من أجل خطة لاستخدام التقنية العالية في مراقبة الجائحة وكيفية التصدي لها
دعا خبراء مستقلون عيّنتهم جمعية الصحة العالمية إلى إصلاح أنظمة الوقاية من الجوائح وطرق التعامل معها. ويدعو ثلاثة من الباحثين في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية إلى ضرورة أن يكون العلم في صلب هذه الخطة.
عندما انعقدت جمعية الصحة العالمية في مايو 2020، كان العالم يكافح من أجل التصدي لواحدة من أسوأ الأزمات الصحية في التاريخ الحديث. بعد مرور عام، لا تزال جائحة كوفيد-19 تصيب مئات الآلاف وتحصد أرواح عشرات الآلاف يوميًا. هل كان بإمكان المجتمع الدولي منع تحوّل هذا المرض الذي ظهر في ووهان بالصين في البداية إلى كارثة عالمية، دمرت الأنظمة الصحية وألقت بالملايين بين براثن الفقر؟ للإجابة على هذا السؤال، طلبت جمعية الصحة العالمية من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إجراء مراجعة محايدة وشاملة للاستجابة الصحية العالمية للوباء وتقديم توصيات للمستقبل. أصدرت اللجنة المستقلة للتأهب والتعامل مع الأوبئةرابط خارجي التي أنشأها، تقريرها النهائي. إنه يدعو إلى تحول جذري في النظام الدولي لمنع الجوائح في المستقبل. وبعبارة أخرى، فإن الاستمرار على هذا النهج لن يفي بالغرض.
إنه تحد هائل. أنظمة مراقبة الأمراض الحالية والتوقي منها هي خليط من مشاريع غير قابلة للتشغيل المتبادل. لقد تم تصميمها من قبل خبراء ينحدرون من مجموعة ضيقة من التخصصات ومن عدد محدود من المناطق الجغرافية. ولا تتوفّر الأطر الدولية لتجميع المعلومات عبر المنظمات التي تتعامل مع صحة البشر والحيوانات والنباتات وبيئتهم المشتركة مثل منظمة الصحة العالمية في جنيف، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان في باريس، ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في روما ، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، على آليات تنفيذ قوية. كذلك تعد مشاركة البيانات من قبل الحكومات مع المنظمات الدولية محدودة وبطيئة. ولا توجد شبكة لتدفقات البيانات في الوقت الفعلي مثل تلك التي تدعم التنبؤات الدقيقة بالطقس العالمي. لقد كشف كوفيد-19 بوضوح عن أوجه القصور هذه في قدرتنا الجماعية على اكتشاف الأوبئة والاستجابة لها في الوقت المناسب وبطريقة حاسمة.
من ناحية أخرى، سلّط الوباء الضوء عما يمكن أن يقدمه العلم والتكنولوجيا الحديثة من خدمات جليلة في الوقاية من الأوبئة وإدارتها. وأظهرت تقنيات تسلسل الجيل التالي من فيروس كورونا المستجد وطفراته وتحليلات البيانات الضخمة وتقنيات الحفاظ على الخصوصية وكذلك الذكاء الاصطناعي أهميتها في دعم استجابات الصحة العامة في العديد من البلدان حول العالم. على سبيل المثال لا الحصر، كان تطوير اللقاحات يستغرق وقتًا أطول بكثير بدون تعاون علمي ومشاركة البيانات حول تسلسل جينوم الفيروس.
نحن بحاجة إلى البناء على هذه التجربة بسرعة لإنشاء مخطط عالمي لمراقبة الجائحة والتصدّي لها مأسّس على العلم ، وممكّن رقميًا، ويعمل عبر تسلسل مراحل تطوّر الجائحة، وهي التأهب والمراقبة والتعامل معها والتعافي منها. ولن تكون جائحة كوفيد -19 آخر وباء يشهده العالم. ستواصل العولمة وفقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ زرع الأمراض المعدية الناشئة الجديدة في طريقنا. نحن بحاجة إلى بنية تكون شاملة ودائمة.
يجب أن يتفوّق هذا المخطط على التفكير السائد حاليا من خلال القدرة على الفحص المنتظم للاحتياجات والوظائف لكل مرحلة من مراحل الجائحة واستكشاف البيانات والتقنيات اللازمة لتحقيق أعلى جودة لطرق التعامل المطلوبة. كذلك يجب فحص هندسة البيانات ومصادر المعلومات التي تربط المراحل المختلفة من منظور متعدد التخصصات عبر علم الأوبئة والصحة العامة والبيولوجيا الجزيئية والعلوم الاجتماعية والسلوكية والأنظمة المعقدة والشبكات وعلوم الكمبيوتر والعلوم البيئية والخدمات الصحية واقتصاديات الصحة. يجب أن تكون التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي في صميم أخذ العينات وتحليل البيانات في الوقت الفعلي من مصادر متنوعة وغير عادية عبر واجهة الإنسان والحيوان والبيئة، وتحسين عرض رؤى السياسات لاتخاذ قرارات فعالة محكومة بسياقات محددة.
الحياد والثقة من العوامل الحاسمة أيضا في تحقيق النجاح. ومن أجل الحصول على أكبر قدر من الدعم الدولي والثقة العامة، نعتقد أن مثل هذا المخطط يجب أن يتم بناؤه بالتعاون مع المنظمات الدولية والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ويجب أن يستخلص الدروس ويستفيد من الخبرات من مختلف المناطق. كما يجب أن يكون تنفيذه ممكنًا حتى في البلدان ذات الموارد المحدودة حيث إن العالم قوي فقط مثل أضعف حلقاته عند مواجهة الأزمة الصحية التالية. لذلك ينبغي اعتماد هيكل معياري للسماح للبلدان بترتيب أولويات الاستثمارات من خلال تبني أولاً ما هو ممكن وعاجل، ومن ثم تطوير المخطط مع تعزيز القدرات والموارد المتوفّرة.
من الضروري أن يعكس المخطط، أثناء تطويره وتشغيله، فكرة أن الصحة هي اهتمام الجميع وأن أفضل النتائج الصحية غالبًا ما تنجم عن مشاركة المواطنين والمجتمع في الصحة العامة. من خلال ضبط العمليات المحوكمة جيدًا على مستوى توليد البيانات ومشاركتها وجعلها مقبولة وموثوقة من قبل الجمهور، يمكن تسخير قوة علم المواطن بشكل أفضل للتأهب للوباء وتحديد كيفية التصدّي له.
كمنصة عالمية مستقلة، تبدي شبكة التعاون الدولي للصحة الرقمية وبحوث الذكاء الاصطناعي التعاوني رابط خارجي(I-DAIR) ومقرها في جنيف استعدادها لدعم هذا الجهد من خلال مجموعة عالمية من الخبراء العلميين متعددي التخصصات لتطوير أجندة بحثية وهيكلية لـ خطة التصدي للأوبئة العالمية المقترحة. ونحن نؤمن بأن العلم يجب أن يبتعد عن أي أجندات وطنية أو تجارية ضيقة. يجب أن يتم تشغيل المخطط بشكل تعاوني وشفاف، وان تخزّن بياناته في بنية تحتية رقمية محايدة. وبالتالي يمكن أن تصبح التنبيهات والرؤى الناتجة عن ذلك مصدرًا موثوقًا للمعلومات للجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والعالمية لتحديد طرق تصديها لتفشي الأمراض المعدية الناشئة في المستقبل، وفي الوقت المناسب.
مع تهيّؤ جمعية الصحة العالمية للانعقاد مرة أخرى هذا العام، تتوفّر فرصة محدودة قبل أن نعود إلى دورة الإنذار التي يتبعها الإهمال. ورغم أن مناقشات السياسة التي بشر بها تقرير اللجنة المستقلة مهمة، وربما تستحق نتائجها بما في ذلك سن الميثاق الجديد المنتظر بشأن الجوائح، فإن أجندة البحث والتطوير لنظام المراقبة الذي يمكن أن يدعم القرارات السياسية المستقبلية لا يتحمّل أي تأخير. ويقدم العلم إمكانيات جديدة، ونحن بحاجة إلى الخيال العلمي لمواءمته مع السياسة بطرق إبداعية.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء swissinfo.ch.
سلسلة “وجهات نظر“
تقوم swissinfo.ch بنشر آراء حول مواضيع مختلفة، سواء حول قضايا سويسرية أو مواضيع لها تأثير على سويسرا. يرمي اختيار المقالات إلى تقديم آراء متنوعة بهدف إثراء النقاش حول القضايا المطروحة. إذا كنت ترغب في اقتراح فكرة لمقال رأي، يُرجى إرسال رسالة إلكترونية إلى arabic@swissinfo.ch.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.