الجامعات السويسرية تحاول ركـُوب موجة التعليم الإفتراضي
تنتشر المقررات الجامعية الإلكترونية المفتوحة MOOCs التي تسمح بالتفاعل بين الأطراف المتداخلة في العملية التعليمية، بسرعة خارج حدود الولايات المتحدة. فبعد المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان، تستعد جامعات سويسرية أخرى لخوض تجربة التعليم عن بعد.
لكن الجميع ليس على نفس الدرجة من الإقتناع إذ يقول بعض المشككين إن المقررات الجامعية الإلكترونية المفتوحة لا تتميّز بالإبتكار بوجه خاص، ولا تتعدى أن تكون مجرّد فرصة جديدة للتسويق للمؤسسات التي ركبت هذه الموجة.
لقد شهد العام المنقضي صعودا ملفتا للتعليم عن بعد، إذ شملت حمّى المقررات الإلكترونية المفتوحة والتفاعلية المراحل العليا من الدراسات الجامعية. وحرصا منها على مواكبة هذا الإتجاه التعليمي الجديد، تنضمّ أعرق الجامعات حاليا إلى الشبكات التي توفّر منصات لعرض هذه المقررات مثل “كورسيرا”، و”أوداستي” او إقامة شبكات خاصة بها مثل edX أو Futurelearn، أو في شكل منصات فردية، وهذه أيضا قيد الإنتشار.
المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان يُعتبر من أوائل المتبنين لنهج المقررات الإلكترونية المفتوحة. وقد أصبح واحدا من الجامعات الثلاثة والثلاثين المتواجدة على شبكة “كورسيرا” منذ شهر يونيو 2012، حيث يشارك بدورة في لغة سكالا لبرمجة الكمبيوتر (سكالا: لغة برمجة معلوماتية حديثة ظهرت في عام 2001 على يد مارتن أودرسكي في مختبرات المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان)، حيث سجّل بهذا البرنامج 53.000 طالبا، وهو ما يوازي خمسة أضعاف الطلبة المسجلين بالمعهد.
من جهته، يشبّه مدير المعهد الفدرالي التقني بلوزان باتريك إيبيشير، تقنية المقررات الإلكترونية المفتوحة ب”التسونامي” في مجال التعليم العالي، ويتفق معه في ذلك زميله كارل أبيرير الذي يشرف على إعداد المقررات بالمعهد حيث يقول: “أنا متأكّد من انها سوف تؤدي إلى تغييرات أساسية. لقد بدأ الحديث من الآن على أنه لم تعد هناك حاجة إلى قاعات محاضرات كبيرة في الحرم الجامعي”.
المعهد التقني بلوزان قرر المُضيّ قُـدما في هذه التجربة. فقد تم إعداد دورة أخرى خاصة بلغة سكالا البرمجية لإطلاقها في فصل الربيع القادم جنبا إلى جنب مع دورات جديدة في اللغة الإنجليزية بإستخدام معالج الإشارات الرقمية، والرياضيات المحوسبة، وبرمجة جافا، والحوسبة العلمية باللغة الفرنسية. كما يخطط المعهد التقني الفدرالي لاعتماد 10 مقررات جديدة بحلول خريف 2013.
المزيد
جامعات النخبة في المتناول بنقرة واحدة
ركوب الموجة
بدورها، تتطلع الجامعات السويسرية الأخرى إلى اقتحام هذا المجال. ومن المحتمل أن يبدأ المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ في إنتاج أوّل مقرر إلكتروني مفتوح ومجاني لم يكشف عن موضوع تخصصه في فصل الخريف من هذا العام، لكن معهد زيورخ يتبع استراتيجية أكثر حذرا، حيث أعطى لنفسه عاميْن لتقييم جدوى هذا الإتجاه الجديد.
في سياق متصل، يعتقد بابلو أشارد، نائب عميد جامعة جنيف أن المقررات الجامعية الإفتراضية المفتوحة تجسّد التطوّرات الراهنة في مجال التعليم العالي، وهو اتجاه يجمع الجامعات المعروفة والعريقة عبر العالم، الساعية للوصول إلى جمهور جديد. وتستعدّ جامعة جنيف هي الأخرى إلى إطلاق دورة دراسية سواء على شبكة “كورسيرا” أو “edX”. ومن المرجّح جدا أن يُعلن رسميا عن ذلك خلال شهر مارس المقبل.
ويضيف أشارد: “هناك بالتأكيد اهتمام كبير بالدروس الإفتراضية، خاصة في الولايات المتحدة، ولكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت تمثّل ظاهرة عابرة أم تغييرا عميقا للتعليم العالي”. ومن ناحيتها، أشارت جامعة برن إلى أنها بصدد دراسة نهج المقررات الجامعية الإفتراضية المفتوحة، كوسيلة لتحسين التدريس لكنها “لا تعتبر ذلك من أولوياتها”.
أما لوزان، فتتبع مسلكا آخر . ذلك أنه منذ 2009، أصبحت شريكا لآي تيونز Itunes، وهو تطبيق يسمح بمشاهدة الآلاف من الدورات التعليمية التي تقدمها مئات الكليات والجامعات والمعاهد العليا مثل ييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبيركلي.
الدوافع
في واقع الأمر، ينبع سعي الكثير من الجامعات لاستكشاف المقررات الإفتراضية المفتوحة من دوافع اقتصادية، ومن رغبة في تحسين الإنتاجية عموما. ويرى أيبيشير أن هذا الإتجاه الجديد في التعليم ينبغي أن يقدّم رؤى جديدة حول طرق التدريس، ويساعد في الوصول إلى آلاف المشاركين، كما يشقّ طرق جديدة في البحوث وتحليل البيانات.
في الأثناء، اتضح أن المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان له طموحات أوسع نطاقا. فقد دخل مديره باتريك إيبيشير، في إجازة لمدة ستة أشهر من هذا العام للتفرّغ وتركيز الإهتمام على المقررات الإفتراضية، يقوم خلالها برحلة إلى بوستن، وفرانسيسكو، وإفريقيا لتقييم ورصد الفرص المتاحة في هذا المجال.
ويعتقد إيبيشير أن الشكل الجديد من المحاضرات الإفتراضية يُوفّر فرصا فريدة من نوعها لتطوير التعليم العالي على مستوى القارة الإفريقية. وفي حوار أجرته معه يومية “لوتون” (تصدر بالفرنسية في جنيف)، قال: “إن المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان، المستخدم للغة الفرنسية، لديه مسؤولية تجاه 220 مليون نسمة ناطقين باللغة الفرنسية عبر أرجاء العالم، وهو عدد ينتظر أن يرتفع إلى 750 مليون في عام 2050، والجزء الأكبر منهم يوجد في إفريقيا”.
دورات التعليم الإلكتروني على مستوى الجامعات ليس شيئا جديدا. فقد شرعت الجامعات البريطانية في تقديم دروس تعليمية عن بُعد منذ سبعينيات القرن الماضي. أما الجامعات الأمريكية والأوروبية، فقد دأبت على نشر محاضرات أساتذتها على الإنترنت طيلة العشرية الماضية.
أمّا الجامعات السويسرية، فقد ألقت بنفسها في خضم هذا اليمّ ما بين عامي 1999 و2008 بإطلاقها للمركّب الجامعي السويسري الإفتراضي، حيث تم إنفاق حوالي 75 مليون فرنك من أجل اعتماد وتشجيع التدريس الإلكتروني في مجال التعليم العالي.
تمشيا مع أهدافه، نجح المركب السويسري الإفتراضي في دمج مختلف الجامعات في منصة سويسرية واحدة تولّت مسؤولية الإشراف على كافة برامج التعليم الإلكتروني في الكنفدرالية.
مناهج غير مبتكرة
رغم الآفاق الواعدة، لا يُبدي الجميع نفس القدر من الحماس مثل باتريك إبيشير، ويرى البعض أنه بالنسبة للبعض المقررات الإفتراضية المفتوحة والتفاعلية، فإن MOOCs لا تعدو أن تكون أكثر من فرص للتسويق لتلك الجامعات. ومن ناحيته، لا يرى كونراد أوسترفالد، رئيس قسم تطوير التعليم والتكنولوجيا، بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، أي وجه من وجوه الإبتكار في هذه البرامج الإفتراضية (MOOCs )، مضيفا أنه قام قبل عشر سنوات بصياغة برنامج للتعليم الإلكتروني أفضل بكثير من حيث الجودة.
ويعلّق أوسترفالد قائلا: “هذا البرنامج هو مجرد شكل يحتاج إلى التعبئة، وبالإمكان تعبئته بما هو جيّد أو بما هو سيء. وبالنظر إلى كل ما عرفته، أقول إنه أسهل وأيسر أن ننقد بدلا من أن ننجز شيئا”. مع ذلك، فإنه ينظر إلى الأشياء في مُجملها، وخاصة التعلّم الند للند، والحجم الكبير من البيانات الجديدة المتأتية من أعداد أكبر من المشاركين، وهذا ما مثّل التطوّر المهم”، على حد قوله.
الإيرادات والشهائد
ولّدت هذه المنصات الملايين من الرأس المال الاستثماري، ولكن لا تزال هناك تساؤلات عالقة حول النموذج المثالي للأعمال الذي يسمح للجامعات بتعويض التكلفة، سواء كان ذلك من خلال ضريبة الترخيص على الولوج، او الضريبة على الشهادة المتحصّل عليها، أو من خلال بيانات التوظيف المترشّح لها والمقدّمة لصاحب العمل، او باستعمال طرق أخرى.
أما في سويسرا، حيث تختلف طريقة العمل التجاري وقيمة الرسوم التعليمية اختلافا جذريا عن الجامعات الأمريكية، فإن الإنتظارات مختلفة أيضا. وفي هذا الصدد، قال إيبيشير: “لا يتعلّق الأمر بالنسبة لنا بإدرار عائدات ضخمة. في المجال الأكاديمي، تمنح أهمية كبيرة إلى الإشعاع والظهور. وإذا ما حققت ذلك، تجذب إليك نخبة الطلبة، مما يزيد في جودة التعليم وشهرة المؤسسة، وبالتالي تحصل على المزيد من المموّلين. يتعلّق الأمر في النهاية بعملية تعزيز لموقع المؤسسة نفسها”.
من المسائل الأخرى أيضا التي يجب البت فيها هو منح هذه المقررات الإفتراضية تقييما علميا دقيقا. وأغلب هذه المقررات لم تمنح بعد الضوء الأخضر، ولكن خطوات قد قطعت في هذا الإتجاه، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول أوسترفالد: “بالتأكيد، عندما تنشر مقررا دراسيا وتضعه في متناول الجميع، فأنت لا تريد منحه (أي الطالب) درجة. وتحتاج إلى الإلتحاق بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ لتستفيد بشكل رسمي من المقررات الإفتراضية المفتوحة. وأعتقد ان هذا الأمر سائر إلى التغيير، وأنا متأكّد أن المناقشات سوف تذهب إلى أبعد من ذلك. وسوف تستمر مسألة الإعتماد وتطوير الشبكات. وفي مرحلة ما سيكون على المعهد التقني في زيورخ مواجهة نفس الأسئلة. في هذه اللحظة، لا زال الأمر غامضا، ومعظم الجامعات لا تريد التعامل مع الأمر بجدية”.
ظلت المقررات الجامعية الإلكترونية المفتوحة معتمدة على نطاق ضيّق لعدة سنوات، لكنّ انطلاقتها الحقيقية كانت في عام 2012، بعد أن أطلقت جامعة ستانفورد الأمريكية منصات رائدة مثل “أوداسي” و “كورسيرا”، ثم تبعتها لاحقا edX و Futurelearn، وهي عبارة عن شبكة من مقدمي الخدمات الإلكترونية تشرف عليه الجامعة المفتوحة التي أنشئت في ديسمبر 2011.
في أغسطس 2012، أي أربعة أشهر فقط بعد إطلاق كورسيرا أوّل درس جامعي مفتوح على الإنترنت، نجحت في استقطاب مليون مستخدم ينحدرون من أكثر من 190 بلدا. وفي الوقت الحاضر، يتجاوز عدد الطلبة المسجّلين على هذه الشبكة 2.5 مليون نسمة، ويتوزّع هؤلاء الطلبة على 215 مقررا يقدمها أكاديميون يعملون في الجامعات الثلاثة والثلاثين الشريكة في “كورسيرا”. في المقابل، استقطبت “أوداستي” حوالي مليون طالب.
عادة ما تترافق المقررات الجامعية الرفيعة المستوى المفتوحة والمُتاحة مجانا على الإنترنت مع توفير محاضرات واستخدام شبكات التواصل الإجتماعي، بالإضافة إلى الجوانب الترفيهية كالمسابقات والألعاب التفاعلية.
بإمكان الطلاب التعلّم بحسب وتيرتهم الخاصة عبر أشرطة الفيديو القصيرة، والتفاعل مع عدد كبير من الطلاب الآخرين. كما تتطلب بعض الدروس القيام بواجبات منزلية وإنجاز اختبارات نهائية.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
الروابط
على موقع المعهد التقني الفدرالي العاليMoocs برنامجرابط خارجي
شبكة كورسيرا الإفتراضيةرابط خارجي
تطبيقة آي تينيوز في المجال التعليميرابط خارجي
الجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدةرابط خارجي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.