استكشاف المجهول لضمان الإحتفاظ بأفضل القدرات التنافسية
تعتبر سويسرا من بين الدول الرائدة في مجال البحث العلمي والابتكار التكنولوجي، لكن عليها أن لا تركن إلى ما حققته، فالمنافسة قوية، خصوصا من البلدان الصاعدة في آسيا وغيرها.
وإذا ما نظرنا إلى الأدوية المصفوفة في الصيدلية المنزلية، وإلى الأقمار الصناعية التي تُطلق إلى الفضاء، وإلى الرقائق الالكترونية، وإلى تكنولوجيا الطاقة الشمسية، نجد بأن سويسرا لديها خبرة تكنولوجية وقدرة على البحث والتطوير مشهود لها في جميع أنحاء العالم، كما أنها تقف في مصاف الدول التي تتمتع بقدرات تنافسية كبرى.
لكن، لا ينبغي إغفال المنافسة القادمة من دول ناشئة وأخرى صاعدة تسعى جاهدة من أجل إثبات ذاتها وإسماع صوتها، وهو ما يشكل تحديا جديدا بالنسبة لسويسرا وللدول الصناعية الأخرى، باعتراف “منتدى أوروبا لوتسرن” الذي عُقد يومي 8 و9 نوفمبر 2010 في مدينة لوتسرن وحضره خبراء من القطاع الاقتصادي والعلمي والسياسي.
التعاون الأوروبي
ومن جانبه قال ماورو ديلمبروجو، كاتب الدولة للتعليم والبحث العلمي، بأن “النجاح الذي حققته سويسرا يرجع في الأساس إلى النوعية والاستقلالية التي (تتوفر) للمعاهد والجامعات في البلاد، وإلى نظام التعليم المهني المزدوج (المدرسة والعمل)، بالإضافة إلى التعاون بين القطاعين العام والخاص، ناهيك عن القدرة على جذب العقول من الخارج”.
كما أشاد ديلمبروجو بالدعم المالي السخي المقدم من الحكومة والكانتونات، باعتبار أن الحكومة رصدت للفترة من 2008 إلى 2011 مبلغا قدره 20 مليار فرنك سويسري من أجل تعزيز التعليم والبحث والإبتكار.
وتشير الأرقام الصادرة عن مركز البحوث الاقتصادية في زيورخ بأن 70٪ من الموارد المستثمرة في “البحث والتطوير” تأتي من القطاع الخاص، وهذه النسبة تفوق تلك الموجودة في ألمانيا (68٪) أو فرنسا (52٪) أو ايطاليا (40٪) أو الولايات المتحدة (66٪).
ومما يعزز من مكانة سويسرا أيضا، مشاركتها في مشاريع البحوث الأوروبية، كما صرح بذلك ماورو ديلمبروجو لـ swissinfo.ch، معتبرا بأن هذه المشاركة: “من شأنها أن تتيح للباحثين تحسين كفاءتهم من خلال تبادل الخبرات مع المختصين من جميع أنحاء العالم”.
المارد الصيني
وبحسب سيلفيا شواغ سيرجر، مديرة شبكات الاتصالات والتعاون الدولي في وكالة الدولة السويدية للإبتكار “Vinnova”، فإنه من المنطقي في واقع العولمة، أن يجد قطاع البحوث نفسه دوما أمام تحديات بروز لاعبين جدد على الساحة. ونوّهت قائلة: “في حين تعيش أوروبا وأمريكا حالة ركود، تشهد الصين قفزة نوعية في مجال الاستثمار في البحوث والتنمية”.
وأشارت إلى أنه في عام 2010، استثمرت الصين ما مجموعه 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في برامج البحث والتطوير، وهي نسبة أعلى من المتوسط الذي لدى الاتحاد الأوروبي. وخلال العقد الأخير، ازداد عدد طلاب الجامعات في الصين من 3 إلى 19 مليونا، بالإضافة إلى 1,5 مليونا يزاولون الدراسة أو إجراء الأبحاث في الخارج، فضلا عن أن “أربع مائة ألف عادوا إلى ديارهم، فإذا ما هُيّأت لهم الفرصة فإنهم سيشكلون طاقة هائلة للبلاد”، وفقا لما ذكرته سيلفيا شواغ سيرجر.
وبرأي المستشارة السابقة للشؤون العلمية في سفارة السويد في بكين، فإن الصين تشجع حاليا المشاريع “الخطأ” من خلال الإستثمار في مجالات بعيدة عن الابتكار، ولذلك “قَلّما تنجح الشركات الصينية في الخارج”.
استكشاف المجهول
وعلى ذات الصعيد، يرى رولو ي. سيجوارت، نائب رئيس شؤون البحث والعلاقات الاقتصادية في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، أنه ينبغي لسويسرا أن تتكيف مع التطورات الجديدة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، إن هي أرادت الاحتفاظ بمكانتها في المنتدى.
واعتبر سيجوارت أنه بإمكان سويسرا أن تحسم المستقبل لصالحها من خلال الإعتماد بشكل أساسي على الباحثين الموهوبين، وقال: “لدينا أفضل الطلاب والباحثين، وتقع على عاتقنا مسؤولية تقديم الدعم لهم عبر توفير الحوافز”.
وفي السياق نفسه، أوضح توني كايزر، رئيس الهيئة الفدرالية لأبحاث الطاقة، بأن قطاع الصناعة يحتاج إلى المزيد من أصحاب الاختصاص وخاصة المهندسين، وأردف قائلا: “تتوقع الصناعة من الجامعات التقنية التزاما جادا حيال المسائل ذات العلاقة بالمستقبل، مثل المناخ ، والصحة والطاقة والبنية التحتية”.
وبدوره، أكد رولو ي. سيجوارت على أن “الواجب علينا أن تتوفر لدينا الشجاعة الكافية في تحمل المخاطر وفي السعي لاستكشاف المجهول”.
وبعيدا عن كل الإعتبارات، أكد الخبراء المجتمعون في المنتدى الأوروبي في مدينة لوتسرن السويسرية أنه يتوجب علينا – إن أردنا المحافظة على قدرتنا التنافسية العالمية – أن ننقل أفكارنا اللامعة وعلومنا النيّرة من حيّز المختبرات إلى واقع الحياة وإلى سوق المنتجات المبتكرة.
تعتبر سويسرا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، واحدة من أكثر الدول إنفاقا في برامج البحث والتطوير.
وبحسب منظمة التعاون والتنمية، رصدت سويسرا 3٪ (9,9 مليار فرنك سويسري) من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008.
فيما رصدت فنلندا والسويد أكثر من 3٪، ورصدت أمريكا والنمسا وألمانيا وفرنسا ما بين 2 و 3٪، بينما رصدت بريطانيا وإيطاليا أقل من 2٪.
يساهم القطاع الخاص في سويسرا بأكثر من ثلثي كامل ميزانية الاستثمارات في ميدان البحث والتطوير، وتأتي هذه المساهمات بشكل رئيسي من قطاعات الصناعة الكيماوية والصيدلانية والكهربائية والمعدنية.
تعتمد الحكومة الفدرالية لتشجيع برامج البحث والتطوير على الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي الذي أنشئ في عام 1952، ومن جهة ثانية، على وكالة تشجيع الابتكارات التي تعمل على تعزيز الاتصال والتبادل بين المؤسسات والجامعات.
تُجرى الدراسات والأبحاث بشكل رئيسي في المعهدين التقنيين العاليين في كل من زيورخ ولوزان بالإضافة إلى عشر جامعات على مستوى الكانتونات.
يشارك الباحثون السويسريون منذ عام 1987 في برامج البحوث الإطارية للاتحاد الأوروبي، مما يعزز التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعي والشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة.
(المصدر : كتابة الدولة السويسرية للتعليم والبحث العلمي، ومنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية)
أنشئ المنتدى الأوروبي في مدينة لوتسرن السويسرية عام 1996، وهو عبارة عن منصة دولية تنعقد مرتين في السنة ويحضرها ممثلو الاقتصاد والسياسة والعلوم والثقافة من جميع أنحاء العالم.
يهدف المنتدى إلى تشجيع الحوار والتواصل وتبادل الخبرات بين أصحاب التخصصات. ويُركّز اجتماعاته – بشكل رئيسي – على القضايا الدولية التي تلعب دورا هاما في العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي.
ركّز الاجتماع الأخير، الذي عُقد يومي 8 و9 نوفمبر 2010، على مناقشة مستقبل العلم والتكنولوجيا والإبتكار في سويسرا وأوروبا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.