بعد 10 أعوام.. تضخمت ويكيبيديا لكن محتوياتها العربية محدودة وضعيفة
أثنى الخبير الإعلامي الدكتور شريف درويش اللبان، أستاذ الصحافة وتكنولوجيا الاتصال بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، على الخِـدمة المعلوماتية التي تقدِّمها الموسوعة الحرّة على الإنترنت والمعروفة باسم "ويكيبيديا"، مُـعتبرا أنها "اختصرت الزمان والمكان لملايين المتصفِّـحين في بلدان العالم أجمع، كما أنها تجربة رائدة، فتحت الباب أمام الجميع للمشاركة بإسهاماتهم المعرفية، في شتى المجالات".
وفي حديث خاص لـ “swissinfo.ch” بمناسبة مرور 10 سنوات على إطلاق الموسوعة و7 سنوات على إضافة المحتوى العربي إليها، طالب د. شريف اللبان، مدير مركز جامعة القاهرة للطباعة والنشر، الهيئات والمنظمات والمؤسسات العربية، الرسمية والشعبية، وعلى رأسها جامعة الدول العربية، “بتشجيع الشباب، وخاصة دراسي علوم الحاسبات والوثائق والمكتبات، على التفاعل وإثراء المحتوى بالمعلومات”، مشددا على “ضرورة تشكيل لجنة عِـلمية لتحقيق وتوثيق مواد المحتوى، ليكتسب مزيدا من المصداقية”. مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
swissinfo.ch: بعد 10 سنوات من إطلاق موسوعة ويكيبيديا.. ما تقييمكم لمحتواها العربي؟
د. شريف اللبان: المحتوى العربي يُـعاني من الخفة بنوعيْـها، الكمي والكيفي. فكميا، يكفي أن تعلَـم أنه يحتوي فقط على 141 ألف مقال، بعد 7 سنوات من إضافته للموسوعة، فيما يضم المحتوى الألماني 1.2 مليون مقال، مقابل 3.5 مليون مقال يضمها المحتوى الإنجليزي، أما من ناحية الكيف، فما زالت مسألة المصداقية تؤرق الكثير من المتصفحين، وخاصة الباحثين. وإجمالا، فللموسوعة سلبيات وإيجابيات!
وما هي أبرز هذه السلبيات والإيجابيات؟
د. شريف اللبان: أبرز الإيجابيات، توفر رؤوس موضوعات في مجالات مُـختلفة، يُـمكن البدء منها للوصول لمعلومات وافية بالبحث على الإنترنت، كما أن المحتوى العربي بها مفتوح، مما يُـيَـسر الدخول وعمل الإضافات اللازمة، من خلال خاصية التحرير، فضلا عن أن المحتوى متاح لكل الناطقين بالعربية في العالم.
أما أبرز العيوب، فاللغة العربية بوضعها الحالي في الموسوعة، لا تحتل المكانة اللائقة بها كلغة يتحدث بها قُـرابة نصف مليار إنسان في العالم، عرب ومسلمين أو حتى من غير العرب المقيمين في أوروبا وأمريكا، كما أن المحتوى غير مدقّـق ولا محقق، مع إمكانية دخول مستخدمين غير جادّين، وهو ما يضر بالمصداقية ويجعلنا في الدراسات العليا بالجامعة لا ننصح شباب الباحثين بالاعتماد على المحتوى العربي في دراساتهم وبُـحوثهم العِـلمية، بعكس الإنجليزية التي يتم تدقيقها.
وإلى أي مدى يعتمد المتصفحون على المحتوى العربي؟ وما أبرز الفئات المستفيدة منه؟
د. شريف اللبان: دَعْـنا نبدأ بالجزء الأخير من السؤال. فأبرز الفئات المستفيدة من المحتوى العربي هم الباحثون في مجال العلوم الاجتماعية، خاصة الشباب المسجّـلين لرسائل الماجستير والدكتوراه، يليهم الصحفيون والإعلاميون وبعض ناشطي المجتمع المدني، خاصة المهتمين بملف حقوق الإنسان. أما عن اعتماد المتصفحين عليه، فالحقيقة أن الباحثين الذين يعدّون بحوث ودراسات لنيل درجات علمية، فلا يعتمدون عليه بشكل أساسي، وأنا شخصيا لا أنصحهم بذلك، وإن كنت لا أمانع من قيامهم بالاستفادة منها للإستِـرشاد، غير أني لا أقبل من طالب الدراسات العليا أن يشير في هامش رسالته العلمية إلى الموسوعة كمصدر علمي، في الوقت الذي يعتمد عليه صحفيون وإعلاميون وناشطون.
وماذا عن مسألة المصداقية المعلوماتية لمواد المحتوى العربي؟
د. شريف اللبان: ألمحت سابقا لهذا الأمر وأكرر أن المصداقية تبقى المُـشكلة الأكبر التي تواجه المتصفّـحين للمحتوى العربي طوال السنوات السبع التي مضت من عُـمره منذ إضافته للموسوعة، وهذا راجع لعدم وجود مراجعات وتنقيحات وتحقيقات كافية وموثوقة لمعلوماته، بخلاف المحتوى الإنجليزي، وأعتقد أن حل هذه الإشكالية سيدفع متصفحي المحتوى العربي وخاصة الباحثين، للإعتماد عليه.
وما هي أبرز البلدان ذات الحضور الطاغي والتواجد الواضح بالموسوعة؟
د. شريف اللبان: أبرز الدول العربية الحاضرة بقوة في ويكيبيديا هي مصر بشكل أساسي، ربما لكونها الأكثر سكانا في العالم العربي والأكثر استخداما للشبكة العنكبوتية، تليها بعض دول الخليج مثل السعودية والكويت، ربما لأن بهما مؤسسات حكومية وأهلية تدعم وتشجع الشباب على الدخول على الإنترنت، وخاصة على الموسوعات، والتفاعل معها وإضافة معلومات للمحتوى، لإبراز دولهم بشكل حضاري وإيجابي.
وما أبرز البلدان العربية الغائبة أو المهمشة في المحتوى العربي؟
د. شريف اللبان: أبرز الدول العربية الغائبة عن ويكيبيديا هي الدول الفقيرة ماديا، مثل موريتانيا والصومال. ومعلوماتيا أو فكريا، مثل ليبيا أو سوريا.
وما هو حجم معلومات المحتوى العربي للموسوعة مقارنة باللغات الأخرى؟
د. شريف اللبان: تقدّم الموسوعة خدماتها بلغات متعدّدة، غير أن اللغة الأم للموسوعة هي الإنجليزية، ولهذا، فإن محتواها يفوق كل المحتويات من حيث الكَـم والكيف، ورغم وجود لغات أخرى غير الإنجليزية، ربما أقل انتشارا من العربية مثل اليابانية، فإنها أكثر حضورا في الموسوعة من العربية. والمُـحزن، أن العربية تأتي في ذيل اللغات بالموسوعة، ربما لكونها لا تلقى العناية الكافية من التحقيق والتنقيح، فيما يتم تنقية المحتوى الإنجليزي دوريا ليكون موثوقا وخاليا من المعلومات الإعلانية والدعائية.
هل تعتقد أن هناك بلدانا عربية تمنع شعوبها من الدخول على ويكيبيديا، وتحُـول دون الوصول إليها؟
د. شريف اللبان: لا أعتقد. والسبب بسيط، وهو أنه لا يوجد بالموسوعة ما يُخيف الحكومات العربية، فضلا عن كونها لا تقع إداريا أو فنيا تحت سيطرة حركة أو جماعة مناوِئة لها، بينما في حُـكم المؤكد أن بعض الحكومات العربية قامت بالفعل بمنع مواقع لجماعات وحركات وتنظيمات معارضة، بل ومنع بعضها مواقع اجتماعية، مثل الفايس بوك، كما منعوا مدوّنات واعتقلوا أصحابها وصدرت بحقهم أحكام بالسجن!
وهل ترى أن هناك حركات/ أحزاب/ منظمات/ مؤسسات/… لها حضور واضح بالموسوعة وتسعى لتوظيفها لخدمة مصالحها أو أفكارها أو مبادئها؟
د. شريف اللبان: بالتأكيد. فكل مؤسسة أو منظمة أو هيئة تهتَـم بإضافة بعض المعلومات عنها في معظم الموسوعة العالمية التي تتيح ذلك، وهذا ليس في ويكيبيديا فقط، وإنما يمتدّ للشبكة عموما، والمواقع خاصة، وأبرز التنظيمات استثمارا للشبكة عموما وويكيبيديا خصوصا، هي جماعة الإخوان المسلمين، وقد كان هذا ملحوظا خلال الإنتخابات البرلمانية التي جرت خلال عامي 2005 و2010.
وقد رصد كاتب أمريكي هذه الظاهرة وكتب دراسة بعنوان “أسلمة الشبكة العنكبوتية”، وقد تكون نجحت في هذا المسعى، لكونها الأكثر تنظيما وشعبية في مصر والعديد من الدول العربية، مثل الأردن وبعض دول الخليج، وهذا جزء من المنظومة الإعلامية للإخوان لاستثمار وتوظيف الشبكة، لخدمة مبادئ وأهداف الجماعة، ربما لكونها محرومة من التواجد الاتصالي الرسمي (صحف/ مجلات/ فضائيات/…)، أما معظم التنظيمات السياسية الأخرى بالعالم العربي، فليس لها تواجد قوي ومنظّـم، لا على الشبكة ولا على ويكيبيديا.
وما هو تقييمك للحضور المهني في المحتوى العربي؟
د. شريف اللبان: الحضور المهني في الموسوعة قليل جدًا ومعلوماته ناقصة للغاية وبحاجة لاستكمال وتوثيق، ولا يمكن الاعتماد عليها بشكل أساسي، لأنها تحتاج إلى جهود كبيرة.
ختاما، ما هي توصياتك ومقترحاتك لتطوير المحتوى العربي في موسوعة ويكيبيديا خلال العشرية الثانية؟
د. شريف اللبان: إذا كنا جادّين، فإنني أقترح الآتي: تشكيل لجنة من المهتمين بويكيبيديا، لمراجعة المحتوى وتدقيقه وتحقيقه، على أن تتكون من علماء متخصصين في كافة المجالات. كما أدعو المؤسسات والمنظمات والهيئات العربية، حكوميةً أو أهلية، للقيام بمبادرات لتشجيع الشباب، خاصة دراسي الحاسبات والمعلومات والمتخصصين في عِـلم الوثائق والمكتبات، على المساهمة في دعم المحتوى، مع رصد مكافأة رمزية للشباب لتحفيزهم. إضافة إلى اضطلاع منظمات المجتمع المدني بمهامها في هذا الجانب واستثمارها للفرصة التاريخية التي تتيحها الموسوعة، الأكثر انتشارا في العالم والتي تستقطب 400 مليون مواطن، يمثلون ثلث مستخدمي الإنترنت في العالم اليوم. وأخيرا، إطلاق جامعة الدول العربية، بصفتها المؤسسة الأم للدول العربية الـ 22، مبادرة عربية لدعم المحتوى العربي بالموسوعة واعتباره أمرا على درجة من الأهمية.
ويكيبيديا مشروع موسوعة متعددة اللغات، مبنية على الإنترنت، حرّة المحتوى. يساهم فيها أكثر من 91.000 مساهم نشط يعملون على أكثر من 17 مليون مقال في أكثر من 270 لغة، 141,230 مقال منها باللغة العربية. يوميا، يُجري آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم الكثير من التعديلات، ويؤلفون الكثير من المقالات الجديدة.
منذ أنشِـئت ويكيبيديا في عام 2001، نمت وتطورت بسرعة، لتُـصبح واحدة من أكبر المواقع على الإنترنت ولتجذب أكثر من 77 مليون زائر شهريا في 2010. و لايحتاج المتصفحون إلى أي مؤهلات للمشاركة في تطوير ويكيبيديا، ولذلك، فإن الكثير من المساهمين من مختلف الأعمار والخلفيات الثقافية يحرّرون وينشرون فيها.
باستثناءات نادرة، يمكن لأي شخص تعديل الصفحات، بنقر وصلة “عدّل هذه الصفحة” في أعلى كل الصفحات. وكما أن أي شخص مرحّـب بمساهمته المُـرفقة باستشهادات ومصادر في ويكيبيديا، وِفقا لبعض السياسات والإرشادات، لكن النصوص بدون مصادر مُعرّضة للحذف.
تكمن قوة موسوعة ويكيبيديا في نظام إدارة المحتوى المُـستعمل فيها المسمى “ميدياويكي”، حيث لا حاجة للقلق عند إضافة أو تحسين معلومة. كما أن العديد من المساهمين في ويكيبيديا على استعداد لتقديم المساعدة والمشورة والتصحيح حول المساهمات.
النسخة العربية من الموسوعة الحرّة بدأت في يوليو 2003 وما زالت في مرحلة بناء المحتويات، لذا، فإن أي تعديل أو إضافة مهْـما كانت بسيطة، هي ذات قيمة كبيرة للموسوعة العربية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.