الطاقة المائية لا تكفي للتخلِّـي تماما عن الطاقة النووية في سويسرا
أجَّـجت كارثة فوكوشيما النووية، النقاش بشأن استغلال الطاقة البديلة، في الوقت الذي وصل فيه استغلال أكبر مصادر الطاقة المتجدِّدة في سويسرا - أي الطاقة الكهرومائية - مَـداه، كما بدأت الأسباب البيئية هي الأخرى تفرض نفسها على أجندة الأحداث.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارت إلى أن الحادث النووي الذي وقع في مدينة فوكوشيما اليابانية، هو على نفس درجة خطورة مُـفاعل تشيرنوبيل في أوكرانيا، وِفقا للمقياس الدولي للحوادث النووية. وبالرغم من أن الأمر لم يكُـن مستبعدا، إلا أن الإعلان عنه أحدث هَـزّة في الأوساط الدولية، فضلا عن الأوساط المحلية السويسرية.
فسويسرا لديها خمسة مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، ولكنها أمام هذا التحدّي الذي فرضته أسوأ الكوارث النووية في التاريخ، بدأت أوساطها السياسية تفكِّـر في فُـرص التخلِّـي عن الطاقة النووية والإعتماد على مصادِر بديلة لإنتاج الكهرباء. بل إن الأحزاب السياسية المعروفة منذ أمَـد بمواقِـفها المؤيدة للطاقة النووية، كالحزب الليبرالي الراديكالي (يمين، أولوياته المصالح الاقتصادية)، أبدى استعدادا لتقييم البدائل. ويوم الأحد 17 أبريل 2001، طالعتنا الأخبار بأن لجنة داخل الحزب، تمّ تشكيلها، بناءً على مبادرة من النائب الليبرالي أوتو إنايشن، طالبت بخطّـة تدريجية للتخلِّـي الكامل عن الطاقة النووية بحلول عام 2050.
وتشير البيانات، إلى أن أكثر من نصف الطاقة الكهربائية المُـنتجة في سويسرا في الوقت الحاضر، أي 60٪، تأتي من مصادر الطاقة المتجدِّدة. وتحتل محطات الطاقة الكهرومائية نصيب الأسد، إذ تنتج 95٪ من الطاقة الكهربائية “الخضراء”، فيما تأتي 5٪ المتبقِّـية، ممَّـا يُـعرف بمصادر الطاقة المتجدِّدة، كالكتلة الحيوية (الكامنة في أعماق الأرض) والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة البيئية. ولأسباب تتعلق أساسا بالجَـدوى الإقتصادية أو بالسياسة، لا يتِـم حتى اللحظة استغلال كامل الإمكانات المُـتاحة من الطاقة الشمسية أو الطاقة الحرارية الأرضية.
ومن أجل تعزيز وتطوير الطاقة الشمسية، التي تُـسهم حاليا بأقل من 0,1٪ من إنتاج الكهرباء، طالبت الرابطة السويسرية للطاقة المتجدِّدة “سويس سولار Swissolar”، الحكومة والبرلمان بتوفير المزيد من التمويل، كما هو الحال في ألمانيا المجاورة.
إمكانات محدودة
ومع ظهور احتمالات التخلِّـي عن الطاقة النووية التي توفِّـر لسويسرا ما يقرب من 40٪ من الكهرباء، تبدو الطاقة المائية هي الأقل تجدّدا ولكنها الأكثر ملاءمة، بالنظر إلى ما تتمتّـع به البلاد من تضاريس طبيعية ووفْـرة الجداول المائية في مختلف أنحائها.
وبحسب روبرت بوس، من مختبر الهيدروليكا والهيدرولوجيا وعِـلم الجليد في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، فإن بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة الكهرومائية، يمكن أن يُوفّـر رُبع الطاقة الكهربائية التي يُستَـغنى بها عن حصّـة الطاقة النووية.
وتَـبَـعا للعديد من الخُـبراء، فإن الطاقة الكهرومائية، على ما يبدو، وصلت مَـداها. فالإمكانات التقنية، خاصة فيما يتعلّـق بمحطات التوليد الكبيرة، تكاد تكون استُـنفذت بالكامل وتَـم استغلالها، حسبما يؤكد المكتب الفدرالي للطاقة. وأضاف بأن التغير المناخي وما حصل في عام 2011 من اعتماد معايير أكثر صرامة في مجال حماية المياه، أثّـر سلبا على إنتاج الكهرباء من المصادر الكهرومائية.
تحرُّك خبراء البيئة
من جهة أخرى، أوضح المكتب الفدرالي للبيئة، أن فرصة استغلال الطاقة الكهرومائية، بدون تحفظ، لم تعُد متاحة سوى لمحطات التوليد الصغيرة ذات الطاقة الإنتاجية التي لا تزيد عن 10 ميغاواط، وهو ما يعني برأي لوزانا نيكولا كريتينو، المهندسة في المعهد الفدرالي العالي، أن هذه المحطات المُـنتشرة في أنحاء متفرِّقة من البلاد والتي مضى على إنشائها أكثر من قرن، يمكنها أن ترفع إنتاجها من نسبة 50٪ إلى 100٪، بحيث تؤمّن في أحسن الأحوال “ما قد يصل إلى نسبة 10٪ من إنتاج الكهرباء في سويسرا”، بحسب ما أوضح غيرهارد دانيوث من شركة “آلبيك” لخدمات الطاقة على صفحات مجلة “إيبدو” الأسبوعية.
ومن أجل تحقيق ذلك، ينبغي على خُـبراء البيئة والأحزاب اليسارية أن تكون أكثر عزيمة، حينما تتم المناقشة حول طاقة الرياح والطاقة المائية، وِفقا لِـما أعرب عنه كريستوف داربولي، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي ذكـر بالمناسبة أنه تمّ حظر جميع مشاريع التطوير والتّـحديث، بعدما اعترض عليها أنصار البيئة واستأنفوا الأحكام ضدّها.
وفي السياق نفسه، أكّد داني هويسار، الخبير في شؤون المياه لدى الصندوق العالمي للطبيعة، بأنهم (في الصندوق) لا يقفون حجَـر عثْـرة في طريق المشاريع. فمن ضمن نحو 800 مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية، التي انطلقت خلال فترة الثلاث سنوات الماضية، لم يعترض الصندوق سوى على 43 منها، و”ليس 500، كما زعمت بعض وسائل الإعلام”، وذكر أيضا بأن ثلاثة أرباع المواقع الجديدة المقدّمة كجزء من البرنامج الوطني لتشجيع استخدام الطاقة المتجدِّدة، تمّ اعتبارها “مناسِبة” لإنشاء محطّـات صغيرة. واعتبر هويسار بأن هدف جماعات حماية البيئة في المقام الأول، هو العمل على احترام القوانين المُقَـررة.
أما رودي باشتولد، المتحدث باسم الصندوق العالمي للطبيعة، فقد قال من جانبه: “لا يجوز أن نستمِـر في إنتاج الطاقة ونزيد في الإنتاج، على حساب التنوع البيولوجي”.
تقارب لم يكتمل
وفي خِـضمِّ نِـزاع طويل، يبدو مجمّـع تخزين وضخّ الطاقة الكهرومائية في “غريمسل Grimsel” في الأنحاء الجبلية لكانتون برن، رمزا للتبايُـن في المواقف بين أنصار حماية البيئة ورجال الأعمال، حيث لا زال مشروع توسيع المجمّـع متوقّـفا منذ سنوات بسبب الإعتراضات المقدّمة من قِـبل منظمات حماية البيئة ومن طرف فرع الحزب الإشتراكي في الكانتون.
لكن، منذ أن حصلت الكارثة النووية في فوكوشيما، خفَّـت حدّة المواقف بين الأطراف وبدأت تلوح في الأفُـق إمكانية التوصُّـل إلى اتفاق. ففي البيان الذي صدر عنها يوم 8 أبريل الماضي، تخلّـت أهم المنظمات البيئية في سويسرا، ومن بينها الصندوق العالمي للطبيعة والسلام الأخضر وبروناتورا، عن معارضة مشروعيْـن لتوليد الطاقة الكهرومائية، كحلٍّ وسط بين أطراف النزاع.
ومع ذلك، لا زالت المواقف متشنِّـجة ولم تتغير المعارضة بشأن زيادة ارتفاع سد غريمسل، لأن زيادة منسوب الماء في حوْض التجميع، من شأنه، على حد قول أنصار البيئة، أن يغمر مساحة من الأرض ذات قيمة بيئية وطنية، وهو ما يُعَـدّ انتهاكا صارخا لقوانين حماية البيئة والطبيعة.
ويخلص رودي باشتولد إلى القول بأن “الطريق الذي ينبغي المُـضي فيه، يتمثَّـل في تلبية الإحتياجات عبْـر زيادة الكفاءة الإنتاجية من خلال – مثلا – إعادة تأهيل محطّـات الطاقة الحالية بتكنولوجيا حديثة، دون إغفال للكفاءة الغير مستغَـلّة والمتوفّـرة في الطاقة الشمسية والرياح والكُـتلة الحيوية”.
تُـعتَـبر سويسرا مجمّـعَ “احتياطي المياه في أوروبا”. وتعتبر الطاقة المائية في البلاد، المصدَر الأول لإنتاج الكهرباء. وتنتج محطات الطاقة الكهرومائية السويسرية 35,83 مليار كيلوواط / ساعة في السنة.
بعد النرويج وأيسلندا والنمسا، تحتلّ سويسرا المرتبة العالمية الرابعة في إنتاج الكهرباء من الطاقة المائية.
يوجد في سويسرا ما يقرب من 1600 محطة كهرومائية و190 سدّا مائيا، أعلاها سد ديكسانس في كانتون فالي، ويبلغ ارتفاعه 285 مترا.
تُنتج الكانتونات الجبلية، أوري وغراوبوندن وتيتشينو وفالي، ثُـلثَـي الطاقة الكهرومائية في سويسرا.
يبلغ دخل استغلال الطاقة المائية (من خلال المحطات النهرية وأحواض التجميع وأنظمة الضخ)، ما قيمته 2 مليار فرنك سويسري.
تنوي الحكومة الفدرالية، من خلال عدّة تدابير، تحديث المولّـدات القائمة وتطويرها ورفع كفاءتها، بهدف تحقيق زيادة في متوسّـط الإنتاج لا تقل عن 5٪ بحلول عام 2030.
(المصدر: المكتب الفدرالي للطاقة)
تُـشير البيانات الصادرة عن المكتب الفدرالي للطاقة أن استهلاك الكهرباء في سويسرا سجّل في عام 2010 زيادة بنسبة 4٪ مقارنة بعام 2009، حيث بلغ 59,8 مليار كيلوواط / ساعة. وأنتجت المحطات المحلية للطاقة 66,3 مليار كيلوواط / ساعة (- 0,4٪).
بالرغم من تسجيل محطة موهليبيرغ (كانتون برن) رقما قياسيا جديدا، إلا أن إنتاج الكهرباء من المحطات النووية السويسرية انخفض بنسبة من 3,5٪ إلى 25,2 مليار كيلوواط / ساعة.
حصلت سويسرا على طاقتها الكهربائية في عام 2009 بنسبة 56,5٪ من الطاقة الكهرومائية و38,1٪ من الطاقة النووية و5,4٪ من محطات توليد الطاقة الحرارية التقليدية وغيرها.
بشكل إجمالي، بلغت واردات سويسرا من الطاقة في عام 2010 حوالي 66,8 مليار كيلوواط / ساعة، بينما بلغت الصادرات 66,3 مليار كيلوواط / ساعة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.