تكنولوجيا سويسرية لتخزين ثاني أكسيد الكربون في أيسلندا
افتتحت شركة كليموركس "Climeworks" السويسرية في أيسلندا أقوى منشأة في العالم لسحب ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء وامتصاصه وعزله بشكل دائم، وفيما تُعتبر هذه التقنية أساسية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري إلا أنها تثير عددا من الساؤلات أيضا.
ماذا لو بدأت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الانخفاض، بعد عقود من الزيادة المطردة؟
هذا ما تأمله شركة كليموركس السويسرية ، الرائدة عالميًا في مجال تقنية إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي (التقاط مباشر من الهواء أو Direct Air Capture أو “داك” DAC اختصارًا) ، والتي تهيئ، بعد تشغيلها أول مصنع صناعي لالتقاط واستغلال ثاني أكسيد الكربون في عام 2017رابط خارجي، للبدء في مرحلة جديدة على طريق الحياد المناخي.
في الثامن من شهر سبتمبر 2021، افتتحت الشركة مشروع أوكرا OCRA، كأكبر مصنع في العالم قادر على تصفية ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه بشكل دائم تحت الأرض، وهو يقع بالقرب من محطة هيليشيدي “Hellisheidi” لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية في أيسلندا، ويستطيع تصفية ما يصل إلى 4000 طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، أي ما يعادل ما ينبعث من حوالي 600 شخص في أوروبا.
>> في الفيديو التالي منظر جوي لمشروع أوكرا:
كيف تسير الأمور؟
بواسطة مرشح خاص صمّمته شركة كليموركس، ومن خلال عملية طورتها شركة كاربفيكس “Carbfix” الأيسلندية، يتم فصل غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء وخلطه بالماء ثم ضخه في طبقات الصخور البازلتية على عمق يتراوح بين 800 و 2000 متر، حيث يُمكن أن يبقى مُخزّنا لملايين السنين.
ويقول كريستوف بوتلر، رئيس سياسة المناخ في شركة كليموركس لـ swissinfo.ch: “إن الجمع بين الضغط والرطوبة والمعادن يحول ثاني أكسيد الكربون إلى صخور، وما نقوم به هو مجرد تسريع العملية الطبيعية للتمعدن”، ووفقًا للمدير الإداري لشركة كاربفيكس إدّا أرادوتير، يتم تحويل 95 ٪ من ثاني أكسيد الكربون في غضون عامين إلى صخر.
ويضيف بوتلر أن احتمال حدوث تسرّب مفاجئ وغير متحكم فيه للغاز الجوفي هو صفر: “وما أن يدخل ثاني أكسيد الكربون في الصخور، فلا شيء يجعله ينطلق مرة أخرى في الهواء، ولو كان ذلك زلزالا أو انفجارا بركانيا”.
>> شاهد كيفية إزالة ثاني أكسيد الكربون وعزله من خلال الرسم المتحرك التالي:
المواقع الملائمة على كوكب الأرض.. قليلة!
لم يكن اختيار أيسلندا عرضيًا، فهي بالإضافة إلى الظروف الجيولوجية المواتية، تأتي في طليعة الدول المستغلة للطاقة الحرارية الأرضية، ويُعدّ استخدام المصادر المتجددة شرطًا أساسيًا لا محيد عنه لمصانع مثل “أوكرا”، لأنها بطبيعة الحال لن تكون منطقية إلا إذا كانت انبعاثات غازات الدفيئة أقل من تلك التي تُزال من الغلاف الجوي.
ويلاحظ بتلر أن “ارتفاع درجة حرارة المناخ مشكلة عالمية، وبالتالي لا يهم مكان إزالة ثاني أكسيد الكربون، ولكن من الحكمة، لتجنب تكاليف النقل، أن تتم تصفية ثاني أكسيد الكربون حيث يتم تخزينه بشكل دائم، ومثل هذه الأماكن قلّما توجد على الأرض”.
المزيد
مكنسة ضخمة من أجل التخلص من ثاني أكسيد الكربون
حاليا، توجد خمسة عشر محطة “داك” “DAC” لالتقاط مباشر لثاني أكسيد الكربون من الهواء نشطة في جميع أنحاء العالم، ويمكنها مجتمعة التقاط أكثر من 9000 طن سنويًا، وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية لعام 2020، ومن المتوقع أن تقوم شركة كربون انجنيرنغ “Carbon Engineering” الكندية، في عام 2022 ، ببناء أكبر مصنع في العالم في الولايات المتحدة وسيكون قادرًا على معالجة مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
“عملية تنظيف مكثفة”
ومع أن شركة كليموركس كانت ملتزمة، وقت إنشائها في عام 2009، بالتقاط 1٪ من الانبعاثات العالمية بحلول عام 2025، إلا أنه – حتى إذا لم يتم تحقيق الهدف – فمن الراجح أن تحظى تقنيات الانبعاثات السلبية بأهمية كبرى.
في هذا الصدد، تعتقد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة أنه لن يُستغنى عن تلك التقنيات إذا كان يُراد للاحترار العالمي ألا يزيد عن 1,5 درجة مئوية، وتشير هولي جان باك من جامعة بافالو، ومؤلفة كتاب عن هندسة المناخ، إلى أن الانبعاثات تنخفض ببطء شديد، وأنه من الضروري إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وصرحت لصحيفة الغارديانرابط خارجي: “سيتعيّن علينا في هذا القرن القيام بعملية تنظيف واسعة النطاق”.
ويرى كريستوف بتلر من شركة كليموركس أن بإمكان أيسلندا بمفردها أن تخزّن تحت الأرض كامل كمية ثاني أكسيد الكربون الكفيلة بتحقيق الهدف المناخي الدولي، وأضاف: “إن أيسلندا قادرة على تخزين 1200 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون [التحرير: حوالي 30 ضعف كمية الانبعاثات العالمية المُنتجة كل عام] من خلال التمعدن، أي أكثر بكثير من الرقم الذي أوصت به الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”، على حدّ قوله.
كجزء من “إستراتيجية المناخ طويلة الأجل”، تخطط سويسرا لتعويض الانبعاثات التي يصعب منعها – مثل تلك الناتجة عن الزراعة أو بعض العمليات الصناعية – باللجوء إلى استخدام تقنيات إزالة وتخزين ثاني أكسيد الكربون.
في هذا الصدد، وقعت برن وأيسلندا إعلان نوايا في شهر يوليو 2021، تعهدتا فيه بدعم هذا النهج، وتأمل سويسرا في أن تتمكن من تصدير ما تُنتجه من ثاني أكسيد الكربون إلى أيسلندا، باعتبار أنها لم يتحدد لديها – حتى الآن – أي مواقع مناسبة للتخزين العميق فوق أراضيها.
طاقة شمسية وهوائية أمريكية لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون
الحل الذي اقترحته كليموركس، واستثمرت فيه أيضًا شركة ميكروسوفت الأمريكية العملاقة، لا يسلم من الجدل، ويثير بعض التساؤل.
وفقًا لدراسةرابط خارجي نُشرت في عام 2020، فإنه لو يتم استخدام الكهرباء المتجددة لا غير لتشغيل محطات داك “DAC”، فلن يكون بإمكان كامل إنتاج أمريكا من طاقة شمسية وطاقة رياح، في عام 2018 ، إزالة سوى 100 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أو ما يعادل 1 على 400 من الانبعاثات السنوية العالمية، وستتطلّب تلك المرافق ككل مساحة أكبر من مساحة سريلانكا.
في الوقت الحالي، (الحلّ) الأرخص تكلفة والأكثر إلحاحًا هو وقف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
مارتِين ريبيتيه، أستاذة علم المناخ في جامعة نوشاتيل
واعترافًا منها بالحاجة إلى استخدام تقنيات الانبعاثات السلبية، أشارت مارتِين ريبيتيه، أستاذة علم المناخ في جامعة نوشاتيل لبوابة “watson.chرابط خارجي” الاخبارية السويسرية، إلى أنه لا تزال هناك أمور مجهولة تتعلق بالسلامة وتوازُن الكربون والتكاليف، وقالت: “في الوقت الحالي ، الأرخص تكلفة والأكثر إلحاحًا هو وقف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون”.
الموقف نفسه صدر عن سونيا سِنِفيراتني، أخصائية علم المناخ في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخرابط خارجي، حيث قالت: “من يأمل في حلّ تقني، ويعتقد أنّ بوسعنا الاستمرار في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ببطء، مخطئ”.
عدم القيام بأي شيء.. مُكلف أكثر!
ولا يساور كريستوف بتلر أي شك في أهمية اتخاذ التدابير للحد من الانبعاثات قائلا: “ذاك أمر لابد منه لمواجهة تغيّر المناخ”، وينبّه إلى أن التقليل لن يكون مُمكنًا في مرحلة ما، أو أنه سيصبح باهظ التكلفة، كما في مجال الطيران المدني، وسيكون متعيّنًا إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي.
في الوقت الراهن، تبلغ تكلفة تصفية وتخزين طن من ثاني أكسيد الكربون حوالي 600 دولار أمريكي، وقد ينخفض مستقبلًا إلى 200 دولار، حسبما يتوقع بتلر، ويوضح: “لا شك أن زراعة الأشجار هي الأرخص حلًا، ولكنها تتطلب مساحة ثلاثة كواكب مثل كوكب الأرض لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغابات وحدها”.
كما يؤكد كريستوف بتلر بأن تكلفة عدم القيام بفعل أي شيء، مع اعتبار الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية، ستكون أعلى، قائلًا: “وبغض النظر عن التكلفة، تُشكل تقنيات الانبعاثات السلبية فرصة، فهي ستصبح واحدة من أكبر الصناعات، وستوفّر العديد من فرص العمل، وسيكون لسويسرا كامل المصلحة للبقاء في طليعة هذا القطاع الذي باتت اليوم إحدى دوله الرائدة”.
المزيد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.