إسهام علمي سويسري في مطياف من نوع خاص لالتقاط “المادة المضادة”
بهَدَف مساعدة العلماء على كَشف المزيد من أسرار الكَـون وفَهْـم ما يُسمّـى بـ "المادة المُعتمة" و"المادة المضادة"، ومن أجل التعرف على احتمالات إحاطة هذه "المواد" بالكُـرة الأرضية، سَيتِـم تركيب مِطيافٍ كبير على مَـتْـن محطة الفضاء الدولية.
وسيتولى مكوك الفضاء “انديفور” هذه المهمة الذي انطلق بعد ظهر يوم الإثنين 16 مايو 2011 بنجاح في آخر رحلة له ضِـمن برنامج الرحلات المكوكية لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”. وكانت ادارة الطيران وعلوم الفضاء الامريكية (ناسا) قد ألغت المحاولة الاولى لإطلاق انديفر يوم 29 ابريل الماضي قبل حوالي اربع ساعات من موعد الإقلاع حين اكتشف المهندسون مشكلة في نظام التسخين في واحدة من وحدات الكهرباء بالمكوك.
وقد شارك في بناء “مقياس ألفا الطيفي المغناطيسي لِرَصد الجُسيمات” (AMS-02) والذي بلغت كُـلفته ملياريْ دولار، مجموعة من العلماء العاملين في كلٍّ من جامعة جنيف والمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ. وصُمِّم هذا المطياف، للبحث عن أنواع مختلفة من المادة غير الإعتيادية بواسطة قياس الأشعة الكونية.
ومن المُتوقع أن تساعد هذه التجارب، العلماء المُختصين في دراستهم حول تشكيل الكون وفي البحث عن أدلّـة تتعلَّق بالمادة المُضادة والمادة المُعتمة.
“تلسكوب هابل للأشعة الكونية”
وفي عام 1998 وبعد تسعة أيام فقط قضاها في الفضاء، عاد المطياف الأول لِرَصد الجزيئات في أشعة ألفا (AMS-01) والذي كان على مَـتن المكوك أنديفر عند قيامه بتموين المحطة الفضائية الروسية “مير”، مع مجموعة من الجسيمات – الأشعة الكونية – التي تقصف الفضاء الكائن بين النجوم باستمرار.
وكان الهدف من إطلاق المطياف في ذاك الوقت، هو إظهار إمكانيته على الصمود بوَجه الظروف القاسية المتمثلة بعملية الإطلاق والسفر إلى الفضاء. أمّا مقياس ألفا الطيفي المغناطيسي لرصد الجسيمات (AMS-02)، فمن المُـفترض أن يستمر في عمله مدة 10 سنوات على الأقل.
ويشبه قلب المطياف في شكله حلوى الـ “دونات” العِـملاقة، حيث يتكوّن من مغناطيس كبير، ذي شكلِ أسطواني يحتوي على ثقب في الوسط. ويقوم هذا المغناطيس بِفَصل الأشعة الكونية، اعتماداً على شحنتها الكهربائية. وستعمل سلسلة من الكاشفات المربوطة إلى أكثر من 600 جهاز كمبيوتر على تنفيذ التحاليل المطلوبة. وفي الولايات المتحدة، أطلِقت على المطياف الجديد تسمية ” تلسكوب هابل للأشعة الكونية”.
وللكشف عن هذه الأشعة، التي تنبعث من الشمس من النجوم القريبة و”السوبرنوفا” أو الانفجار الكبير، يتوجب على المرء أن يجتاز “المُرَشّـح” المُتَمثل بالغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.
وفي مدار يتراوح ارتفاعه بين 278 و460 كيلومترا عن سطح الأرض، تشكل محطة الفضاء الدولية التي تدور حول كوكبنا أكثر من 15 مرة خلال اليوم، نقطة الرَبط المثالية. وتشتغل المحطة التي تزن 455 طناً كمختبرِ بحوث يُجري فيه أفراد الطاقم تجارب في البيولوجيا والكيمياء والطب وعلم الوظائف، فضلاً عن ملاحظاتهم الفلكية وتلك المتعلقة بالأرصاد الجوية، وهُـم يقومون بهذه البحوث في بيئة تقترب فيها الجاذبية من الصفر، ولكنها غير معدومة تماماً. وتبلغ سرعة المحطة 28 ألف كلم في الساعة، وهي تكمل دورة واحدة حول الأرض كل 90 دقيقة .
البروتونات المضادة
وفي مقابلة مع swissinfo.ch، قال مارتين بوهل، وهو أحد قادة هذا المشروع ورئيس قسم الفيزياء في جامعة جنيف، التي لعبت دوراً مركزياً في تصور فكرة المطياف وبنائه: “ستكون لدينا القُـدرة على وضع خرائط كاملة للبيئة المُشِعة للكرة الأرضية: تركيبها الكيميائي واختلافاتها المكانية والزمنية”. وأضاف: “خلال ما عرفناه عن الأشعة الكونية في الـ 100 عام الأخيرة، ستكون هذه المرة الأولى التي نحصل فيها على مثل هذه البيانات حول هذه الظاهرة”.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون للمطياف القدرة على التقاط “البروتونات المضادة” و”البوزيترونات” (وهي أجسام أولية لا تدخل في تكوين المادة العادية في نواة الذرة والنيوترون وتُعتبر الجسيم المُضاد للإلكترون أو نقيض الإلكترون) – وهما من العناصر الأساسية للمادة المضادة. (أنظر الإطار).
وقد عثر أول مطياف لِرصد الجزيئات في أشعة الفا (AMS-01) على هذين العنصرَين بالفعل، ولكن الكميات كانت من القِلّة، بحيث كان بالإمكان توليدها بسهولة على مدى تاريخ الكون – 13 مليار سنة – من خلال الاصطدام بين الجسيمات. وفي هذه الحالة، لن تكون لهذين العنصرين، عملياً، أي فرصة للإتحاد معاً لتشكيل الذرات.
جيوب من المادة المضادة؟
وبالنسبة لعلماء الفيزياء، فإنَّ ما يهمهم في هذه التجربة، هي المادة المضادة الأصلية التي ترجع إلى بداية الزمن. وفي العادة، ينبغي إيجاد هذه المادة على شكل ذرات، وعلى الأقل تلك المُكوّنة من أبسط عنصرين كيميائيين، ألا وهما الهيدروجين والهيليوم.
وهنا، يوضح بوهل قائلاً: “لم يعثَر المطياف الأول (AMS-01 ) على الهيليوم المضاد في مليون ذرة. وإذا لم يجد المطياف الحالي هذا العنصر في مليار ذرة، فسوف لن نبحث أكثر من ذلك”. غير أنَّه يستطرد قائِلاً: “ولكن، إذا وجدنا بعض الهيليوم المضاد، فسيعني أن هناك جيوب صغيرة من المادة المضادة التي نجت من الإنفجار الكبير”.
وإذا بَيَّنت الكاشفات وجود أي ذرات أثقل، كالكربون المُضاد مثلاً – آخذين بِعين الاعتبار بأن هذه العناصر لا يمكن أن تتكون إلا في مركز النجوم – فسوف يعني ذلك وجود بعض أجزاء مضادات النجوم”. وحسب وصف بوهل، فإنَّ هذه الفرضية “أكثر رَوعة، حتى وإن كانت أقل ترجيحاً”.
مشاركة “سيرن”
وبالنسبة للمادة المعتمة وعلى فَرض أن هذا المكون الأساسي هو جُسيم مادي بالفعل، فينبغي أن يعثر عليه المطياف الجديد. وقد يترافق هذا الأمر مع إكتشاف بعض الجسيمات الغريبة الأخرى، كأن تكون أشكالاً أخرى غير معروفة من المادة مثلاً.
وفي الواقع، فإنَّ هذا المطياف الفضائي الجديد يُكمل تماماً مصادم الهدرونات الكبير (LHC) في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن”، (الذي يبلغ قطر دائرته 27 كيلومتراً).
يُعتبر “سيرن” أضخم مُـختبر في العالم في فيزياء الجسيمات والأبحاث النووية، وهو يقع على الحدود بين سويسرا وفرنسا بالقرب من مدينة جنيف وعلى عمق 100 متر تحت الأرض.
وفي هذا المختبر، يتم تكوين الجسيمات ومراقبتها في بيئتها الطبيعية – مع بروز ميزة أنَّ الجسيمات في الفضاء تصل إلى طاقات تفوق حتى أكبر معجلٍ للجسيمات في العالم.
ولمُـختبر سيرن علاقة وثيقة بهذا المشروع، حيث قام بإجراء اختبارات على مِـقياس ألفا الطيفي المغناطيسي لرصد الجسيمات، كما أنَّه سوف يتعامل مع البيانات المُرسلة من الفضاء.
الرحلة النهائية
ويمثل المطياف الجديد إحدى “الشحنات” القيمة جداً، التي سيقوم مكوك الفضاء أنديفور بِنقلها إلى محطة الفضاء الدولية في رحلته الـ 25 والأخيرة، والتي تحمل رقم 134 في تاريخ برنامج مكوكات وكالة الطيران والفضاء الأمريكية “ناسا”. وبهذا، سوف تُنهي الوكالة برنامج مكوكاتها الفضائية الذي بلغ عامه الثلاثين والذي صُمِّـم في سبعينيات القرن الماضي، بسبب تكاليف التشغيل العالية ولتوفير الأموال للبدء في العمل على سُـفن فضاء جديدة، يمكنها السفر إلى القمر والكويكبات ووجهات أخرى، أبعد من مدار محطة الفضاء.
وكان أنديفر قد حلَّ مَحَلّ مكوك الفضاء تشالِـنجْـر، الذي انفجر أثناء الإقلاع في مهمته العاشرة في عام 1986، مما أدى إلى مقتل رواد الفضاء السبعة الذين كانوا على متنه.
وقد حصل مركز علوم كاليفورنيا في لوس أنجلوس على وعدٍ بِنقل المكوك الفضائي إليه لغرض العرض. وسيكون أنديفر، ثاني مكوك فضائي يُحال إلى التقاعد من أصل المكوكات الثلاثة الناجية لأسطول مكوكات فضاء وكالة “ناسا” الأمريكية. وكان مكوك “ديسكفري” قد نُقِل إلى متحف “سميثسونيان” الوطني للطيران والفضاء بعد إنهاء خدمته التي استمرت 27 عاماً والتي انتهت في شهر مارس المنصرم، بعد قيامه بآخر رحلة له إلى المحطة الفضائية الدولية.
ومن المنتظر أن تكون آخر رحلة يقوم بها المكوك الثالث “أتلانتيس” يوم 28 يونيو القادم، لنقل الحمولة الأخيرة من الإمدادات إلى محطة الفضاء الدولية، ليُحال بعدها إلى التقاعد أيضاً. وقد شهِد برنامج وكالة “ناسا” لمكوكات الفضاء، 133 بعثة إلى الفضاء ووفاة 14 رائد فضاء. بعد ذلك وإلى حين ظهور سُفن الفضاء المستقبلية للولايات المتحدة، ستنفرد مركبات “سويوز” الفضائية الروسية بعملية نَقل المعدّات إلى المقيمين على مَـتن المحطة الفضائية الدولية.
كذلك، سوف تستمر عملية الشحن إلى المحطة عبر مركبات النقل الآلي غير المأهولة، التي صممتها وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وتقوم هذه المركبات بمهمة نقل شحنات من المؤن والآليات المخصصة بالمحطة وتجهيزها بالمُـعدّات والأجهزة الفضائية، لإدامة عملها . كما أنها تزوِّد المحطة بالماء والهواء والغذاء والوقود والمُـعدّات العلمية، وحتى الأشياء الشخصية، مع قدرتها على دَفع المحطة العالمية إلى مدارٍ أعلى. وقد أدّت ثاني مركبة للنقل الآلي، والتي تحمل إسم “يوهان كيبلير”، مهمتها بنجاح في شهر فبراير 2011.
هو أحدث جهاز للكشف عن الجسيمات، وقد صُمّم للعمل في وحدة خارجية فوق محطة الفضاء الدولية، على ارتفاع حوالي 300 كلم من سطح الأرض.
سيقوم بدراسة الكون ونشأته من خلال البحث عن المادة المضادة والمادة المظلمة ومن خلال القياس الدقيق لتكوين الأشعة الكونية وتدفقها.
يبلغ قطره 3 أمتار وارتفاعه 4 أمتار وحجمه 64 مترا مكعبا ويزن 7 طن، بينما بلغت تكلفته نحو مليار ونصف مليار دولار أمريكي.
قام بتطويره أكثر من 400 عالم فيزياء يتبعون لـ 56 مؤسسة من 15 دولة في 3 قارات.
بدأ المشروع قبل 15 عاما، بمبادرة من صموئيل تين الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء.
المادة المضادة: هي المادة ذات الشحنة الكهربائية المعاكسة، إذ من المعروف أن الذرة تتكون من البروتونات (+) والإلكترونات (-)، في حين أن تتكون الذرة المضادة من البروتونات المضادة (-) والإلكترونات الموجبة أو البوزيترونات (+). وحينما يحصل التقاء المادة مع المادة المضادة، فكل منهما تلغي الأخرى، ولكن تَنتج في المقابل طاقة.
الانفجار الكوني العظيم أو البيغ بانغ: حادث مهول أدى إلى إنتاج المادة من الطاقة بشكل مهول، أي أن الناتج هو عبارة عن المادة والمادة المضادة، ولكن بسبب المقابلة بين الجسيمات أفنت بعضها بعضا فلم يعد لها وجود. ففي حين اختفت تماما المادة المضادة قبل أن تتشكل لتكون ذرات، بقي للمادة وجود، ولا يُعرف بعد لماذا ظهرت الواحدة دون الأخرى!
وعند مراقبة المجرات، نجد بأن سرعة دورانها أكبر مما يجب أن تكون عليه بالنظر إلى المادة المرئية وإلى قوانين الجاذبية، وهذا يعني بأن ثمة جزء من كتلتها غير مرئي، لكونه لا يعكس ضوءً، أي أنه يتكون من جسيمات لا تزال مجهولة، ويُعتقد بأن نسبة كل ما هو مرئي لا يزيد على 4٪ من كامل كتلة الكون، والباقي هو مادة أو طاقة مظلمة.
الطاقة المظلمة: وفي حين تعمل الطاقة المظلمة على التبطيء أو تنقيص السرعة، فإن توسُّع الكون يتسارع، وهذا دلالة على وجود قوة جاذبية معاكسة، لم يقل العلم فيها رأيه بعد، وليست هذه من مهام مطياف ألفا المغناطيسي (2).
المادة المظلمة: وجد علماء الفلك والفيزياء بأن ما نراه في الكون من كواكب ونجوم ومجرات ليس سوى 4٪ منها.
تشير الأبحاث الفضائية والفلكية إلى أن 96٪ من الكون هو عبارة عن جسيمات غير مرئية لأنها لا تبعث ولا تعكس أي إشعاع مغناطيسي لذلك لا يمكن رصدها بشكل مباشر أو من خلال التلسكوبات أو نحوها، ولكن يمكن الاستدلال على وجودها من خلال آثارها الجاذبية، وتعرف هذه المواد المجهولة الغامضة باسم “المادة المظلمة” أو “الطاقة السوداء”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.