التدريب المهني في سويسرا: عامل توازن اجتماعي؟
أظهر بحث جديد حول الحراك الاقتصادي أن التدريب المهني الجيد يرتقي بالإنسان في السلم الوظيفي في سويسرا، ولكن للوصول إلى الوظائف الاسمى- يحتاج الفرد على الأرجح إلى شهادة أكاديمية.
وقال المؤلف المشارك في إنجاز هذه الدراسة باتريك شواررابط خارجي في حديث إلى swissinfo.ch: “وجدنا أن تغيّر دخل العمال عبر الأجيال مرتفع – أعلى مما هو عليه في السويد. هذا أمر يثير الدهشة إلى حد ما بالنسبة لبلد “يعتمد اقتصاد السوق”.
البحثرابط خارجي الذي نشره اقتصاديون من جامعة سانت- غالن استند إلى البيانات الرسمية حول دخل العمال منذ عام 1982 (مدعومة ببيانات التعداد السكاني، وبيانات المسح الهيكليرابط خارجي) لمقارنة الحراك الاجتماعي على مستوى 850 ألف علاقة بين الأطفال والوالديْن.
ثم قاموا بمقارنة أداء سويسرا مع بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والسويد. (لم تأخذ هذه الدراسة في الاعتبار الأطفال المهاجرين المولودين في الخارج، ويمكن أن يكون هذا موضوع بحث منفصل، كما تقول الجامعة).
الدراسة كشفت أن الطفل في سويسرا الذي كان والده يحصل على أعلى دخل ممكن بمقدوره توقّع الحصول على 68000 فرنك سنويا في سن الثلاثين تقريبا (أرقام 2017 معدّلة بحسب نسبة التضخم). ولكن الطفل الذي كان والده يحصل على أدنى مستويات الدخل يمكنه أن يحقق أيضا دخلا سنويا محترما للغاية قدره 56000 فرنك سويسري في نفس العمر. وهكذا يكون الفرق بين الإثنيْن 12000 فرنك في السنة.
الدراسة تبيّن أنه إذا كان الوالد يكسب دخلا عال، فلن يكسب الإبن بالضرورة في سن الثلاثين أكثر بكثير مقارنة مع من كان دخل والده متواضعا.
وعلى هذا المستوى، يعتبر أداء سويسرا أفضل من السويد، التي تعتبر تقليديا مجتمعا قائما على المساواة، ومتفوّقة بشكل كبير على الولايات المتحدة، حيث تبيّن أن الأطفال هناك أكثر عرضة لاتباع خطى أباءهم من حيث مستوى الدخل.
الارتقاء التعليمي
ولكن على الرغم من الحراك المعقول والمنطقي على مستوى الدخل في سويسرا، وجد الباحثون أن التناسب التعليمي- العلاقة بين تعليم الطفل ودخل الأب- هو رابط قوي جدا. الالتحاق بالتعليم الجامعي يعتمد بشكل كبير على مستوى دخل الوالديْن، وهو اتجاه معروف منذ فترة طويلة وسجّلته دراسات أخرى.
قال شوار: “هذا أمر محيّر بعض الشيء، لأن المرء يتوقّع أن يتمتّع البلد ذات الدخل المرتفع بحراك تعليمي أيضا”. ومع ذلك، عندما ننظر إلى التعليم العالي غير الجامعي، فإن أداء سويسرا أفضل بكثير على هذا المستوى.
وتعتبر التلمذة الصناعية إلى حد كبير الشكل الأكثر انتشارا للتعليم الثانوي العالي في سويسر، حيث يختار أكثر من ثلثيْ مغادري التعليم الالزامي، التدريب المهني.
وتقدّر الدراسة أن حوالي 40% من أولئك الذين حصلوا على تدريب مهني يذهبون إلى التعليم العالي غير الجامعي بعد ذلك، للحصول مثلا على الشهادات من جامعات العلوم التطبيقية، وغيرها من الشهادات العليا.
والحصول على هذه الشهادات يسمح لحاملها بالحصول على أجور أعلى.
شوار يقول: “من المحتمل جدا أن الحراك القوي للدخل بين الأجيال في سويسرا مرده الإقبال الكبير على التلمذة الصناعية”. قبل أن يضيف: “هذا منطقي بشكل بديهي: إذا لم يكن الوالدان ثرييْن، يمكنك الحصول على دبلوم مهني في سن 16 عاما، وهو أقل تكلفة بكثير بالنسبة لوالديْك، بل ويمكنك كسب دخل محدود”.
بعد التعليم المهني، يمكن لهؤلاء الطلاب الالتحاق بجامعة العلوم التطبيقية بدوام جزئي مع الإستمرار في كسب المال، ودون الحاجة إلى مساعدة من والديهم. وأوضح شوار أنه في النهاية، درجة العلوم التطبيقية “تكاد تكون لديها نفس القيمة مثل الدرجة الجامعية”.
آينشتاين والحلم الامريكي
التلمذة الصناعية والتدريب المهني يمكن النظر إليهما إذن كـ “عامليْ توازن اجتماعي فعال”، بحسب هذه الدراسة، على الأقل لتسلّق جزء من طريق صعود السلم الاجتماعي.
ومع ذلك، يُظهر البحث أن الحصول على شهادة جامعية لايزال مهما للإرتقاء بالدخل بنسبة الخمس مقارنة ببقية الشهادات العلمية.
ويرى المؤلفون أنه نظرا لأن الحصول على تعليم أكاديمي يعتمد إلى حد كبير على مستوى دخل الأب، فقد تفقد سويسرا بعض “آينشتاين” المحتملين (أولئك الذين لديهم قدرات أكاديمية فائقة) بسبب تدني مستويات دخل آبائهم. (من المثير للاهتمام أن آينشتاين حصل على البكالوريا في مدرسة سويسرية، ودرس كذلك بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ).
إذن ما هو وضع سويسرا مقارنة مع الولايات المتحدة، أرض الحلم الأمريكي، حيث تحظى فكرة الصعود الاجتماعي بتقدير خاص؟
من حيث الارتقاء التعليمي التقليدي، فإن سويسرا على قدم المساواة مع الولايات المتحدة.
وقال شوار: “دخل الأسرة مرتبط ارتباطا وثيقا بالالتحاق بالجامعة كما هو الحال في الولايات المتحدة”. “هذا مفاجئ بعض الشيء، لأن التعليم الجامعي أقل تكلفة بكثير في سويسرا”.
على سبيل المثال، تبلغ رسوم الفصل الدراسي الحالي في المعهد التقني الفدرالي العالي 660 فرنكا للفصل الدراسيرابط خارجي، مقابل 50000 دولار أمريكي في إحدى جامعات الولايات المتحدة الكبرى.
وتخلص الدراسة إلى أنه من الأسهل عموما أن تعيش الحلم الأمريكي في سويسرا (حيث ينتقل 12.9% من الأطفال من خمس الدخل الأدنى إلى خمس الدخل الأعلى) مقارنة بالولايات المتحدة (7.5%).
ولا تزال السويد المكان المناسب للتألّق في هذا الاستطلاع. وبشكل عام، الأطفال هناك هم الأكثر احتمالا للترقي في السلم الاجتماعي بنسبة 15.7% من قاع السلم الاجتماعي إلى قمّته.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا