الذكاء الإصطناعي يثير آمالا عريضة ومخاوف شتى
بَعيداً عن المَركبات ذاتية القيادة وبرنامج الترجمة الآلية لـمحرك البحث "غوغل"، تُشكل إمكانيات استخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي لتغيير المجتمع إلى الأفضل، مادة غنية للدراسة والنقاش. في هذا الإطار، بَحَثَ المؤتمر الذي استضافته جنيف من 7 إلى 9 يونيو الجاري محاسن ومساوئ هذا التطور القادم إلينا لا محالة، وكيفية المُضي قدماً.
في حدثٍ غير مَسبوق، استضافت مدينة جنيف في الأسبوع الأول من شهر يونيو الجاري نحو 500 مُمثل بارز عن الحكومات والصناعة والهيئات الأكاديمية والمجتمع المدني ومجتمع أبحاث الذكاء الإصطناعي لافتتاح “القمة العالمية الأولى للذكاء الاصطناعي لخدمة الصالح العامرابط خارجي“. ونُظِمَ هذا الحدث من قبل الاتحاد الدولي للاتصالاترابط خارجي الوكالة الأممية الرائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومؤسسة XPRIZEرابط خارجي غير الربحية الرائدة في مجال تصميم وتنفيذ نماذج المسابقات المبتكرة، والتي يقع مقرها في “سيليكون فالي” (ولاية كاليفورنيا)، بالإشتراك مع عدد من وكالات الأمم المتحدة.
ما من شك في أن عنوان المؤتمر”رَسْم مسار للذكاء الإصطناعى يُفيد البشرية جمعاء” كبير، كما أن الهدف الذي يسعى لتحقيقه نبيل. وتريد منظمة الأمم المتحدة، التي كانت مُمَثَلة بـ 20 وكالة تابعة لها في المؤتمر، بضمنها صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف)، إعادة تركيز إمكانات الذكاء الإصطناعي للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدةرابط خارجي، والتعرُّف على إمكانيات إسهامه في مواجهة أكثر التحديات العالمية إلحاحاً، مثل القضاء على الفقر والجوع، والنهوض بقضايا الصحة والتعليم والمساواة وحماية البيئة.
وكما قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة مُسَجَّلة عبر الفيديو وجّهها لجمهور الحاضرين: “يميل الذكاء الإصطناعي لأن يتقدم بشكل كبير باتجاه حياة كريمة يسودها السلام والإزدهار لجميع الناس”. كما أضاف: “لقد حان الوقت بالنسبة لنا جميعاً- سواء كحكومات أو مجتمع مدني أو قطاعات صناعية – لتقييم الكيفية التي سيؤثر بها الذكاء الإصطناعي على مُستقبلنا. لكن هناك أيضاً تحديات خطيرة وقضايا أخلاقية على المَحَك. هناك مخاوف حقيقية بشأن الأمن في الفضاء الإلكتروني وحقوق الإنسان والخصوصية، ناهيك عن التأثير الواضح والكبير على سوق العمل”.
وكان الذكاء الاصطناعي قد استحوذ على عناوين الصحف بانتظام في الآونة الأخيرة. وفي شهر مايو المُنقضي مثلاً، هزم برنامج ‘ألفا غو’ المملوك لشركة غوغل بطل العالم في الشطرنج الصيني (أو لعبة GO وهي لعبة شهيرة تعود لآلاف السنين، يتم لعبها باستخدام الحجارة السوداء والبيضاء على شبكة). ورغم أن الكثير من الناس يجهلون ذلك، لكن أشكال الذكاء الإصطناعي بدأت بتحويل حياتهم اليومية بالفعل.
“إنه حولنا في كل مكان. هذا ليس شيء يُتَوَقَّع حصوله في المستقبل، فهو يحدث بالفعل”، كما قال يورغَن سشميدهوبيررابط خارجي، المدير العلمي لمختبر الذكاء الإصطناعي السويسري، الذي طَوَّر باحثوه برامج لشركات مُتعددة مثل ‘أبل’ و‘غوغل’ و‘مايكروسوفت’ و‘أمازون’. وكما أضاف: “الذكاء الإصطناعي موجود في جيوبنا جميعاً اليوم عندما نستخدم خاصية التعرف على الكلام (تحويل الكلمات المنطوقة إلى نص) في هواتفنا الذكية”.
حول ذلك أيضاً، أقر يوشوا بنغيورابط خارجي، المُتَخَصص في مجال معلومات الحاسوب بجامعة مونتريال الكندية، إحراز تقدم كبير في مجالات التعرُّف على الكلام، وقدرة الحواسيب على التَعَرُّف على الأشياء واستخدام اللغة البشرية وفهمها.
بنغيو قال أيضا: “ينكب المزيد من الباحثين على دراسة هذا المجال، وهو ما جعلنا نحرز تقدماً سريعاً”. واستدرك مُضيفا: “في الوقت الراهن، هناك ثمار دانية تتمثل باستخدام الذكاء الإصطناعي لتشخيص الصور الطبية، أو الكشف عن الخلايا السرطانية من الفيديو”.
المزيد
صوفيا
على سبيل المثال، يقوم موقع التواصل الإجتماعي ‘فيسبوكرابط خارجي’ برسم خرائط لسكان العالم باستخدام برنامج التعرف على الصور، لتحليل صور الأقمار الصناعية بحثاً عن علامات الإستيطان البشري. كذلك تستخدم شركة “آي بي أم” (رابط خارجيIBM) تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمستويات التلوثرابط خارجي، كما يوظف العلماء في جامعة ستانفوردرابط خارجي الذكاء الإصطناعي وبيانات الأقمار الصناعية للإستشعار عن بُعْد للتنبؤ بغلال المحاصيل قبل حلول موعد الحصاد بأشهر.
بدوره، يتوفر ديفيد سالوماو، وهو مهندس برمجيات يعمل في معهد الاتصالات الوطنية في موزمبيق على فكرة مماثلة. وكما قال: “نحن نحاول الجَمع بين الإتصالات المُتنقلة والذكاء الإصطناعي لدعم الزراعة”. وأضاف موضحاً: “تكمن الفكرة بتجهيز المزارعين بِنُظُم آلية للري تتحكم بوقت تشغيل عملية الإرواء أو إيقافها وتكون لها القدرة على تقييم رطوبة التربة”.
وفى خطابها الذى ألقته فى جنيف، وصفت مارغريت تشان، الرئيسة السابقة لمنظمة الصحة العالمية الذكاء الإصطناعي بـ “الآفاق الجديدة” لقطاع الصحة. وقالت: “غالباً ما تتسم المعلومات الصحية بالفوضى وسوء التنظيم، كما لا يُصار إلى تحليلها بشكل منهجي. الذكاء الإصطناعي يمكن أن يوفّر هيكلاً للبيانات، ويُعجل قراءة نتائج التخطيط الكهربائي للقلب ويقدم توقعات أكثر دقة، وهو ما يُمكن أن يخفض من تكاليف الرعاية الصحية”.
ومع إشارتها للإمكانات الهائلة للذكاء الإصطناعي، لكن تشان حَثَّت في الوقت نفسه على توخي الحَذر، ذلك أن “القرارات الطبية مسألة مُعقدة، وهي تعتمد على الرعاية والرحمة، ولا أظن بأن الآلة ستكون قادرة على مُحاكاة التعاطف الإنساني الحقيقي يوم ما”.
وكما بَيَّنَت الرئيسة السابقة لمنظمة الصحة العالمية أيضاً، فإنه لن يكون بوسع الدول النامية أن تنتفع كثيراً من نظام ذكي لتشخيص المرض، عندما تفتقر إلى الأطباء والممرضات والمياه النظيفة والكهرباء أو الأدوية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
تتوقع دراسة جديدةرابط خارجي حول التعلم الآلي أن يتفوق الذكاء الإصطناعي على البَشَر في العديد من الأنشطة في العقد القادم، مثل ترجمة اللغات (بحلول عام 2024)، وكتابة البحوث أو المقالات على مستوى المدارس الثانوية (بحلول عام 2026)، وقيادة الشاحنات (بحلول عام 2027) والعمل في تجارة التجزئة (بحلول عام 2031). وبحلول عام 2049، ستكون أنظمة الذكاء الصناعي قادرة على تأليف الكتب الأكثر مبيعاً، كما يُتَوَقَّع لها القيام بعمل الجراحين بحلول عام 2053 .
عموما، يعتقد الباحثون بوجود فرصة 50% لتفوق الذكاء الإصطناعي على البشر في جميع المهام خلال 45 عاماً، وتولي الآلات كافة الوظائف البشرية في غضون 120 عاماً. ويقدِّر المستطلعون الآسيويون الوصول إلى هذه التواريخ في وقت أبكر بكثير من أمريكا الشمالية.
الأفضل والأسوأ على الإطلاق
في السياق نفسه، حَذَّر البروفسور ستيفن هوكينغ العام الماضي من أن خلق ذكاء اصطناعي قوي سوف يكون إمّا “أفضل أو أسوأ شيء يحدث للبشرية على الإطلاق”.
وليست مسألة ضمان استخدام الذكاء الإصطناعي لإعادة توزيع الثروة والحَد من أوجه التفاوت بين الدول سوى واحدة من التحديات الضخمة العديدة التي تواجه صنّاع السياسات الذين يبحثون في كيفية التحكم بالذكاء الإصطناعي على المستوى العالمي مع كل ما يحصل من تطور تكنولوجي سريع.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن “النقاش حول الذكاء الإصطناعى يوجد على مُفترق طُرُق”، كما قال سليل شيتيرابط خارجي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية للصحفيين.
وكما أورد شيتي، يمكن أن تُفضي قدرات الذكاء الإصطناعي إلى “اضطراب اقتصادي ضخم” يؤدي إلى فقدان مئات الملايين من فُرَص العمل نتيجة للأتمتة”. كما حَذَّر الأمين العام لمنظمة العفو الدولية من المخاطر الناجمة على الديمقراطية والعمليات الإنتخابية، مثلما اتضح في التقارير الصادرة مؤخراً حول تأثير الذكاء الإصطناعي والبيانات الكبيرة Big Data على الإنتخابات الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ‘بريكست’ .
“في المستقبل، سوف يكون رجال الشرطة الآليون جزءاً من دوريات الشرطة التي تجوب الشوارع، كما ستشتبك الروبوتات القاتلة في ساحات المعارك”، بحسب شيتي الذي يتساءل: “هل ستصبح أنظمة الذكاء الإصطناعي حارس البوابة الذي يقرر هوية الشخص المؤهل للحصول على الرعاية الصحية، ومَنْ يحق له الحصول على وظيفة أو رهن عقاري؟ لا شك أن من يتولون مقاليد السلطة الذين يستطيعون الوصول إلى ثمار اقتصاد البيانات – وهم حفنة من الدول والشركات – سيكونون الطرف الذي يستمر في تحقيق المكاسب، بينما ستتخلف الأغلبية الساحقة للشعوب عن الركب.. بوسعنا أن نفعل ما هو أفضل من ذلك”.
المزيد من المبادرات
وكما أعلن شيتي يوم 7 يونيو، أطلقت منظمة العفو الدولية مبادرة ‘الذكاء الإصطناعي وحقوق الإنسان’ بغية “تكريس حماية حقوق الإنسان في استخدام وتطوير الذكاء الإصطناعي”. وبعملها هذا، تنضم المنظمة إلى مجموعة من المبادرات العالمية الأخرى المتعلقة بالذكاء الإصطناعي، مثل الشراكة حول الذكاء الاصطناعيرابط خارجي التي تتحالف فيها شركات ‘غوغل’ و‘مايكروسوفت’ ومنظمة هيومان رايتس ووتش غير الحكومية، أو الذكاء الاصطناعي المفتوحرابط خارجي، وهي شركة أبحاث غير ربحية أطلِقَت في عام 2015 من قبل جهات خيرية ورجال أعمال بهدف تطوير نظم ذكاء اصطناعي “آمنة”.
بدورها، أظهرت الأمم المتحدة رغبتها في الإنضمام؛ وكما أخبر تشاو هولين، الأمين العام للاتحاد الدولي للإتصالات المؤتمر، فقد اقترح أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للمنظمة الأممية البدء بإنشاء لجنة استشارية خاصة للذكاء الإصطناعي. وفي السياق، يعتزم الإتحاد الدولي للاتصالات إجراء مشاورات غير رسمية للتعرف على الكيفية التي يمكن أن تعمل بها الأمم المتحدة جنبا إلى جنب مع الأكاديميين وقطاع الصناعة لتعزيز الإبتكار في مجال الذكاء الاصطناعى وخلق بيئة جيّدة لتطوير هذه التقنية.
وكما يبدو، تتفق جميع الأطراف على وجود حاجة ملحة لخارطة طريق واضحة، ولكن بعض المراقبين يحذرون من إعطاء القطاع الخاص سلطة تزيد عن اللازم.
“لا يكمُن الخطر الرئيسي للقمة العالمية للذكاء الإصطناعي لخدمة الصالح العام بتشويهها للتصورات المتعلقة بمخاطر الذكاء الإصطناعي، ولكن بممارسة ‘وادي السيليكون’ تأثيراً أكبر على حوكمة الذكاء الإصطناعي مع كل اجتماع قمة قادم”، كما كتب الباحث كايل إيفانوف على مدونة موقع مجلس العلاقات الخارجية [وهي مؤسسة أبحاث أمريكية غير ربحية متخصصة في السياسة الخارجية الأمريكية والشؤون الدولية].
“ينبغي أن يعترف صناع القرار بالقدرة غير المَسبوقة للذكاء الإصطناعي، وأن يتبعوا نهجاً أكثر استباقية لمُعالجة التقنيات الجديدة، فالخطر الأكبر للجميع يكمُن في عدم اتخاذ أي إجراء”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.