ارتفاع درجات الحرارة: حلول مستدامة لتبريد المنازل
أفادت دراسة بأن سويسرا هي واحدة من أكثر بلدان العالم التي ستزداد فيها نسبيا الحاجة إلى تبريد المباني. ويُلاحظ ازدياد أعداد السكان الذين يلجؤون إلى استخدام المراوح الكهربائية ومكيفات الهواء، ولكن الخبراء يُلفتون النظر إلى وجود حلولٌ أكثر استدامة.
لم تعرف سويسرا حتى الآن موجة الحر الشديدة التي تشهدها جنوب أوروبا والولايات المتحدة وشمال غرب الصين، وأخيرا العراق والمملكة المغربية، حيث تجاوزت درجات الحرارة محلياً 50 درجة مئوية. غير أن الوضع قد يسوء في سويسرا أيضا، خاصة داخل المنازل والشقق.
وستُسجّل سويسرا والمملكة المتحدة أكبر زيادة نسبية (أكثر من 30%) في عدد الأيام التي تكون فيها درجات الحرارة مرتفعة للغاية، وفقاً لدراسةرابط خارجي أجرتها جامعة أكسفورد نُشرت في 13 يوليو 2023. والسيناريو المُتوقّع على المستوى الدولي هو الاحتباس الحراري بمقدار درجتيْن مئويتيْن. وبحسب هذه الدراسة، سيتم تسجيل أعلى الدرجات إطلاقًا في إفريقيا الوسطى، ولكن أكبر زيادة ستكون بشكل خاص في سويسرا ودول شمال أوروبا.
الدراسة أخذت بعين الاعتبار ما يسمى بـ “أيام التبريدرابط خارجي“، وهي الأيام التي تكون فيها درجات الحرارة أعلى من المعدّل المعتاد في المنطقة، ويكون حينها من الضروري اللجوء إلى المكيّفات إذا كانت لدينا رغبة في الحفاظ على درجة حرارة محددة – عادة تكون حوالي 18 درجة مئوية – في الداخل.
مبانٍ مصمّمة للطقس البارد
تشير الدراسة التي أنجزتها جامعة أوكسفورد إلى أن المباني في سويسرا ودول شمال أوروبا غير ملائمة لتأمين درجات حرارة مناسبة خلال الفترات شديدة الحرارة، وغالبا ما تكون بمثابة “بيوت بلاستيكية”. فقد صُمّمت بالفعل للاحتفاظ بالحرارة خلال فصل الشتاء.
وأدّى تزايد موجات الحر الشديدة وطول مدّتها في سويسرا إلى تكاثر عدد المنازل المُجهّزة بمكيّفات هوائية. ورغم عدم وجود إحصائيات بهذا الصدد على المستوى الوطني، إلا أنَّ الشركات التي تُركّب هذه الأنظمة وقطاع البيع بالتجزئة تؤكّد نموَّ هذه السوق منذ بديات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
المزيد
التكييف الهوائي … بين تبريد المنازل واحترار الكوكب
وتحذّر الدراسة المشار إليها من أن استخدام أنظمة التبريد التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة للتأقلم مع الأيام الأعلى حرارة لا يمكن أن يكون الحل الأمثل. وصرحترابط خارجي راديكا خوسلا، المؤلفة المشاركة في البحث، بأنَّ أجهزة تكييف الهواء يمكن أن تؤدي إلى زيادة إضافية في الانبعاثات و”تدخلنا في حلقة مفرغة” حيث نستخدم الوقود الأحفوري للشعور بالبرودة على كوكب تزداد فيه الحرارة.
وتستهلك مكيّفات الهواء والمراوح الكهربائيةوفقا لتقريررابط خارجي وكالة الطاقة الدولية الذي أجرته عام 2018 ما قدره 10% من إجمالي الكهرباء المستهلكة في العالم. ويمكن أن يزداد الطلب على الطاقة من أجل التبريد بحلول عام 2050، بثلاثة أضعاف لتعادل نسبته كل كمية الكهرباء التي أنتجت في عام 2016 من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. كما تحتوي أجهزة التكييف أيضا على الغازات الدفيئة، مثل مركبات الهيدروفلوروكربون.
حلول مستدامة
يعتبر يورس ـ بيتر مانتي، المحاضر والمدير المشارك في معهد تكنولوجيا البناء والطاقة في جامعة لوتسيرن، أنه من الواجب اتخاذ التدابير اللازمة في تشييد المنازل وغيرها من المنشآت لتجنب ارتفاع درجة حرارة المباني قدر الإمكان قبل تجهيزها بأنظمة التبريد، حيث يقول: “يمكن لهيكل المبنى الصلب، المشيّد من الخرسانة أو القرميد على سبيل المثال، تخزين الحرارة وتوفير مناخ أكثر اعتدالا في الداخل”.
ويتابع المختص أنه يجب تجنب استخدام واجهات الزجاج الكبيرة، خاصةً إذا كانت باتجاه الجنوب، وأن تكون محمية بعناصر واقية من الشمس مثل الستائر. كما أنه يجب أيضا استخدام الزجاج الذي يقلل من كمية الطاقة الشمسية التي تدخل المنزل. لكن مشكلة هذا النوع من الزجاج أنه يقلّل من الإشعاع الحراري في الشتاء أيضاً، مما يزيد الحاجة إلى الطاقة اللازمة لتدفئة المباني.
الحرارة الشديدة ليست مرهقة فحسب، بل تمثل خطراً أيضاً. فقد تسببت درجات الحرارة المرتفعة في صيف عام 2022 في وفاة 623 شخصا في سويسرا، حيث يُعزى 60% منها إلى تغير المناخ، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة برن، وهي واحدة من أوائل الدراسات في العالم لتقدير مساهمة الاحتباس الحراري العالمي في الوفيات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.
وفي السياق نفسه، تقول آنا فيسيدو كابريرا، وهي عالمة الأوبئة والمؤلفة الرئيسية للدراسة: “الحرارة مثل القاتل الصامت”.
وتشكّل درجات الحرارة المرتفعة والتي تستمر لفترات طويلة خطرَ الإصابة بالجفاف والإرهاق، خاصة بالنسبة للفئات السكانية الأكثر هشاشة مثل كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من الأمراض. وبحسب الدراسة، تتركز الوفيات بشكل أكبر في المناطق الحضرية وتؤثر بشكل رئيسي على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، وخاصة النساء.
ويمكن الحفاظ على درجات حرارة مريحة داخل المباني من خلال الاستخدام السليم للوقاية من أشعة الشمس بالإضافة إلى التهوية الطبيعية، وفقاً لتقريررابط خارجي صدر عن المكتب الفدرالي للطاقة بشأن تأثير تغير المناخ على احتياجات الطاقة ووسائل الراحة في المباني. واعتبرت هذه الوثيقة أن أتمتة المباني وحسن تصميم النوافذ “سيلعبان دوراً محورياً” في ادخار الطاقة.
استغلال طاقة باطن الأرض والبحيرات
يُشير يورس ـ بيتر مانتي إلى أنَّ استخدام باطن الأرض يُشكّل نظام تبريد راسخ ومستدام من نواح كثيرة. فيمكن للمجسّات الحرارية الأرضية والمضخّات الحرارية، التي تستغل حرارة باطن الأرض في الشتاء، أن تجلب البرودة من الأرض إلى داخل المباني في الصيف أيضاً. ويقول تعليقاً على ذلك: “لا يسمح هذا النظام بتبريد الهواء بالكامل، لكنه يقلل درجة الحرارة الداخلية بضع درجات، مما يترك أثراً ملحوظا على راحة الأشخاص الذين يسكنون هذه المباني”.
واستخدام مياه البحيرات أو الأنهار، هو من الحلول الممكنة أيضا. وبفضل شبكة من الأنابيب الممددة تحت الأرض، يمكن للمياه تبريد المباني خلال الأشهر التي ترتفع فيها درجات الحرارة، وعلى العكس، تدفئتها خلال فصل الشتاء. وتوجد في سويسرا عدة مشاريع من هذا القبيل؛ ويُعدّ مشروع جنيف، حيث تبرد مياه بحيرة ليمان عشرات المباني، من ضمنها مبان تابعة لمقر الأمم المتحدة، من أكثرها تقدما.
ولا تزال النصائح القديمة صالحة بالنسبة لجميع الأشخاص الذين ليس لديهم أنظمة تبريد أو الذين ليس لديهم إمكانية لتغيير هيكل وتصميم منازلهم، وكلمات السر في ذلك: إغلاق النوافذ وإسدال الستائر أثناء النهار، والقيام بعكس ذلك أثناء الليل.
المزيد
حقيقة التغيّرات المناخية في سويسرا
ترجمة: ميساء قطيفاني ـ خبية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.