مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

6 آلاف سنة من تاريخ لبنان تُعرض في جنيف لأول مرة

تابوت من الرخام لمنطقة صور يعود للحقبة الرومانية swissinfo.ch

يحتضن متحف "Rath" في جنيف معرضا أثريا لبنانيا يعكس حضارة ممتدة لستة آلاف سنة. وقد شاركت في تنظيمه عدة متاحف ومؤسسات ثقافية من جنيف إلى جانب المتحف الوطني في بيروت ووزارة الثقافة اللبنانية.

ويرى سامي كنعان، رئيس بلدية جنيف، والذي هو من أصل لبناني: “أنه فرصة لتذكير اللبنانيين بأن لهم إرثا تاريخيا عريقا يفرض عليهم تحمل مسؤوليات من أجل تفادي الخلافات الحالية”.

تحتضن جنيف لمدة أربعة أشهر ابتداءً من 30 نوفمبر 2012 معرضا أثريا  لبنانيا، في سابقة عالمية، يعكس عراقة حضارة استطاعت أن تجمع بين ثقافات وديانات وأعراق مختلفة لأكثر من ستة آلاف سنة.

المعرض الذي حمل شعار”سحر لبنان- ستون قرنا من تاريخ الأديان، والفن والآثار” افتتحه وزير الثقافة اللبناني غابي ليون الى جانب رئيس بلدية جنيف سامي كنعان. وقد كشف السيد كنعان في حديث ل swissinfo.ch أبعاد هذه التظاهرة، فقال: “إن جنيف  التي تعتبر مدينة الاختلاط الثقافي  تربطها علاقات وثيقة بلبنان. وما  تنظيم هذا المعرض هنا  إلا تجسيد لمتانة هذه العلاقات، وبالنسبة لي كمنتخب على رأس مدينة جنيف من اصل لبناني أن أفتتح معرض يغطي 60 قرنا من تاريخ بلادي الأصلي فهذا يمثل شرفا كبيرا لي”.

6 آلاف سنة من الحضارة والتاريخ

في وصفه لهذا الحدث الثقافي الهام، اختار وزير الثقافة اللبناني غابي ليون في حديث ل swissinfo.ch عبارة “اليوم اللبناني الكبير في جنيف”. وهو بالفعل كذلك لأن المعرض احتوى على حوالي 350 قطعة أثرية، وتحف فنية تعكس علاقة الإنسان بخالقه في منطقة تعتبر مهد الحضارات والديانات.     

  

إذ يهتم المعرض بفترة تبدأ من حوالي اربعة آلاف سنة قبل ميلاد السيد المسيح  بعرض لطقوس الدفن التي عرفت في حقبة الأديان الوضعية التي سبقت الأديان السماوية. وقد اشتمل هذا القسم على أوان طينية كانت تستخدم كتوابيت للدفن والتي وجدت فيها بعض الحلي والأدوات والرموز البرونزية والذهبية المرافقة للميت في حياته الأخرى.  

ينتقل المعرض بعد ذلك إلى الحقبة الفينيقية بتوابيتها التي يتم عرض بعض منها لأول مرة على الجمهور. وهي الحقبة التي عملت على صقل الهوية الثقافية قبل التحول الى الحقب اليونانية والرومانية الزاخرة بمعالمها المعمارية في بعلبك وغيرها، وبفسيفسائها وتماثيلها الرومانية الرائعة.

ولاشك في أن أكبر قسم قد خصص للحقبتين المسيحية والإسلامية، بمعابد تعود للحقبة المسيحية الأولى، ومساجد وتحف معمارية إسلامية تنتهي بقطع قماش تعود للحقبة المملوكية عُثِر عليها مؤخرا في مغارة بوادي قديشة وسهر متحف الفن والتاريخ في جنيف على ترميمها، وجعلها قابلة للعرض.  

وكما تقول مديرة المتحف الوطني في بيروت آن ماري مايلا عفاش: “على الزائر ألا يغفل ملاحظة المجسمات المصغرة التي عُثِر عليها في بعض القبور، والتي تم وضع واحدة منها  في بداية كل جناح من هذه الأجنحة”.

وأمام هذا المعرض المهمّ على المستويين الفني والتاريخي والإنساني، يقول وزير الثقافة اللبناني: “لا أجد العبارات المناسبة للتعبير عن مدى كثافة المشاعر… لأن الطابع العام لهذا المعرض هو الديانات والطقوس الدينية لمختلف الديانات منذ ستة آلاف سنة حتى العصر الإسلامي. نحن نتحدث عن فترة من الألفية الرابعة قبل الميلاد حتى العصر العثماني. 6 آلاف سنة من الديانات والطقوس وطريقة الدفن. فالكلام لا يمكن أن يعبر عن مدى غنى هذا المعرض . لذلك فإن الدعوة مفتوحة للجميع، وبشكل خاص للعرب الموجودين هنا في سويسرا لكي يتعرفوا أكثر على غنى حضارة وثقافة  بلدهم الثاني لبنان”.

سابقة عالمية

لا يتميز معرض ” سحر لبنان ” المقام في جنيف فقط بغنى ما يحتوي عليه من تحف، ولكونها تحف تغطي فترة تمتد لحوالي 6 آلاف سنة، بل ايضا لكون بعض القطع تُعرض لأول مرة أمام الجمهور وحتى الجمهور اللبناني.

إذ يقول وزير الثقافة اللبناني غابي ليون” يضم المعرض 277 قطعة من القطع المتواجدة في مستودعات متحف بيروت وليست القطع المعروضة في المتحف . فقد جرى ترميمها لعرضها هنا في جنيف لمدة اربعة أشهر لكي يتعرف السويسريون والأجانب هنا في جنيف  على غنى لبنان وما يختزنه  من آثار ومن حضارة ممتدة عبر العصور”.

وحتى رئيس بلدية جنيف سامي كنعان يبدي اعتزازه لكون جنيف هي التي احتضنت هذا المعرض الهام ” هذا فخر لنا وشرف  بأن يقام المعرض في جنيف في سابقة عالمية  لأن أغلب القطع تعرض لأول مرة و هذا حتى بالنسبة للبنانيين أنفسهم.  وما هذا إلا ثمرة تعاون فني وتقني بين المتحف الوطني في بيروت ومتحف الفن والتاريخ في جنيف لأن أغلب القطع تم ترميمها إما في بيروت أو في جنيف . وفي ذلك تأكيد على كون جنيف مدينة عالمية”.

ولا يُخفي رئيس بلدية جنيف رغبة في  أن يجلب المعرض بخصوصيته زوارا من خارج سويسرا” هذا أمر قد يفرحنا لأنني أعتقد بأن هذا المعرض قد  يحظى باهتمام الجالية اللبنانية في أوربا. فكون المعرض سيستمر لأربعة أشهر اعتقد أنهم سيجدون الوقت المناسب من أجل زيارة جنيف. و سنكون فخورين باستقبالهم. ولكن المعرض يرحب ايضا بالسويسريين وبسكان جنيف وسكان فرنسا المجاورة المهتمين بالاطلاع على هذه الحضارة اللبنانية  الغنية” .

أما وزير الثقافة اللبناني  غابي ليون فلا يستثني إمكانية تجديد التجربة في عواصم ومدن أخرى بقوله “سنفكر في تكرار هذا المعرض في عواصم ومدن أخرى عالمية إذا توفرت الإمكانيات لذلك. وانتهز الفرصة لكي أشكر كل من ساهم ومن تبرع لصالح إنجاح هذا العمل اللبناني الكبير”.

قيمة التعايش في التجربة اللبنانية

إن من يأتي لزيارة معرض “سحر لبنان” سيأتي وفي  مخيلته أوضاع لبنان اليوم التي تعرف تأزما بين الطوائف يصل في بعض الأحيان الى المواجهة المسلحة. وهو ما دفعنا الى توجيه السؤال عن الرسالة التي قد يقدمها هذا المعرض لزائره اللبناني وغير اللبناني.

عن ذلك يقول سامي كنعان: “أعتقد أن المعرض يذكرنا في الوقت المناسب كيف هي طبيعة لبنان أي بلد الالتقاء والامتزاج والتبادل، البلد المتعدد الأعراق والديانات والتوجهات السياسية، البلد الذي عرف دوما كيف يجمع بين كل هذه التيارات ويوجهها في الاتجاه الصحيح وان يخلق من ذلك شخصية وهوية خاصة به. فهي أرض عرفت الديانات المتعددة والديانات السماوية واستطاعت ان تخلق جو تعايش بينها كان في أغلب الأحيان مسالما. وهذا المعرض هو تذكير بالنسبة للبنانيين بأن لهم إرثا تاريخيا عريقا يفرض عليهم تحمل مسؤوليات من أجل تفادي الخلافات الحالية”.

أما وزير الثقافة اللبناني غابي ليون فيعزو هذه التوترات لإ فراط في ممارسة الديمقراطية بقوله: “الانقسام السياسي في لبنان لا يفسد في الود قضية، فنحن شعب موحد ولكن الحرية والديمقراطية في لبنان قد تأخذ في بعض الأحيان أشكالا فيها نوعا من الحدة. ولكن كل هذا يبقى عابرا، والأساس هو ما ترونه هنا،  لأن 6 آلاف سنة من التاريخ لبلد يعني ان هذا البلد عصي على الموت والزوال”.

معرض ” سحر لبنان”  يعرض حوالي 350 قطعة أثرية وفنية بمتحف “رات ” بجنيف  للفترة ما بين 30 نوفمبر 2012 الى 31 مارس 2013.

يوجد من بين هذه القطع المعروضة 277 قطعة تعرض لأول مرة وكانت مودعة في مخازن المتحف الوطني في بيروت.

بعض من هذ القطع تم ترميمه من قبل متحف الفن والتاريخ لمدنية جنيف. كما ساهمت مؤسسة ماكس فون بيرشم السويسرية ببعض الصور التي  التقطها ماكس فون بيرشم  أثناء زيارته للمنطقة  وتعود لمخطوطات أو معالم أثرية.  

هذا المعرض الذي ساهمت في إنجاحه مدينة جنيف وعدد من المتاحف بها، مثل متحف الفن والتاريخ، لم يُكتب له النجاح إلا بفضل دعم مالي من جهات داعمة وبفضل تجند ابناء الجالية اللبنانية في سويسرا ومن خارجها.

قد يتحوّل معرض ” سحر لبنان- ستون قرنا من تاريخ الأديان، والفن والآثار” الى بادرة تعاون بعيد المدى في المجال الفني بين لبنان وجنيف، وعن ذلك يقول رئيس بلدية جنيف المكلف بالميدان الثقافي سامي كنعان :”هناك تقاليد تعاون وثيق بين لبنان وسويسرا وبالأخص بين لبنان وجنيف نظرا لكوننا نشارك في تنظيم معرض أيام العلم كل سنتين وان رئيس بلدية جنيف يسافر الى بيروت للمشاركة في هذه التظاهرة. وهناك مشاريع أخرى في مجال المتاحف والحديقة النباتية وهناك مشاريع أخرى في مرحلة التطوير. وهذا المعرض هو خطوة في طريق تعزيز هذا التعاون بين الطرفين”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية