مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الإختراع والابتكار عنصران حاسمان بالنسبة للاقتصاد”

Keystone

على سويسرا، إذا أرادت الاحتفاظ بنفسها مركزا دوليا للابتكار، بذل المزيد من الجهود لمواجهة المنافسة المتزايدة، هذا ما نقرأه في دراسة أصدرتها حديثا مجموعة استشارية ببوسطن الأمريكية.

وكشفت الدراسة على أن العديد من البلدان الآسيوية والشرق أوسطية بصدد اتخاذ خطوات لجذب المؤسسات الاستثمارية الدولية في مجال البحوث والتطوير، وذلك من خلال سرعة التجاوب مع الاحتياجات المتغيرة للشركات العابرة للقارات.

وتحذّر الدراسة الذي أشرف على إنجازها الفرع السويسري من المجموعة الاستشارية ببوسطن من الانعكاسات السلبية الكبيرة في حالة انتقال تلك المؤسسات الاستثمارية الكبرى للعمل في بلدان أخرى خارج سويسرا.

وتساهم الصناعات الإبتكارية بنسبة 35% من إجمالي الناتج المحلي في البلاد، في الوقت الذي تسيطر فيه المؤسسات الأجنبية على ثلاثة أرباع الاستثمارات في هذا المجال. غير أن هذه المؤسسات تتميز بمرونة تنقلها، ومراجعاتها المستمرة لأماكن عملها، بمعدل كل خمس سنوات.

وتشير الدراسة السابقة الذكر إلى أن “سويسرا، في الماضي، لم تنجح في تعبئة جميع الإمكانات التي أتاحها لها المناخ الإبتكاري. وكنتيجة لذلك، ظل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي محدودا جدا طيلة الخمس وعشرين سنة الأخيرة. ومع تعاظم المنافسة على مستوى الاقتصاد العالمي، حتى هذا النمو المحدود الذي حققه إجمالي الناتج المحلي يواجه اليوم مخاطر حقيقية”.

ونقرأ في هذه الدراسة أيضا: “أن صعود بلدان مثل سنغافورة ودولة الإمارات العربية المتحدة كمركزين دوليين جديدين للبحث العلمي من شأنه ان يؤدي إلى خفض إنتاجية الاقتصاد السويسري بنسبة 2% سنويا ما لم تسارع سويسرا بإجراء إصلاحات”.

الحاجة إلى المزيد من التخطيط

إضافة على ما سبق، هذه الشركات السويسرية التي شملتها الدراسة هي بصدد ترحيل مواردها في مجال البحوث والتطوير وبشكل متزايد إلى خارج البلاد.

ويوصي مارتان نافييل، المدير التنفيذي للغرفة التجارية السويسرية الأمريكية، إحدى الجهات المشاركة في إنجاز هذه الدراسة، بجعل الابتكار والاختراع على رأس أولويات المعنيين بالتخطيط الاقتصادي، بدل النظر إليهما كأمريْن ثانويين.

ويضيف نافييل: “سويسرا في وضع جيد، بالنظر على المؤشرات السابقة، لكنها تواجه ضعفا حادا إذا نظرنا إلى المستقبل. وعلينا الاعتراف بان الإختراع والابتكار عنصران حاسمان بالنسبة للاقتصاد وليسا أمريْن ثانوييْن”

وقال نافييل في حديث إلى سويس إنفو: “نحتاج إلى التفكير بعمق من أين نأتي بالعقول المبتكرة، وما هي محددات السير الذاتية المطلوبة، وكيف نسوّق السوق السويسرية، وكيف نتعامل مع أرباب الاستثمارات”.

وتوصي هذه الدراسة باعتماد إصلاحات في خمسة مجالات مختلفة وذلك بالتخطيط لزيادة عدد خريجي العاهد التقنية العليا، وفتح الأبواب أمام أصحاب الخبرات العالية من خارج الدول الأوروبية، وتوفير الدعم اللازمللجهات العاملة في مجال البحث العلمي، والإقلاع عن الخطابات غير المفيدة، ووضع خطة وطنية منسّقة لجذب الشركات وأصحاب المهارات.

استقطاب الأجانب

يعتقد العاملون بجمعية “المستقبل السويسري” أن الحفاظ على تدفق العاملين الأجانب من أصحاب الكفاءات العليا إلى البلاد عامل حاسم بالنسبة للاقتصاد السويسري.

وسيدعى الناخبون الشهر القادم للاقتراع، ولا يعرف إن كانوا سيصوتون من اجل إبقاء الحدود مفتوحة أمام العمال الأوروبيين أم لا.

وقال دانيال موللر- يانّش، الناطق باسم جمعية “المستقبل السويسري”: “ليس بإمكان سويسرا الاكتفاء بنمو مهاراتها المحلية. فاستقدام مهاجرين من أصحاب الكفاءات العالية، بالإضافة إلى القدرات المحلية في مجال الابتكار، من شانه أن يجذب المزيد من الشركات الاستثمارية للعمل في سويسرا، ويساعد على خلق مناخ يساعد على الابتكار والتطوير”.

وتابع هذا المسؤول يقول: “إجراءات الهجرة بالنسبة لمن هم من خارج بلدان الإتحاد الأوروبي هي أكثر بيروقراطية، لكنها لا تمنع (التسرّبات)”

وقد رفّعت الحكومة السويسرية في إنفاقها على البحث العلمي والتعليم بنسبة 6% للفترة المتراوحة بين 2008 و2011. غير أن تحالفا يضم العديد من الهيئات العلمية ناشد الحكومة ترفيع تلك النسبة إلى حدود 10%، وذلك لتدارك النقص الذي سجّل في السنوات الماضية.

ماثيو آلن – زيورخ

هناك طرقا عديدة لقياس الإبتكار والتحديث في المجال الإقتصادي، وبالامكان قياس ذلك مثلا من خلال الإنتاج والخدمات، أو من خلال الإنتاجية وطرق التوزيع، أو نماذج الإستثمار والتسويق.

وكانت سويسرا عبر التاريخ موطنا للعديد من المخترعين الكبار كألفراد إيشر (بنك كريدي سويس، الشركة السويسرية لسكك الحديد، الحياة السويسرية والمعهد التقني الفدرالي)، وهونري نيستلي (نيستله)، وشارل براون (ABB).

وتحتل سويسرا المرتبة الأولى عالميا في مجال المنافسة العلمية (المنتدى الإقتصادي العالمي، وحدة الخبراء الإقتصاديون). لكن رغم ذلك، هناك مؤششرات على أن مكانة سويسرا في هذا المجال أصبحت مهددة.

وتحتاج سويسرا حاليا ما يقارب 3000 مهندس وعالم لشغل وظائف شاغرة. وتتوقع المجموعة الإستشارية ببوسطن أن يتضاعف هذا العدد بحلول 2016.

وتخطط ثلثا الشركات السويسرية التي شملتها الدراسة لزيادة نفقاتها في مجال البحث والتطوير خارج التراب السويسري. في المقابل، من المحتمل أن تزيد 40% من تلك الشركات نفقاتها ايضا داخل سويسرا. وخلال السنوات العشر الماضية، كانت النفقات على البحوث العلمية وجهود التطوير أسرع بنسبة 1.4 مرة في الخارج مقارنة بالنفقات داخل سويسرا.

وتبذل سويسرا جهودا أكثر من أي دولة اوروبية أخرى للحصول على المزيد من براءات الإختراع لحماية الملكية الفكرية مع الاخذ بعين الإعتبار الإختلاف في عدد السكان. لكن سويسرا لم تحصل سنة 2004 إلا على 3.5% من الإستثمارات الجديدة في مجال البحث العلمي، مقارنة بنسبة 18.3% لنيوزيلاند، و17.4 لألمانيا الإتحادية و10.3% لهنغاريا. وهذه النسبة تمثل ادنى معدل لتحويل الافكار إلى مشروعات.

ويقدر البنك الدولي الفترة التي تتطلبها عملية الشروع في الإستثمار في سويسرا بعشرين يوما، مقابل خمسة أيام في سنغافورة، ويومان في أستراليا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية