مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الشبكة السويسرية للدراسات الدولية”.. أداة علمية في خدمة عالم أفضل

السيد بيرنهارد فورر، مدير الشبكة السويسرية للدراسات الدولية في مكتبه بجنيف (12 يناير 2012). swissinfo.ch

تلعب "الشبكة السويسرية للدراسات الدولية" دور همزة الوصل بين معاهد البحث العلمي والجامعات في سويسرا، وبين المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية المتواجدة في جنيف لمساعدتها على تجاوز المشاكل التي تعترضها في عملها الميداني.

تأسست “الشبكة السويسرية للدراسات الدولية” في عام 2008 في مدينة جنيف، وجاءت حينها في سياق سياسة سويسرية ترمي إلى دعم تواجد المنظمات الدولية في مدينة جنيف وديمومتها. وهي تضم ثلاث فئات من المؤسسات المعنية بدراسات العلاقات الدولية تشمل المعاهد الأكاديمية والجامعات، والمنظمات الدولية التي لها مقر في جنيف أو بسويسرا عموما، والأعضاء العاملين في المنظمات غير الحكومية.

ومثلما يشرح مديرها بيرنهارد فورر في حديث مع swissinfo.ch فإن هذه الشبكة “لا تقتصرعلى الجامعات والمعاهد الكبرى مثل معهد الدراسات الدولية العليا والتنمية في جنيف، بل أيضا مؤسسات لا نعتقد بأنها تدرس فروعا من دراسات العلاقات الدولية. كما أن المواضيع التي يتم اختيارها للبحث ليست بالضرورة مواضيع مقتصرة على سويسرا بل يمكن أن يكون مشروعا في إحدى أنحاء العالم إلا أن المؤسسة التي تتولى دراسته لها مقر في سويسرا”.

تعاون لخدمة عالم افضل

تتمثل المهمة الأساسية للشبكة السويسرية للدراسات الدولية في تنسيق الإجراءات وتأمين سير التعاون بين عدة شركاء للقيام بأبحاث نظرية وميدانية حول موضوع معين. وفي العادة، تكون هذه المشاريع صادرة إما عبر اقتراح معهد أكاديمي أو بطلب من منظمة من المنظمات الدولية وغير الحكومية التي واجهت في عملها بعض المشاكل الميدانية وترغب في الإستعانة بالخبرات الأكاديمية الموضوعة تحت تصرف الشبكة لإيجاد حلول معقولة لها.

هذا النمط الثاني من التعاون هو الذي تفضله الشبكة، حسبما يؤكد مديرها بيرنهارد فورر الذي يقول: “لنا ميل أكثر في الشبكة لهذا النوع الثاني من المشاريع لأن فيه تعاون مسبق بين الأطراف وبالتالي تكون نتائجه أحسن بكثير”. ومع التنويه إلى أن دور الشبكة يتمثل في “الوصل بين مختلف المكونات الأكاديمية والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المتعودة على العمل كل على حدة على الرغم من أن كلا منها يهدف لخدمة عالم أفضل”، يُلاحظ مديرها أنه من خلال “قيامنا بتمويل المشاريع، فإننا ندفع هؤلاء الشركاء إلى خوض تجربة التعاون فيما بينهم”.

وسعيا منها لتمكين الشركاء المحتملين من ذلك، تُفسح الشبكة عبر موقعها على الإنترنت المجال أمام المنظمات كي تطرح التساؤلات التي تراودها وتشرح الصعوبات التي تواجهها، ومن ثم يستفيد الخبراء الجامعيون مما ورد فيها لبلورة “مشروع بحث” قد يتحول لاحقا إلى عمل ملموس. ويضيف السيد بيرنهارد فورر أنه “حتى في صورة توصّلنا بتساؤلات لا نستطيع الإجابة عنها، فإننا نعمل عبر شبكتنا للوصول إلى من يستطيع القيام بذلك”.

ومن التجديدات التي ستدخلها الشبكة في العام الجاري “إعداد بنك معلومات بالتخصصات المتوفرة، وميادين الإهتمام المحددة، لتمكين مختلف الشركاء من العثور على الشريك المناسب. وهذا هو لبّ تواجدنا كشبكة تضع تحت تصرف المكونات الثلاث الخبرات والمهارات المتوفرة خدمة لعالم أفضل”، على حد قول السيد بيرنهارد فورر.

مشاريع عملية

من المشاريع التي تجسّد نجاعة هذا التعاون المشترك بين مختلف المكونات مشروع نبع من ملاحظات اللجنة الدولية للصليب الأحمر الميدانية، وعُـرض على الشبكة التي استعانت بخبرة بعض البحاثة للتوصل إلى آلية تساعد عمال الإغاثة الانسانية في التعرف على أسباب الوفيات أثناء الإعتقال وتحديدها بدقة.

في هذا السياق، يقول مدير الشبكة السويسرية للدراسات الدولية: “لقد لاحظت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن موظفيها في الميدان المكلفين بمتابعة ظروف المعتقلين يواجهون مشكلة التفريق بين وفاة طبيعية (مثلما تدعي السلطات عادة) أو وفاة غير طبيعية لشخص يوجد رهن الإعتقال”.

سعيا لحل هذه المشكلة، تم التوجه إلى خبير من جامعة جنيف متخصص في الطب الشرعي من أجل إعداد كتيب يلخص الإجراءات الكفيلة بالمساعدة على إجراء تقييم علمي معقول حتى في ظل ظروف صعبة. ويشير السيد فورر إلى أن النتيجة التي توصلنا إليها من خلال هذا المشروع الذي مولته الشبكة السويسرية للدراسات الدولية، تتمثل في اتخاذ قرار بـ “نشر هذا الكتيب الذي يجيب على أسئلة محددة، والذي أصبح بين أيدي مبعوثي اللجنة الدولية للصليب الأحمر الساهرين على متابعة ظروف الإعتقال في شتى أنحاء العالم”.

معضلة الهجرة.. مثال ثان

المثال الثاني الذي اختاره مدير “الشبكة السويسرية للدراسات الدولية” لتجسيد هذا التعاون القائم بين الأكاديميين والمنظمات الدولية، له علاقة بملف الهجرة حيث أشار إلى أن “معالجة موضوع الهجرة من قبل المنظمات الدولية ظل دوما يُتناول من باب الأرقام ومن باب التنقل من مكان إلى آخر، وكيف يمكن التحكم في توجيه الهجرة من جهة إلى أخرى، دون محاولة البحث عن الأسباب التي تؤدي لها”.

وحسب السيد فورر، فإن السبب الكامن وراء تشبث المنظمات بمعالجة موضوع الهجرة من هذه الزاوية تحديدا راجع إلى أن “المهمة المسندة لهذه المنظمات في غالب الأحيان من قبل الدول الممولة تفرض عليها معالجة التأثيرات لا البحث عن المسببات”.

لهذا السبب، أقدمت “الشبكة السويسرية للدراسات الدولية” على تبني مشروع اقتضى القيام بدراسة في بعض الدول الافريقية لمحاولة فهم الدوافع المؤثرة التي تدفع الأشخاص لمغادرة بلدانهم إضافة الى الدوافع الإقتصادية، ولمعرفة نوعية المعلومات المتوفرة لدى الأفراد الراغبين في الهجرة عن بلد الوجهة المنشودة قبل بداية التخطيط للرحيل وترك الأوطان.

السيد بيرنهارد فورر يعتبر أن هذا المشروع “يُجسّد بحق هذا التعاون بين منظمات دولية مقيدة بالمهمة المحددة لها، وبين أكاديميين قادرين على البحث عن أسباب الهجرة ودوافعها وهذا ما هو مُهم وفعّال في العمل الذي نقوم به”.

ولدى سؤاله عن التوزيع الجغرافي للمشاريع التي تنجزها الشبكة، أجاب السيد فورر أن “العديد من المشاريع في آسيا لها علاقة بالتنمية الفلاحية أو بالعدالة الإنتقالية، فيما تجمع مشاريع متعددة في أمريكا اللاتينية بين العلوم الإنسانية والعلوم الصحيحة خصوصا فيما يتعلق بإدارة الغابات”.

أما فيما يخص المنطقة العربية، فقد أفاد رئيس الشبكة أنه “باستثناء مشروع عن تحليل تأثيرات الشبكات الإجتماعية في ثورات الربيع العربي، تبقى المنطقة العربية من المناطق التي ليست بها مشاريع تابعة للشبكة، وهو وضع يجب تصحيحه”. على حد تعبيره.

خدمة لجنيف الدولية

هذه الخدمة التي تقدم في جنيف لا تخلو بطبيعة الحال من مصلحة ومنافع، نظرا لحرص كل من الحكومة الفدرالية في برن والحكومة المحلية لكانتون جنيف على توفير الظروف الملائمة  للمنظمات الدولية والهيئات الأممية لكي تبقى متمسكة بمقراتها في المدينة الواقعة غرب سويسرا في وقت تحتدم فيه المنافسة بين عواصم ومدن عالمية لاستقطاب البعض منها.

مع ذلك، يرى بيرنهارد فورر، رئيس “الشبكة السويسرية للدراسات الدولية” أن كانتون جنيف “الذي يمتلك تقاليد عريقة في الإسهام في إيجاد عالم أفضل، يتجاوز المصلحة الإقتصادية في الإلتزام الذي يُبديه في هذا المجال”.   

تأسست الشبكة السويسرية للدراسات الدولية في عام 2008 بمدينة جنيف.

تجمع الشبكة في مشاريعها بين اهتمامات المؤسسات الأكاديمية والمنظمات الدولية التي لها مقرات في جنيف وسويسرا، والمنظمات غير الحكومية.

عادة ما تصدر المشاريع التي تسهر الشبكة على انجازها عن خبراء وأكاديميين وبحاثة، أو تكون بطلب من المنظمات الدولية وغير الحكومية التي تواجه مشاكل في عملها الميداني وتبحث عن حلول لها.

يسهر مجلس علمي على اختيار المشاريع. وإلى حد اليوم، تجاوز عدد ما عرض على الشبكة خلال الأربع سنوات الماضية 321 طلبا، ولكن لم يتم قبول وتمويل سوى 32 منها.

في عام 2010، كانت ميزانية الشبكة في حدود 2.45 مليون فرنك أنفقت 80% منها في المشاريع.       

قدّم كانتون جنيف (من خلال وزارة التربية والتعليم) حوالي 50% من ميزانية الشبكة، فيما وفرت الحكومة الفدرالية (عبر كتابة الدولة للتربية والبحث العلمي) النصف المتبقي. ويتم الإشراف على إدارة الميزانية من طرف معهد الدراسات الدولية العليا والتنمية في جنيف.

توظف الشبكة 3 أشخاص بشكل دائم، كما تعتمد في نشاطها على مساعدة الأشخاص الذين يؤدون واجبهم الوطني في شكل خدمة مدنية عوضا عن الخدمة العسكرية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية