كاسّيس، التشاور مع البرلمان حول الاتفاق.
ثم، وبعد مضي شهر واحد من إعطائها الضوء الأخضر في الموافقة على الاتفاقية، أعلنت الحكومة أنها لن تحضر اجتماع مراكش، لأنها قررت تأجيل تبني الميثاق الى حين يتمكن البرلمان السويسري من مناقشته كما ينبغي.
وفي 29 نوفمبر، أيّد أعضاء مجلس الشوخ التمشّي الذي يترك الكلمة الأخيرة بشأن هذه الإتفاقية إلى البرلمان. ومن المنتظر أن يصوّت مجلس النواب (الغرفة السفلى من البرلمان) بشأن هذه المسألة الثلثاء المقبل.
ما هي وجهات نظر الأحزاب السياسية السويسرية؟
تقول اللجنة الفدرالية للهجرة (FCM)، وهي مجموعة غير برلمانية تتألف من 30 عضوا تقدم المشورة للحكومة بشأن قضايا الهجرة، إن تبني سويسرا للاتفاقية ليس مرغوباً فيه فحسب، بل “ضروري” أيضاً.
إلا أن الحزب اليميني وأحزاب يمين الوسط، تخشى من إمكانية أن يطمس الميثاق الخط الفاصل بين الهجرة الشرعية والهجرة غير الشرعية، ويقوّض سيادة الدول. ففي سبتمبر، أعلن الحزب اليميني المحافظ وهو حزب الشعب السويسري، أن الميثاق “لا يتماشى مع إدارة مستقلة للهجرة”. وحذّر من أن الاتفاقية قد تكون لها في نهاية المطاف، أفضلية التطبيق على القانون السويسري، وحث الحكومة على رفضها. وفي نوفمبر، قدّمت الحملة المحافظة من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة، عريضة ضد الاتفاقية، وقّع عليها 15 ألف مواطن.
ويؤكد الحزب الليبرالي الراديكالي – يمين وسط- بأن الاتفاقية قد تكون غير ملزمة، لكن مرونتها قد تسبب “انعكاسات سياسية تتطلب توخي أقصى درجات الحذر”. وقد أشاد الحزب بكاسّيس لإشراكه البرلمان أكثر في السياسة الخارجية ولتطبيقه شعار حملته الانتخابية بأن “السياسة الخارجية هي السياسة المحلّية”.
وصرّح كريستيان ليفرا، رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي اليساري، أن تباطؤ سويسرا في توقيع الميثاق كان “خطأً سياسياً”، سواء على مستوى السياسة الخارجية بانحيازها لدول مثل المجر والولايات المتحدة، أو على المستوى الوطني، في انحنائها لحزب الشعب والضغوط التي مارسها “.
واعتبر بيترو مونا، وهو دبلوماسي سويسري ساعد في التفاوض على الاتفاقية، أنه من مصلحة سويسرا، كدولة صغيرة تعتمد على التعاون الدولي، التوقيع على الميثاق. وقال إن: “ميثاق الهجرة هو أول وثيقة دولية تنص على أن الدول مطالبة بالتعاون مع بعضها البعض في إعادة مواطنيها”. وأضاف: ” إن سويسرا تحترم بالفعل 23 هدفاً في الميثاق، وهذه حقيقة تحتّم عليها ألا يكون هناك، بأي حال من الأحوال، عائق يمنع مشاركتها.” وبالنسبة له، فإن مصداقية سويسرا على المحك حيث أنه “لا يمكننا أن نطلب من الدول الأخرى أن تلتزم بشيء لا نرغب نحن في الالتزام به.”
المزيد
ميثاق للهجرة يتماشى مع المصالح السويسرية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.