السرطان في سويسرا: تنامي الإصابات لكن عدد الوفيات في تراجـع
على الرغم من الجُهود الطبية الكبيرة المبذولة في سويسرا، يَحصد مرض السرطان المزيد من الضحايا سنوياً. ووفق أحدث الإحصاءات، توجد بعض أنواع الأورام السرطانية في الكنفدرالية، التي تزيد حتى عن متوسط المعدَّل على المستوى الأوروبي.
ويؤدي مرض السرطان، الذي يُعتَبَر السبب الثاني الأكثر شيوعاً للوفاة في سويسرا بعد أمراض القلب والشرايين، إلى وفاة نسبة 30% من الرجال و23% من النساء.
وقد صَدرَت النتائج المتعلَّقة بِمرض السرطان في سويسرا من قِبَل كل من المكتب الفدرالي للإحصاء (BFS) والمعهد الوطني لِعِلم الأوبئة السرطانية والتسجيل (NICER) والسِجل السويسري لِسرطان الأطفال (SKKR).
وفي تصريحات إلى swissinfo.ch، قال جيورجيو نوسيدا، الأخصائي الرائد في الأمراض السرطانية: “إنَّ النظام الصحي المُتطوّر في سويسرا يساعد على الكشف المُبَكّـر لهذه الحالات، مما يؤدي بالتالي إلى إرتفاع عدد الأفراد المُشَخّـصين بهذا المرض”، ولكنه أردَف بِعَدم وجود سببٍ واحد يوضح إرتفاع معدلات الإصابة في الكنفدرالية.
ويقول موسيدا، الذي يترأس معهد البحوث الطبية الحيوية، بأنَّ إحدى التحدّيات الرئيسية في المستقبل القريب، هي الحصول على صورة واضحة للوضع، من أجل تحسين جهود الوقاية.
ووفقاً لدراسةٍ حول حالات السرطان في سويسرا بين عامي 1983 و2007، يتعرّض كل 4 أشخاص من بين 10 إلى خطر الإصابة بهذا المرض – أو ما يساوي 35,000 مريض سنوياً.
وأعلن المكتب الفدرالي للإحصاء يوم 7 فبراير 2011، أنَّ الوفيات الناجمة عن الإصابة بسرطان الجلد والبروستاتا، هي أعلى قليلاً في سويسرا، في حين تنخفض الوفيات الناتجة عن الإصابة بسرطان الثدي، مقارنة مع متوسط المعدل المُسَجَّل في 40 دولة أوروبية.
swissinfo.ch: بالمقارنة مع 40 دولة أوروبية، تقع سويسرا فوق متوسط المعدَّل في مجال ظهور إصابات جديدة بالسرطان، لاسيما تلك المتعلّـقة بسرطان الجلد القتامي (الميلانوما) وسرطان الثدي والبروستاتا. كيف يُمكن تفسير ذلك؟
جيورجيو نوسيدا: في الوقت الحالي، لا يوجد تفسير لذلك ولا يُمكننا سوى وضع الفَرَضيات فقط. وعلى سبيل المثال، قد يرتبط العدد الكبير من سرطانات البروستاتا مع حقيقة وجود نوع من “التشخيص الزائد”، نتيجة الجودة العالية للنظام الصحي السويسري بالمقارنة مع الدول الأخرى. علاوة على ذلك، فإن أكثر من يتِـم تشخيصهم بهذا المرض، هُـم من كِبار السِن الذين يُـلاقون حتفهم لأسباب أخرى.
أمّا حالات سرطان الجلد، فقد يعود تفسيرها إلى وجود أعداد كبيرة من السويسريين الذين يميلون إلى تعريض أجسامهم لأشعة الشمس بدون إستخدام وسائل الحماية الضرورية. وقد يعود السبب في الأصابة بسرطان الثدي، إلى زيادة المُعالجة بالهورمونات بعد إنقطاع الدورة الشهرية عند النساء مُقارنة بالخارج.
ما هي المجالات التي بُذِلَت فيها جهود أكبر خلال السنوات الأخيرة لمكافحة الأمراض السرطانية على مستوى الوقاية والعلاج؟
جيورجيو نوسيدا: على مستوى الوقاية، تمّ الإستناد على التوصيات العامّة للجمعية السويسرية للسرطان والتي تقوم على التوقّـف عن التدخين واستهلاك كميات أقل من المشروبات الكحولية واللحوم الحمراء وتناول المزيد من الفواكه والخضروات ومزاولة النشاط البدني. كما تمَّ الإستثمار بكثافة في وسائل الكشف المُبكّـر.
وتُمثل دعوة جميع النساء فوق سِـن الخمسين، للقيام بتصوير إشعاعي للثدي، مثالا على ذلك. ويسمح هذا الإجراء بالكشف المبكر عن أشكال الأورام، مع توفير فرصة أفضل للشفاء أيضاً. ولابُدَّ من القول هنا بأن عدد حالات الإصابة بسرطان الثدي قد إرتفعت في سويسرا، ولكن معدّلات الوفيات الناتجة عن هذا المرض إنخَفَضَت في المقابل.
ويمكن ملاحظة مثال آخر يتعلَّق بسرطان عُـنق الرحم: فبِفَضل أساليب الكشف المُبكر، أصبح التدخل في الوقت المناسب لمنع تطوّر الورم أمراً مُستطاعاً. وينطبق الشيء ذاته على سرطان القولون، حيث أصبح الكشف المبكّـر للورم السرطاني في هذه المنطقة مُمكناً، بفضل تنامي إجراء فحص القولون بالمنظار، وهكذا تكون فُرص نجاح التداخلات الجراحية أكبر.
لقد أشَـرتم إلى المستوى العالي للنظام الصحي في سويسرا. ماذا يعني هذا بالضبط عند مكافحة الأمراض السرطانية؟
جيورجيو نوسيدا: لا توجد في سويسرا أساليب علاج تختلف عما هو موجود في الدول الأخرى. وتتشابه المعايير المُتَّـبعة للشفاء من السرطان على المستوى الدولي: العملية الجراحية والعلاج الإشعاعي أو الكيميائي أو مزيج من الأساليب الثلاثة.
غير أنَّ تطبيق هذه المعايير في سويسرا، يتم بدقةٍ أكبر ويُغطي مساحات أوسع. وبالنتيجة، نجد أنَّ النتائج المُترتبة هي أكثر نجاحاً من تلك الموجودة، ليس في أوروبا الشرقية فحسب، بل وفي الدول المجاورة كألمانيا وفرنسا وإيطاليا أيضاً.
وفي سويسرا، لا يوجد هناك مركز وطني واحد فقط للأبحاث السرطانية، كما هو الحال في بلدان أخرى. فبالإضافة إلى المستشفيات الجامعية، هناك مراكز كفوءة مُختلفة تنتشِـر في الكانتونات، وهي تختص بأنواع معيَّـنة من الأورام السرطانية. وهكذا، توجد لدينا مستشفيات عالية الجودة في جميع أنحاء البلاد، وهو ما يسهِّـل وصول المرضى إليها.
ما هي أهم “المواقع” التي يجب التغلّب عليها لمكافحة السرطان خلال السنوات المُقبِلة؟
جيورجيو نوسيدا: يتعرّض 40% من السويسريين إلى خطر الإصابة بالسرطان ويلاقي نحو 16,000 حتفهم جرّاء الإصابة بهذا المرض. لذا، تُـرَكز جميع الأطراف الفاعلة في هذا المجال على إنشاء برنامج وطني لمكافحة السرطان.
ويرتكز هذا البرنامج الذي سيفتتح في شهر مارس أو أبريل القادم على عِـلم الوبائيات. وبكلمات أخرى، هناك حاجة إلى صورة أكثر تفصيلاً عن “واقع السرطان”، لِفَهم الأسباب والتدابير الوقائية، وتحديد أنجع العلاجات المُمكنة.
ولِـد نوسيدا في عام 1938 ودرس الطب في جامعة برن، وإختصَّ في أمراض القلب والطب الباطني. وشغل نوسيدا منصب رئيس الأطباء في مستشفى “بياتا فيرجيني” Beata Vergine في بلدية “مندريسيو” Mendrisio في كانتون تيتشينو، ثم في مستشفى “شيفيكو” Civico في لوغانو (كانتون تيتشينو). كما عمل أستاذاً للطب في جامعة العاصمة بَرن أيضاً.
وكان الطبيب القادم من كانتون تيتشينو الناطق بالإيطالية، رئيساً لجمعية السرطان السويسرية (1990 – 1992) وعضوا في المؤسسة السويسرية لبحوث السرطان (1990 – 2006) وكذلك في البرنامج الوطني لمكافحة السرطان (1999 – 2006). ومنذ عام 2000، يترأٍس نوسيدا معهد البحوث الطبية الحيوية في بلّـينزونا (كانتون تيتشينو).
كما شارك نوسيدا أيضاً في تأسيس المعهد الوطني لبحوث عِـلم الأوبئة السرطانية، والذي يبحث في إكتشاف عوامل الخطر وتأثيرات الأورام السرطانية في سويسرا.
بالإضافة إلى ما سبق، يلتزم نوسيدا أيضاً بعمله في بنك الأحياء السويسري Biobank Suisse، وهي مؤسسة تهدف إلى تعزيز البحوث والى إنشاء أرشيف بيانات ومواد دراسية في الطب البشري.
بالمقارنة مع الخارج، يُصاب عدد كبير من الأشخاص في سويسرا بأمراض سرطانية معيّـنة، مثل سرطان الثدي والخصية والبروستاتا أو سرطان الجلد القتامي (الميلانوما). وبالنسبة لأنواع السرطانات الأخرى، تقع سويسرا ضِـمن المتوسط الأوروبي.
ويزيد معدل الوفيات بسبب سرطان البروستاتا وسرطان الجلد القتامي (الميلانوما) قليلاً عن المتوسط الأوروبي. وبالمقارنة مع أوروبا أيضاً، تنخفض معدّلات الوفيات الناجمة عن سرطان عنق الرحم والمَعِـدة، كما يرتفع معدّل البقاء على قيد الحياة للمصابين بالسرطان في الكنفدرالية.
وتوجد في سويسرا بعض الإختلافات الإقليمية، من حيث غزارة مرض السرطان. ومن الملاحظ أن سرطانات الرئة والأنف والأذن والحنجرة، والتي ترتبط بتعاطي التبغ والكحول، هي أكثر شيوعاً في الأجزاء الغربية من سويسرا (الناطقة بالفرنسية)، وفي كانتون تيتشينو (الناطق بالإيطالية، جنوب سويسرا).
كذلك، فإنَّ إحتمالات الكشف عن الإصابة بسرطان الثدي، هي أعلى في الجزء اللاّتيني (الناطق بالفرنسية والإيطالية) من سويسرا، في حين أن خطر الموت نتيجة الإصابة بهذا المرض، هو أعلى في أجزاء سويسرا الناطقة بالألمانية. ومن الملاحظ أيضاً، أنَّ حالات الإصابة بسرطان الخصية يرتفع عن المتوسط ولاسيما في منطقة بازل.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.