بعد باريس.. أيّ استراتيجية لمكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”؟
تأتي الهجمات التي شنها في باريس أفراد مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية في أعقاب التفجيرات في بيروت وإسقاط طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء، وهو ما يعزز حقيقة مفادها أن التهديد الإرهابي دخل مرحلة جديدة أشد خطورة. ولا تخرج محاولات التعرف على الأسباب التي جعلت تنظيم الدولة الإسلامية يقرر شن هجماته الآن عن دائرة الحدس والتخمين؛ فربما لجأ إلى العمل على المستوى العالمي للتعويض عن خسارته الأخيرة للأراضي في العراق. ولكن الأمر المؤكد أياً كان المبرر المنطقي هو أن الإستجابة الواضحة باتت مستحقة الآن.
بقلم: ريتشارد هاس – نيويورك
فأولا، هناك الرد العسكري. إذ يشكل تكثيف الهجمات من الجو ضد الأصول العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية، ومنشآت النفط والغاز التي يسيطر عليها، وقادته أمراً بالغ الأهمية. بيد أن أي قدر من القوة الجوية لن يكون كافياً في حد ذاته لإنجاز المهمة، بل يتطلب الأمر إرسال قوات برية كبيرة على الأرض للإستيلاء على الأرض والحفاظ عليها.
من المؤسف أن الوقت المتاح الآن لا يكفي لبناء قوة من الشركاء على الأرض من نقطة الصِفر. وكان مصير المحاولات السابقة الفشل، كما كانت الدول العربية غير قادرة أو غير راغبة في تشكيل مثل هذه القوة. ولم يكن الجيش العراقي أيضاً على قدر المهمة. ولا تعمل الميليشيات التي تدعمها إيران إلا على زيادة الأمور سوءا.
ويتلخص الخيار الأفضل الآن في العمل بشكل أوثق مع القوات الكردية ومجموعة مختارة من القبائل السُنّية في كل من العراق وسوريا. ويعني هذا تقديم المعلومات الإستخبارية والأسلحة، فضلاً عن الإستعداد لإرسال المزيد من الجنود ــ أكثر من 3500 جندي أمريكي هناك بالفعل، بل وربما يبلغ العدد عشرة آلاف ــ لتوفير التدريب والمشورة والمساعدة في توجيه الرد العسكري.
ولابد أن يكون مثل هذا الجهد جماعيا. وربما يكون غير رسمي ــ “تحالف من الراغبين”، والذي ربما يشمل الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة، ودول عربية، بل وحتى روسيا في ظل الظروف المناسبة ــ أو ربما يجري تنفيذه تحت رعاية حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة. ولا يمثل الشكل أهمية بقدر النتائج. ومن الأهمية بمكان أن يتم التعامل مع إعلانات الحرب الرمزية بحذر، خشية أن يبدو الأمر وكأن تنظيم الدولة الإسلامية يكسب في كل يوم لا يخسر فيه.
سلسلة “وجهات نظر”
تستضيف swissinfo.ch من حين لآخر بعض المُساهمات الخارجية المختارة. وسوف ننشر بانتظام نصوصا مُختارة لخبراء وصانعي قرار ومراقبين متميّزين، لتقديم وجهات نظر تتسم بالعمق والجدّة والطرافة حول سويسرا أو بعض القضايا المثيرة ذات العلاقة بهذا البلد. ويبقى الهدف في نهاية المطاف تفعيل الحوار ومزيد إثراء النقاش العام.
العنصر الدبلوماسي
ولا يقل العنصر الدبلوماسي أهمية لأي رد. الواقع أن الرئيس السوري بشار الأسد يمثل أداة تجنيد يستغلها تنظيم الدولة الإسلامية، ولابد أن يرحل. ولكن أي حكومة قادمة لابد أن تكون قادرة على الحفاظ على النظام وعدم السماح لتنظيم الدولة الإسلامية باستغلال فراغ السلطة، كما فعل في ليبيا.
وعلاوة على ذلك، لن يتسنى التغيير السياسي المنظم إلا بدعم روسي إيراني. ومن بين الخيارات التي تستحق الإستكشاف في الأمد القريب تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها ممثل للأقلية العلوية، وهو التنازل الذي ربما يكون ثمناً لإبعاد الأسد من السلطة. وبمرور الوقت، يصبح من الممكن من حيث المبدأ تشكل حكومة وطنية أكثر تمثيلا، وإن كان الحديث عن إجراء انتخابات في غضون ثمانية عشر شهراً أمر خيالي تحت أي سيناريو.
بيد أن التوصل إلى تسوية على أساس هذه الخطوط ربما يكون مستحيلا. ولهذا السبب، يتطلب الأمر زيادة الجهود العسكرية لتشكيل جيوب أكبر وأكثر أماناً وقادرة على توفير حماية أفضل للمدنيين ونقل المعركة إلى تنظيم الدولة الإسلامية. ولا تُعَد سوريا دولة طبيعية بأي حال من الأحوال، ولن تتحول إلى دولة طبيعية في أي وقت قريب، إذا حدث ذلك على الإطلاق. وتُعَد سوريا التي تتألف من جيوب أو أقاليم نموذجاً أكثر واقعية في المستقبل المنظور.
وتتضمن عناصر أخرى لا غنى عنها في أي استراتيجية فعّالة التوسع في مساعدة تركيا أو الضغط عليها لحملها على بذل قدر أكبر كثيراً من الجهد لوقف تدفق المجندين إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وتحتاج تركيا، وكذا الأردن ولبنان، إلى المزيد من المساعدات المالية لتمكينها من تحمل القسم الأكبر من عبء اللاجئين. ويتعين على الزعماء العرب والمسلمين أن يقوموا بدورهم من خلال التفنيد الصريح لرؤية تنظيم الدولة الإسلامية وتجريد سلوكه من أي شرعية.
لابد أن نكون مُستعدين للعمل في الوقت المناسب والمكان المناسب على حدّ سواء
جرعة من الواقعية
ولا يسعنا أيضاً أن نغفل عن البعد المحلي للسياسة. فلابد من تكييف الأمن الوطني وإنفاذ القانون ــ تكثيف تدابير الحماية على الحدود وفي الداخل ــ مع التهديد المتزايد الخطورة. من الواضح أن التعامل مع الإرهابيين المنفردين ــ الأفراد أو المجموعات الصغيرة التي تنفذ هجمات مسلحة ضد أهداف ضعيفة في مجتمعات مفتوحة ــ أمر بالغ الصعوبة. ويستلزم التعامل مع التهديد المفروض وحقيقة الهجمات التحلي بقدر أكبر من المرونة الإجتماعية وإعادة التوازن بين الخصوصية الفردية والأمن الجماعي.
والمطلوب أيضاً جرعة من الواقعية. ذلك أن الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية ليس حرباً تقليدية. ولن نتمكن من استئصاله أو تدميره في أي وقت قريب، سواء باعتباره شبكة وفكرة أو بوصفه منظمة ودولة تسيطر بحكم الأمر الواقع على الأرض والموارد.
في حقيقة الأمر، كان الإرهاب وسوف يظل إحدى آفات هذا العصر. والنبأ السار برغم هذا هو أن التهديد الذي يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية على الشرق الأوسط وبقية العالم يمكن تقليصه إلى حد كبير من خلال العمل المتضافر الدؤوب. ويتلخص الدرس الرئيسي المستفاد من هجمات باريس في حقيقة مفادها أننا لابد أن نكون مستعدين للعمل في الوقت المناسب والمكان المناسب على حد سواء.
(سبق أن نُشر هذا المقال في موقع بروجيكت سينديكيترابط خارجي).
الأفكار الواردة في هذا المقال لا تعبّر سوى عن آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر swissinfo.ch. أما العناوين الفرعية فقد تمت إضافتها من طرف swissinfo.ch
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.