“الإنفتــاح.. ســـرّ نجاح البحث العلمي في سويسرا”
كان باتريك إيبيشير، رئيس المعهد الفدرالي التقني العالي في لوزان، من بين أبرز الشخصيات العلمية التي تحولت مؤخرا إلى العاصمة المجرية بمناسبة تعيين المشاريع العلمية الستة التي تأهلت إلى "الدوري النهائي" لمسابقة المليار يورو للإتحاد الأوروبي.
ومن بين المتأهلين لمرحلة الحسم الأخيرة ثلاثة مشاريع تُنفذ في سويسرا، ويحتضن معهد لوزان الشهير اثنين منها.
وفي الفترة الممتدة من الرابع إلى السادس من شهر مايو ، تحوّل جزء كبير من مركز المؤتمرات الكبير في بودابست (التي تترأس الاتحاد الأوروبي حاليا) إلى واجهة عـرض للمهارات التكنولوجيــة والإبتكارات المُذهلة. وبين القاعات التي كان يتحدث فيها رؤساء البحوث في مجال “التكنولوجيات المُستقبلية والناشئة” الشاسع، أقيمت العشرات من فضاءات العرض التي كانت تقدم إنجازات مختبراتهم.
وبين الأجهزة فائقة التطور التي لا يلاحظ ما تحمله من جديد سوى فئة المُطّلعين بل الراسخين في العلم، كانت الروبوتات في كل مكان.. فهي تشبه الإنسان أكثر فأكثر وتتحرك أكثر فأكثر. وما تبصره أيضا في كل مكان عينُ المتجول بين أروقة تلك المعارض أحرف «E-P-F-L» باللون الأحمر التي تشير إلى شعار المعهد الفدرالي التقني العالي في لوزان، باللغة الفرنسية.
ومن بين المشاريع الستة التي سيُنتقى منها مشروعا “سفن القيادة” (Flagships) اللذين سيحصلان بشكل منفصل على ميزانية مليار يورو (انظر التوضيحات في العمود الأيسر)، يُــنجزُ اثنان في معهد لوزان، الذي يعمل أيضا على تطوير مشروعين آخرين من المشاريع المؤهلة. ولا يغيب الشقيق التوأم لمعهد لوزان، وهو المعهد الفدرالي التقني العالي في زيورخ، عن هذا المشهد العالمي، حيث يساهم بدوره في إدارة أحد المشاريع، ويشارك في مشروعين آخرين. مما يدفع للقول بأن الحضور السويسري لا بأس به على الإطلاق بالنسبة لبلد ليس عضوا في الإتحاد الأوروبي!
حضور مُلفت يُفسر تلك الابتـسامة الدائمة التي ارتسمت على ملامح باتريك إيبيشير. فرئيس المعهد التقني العالي بلوزان، الذي دعمت الحكومة الفدرالية مؤخرا تعيينه لولاية رابعة على رأس المعهد (من 1 مارس 2012 إلى 29 فبراير 2016)، يستمتع هنا بطعم النتيجة التي يعترف شخصيا في حديث خاص مع swissinfo.ch بأنها “تفوق على الإطلاق كافة التوقعات”.
swissinfo.ch: لماذا تتمتع سويسرا بهذه القدرات العالية في مجال العلم والتكنولوجيا؟
باتريك إيبيشير: لسويسرا تقليد عريق في الجودة والتميز. ولديها أيضا انفتاح أكاديمي يُعتبر من أبرز مفاتيح هذه النجاحات. ومنذ إنشائه قبل أكثر من خمسين عاما، يـُصدر الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي تقييماته على أساس الجودة، وهو أمر يستوعبه ويحترمه العديد من الباحثين. لذلك نحن نتمتع بالقدرة على اجتذابهم ومنحهم إطارا يفضي إلى العلم الجيد وإلى الابتكار.
المزيد
المعاهد التقنية الفدرالية العليا
في مدارسنا العليا، يأتي 50% من الأساتذة ومن الطلبة من الخارج. هل تعتقدون أن جواز الســفر مهم بالنسبة للعلماء؟
باتريك إيبيشير: لا آمل ذلك! هذه التعددية الثقافية التي تتيح للناس الشعور بالارتياح هي حظ تتمتع به سويسرا. فنحن لدينا تلك القدرة على جذب العقول الأجنبية، وأيضا العقول السويسرية التي ترغب في العودة إلى بلادها بعد قضاء بضع سنوات في الخارج.
الذهاب إلى الخارج للاحتكاك بنظم أخرى خطوة نافعة لأي عالـــِم، وخاصة إذا كان قادما من سويسرا الروماندية (المتحدثة بالفرنسية) التي لا يتجاوز تعداد سكانها مليون شخص. فمن الصعب إقامة معهد كبير فيها من دون هذا الانفتاح الذي يبدو لي بالغ الأهمية.
ومن ناحية أخرى، ينبغي أن يشعر السويسريون بأن لديهم القدرة على متابعة دراستهم في الخارج ثم العودة للتعمق في العلوم في سويسرا.
بالنسبة لاختيار المشروعين اللذين سيرتقيان إلى درجة “سفن القيادة”، تمت عمليات الانتقاء لحد الآن بناء على معايير علمية. لكن الاختيار النهائي سيكون سياسيا…
باتريك إيبيشير: بطبيعة الحال، سيكون للمعايير السياسية والاقتصادية والمالية وزنها. وهنا بالتأكيد، ستكون سويسرا أقل قوة مقارنة مع الجولة الأولى التي تُعتبر عملية بحتة. ولذلك ينبغي علينا التحلي بالحذر لكي تضم صفوفنا باحثين من بلدان كبرى لكي تحظى مشاريعنا أيضا بدعم باحثين أوروبيين لا يعملون في سويسرا.
ما هو تقييمكم لحظوظ فوز مشروعين سويسريين بمسابقة المليار يورو الأوروبية؟
باتريك إيبيشير: ضعيفة… وسيكون الاحتمال الأسوأ عدم وصول أي من مشاريعنا إلى الهدف! ولكنني آمل في جميع الأحوال أن أرى واحدا منها، واثنين في أمثل الحالات. وهنالك أيضا مشروع “FuturICT” الذي يجري تطويره أساسا في لندن، رغم أن المعهد الفدرالي التقني العالي بزيورخ يلعب دورا كبيرا فيه. ولكنني أعتقد أنه لا يجب الاهتمام كثيرا بلون الأعلام وجوازات السفر.
مع ذلك، يجب على البرلمان والطبقة السياسية برمتها، مساندة المشاريع السويسرية وتمويل جزء منها، وأعتقد أن ذلك ضروري لكي يفوز مشروع واحد أو حتى اثنان باللقب.
المزيد
حرية تنقل الأشخاص
سيحصل كل من الفائزين بمليار يورو. ولكن إجمالي هذه الأموال لن يأتي بالضرورة من صناديق الاتحاد الأوروبي…
باتريك إيبيشير: لايزال الأمر قيد المناقشة. هنالك حديث عن تقديم أوروبا لنسبة 30 إلى 50% من الأموال. وبعد ذلك يفترض أن تدفع الدول الأعضاء المبلغ المُتبقي. ولذلك فإن المشاريع التي يتم تطويرها في أكثر من بلد هي التي تتمتع ربما بأوفر الحظوظ لحصد المليار الموعود.
لا تزال سويسرا بعيدة عن عضوية الاتحاد الأوروبي. في نهاية المطاف، لا يبدو أن عدم عضويتها يطرح مشاكل كبيرة بالنسبة للعلماء…
باتريك إيبيشير: ليس كثيرا حتى الآن في الواقع، شريطة التقيد بالبـــُعد العلمي فحسب. ولكن كما تعلمون، هنالك مواعيد سياسية قادمة أخرى.
وما سيمثل كارثة بالنسبة لسويسرا، هو فقدانها فجأة لصلتها بأوروبا بسبب تطبيق “بند المقصلة” [الذي يربط حزمة الاتفاقيات الثنائية الأولى المُبرمة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي ومن بينها حرية تنقل الأشخاص، والذي بموجبه تسقط كافة الاتفاقيات إذا ما رفضت إحداها في تصويت شعبي، مما قد يلغي حتى بعضا من اتفاقيات الحزمة الثانية مثل اتفاقية شنغن ومعاهدة دبلن، التحرير]. وهو سيناريو سيكون مأساويا بالنسبة للعلوم في سويسرا.
المزيد
الاتفاقيات الثنائية
“التكنولوجيات المُستقبلية والناشئة” (FET، أو Future and emerging technologies) هو برنامج أوروبي لدعم البحوث في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وشارك البرنامج منذ 22 عاما في تمويل 526 مشروعا، بميزانيات ترتفع باستمرار (370 مليون يورو للفترة 2007-2011). ويهدف المشروع إلى دعم الأبحاث “طويلة المدى وعالية المخاطر”، التي “بمقدرتها أن تُحول جذريا أســُسنا العلمية والتكنولوجية لمجتمع الغد”.
“سفن القيادة” (Flagships) هو اسم المشروعين اللذين ستخصص المفوضية الأوروبية لكل واحد منهما مبلغ مليار يورو العام القادم، بحيث سيحصلان على 100 مليون يورو سنويا على مدى عشرة أعوام.
ويجب أن يلبي المشروعان جملة من الشروط، بحيث ينبغي أن يكونا واسعي النطاق، وأن يقدمان رؤى مُستقبلية، وأن يكونا قائمين على أسس علمية، وحاصلين على دعم سياسي، ومتمتعين بسند مالي قوي، وأن تكون لديهما “القدرة على تــوفير حلول لبعض أكبر التحديات التي يواجهها مجتمعنا”.
هو أحد المعهديـْن الفدراليين المتعددي الاختصاصات في سويسرا (زيورخ ولوزان)، ويعتبر المعهد التقني الأكثر عالمية في أوروبا بحيث يضم 7600 طالبا (من الباكالوريوس إلى الدكتوراه) و4200 موظفا (من بنيهم 250 بروفيسورا) من أكثر من 120 جنسية.
ويحتل المعهد الفدرالي التقني العالي بلوزان المرتبة العشرين عالميا (والثانية أوروبيا) في فئة الهندسة والتكنولوجيا والمعلوماتيات في التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية لجامعة شانغهاي جياو تونغ لعام 2010.
كما احتل المرتبة 11 في الترتيب الأوروبي 2010-2011 للصحيفة الشهرية البريطانية “Times Higher Education” المتخصصة في الدراسات العليا والتي تتخذ من لندن مقرا لها.
وفي عام 2006، صنف المعهد السويسري من قبل مجلة “نيوزويك” الأمريكية الأسبوعية، في جميع الفئات، في المرتبة 26 عالميا. وتستند هذه التصنيفات إلى منشورات الباحثين وشهادات المدرسين في الكتابات الأكاديمية، وأيضا على عدد الطلاب في كل كلية، وعلى النسبة المئوية للطلبة الدوليين.
ومثل شقيقه في زيورخ، يعمل معهد لوزان على تنفيذ ثلاث مهام: التكوين والبحث والتطوير على أعلى المستويات الدولية. ويكون المعهدان اللذان يرتبطان بعدد من معاهد البحث المتخصصة، ميدان المدارس التقنية الفدرالية EPF الذي يعتمد مباشرة على وزارة الشؤون الداخلية السويسرية.
تعود بدايات معهد لوزان إلى عام 1853، إلا أنه لم يتحوّل إلى معهد تقني فدرالي عالٍ إلا في عام 1969، بعد أن فُـصل عن جامعة لوزان.
(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.