‘البيانات الكبيرة’: مُستقبل واعد أَم سلاح ذو حَدين؟
أصبحت ‘البيانات الكبيرة أو الضخمة’ تعبيراً شائعاً يتردد على نطاق واسع. وهذا الموضوع بصدد تحقيق ثروة من الفرص لسويسرا بفضل استثماراتها في مجال البحوث والتطوير، كما تبذَل الكنفدرالية جهوداً كبيرة للسيطرة على المخاطر والتحديات المُترافقة مع هذه البيانات.
يَستند تعريف مشترك للبيانات الكبيرة على أربعة مفاهيم جوهرية هي الحَجم، والسرعة، والتنوع والقيمة (أو ما يسمى بالإنجليزية “Vs”، في إشارة إلى مصطلحات volume, velocity, variety, value باللغة الإنجليزية). وبشكل مُختصر، تتعامل البيانات الضخمة مع كميات كبيرة للغاية من المعلومات الرقمية المُعقدة التي تتم معالجتها بوتيرة متسارعة، باستخدام العديد من المصادر والأنظمة والأشكال المختلفة.
هذا التعريف المُستَخدَم من قبل المفوض الفدرالي السويسري لحماية البيانات والمعلوماترابط خارجي (FDPIC) يساعدنا على فهم سبب ارتباط مشروع لمحاولة التعرف على كيفية تحديث نماذج ثلاثية الأبعاد للمدن في الوقت الحقيقي – وهو شرط أساسي للسيارات ذاتية القيادة – بالبيانات الكبيرة بشكل كامل.
ولربما يكون الجهد المبذول لتطوير خوارزميات قادرة على ضغط كميات هائلة من المعلومات الرقمية، مع إتاحة تحليلها الدقيق في الآن ذاته، أكثر وضوحاً بقليل.
وكلا المشروعين المذكورين أعلاه، هي من ضمن 36 مشروعاً بحثيارابط خارجيً تم الإعلان عنها كجزء من برنامج البحوث الوطني 75: البيانات الكبيرةرابط خارجي (NRP 75: Big Data) لمؤسسة العلوم الوطنية السويسرية، البالغ قيمته 25 مليون فرنك سويسري (24،9 مليون دولار)، والذي تم إطلاقه في وقت سابق من هذا العام. ومن المُقرر تنفيذ هذا البرنامج الذي تشارك فيه 15 جامعة في الفترة المُمتَدّة بين عامي 2017 و2021، مع توقع صدور النتائج الأولى في عام 2019.
المزيد
ما الذي يعنيه مفهوم “البيانات الكبيرة” بالضبط؟
تحديات تقنية
تُكرس إحدى الفرق العاملة في مشاريع برنامج البحوث الوطني 75 جهودها للبحوث الأساسية لتكنولوجيا المعلومات الكامنة وراء البيانات الكبيرة، ومُعالجة التحديات المُتعلقة بأبعاد المفاهيم الجوهرية الأربعة لهذه البيانات. وتشمل أهداف المشروع تطوير خوارزميات وبرامج أفضل، وتحقيق معالجة أسرع وأكثر كفاءة وأماناً للبيانات على نطاق واسع، وعَبر شبكات عنكبوتية يمكن تمتد إلى دول وقارات والعالم بأكمله.
من يملك المعلومة يملك القوة
لأننا نعيش في مجتمع معلومات، فقد أصبحت القدرة على تجميع وتخزين كميات كبيرة من المعلومات الرقمية عن الأشخاص – سواء تعلق ذلك بأماكن تواجدنا الفعلية، أو مخاطر إصابتنا بالسرطان، أو أنواع المشاركات التي “تعجبنا” على موقع فيسبوك سيفاً ذا حدّين.
أما فهم وتنظيم تأثير البيانات الكبيرة على المجتمع، فهو محور تركيز مجموعة أخرى في مشاريع برنامج البحوث الوطني 75 . وتتراوح مواضيع بحث هذه المجموعة من كيفية تنظيم البيانات الكبيرة في الاتفاقات التجارية، وصولاً إلى المسائل القانونية والأخلاقية المتعلقة بخصوصية بيانات موظفي الشركات، وأصحاب السيارات ذاتية القيادة والمرضى.
وعلى سبيل المثال، هناك مخاوف من إحتمال لجوء شركات التأمين الصحي إلى حرمان المرضى من التغطية بالاستناد على حسابات دقيقة غير مسبوقة للمخاطر الصحية. كذلك تتطلب المعلومات المتعلقة بالبحوث الطبية أحكاما خاصة لحماية خصوصية المرضى، بالإضافة إلى الشفافية حول كيفية استخدام هذه البيانات في المستقبل.
وفقا للمفوض الفدرالي السويسري لحماية البيانات والمعلومات (FDPIC)، يمكن في حالة البيانات الكبيرة، استرجاع حتى المعلومات الشخصية التي تم إغفالها (إخفاء هوية صاحبها) للحفاظ على الخصوصية مرة ثانية، بمجرد دَمْج مجموعات كبيرة من البيانات من مصادر مختلفة.
“على الرغم من إمكانية إعتبار البيانات ‘مجهولة الهوية’ اليوم بفضل التقدم التكنولوجي السريع ومصادر البيانات الإضافية، لكن قد يكون تنسيبها إلى شخص معين غداً مُمكناً ودون صعوبات كبيرة، ما قد يؤدي بالتالي إلى خرقٍ خطير للخصوصية”، كما أوضح الموقع الألكتروني للمفوض الفدرالي السويسري لحماية البيانات والمعلوماترابط خارجي.
في السياق ذاته، تقود جوي ديمويلَميستَر فريق السياسة الصحية في الاتحاد الفدرالي لروابط حماية المستهلكين في سويسرا الرومانديرابط خارجية (الناطقة بالفرنسية). وكما أخبرتswissinfo.ch ، يعمل الاتحاد بالفعل مع شركات التأمين الصحي على قضايا تتعلق بخصوصية البيانات، وموافقة المرضى الذين يقدمون عينات بيولوجية إلى المصارف البيولوجيةرابط خارجي لأغراض البحوث الطبية.
“التحدي الأكبر الذي يواجهه المستهلكون هو الحفاظ على حرية مَنح أو حَجْب الوصول إلى بياناتهم الخاصة. كما يتمثل التحدي الآخر في استحداث استمارات موافقة واضحة ومفهومة، لا تتضمن أي اتفاقات خفية”، على حد قول ديمويلَميستَر.
“بمجرد تقديمك للبيانات الخاصة بك، من المُحال استرجاعها ثانية. لذا نوصي جميع عملائنا بقراءة جميع الشروط و القواعد المتضمنة في عقد التأمين خاصتهم، وبتوخي الحذر، لأن البيانات الصحية مسألة حساسة جداً. ونحن نعمل أيضاً على تطوير القانون الفدرالي السويسري لحماية البيانات ونقدم مدخلاتنا حول ما نعتقد أنه سيكون مفيداً للسكان”، كما تضيف.
إحدى الشواغل الاجتماعية الأخرى التي ترافق البيانات الكبيرة هي مسألة التوظيف. فمع هذه التبدلات السريعة والجذرية الحاصلة في المشهد الرقمي، طرأت هناك تغييرات في الوظائف التقليدية أيضاً. ومن المُتَوَقَّع أن يتولى الذكاء الاصطناعي إنجاز الكثير من هذه الوظائف في العقود القادمة – وهذا يشمل العاملين في الوظائف الكبيرة والصغيرة على حدٍ سواء.
خلق القيمة – والحدود
وفقاً لـ كريستيان جنسن، رئيس اللجنة التوجيهية لبرنامج البحوث الوطني 75، يجب أن تراعي أي حلول قد تطورها سويسرا بشأن هذه التحديات التكنولوجية والقانونية والأخلاقية والتنظيمية، الطبيعة العالمية للبيانات الضخمة نفسها.
“إذا كانت بياناتي تحظى بالحماية في سويسرا فهذا أمرٌ جيد. ولكن ماذا لو انتهت آثار البيانات التي أتركها على الشبكة العنكبوتية في الولايات المتحدة، حيث يُصار إلى خلق قيمة منها؟ يتعين على سويسرا أن تدرك جيداً بأن العولمة والتدويل تحدان من الإجراءات المُحتَمَلة التي يمكن أن تلجأ إليها”، كما أخبر جنسن swissinfo.ch.
لكنه قال أيضاً بأن الناس ينبغي أن لا ينظروا إلى البيانات الكبيرة بوصفها قوة هائلة يتعذر إيقافها، بل كأداة تقدم إمكانات كبيرة يمكن للناس – بل ويتحتم عليهم – المشاركة في تشكيلها.
“آمل أن تستمر إمكانية المناقشات العامة بشأن البيانات الكبيرة والرقمنة. الناس بحاجة إلى رؤية أمثلة لكيفية استخدام البيانات الكبيرة في شتى الميادين، ومن ثَمَّ يمكنهم الإعلان عن قبولها أو رفضها”، بحسب جنسن.
“بالمقارنة مع معظم الدول الأخرى، فإن المستوى التعليمي لسكان سويسرا جيد، كما يتوفر البلد على مؤسسات تعليمية وبحثية متقدمة جداً. أعتقد بأن المجتمع السويسري والشركات والصناعات مستعدون بشكل جيد بالفعل للإستفادة من البيانات الكبيرة وخَلق قيمة منها تعود بالفائدة عليهم”.
المركز السويسري لعلوم البيانات
تم إطلاق المركز السويسري لعلوم البياناترابط خارجي ((SDSCهذا العام كمشروع مشترك بين المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان (EPFL) والمركز التقني الفدرالي العالي في زيورخ (ETHZ). وهو يهدف إلى توسيع البحوث المتعلقة بعلوم البيانات، والتعليم والبُنية التحتية في سويسرا. ومع وجود منشأة واحدة في كل مدينة، سوف يضم المركز الجديد نحو 40 باحثاً، ويقدم مِنَصة برمجيات مفتوحة لخدمات تحليل البيانات. ومن المتوقع أن يقدم المركز أيضاً برنامجاً دراسياً جديداً للحصول على درجة الماجستير في علوم البيانات لطلاب المركزين التقنيين المذكورين ابتداء من الخريف المُقبل.
مشكلة البيانات الكبيرة
في مسعى لتبسيط عملية رقمنة البيانات، ما فتئت سويسرا تناضل لتنفيذ نظام المصادقة الرقمية والتوثيق الألكتروني الآمن (SwissID) [أو نظامالهوية الرقمية السويسري المتوفر بشكل بطاقة ذكية أو مفتاح ‘يو أس بي’] منذ عام 2010. وعلى خطى دول أوروبية أخرى مثل إستونيا والسويد، سوف يسمح النظام الشامل لإدارة البيانات للمستهلكين بالتسجيل وتعريف أنفسهم في مجموعة عريضة من الخدمات، إبتداءً من التسوق عبر الإنترنت وحتى إعداد الإقرارات الضريبية وممارسة التصويت الإلكتروني. بيد أن النظام لم يفلح حتى الآن في اللحاق بركب البلدان الأخرى التي سارت قُدُماً بنماذجها الخاصة. وفي شهر مايو المنصرم، تم إطلاق نسخة جديد للفكرة، باعثة بذلك الآمال لدى شركة “سويس سيغن” (SwissSign) من جهة، ومشاعر القلق لدى أطراف ترى ضرورة ترك الهوية الشخصية للحكومة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.