نادرا ما يكون التصويت عن طريق البريد سهلا.. لماذا؟
في مواجهة الاضطرار إلى الذهاب إلى مراكز الاقتراع المزدحمة أثناء فترة انتشار الوباء، يتجه الناخبون - والحملات السياسية عموما - بشكل متزايد إلى استخدام بطاقات الاقتراع البريدية. لكن ما يحدث في الولايات المتحدة وبولندا وسويسرا يُظهر أن اعتماد هذه الطريقة في التصويت والحفاظ عليها مسار تكثر فيه المزالق والمطبات المحتملة.
بصفتك مواطنا نرويجيًا مُؤهّـلًا للمشاركة في تصويت شعبي، فأنت بحاجة إلى قطعة من الورق ولثلاثة أظرف ولطابع بريدي صالح. في المستند التعريفي التمهيدي، اكتب اختيارك (اسم الحزب أو المرشح، نعم أو لا في استفتاء)، ثم ضع علامة على المغلف الأول باعتباره مظروف “التصويت”، وأضف بعض المعلومات الشخصية (الاسم وتاريخ الميلاد والعنوان) على الثاني وأخيرًا قم بتوجيه المظروف الثالث إلى لجنة الانتخابات المُسجّل فيها في بلديتك. ضع المظاريف فوق بعضها، ثم ضع عليها الطوابع البريدية وأرسلها عبر البريد.. هذا كل المطلوب.
في حين أن الطريقة النرويجية للتصويت البريدي هي الطريقة الأكثر ليبرالية في العالم على الأرجح، إلا أنها ليست الطريقة الوحيدة المتاحة، فأكثر من 50 دولة تسمح بالتصويت عن بُعد في الانتخابات والاستفتاءات. وكان هذا هو الحال حتى قبل اندلاع جائحة كوفيد ـ 19، التي جعلت من التصويت عن بُعد شبه ضروري من أجل ضمان توفر إجراءات آمنة.
نتيجة للوباء، “قامت 70 دولة على الأقل بتأجيل اقتراعاتها العامة المقررة”، كما تقول نانا كالاندادزي من المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، وهي وكالة حكومية دولية لدعم الديمقراطية تقوم بمراقبة الانتخابات والاستفتاءات حول العالم.
إضافة إلى المخاوف المتعلقة بالسلامة المرتبطة بعملية التصويت نفسها، عزت العديد من الدول التي قامت بإلغاء الاقتراعات إلى عدم القدرة على تنظيم حملات انتخابات أو إجراء نقاشات عامة، لكن ستة وخمسين دولة على الأقل قامت بإجراء انتخابات على الرغم من الوباء، من خلال خطط للتصويت عبر البريد تم الترتيب لها على عجل في معظم الأحيان.
وتوضح كالاندادزي أن “بعض البلدان تحاول الآن اعتماد شكل من أشكال التصويت عبر البريد بسرعة، لكن مثل هذه الخطوات مليئة بالعقبات والمحاذير”.
في الولايات المتحدة.. هجمات رئاسية
في الولايات المتحدة، يعود استخدام التصويت عبر البريد أو ما يُعرف بـ “التصويت الغيابي” إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر وهو متاح الآن لـ 83٪ من الناخبين والناخبات الأمريكيين والأمريكيات في جميع الولايات. وبسبب الوباء، قامت عشرون ولاية من أصل خمسين ولاية أمريكية بتسهيل إجراءات التصويت عن بُعد في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم 3 نوفمبر من هذا العام.
المزيد
في بدء الكنفدرالية السويسرية كان هناك “الإيروكواس”…
وفقًا لمرصد ERIC، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في مجال مراقبة الانتخابات، فإن معدل الحالات المحتملة لتزوير الناخبين – مثل التصويت المتكرر أو التصويت نيابة عن شخص متوفى – بلغ 0.0025٪، أو 376 بطاقة اقتراع من أصل 14.6 مليون بطاقة اقتراع أرسلت بواسطة البريد في الولايات المتحدة.
لكن الوباء أثار جدلاً حادا بين الحزبين حول التصويت بالبريد تزعمه الرئيس الحالي دونالد ترامب والحزب الجمهوري الحاكم.
ففي شهر يوليو 2020، غرّد ترامب على موقع تويتر أن “انتخابات 2020 سيتم تزويرها تمامًا إذا ما سُمح بإجراء التصويت عبر البريد والجميع يعرف ذلك”. وكانت هذه التغريدة واحدة من أكثر من سبعين هجومًا قام بشنها ضد التصويت عبر البريد منذ شهر مارس الماضي.
من خلال حملته التي يشنها ضد التصويت عبر البريد، فإن ترامب بصدد “تعقيد جهود الجمهوريين لتعزيز الإقبال على التصويت في العديد من الولايات الرئيسية مثل بنسلفانيا وأوهايو وآيوا”، كما تقول إيمي غاردنر، وهي مراسلة متخصصة في الشؤون السياسية الوطنية في صحيفة الواشنطن بوست. ذلك أنه من غير المرجح أن يرغب العديد من الناخبين والناخبات الأكبر سنًا، الذين يميلون للتصويت لفائدة الجمهوريين، في الذهاب إلى صناديق الاقتراع شخصيًا مع استمرار فيروس كورونا في الانتشار.
بدوره، يعتقد جو ماثيوز، وهو مراسل مهتم بشؤون الديمقراطية يقيم في مدينة لوس أنجلوس، أن الرئيس يُريد – من خلال التشكيك في التصويت بالبريد – “تقويض العملية الانتخابية على هذا النحو عبر وضع الأساس للادعاء بأن الانتخابات قد تم تزويرها إذا ما خسر في نوفمبر”.
بولندا: محاولة اللحظة الأخيرة
أصبح التصويت عبر البريد أيضًا قضية مثيرة لنزاع حزبي مرير في بولندا، التي لم يكن لديها أي قواعد لتنظيم التصويت عبر البريد حتى وقت قريب. ومع اندلاع أول موجة كبيرة من وباء كوفيد ـ 19 في أبريل الماضي، كانت الحكومة البولندية حريصة على أن يُعاد انتخاب الرئيس أندريه دودا (من حزب القانون والعدالة الشعبوي الحاكم). لذلك، قررت المضي قدمًا في تنظيم انتخاباتها الرئاسية في 10 مايو، لكن الإغلاق والحظر المفروض على التجمعات الكبيرة في الفضاءات المغلقة جعل من التصويت الشخصي أمرا مستحيلًا. لذلك حاولت الحكومة التسريع باعتماد قانون انتخابي جديد يسمح للجميع بالتصويت عبر البريد.
تقول ماغدالينا موسيال – كارغ، أستاذة العلوم السياسية في جامعة آدم ميتسكيفيتش البولندية: “في الأساس، تم القيام بكل شيء بشكل خاطئ”، مضيفة أن الحكومة – التي كانت شديدة الحرص على ضمان تحقيق الانتصار في انتخابات مثيرة للجدل – حاولت تخطي المفوضية الوطنية للانتخابات من خلال إطلاق التصويت عبر البريد.
إن القيام بتغيير من هذا القبيل خلال عملية انتخابية جارية محظور وفقا لتشريعات الاتحاد الأوروبي، كما أن خدمة البريد البولندية المكلفة بتسليم بطاقات الاقتراع كانت تفتقر إلى عناوين الملايين من المواطنين والمواطنات الذين يحق لهم التصويت.
في نهاية المطاف، تم تأجيل اقتراع العاشر من مايو في اللحظة الأخيرة بعد تدخل من طرف اللجنة الوطنية للانتخابات. وتمت إعادة برمجتها وتوزيعها على جولتي تصويت في شهري يونيو ويوليو، عندما أعلن دودا فوزه بفارق ضئيل على منافسه، رافاو ترزاسكوفسكي، عُمدة العاصمة وارسو.
في الآونة الأخيرة، نشرت ماغدالينا موسيال – كارغ بالاشتراك مع زميل لها جردة حسابرابط خارجي لمحاولة بولندا (ذات الخلفية الحزبية) اعتماد التصويت البريدي بشكل سريع، لاحظا فيه أن “سويسرا احتاجت إلى ثلاثين عاما لاختبار التصويت بالبريد وتطويره، في حين حاولت بولندا القيام بذلك في شهرين فحسب”.
سويسرا: اتهامات وإقبال متزايد
في واقع الأمر، تقدم سويسرا أكبر سجل للتصويت عبر البريد في العالم، لأن مواطنيها ومواطناتها يصوتـ(و)ن عدة مرات في السنة في اقتراعات منتظمة. لكن التقليد السويسري للتصويت بالبريد أحدثُ بكثير مقارنة بنظيره في الولايات المتحدة، إذ أنه يعود إلى السنوات التي تلت منح حق التصويت للنساء على المستوى الفدرالي في بداية سبعينيات القرن الماضي.
يتذكر هانز – أورس فيلي، الذي أشرف على تسيير قسم الحقوق السياسية في المستشارية الفدرالية على مدى عقود: “في البداية، كان القانون لا يسمح إلا للمرضى بإرسال أصواتهم بواسطة البريد”، ولكن في التسعينيات، فتحت مبادرة برلمانية الباب بوجه عملية تصويت بريدية أكثر تحرراً. واليوم، يتم إرسال أكثر من 80٪ من جميع بطاقات الاقتراع في الانتخابات والاستفتاءات عبر البريد، وفقًا لبيانات هيئة البريد السويسري.
خلال الفترة التي تولى فيها منصب وزير العدل، أبلغ كريستوف بلوخر، أيقونة التيار اليميني في البلاد والزعيم السابق لحزب الشعب السويسري (يمين محافظ) المستشارية الفدرالية مرارًا وتكرارًا أن التصويت عبر البريد كان “مُزيفًا إلى حد بعيد”، حسب زعمه. وفي عام 2006، أمر بلوخر الحكومة بإرسال تعميم فيدرالي إلى جميع الكانتونات يفرض اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية. فعلى سبيل المثال، يجب أن تحتوي جميع مغلفات التصويت البريدية على إخلاء للمسؤولية يقول: “يجب على أيّ شخص لا يرغب في ممارسة حقه في التصويت تمزيق بطاقة الاقتراع الخاصة به قبل التخلص منها!”.
مع ذلك، تمكنت الكانتونات في نهاية المطاف من إقامة الدليل على أن مزاعم الاحتيال لا أساس لها من الصحة، وأصبح القانون الفدرالي غير مُلزم بعد مرور عام على بدء العمل به، إلا أنه لم يتم أبداً إبلاغ الجمهور رسميا عن سحب القرار.
في السياق، يقول فيلي إن اعتماد التصويت بواسطة البريد ساهم في زيادة متوسط إقبال الناخبين بنسبة 15٪ على الصعيد الوطني وضاعف نسبة المشاركة في الاقتراعات في كانتون جنيف.
كما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن عمليات التزوير من طرف الناخبين تظل نادرة للغاية في سويسرا. فعلى مدى أكثر من أربعين عاما من عمليات الاقتراع المنتظمة، لم تسجّل الجهات الرسمية سوى خمس محاولات فحسب للتلاعب بالتصويت على مستوى محلي. وكما هو الحال في الولايات المتحدة وفي العديد من الأماكن حول العالم، يستمر الحديث حول أفضل طريقة للتصويت – وآخرها مسألة التصويت الإلكتروني – وهي آفاق جديدة في السعي الدؤوب للإدلاء بالصوت الانتخابي بأمان وسرية وبدون تلاعب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا