التضامن الرقمي في خدمة الطب بالمناطق النائية في بلدان الجنوب
أطلق الصندوق العالمي للتضامن الرقمي مشروعا يهدف لتمويل 1000 وحدة للتشخيص الطبي عن بُعد في عشرات المستشفيات بالمناطق الريفية في البلدان الإفريقية الفقيرة.
هذا المشروع المفتوح لمشاركة كل الشركاء بما في ذلك شبكة أطباء من سويسرا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية سيسمح في حال إنجازه، بتمكين مرضى وأطباء المناطق النائية من الاستفادة من خبرة ذوي الاختصاص، وبأقل تكلفة.
أطلق الصندوق الدولي للتضامن الرقمي، الذي أسس قبل 3 سنوات في جنيف (في سياق القمة العالمية الأولى لمجتمع المعلومات التي نظمتها الأمم المتحدة على مرحلتين في جنيف 2003 وتونس 2005) مشروعا يهدف لتمويل 1000 وحدة للتشخيص الطبي عن بُعد ستزود بها مستشفيات المناطق النائية في البلدان الافريقية الفقيرة.
المشروع يعتبر نموذجيا من حيث إشراك أكبر عدد من الشركاء في عملية التنمية وتضييق الهوة الرقمية تحضيرا لبناء مجتمع المعلومات. كما أن صيغة 1% التي أطلقها الصندوق تعتبر تجديدا في مجال عملية تمويل التنمية في وقت أصبحت تسجل فيه الطرق التقليدية تراجعا متزايدا، مثلما يشرح السكرتير التنفيذي للصندوق الدولي للتضامن الرقمي آلان كليرك في هذا الحديث الذي خص به سويس إنفو.
سويس إنفو: من المشاريع العملية التي أبرزت دور الصندوق، مشروع تمويل 1000 وحدة صحية في المناطق النائية في إفريقيا للحصول على أجهزة مراقبة صحية عن بعد. هل يمكن معرفة المزيد من التفاصيل؟
آلان كليرك: إنه مشروع مبدع لصندوق التضامن الرقمي، نهدف من ورائه لتعزيز التضامن بين الدول المتقدمة وتلك التي تعرف نموا أقل. وسيسمح لكل المهتمين بالتضامن مع الدول النامية بتجسيد ذلك، لأننا في حاجة اليوم الى إعادة النظر في طريقة تطبيق التضامن نظرا لكوننا أصبحنا نعيش في مجتمع الاتصال والمعلومات. وإذا لم نتمكن من التعبير عن التضامن في ميدان الاتصال فسوف لن يكون هناك تضامن بالمرة.
وما نقترحه في هذا الإطار يتمثل في تزويد مستشفيات المناطق النائية الأكثر احتياجا في إفريقيا بتجهيزات تشخيص طبي عن بعد، تتراوح تكلفتها ما بين 30 الف يورو أو أكثر، تتكون من جهاز اتصال وحواسيب ومحطة تزويد بالطاقة الشمسية والأجهزة الطبية الضرورية للتشخيص مثل جهاز “إيكوغارفي” للسماح للطبيب المتابع عن بعد بالتشخيص الضروري.
تضاف لذلك نفقات الاتصال السنوية التي تتراوح ما بين 2000 الى 3000 يورو. وهو ما يسمح لتجمع ريفي بالحصول على متابعة صحية بمستوى معقول وبنفقة ما بين 50 الى 60 الف يورو خلال خمسة أعوام.
سويس إنفو: وما هو دوركم في تسهيل عملية التمويل وفي عملية التسيير فيما بعد لتلك الأجهزة؟
آلان كليرك: يمكن للمهتمين في الشمال، سواء كانوا مؤسسات محلية مثل البلديات وغيرها، او المؤسسات والشركات او الهيئات بل حتى الأفراد ، المشاركة في تمويل تلك التجهيزات بشكل مباشر لمنطقة من المناطق الإفريقية التي تربطهم بها علاقة مسبقة. كما يمكنهم المرور عبر شبكة اتصالات الصندوق التي لها القدرة على تشخيص المناطق المحتاجة وتقديم النصح الضروري في عملية اختيار الجهة المستفيدة. إضافة الى ذلك نضع تحت تصرف هذه الوحدات فريقا تقنيا يسهر على التركيب والسهر على حسن تسيير تلك التجهيزات.
كما نوفر شبكة من الأطباء في إفريقيا وأوربا والولايات المتحدة الأمريكية وكيبيك بكندا تسمح بالاستجابة الى كل الطلبات الآتية من هذه المستشفيات الإقليمية في إفريقيا عندما يتعلق الأمر بحالات طارئة.
سويس إنفو: وكيف تتصورون طريقة تدخل هؤلاء الأطباء عن بعد وهل هناك مشاركة من سويسرا في شبكة الأطباء المتطوعين؟
آلان كليرك: سيضع الصندوق تحت تصرف أطباء هذه المناطق النائية وسائل تشخيص عن بعد تسمح لهم باستشارة أخصائيين، لمعرفة ما إذ كان المريض يمكن علاجه في نفس المكان او نقله الى مستشفى مركزي. وسيكون بإمكانهم أولا استشارة أطباء في العاصمة او المدينة الكبرى المجاورة. وفي حال تعذر ذلك يمكن الاتصال بأطباء متطوعين في الخارج إما عبر شبكة الأطباء المتطوعين في إفريقيا او في أوربا او أمريكا الشمالية او كندا والتي بإمكانها أن تقدم خدمة من هذا النوع لمدة 24 ساعة على 24ساعة.
ويشارك في المشروع، المستشفى الجامعي في جنيف بحيث طورنا شبكة الأطباء من خلال مشاركة عدد من أطباء جنيف ومن خلال شبكة ” رافت” ومشاركة منظمة الصحة العالمية التي مقرها في جنيف. وهي الشبكة التي سنعمل على توسيعها لكي تشمل أيضا مشاركة من الاتحاد الدولي للاتصالات الذي مقره في جنيف أيضا.
سويس إنفو: هل هذه هي المرة الأولى التي تقومون فيها بمشروع من هذا الحجم، وما مدى الاستجابة إذا كانت موجودة؟
آلان كليرك: مشروع 1000 وحدة علاج صحي عن بعد هو مشروع نموذجي من هذا الحجم. وقد أطلقناه قبل أسابيع ولم نتوصل بعد باستجابة فعلية لحد الآن. لكن لدينا أمل في أن يدرك الشركاء مدى أهمية هذه الفرصة المتاحة أمامهم. لأنه إذا ما نجحنا في هذه العملية المتمثلة في توفير الألف وحدة صحية فإننا سنوسع التجربة لكي تشمل دولا محتاجة خارج المنطقة الإفريقية.
سويس إنفو: هذه الألف وحدة صحية للعلاج عن بعد، هل حددتم المناطق التي ستستفيد منها أم تتركون ذلك للمتبرعين لاختيار المكان ؟
آلان كليرك: هناك الامكانيتين معا: إذا كانت هناك مدينة او بلدية أو شركة من بلدان الشمال لها علاقات مع منطقة من المناطق الإفريقية او تربطها بها علاقات تجارة او علاقات توأمة، يمكنها أن تحدد لنا بأن هذا التبرع من قبلها يجب ان تستفيد منه المنطقة الفلانية. وإذا كانت الجهة المتبرعة لا تربطها اية علاقة او صلات بالمناطق الإفريقية التي نرغب في أن تستفيد من المشروع، فإننا نضع تحت تصرفها الطلبات العديدة التي توصلنا بها لكي تختار بنفسها.
سويس إنفو: هل هناك أمثلة عملية تتذكرونها عن مشاريع أخرى قام بها الصندوق ؟
آلان كليرك: هذا الصندوق الذي اقيم قبل 3 سنوات يرغب في تعزيز تمويل مشاريعه على المدى الطويل والتركيز على المشاريع المحلية الصغيرة في القطاعات المهمشة في البلدان النامية حتى لا تكون التنمية في مجتمع المعلومات إقصائية بل شاملة لكل المكونات. لأن التركيز الحاصل اليوم في مجال تنمية وسائل الاتصال في البلدان النامية يركز على المراكز الحضرية ويهمش الى حد ما المناطق الريفية والمدن الإقليمية التي تغذي الهجرة غير الشرعية بالدرجة الأولى.
لذلك ركزنا في مشاريعنا هذه، على مشاريع تبقى في حدود معقولة تتراوح ما بين 100 ألف و 400 الف يورو، وتتمثل في ربط اتصال بين عدد من الشركاء في هذه المناطق النائية عبر تجهيز مدرسة او مسشتفى او منظمة غير حكومية بأجهزة اتصال عبر شبكة الانترنت.
ومن الأمثلة الناجحة التي يمكن ذكرها، مشروع تزويد منظمة غير حكومية في بوركينافاسو،عاملة في مجال محاربة الإيدز بأجهزة اتصال عبر الإنترنت. والتي وعدنا بربط اتصالات لها بأطباء وجمعيات مماثلة عند العودة إلى جنيف. ولكن الطبيب المشرف على الوحدة في بوركينا فاسو قام بربط الاتصال بالأطباء في جنيف حتى قبل عودتنا. وبعد سنتين من بداية المشروع قام هذا الطبيب بتنظيم دورتي تدريب لكافة ممرضات هذه المدينة الصغيرة اللواتي استطعن متابعة دروس التكوين المستمر التي يقوم بها المستشفى الجامعي في جنيف كل اربعاء بعد الظهر.
سويس إنفو: وهل لديكم مشاريع منجزة أو قيد الانجاز في مناطق عربية؟
آلان كليرك: لا، ليست هناك مشاريع منجزة ولكن لدينا مشروع في موريتانيا التي عدت منها مؤخرا والتي طلبت منا رسميا تزويدها ب 20 الف حاسوب آلي مستعمل، للسماح للمدارس والقرى النائية بالارتباط بشبكة الإنترنت. هذا المشروع الذي تم قبوله مبدئيا سنشرع في تطويره بالاشتراك مع مختلف الوزارات الموريتانية. كما ان مؤتمر 5+5 لحوض البحر البيض المتوسط الذي ستستقبله موريتانيا سيساهم في تمويل المشروع النموذجي المتمثل في خلق فضاء رقمي يسمح بالاتصال والتبادل. وهذا المشروع بودنا تطويره أيضا في بلدان عربية أخرى إذا ما نجحنا في موريتانيا.
ولكننا ننتظر أيضا من العالم العربي الغني دعم الصندوق الدولي للتضامن الرقمي خصوصا البلدان العربية الغنية في إفريقيا. وقد وجه مؤتمر قمة دول منظمة المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في داكار مؤخرا نداءا للدول العربية والإسلامية من اجل الإسهام في الصندوق الدولي للتضامن الرقمي.
وكانت قمة داكار فرصة لكي تتعرف الدول الإسلامية على وجودنا كصندوق ولكي تطالب من الدول الأعضاء اعتماد مبدأ تخصيص 1% لصالح التضامن الرقمي.
كما أن قمة داكار اتخذت قرارا بتمويل حوالي 500 الف حاسوب لتوزع على الدول الإسلامية الأكثر احتياجا ومن بينها الكثير من الدول الإفريقية، خلال الثلاثة أعوام القادمة.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
من المشاكل التي واجهت تأسيس الصندوق العالمي للتضامن الرقمي مشكلة التمويل. يضاف الى ذلك أن الدول الصناعية عارضت قيام الصندوق أو المشاركة في تمويله إلى حد اليوم. لذلك تم ابتكار فكرة “1% من مبيعات تجهيزات الاتصال الرقمي” التي يشرحها آلان كليرك بقوله:
“هذه الآلية الجديدة للتمويل مهمة جدا لأنها لا تتعارض مع الآليات السابقة للتمويل، بل تكملها. فالمساعدات العمومية التي كانت تقدمها عواصم الدول المتقدمة عبر المنظمات الدولية او عبر طريق ثنائي كانت تشكل أهم وسائل تمويل مشاريع التنمية. ولكن تلك الوسيلة كانت تتماشى ومتطلبات المجتمعات الصناعية. أما اليوم فنحن قادمون على العيش في مجتمع أكثر نزعة نحو اللامركزية. وهذا يمثل فرصة في نفس الوقت، لأن التضامن اليوم لم يعد يقتصر على رغبة الإدارة المركزية في العاصمة في الدول الغنية بل يهم كل الشركاء من إدارات محلية أو إقليمية والشركات والهيئات بل حتى الأشخاص. لأن مشاريع 60 الف يورو لتمويل وحدة تشخيص طبي عن بعد لمستشفى في أرياف إفريقيا بالإمكان أن يتحملها شخص غني بمفرده.
ولهذا السب نحن اليوم في حاجة الى آلية تمويل جديدة تمكن هؤلاء الشركاء من تحمل مسئولياتهم. ومن هذا المنطلق تبدو آلية التمويل عبر اقتطاع نسبة 1% هي آلية مربحة على كل الأصعدة.
إذ نقترح على كل الشركاء الذين يرغبون في شراء تجهيزات اتصال رقمي أن يضيفوا الى عرض الشراء فقرة خاصة يتعهد البائع بموجبها بتخصيص 1% من الصفقة لصالح الصندوق الدولي للتضامن الرقمي. ولتوضيح ذلك عبر مثال عملي لنفرض أن مكتب محاماة يرغب في استبدال حواسبه وتجهيزات اتصالاته الرقمية. عليه أن يضيف فقرة اجتماعية على غرار الفقرات التي تضاف في الصفقات لمراعاة حماية البيئة أو احترام حقوق العمال وغيرها. هذه الفقرة المخصصة للتضامن الرقمي يلتزم البائع بموجبها بتخصيص 1%من قيمة الصفقة لصالح صندوق التضامن الرقمي. بعدها مباشرة يقوم الصندوق بشراء تجهيزات من نفس البائع بالقيمة الناتجة عن 1% من الصفقة لكي يتم نقلها فيما بعد للمناطق الفقيرة. وهكذا يكون البائع قد استعاد ما فقده في عملية 1%.
بهذه العملية نقوم بتوسيع رقعة المبيعات بالنسبة للشركات ونستفيد من نسبة 1% لشراء معدات لمناطق فقيرة. يوجد اليوم ما حجمه 3 آلاف مليار دولار من مبيعات تجهيزات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وهو حجم في ارتفاع مستمر. وإذا ما خصصنا 1% فإن ذلك يعني 30 مليار دولار تخصص سنويا لتحقيق عالم متضامن.
وهذه الآلية يجب ان تتبناها الدول طواعية وأن تقتنع بها وسائل الإعلام للترويج لها لأننا في حاجة الى إعادة النظر في طريقة تمويل عملية التنمية في البلدان النامية خصوصا وان الدعم العمومي في تراجع مستمر.
وأملنا في التوصل الى تدوين مبدأ 1% في معاهدة دولية من هنا حتى نهاية العام . وقد استجاب الرئيس الفرنسي لتنظيم مؤتمر في مدينة ليون (بفرنسا) في 24 نوفمبر 2008 حول التضامن الرقمي. وفي حال اعتماد هذه المعاهدة سيكون ذلك بمثابة خطوة هامة وفعالة على المستوى العالمي لدعم تمويل المشاريع التنموية في وقت لم تفلح فيه وسائل التمويل الأخرى من تحقيق ذلك”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.