الطلاب السويسريون يحرزون تقدما ملحوظا في مهارة القراءة
أظهرت نتائج "دراسة بيزا" الدولية لعام 2009 التي عرضت ببرن يوم 7 ديسمبر 2010 أن الطلاب السويسريين (مرحلة التعليم الأساسي)، وبالمقارنة مع نظرائهم في 65 بلدا آخر، قد حققوا تقدما في القراءة، وحافظوا على تميّزهم في مادتيْ الرياضيات والعلوم. وتأتي هذه النتائج في لحظة بدأ يتصاعد فيها الجدل السياسي حول النظام التعليمي في سويسرا.
منذ عشر سنوات دأبت منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية على إنجاز هذه الدراسة كل ثلاث سنوات وينصب فيها الإهتمام على تقييم مؤهلات طلاب التعليم الأساسي في البلدان الأعضاء في مجالات القراءة، والرياضيات، والعلوم الطبيعية.
شملت “دراسة بيزا 2009” حوالي نصف مليون طالب من 65 بلدا (ثلث بلدان العالم)، منهم 10.000 طالب في سويسرا. وبالنسبة لبرنارد هوغونيي، أحد المشاركين في صياغة تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بباريس: “تشير الدراسة إلى إحراز السويسريين تقدما ملحوظا. فهم متميزون في الرياضيات، وجيّدون في العلوم الطبيعية، وبدرجة أقل في القراءة، وقد احتلوا المرتبة الحادي عشر سنة 2009 بدلا عن المرتبة السابعة عشر سنة 2000. هذه الحصيلة جيّدة نسبيا”.
حصيلة هي بالنسبة لإيزابيل شاسوت، رئيسة المؤتمر السويسري لوزراء التعليم بالكانتونات “مفرحة ومبهجة”، وهي تذكّر بهذه المناسبة بالصدمة التي أحدثتها نتائج أوّل “دراسة بيزا” أنجزت سنة 2000، وأظهرت آنذاك المستوى المتوسط للطلاب السويسريين البالغة أعمارهم 15 سنة في مجال القراءة، وبيّنت آنذاك أن 20% منهم يواجهون صعوبات بالغة.
“لقد تغّير الوضع”
خلصت شاسوت إذن إلى أن “الوضع قد تغيّر منذ ذلك الحين. ويبدو ان الجهود العديدة التي بذلت في هذا المجال قد أثمرت”. وهي تلمّح بذلك إلى خطّة العمل الهادفة إلى التشجيع على القراءة والمطالعة، التي بدأ تنفيذها عام 2003 واشرف عليها المؤتمر السويسري لوزراء التعليم بالكانتونات.
وتوجد سويسرا اليوم في مستوى أعلى من المتوسط بالمقارنة مع البلدان الأخرى الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وضمن البلدان الإثنيْ عشر الأولى، عقب كوريا، وكندا، ونيوزيلاندا، واليابان، وأستراليا، وفنلندا.
ومن الحقائق المهمة التي كشفت عنها هذه الدراسة بحسب برنارد هوغونيي، الخبير بمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية: “تراجع نسبة الطّلاب الذين يعانون من مصاعب كبيرة من 20% سنة 2000 إلى 16.8% سنة 2009 . ورغم ان هذه النسبة تظل دون معدّل المتوسط العام، لكنها تثبت في نفس الوقت أيضا أن سويسرا بذلت جهودا كبيرة من اجل مساعدة المجموعات المحرومة”.
كذلك نوّهت إليزابيل شاسوت بالتحسّن الكبير الذي طرأ على أداء الشبّان السويسريين من أصول مهاجرة في مجال القراءة، وأشارت إلى “أن بلدا وحيدا تفوّق على سويسرا في هذا المجال هي فنلندا، التي توجد فيها نسبة أجانب أقل من بلدنا”.
ويصبح لهذا التطوّر أهمية خاصة بحسب المسؤولين بفريق PISA.CH، إذ تحقق في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة الشبان من أصول أجنبية من 20.7% سنة 2000 إلى 23.5% سنة 2009.
أما ريناي ليفي، الأستاذ المحاضر بجامعة لوزان، فيشير من جهته إلى أن “كل الخبراء يعترفون بالتأثير البالغ للمحيط الثقافي والاجتماعي على النتائج المدرسية”.
ما بعد التعليم الإجباري
تأمل إيزابيل شاسوت “الإبقاء على المشاريع الساعية إلى تطوير النظام التعليمي”. مشيرة بذلك إلى الجهود المبذولة في إطار مشروع Harmos الهادف إلى توحيد سن الدخول المدرسي، ومدة التعليم الإجباري، وتعلّم اللغات، بين الكانتونات المختلفة، وقد تم اعتماد هذا النظام حتى الآن من طرف 15 كانتونا تمثل 76% من سكان سويسرا.لكن هذا المشروع يثير سخط بعض الدوائر السياسية، من بينها حزب الشعب (يمين شعبوي). ففي بداية شهر نوفمبر الماضي، قدّم هذا الحزب وثيقة يعبّر من خلالها عن معارضته لتوحيد النظام التعليمي في الكانتونات.
أما برنارد هوغونيي، فهو يشير إلى أن “تباين المستوى التعليمي بين الطلاب الذين تابعوا المرحلة التمهيدية لسنة او أكثر، والذين لم يمروا بهذه المرحلة، هو بمعدل 54 نقطة بالنسبة للبلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية مقابل 84 نقطة في سويسرا، و108 نقطة في فرنسا”.
وقد خلص من ذلك إلى أن “الطلاب الذين تابعوا تعليما تمهيديا لأكثر من سنة يحققون نتائج أفضل في مجال القراءة مقارنة بأولئك الذين لم يتلقوا تعليما في تلك المرحلة”. وذلك بغض النظر عن المحيط الاقتصادي والاجتماعي الذي ينحدرون منه.
” انتقادات شعبوية”
لم تخف نقابات المدرّسين في المنطقتيْن الناطقتيْن بالفرنسية والألمانية سرورها بالتحسّن الذي طرأ على مستوى التعليم في البلاد. وأعتبرت في بيان أصدرته بهذه المناسبة أن” خطاب بعض الأوساط حول “البيداغوجيا المتراخية” لا يخرج عن كونه “انتقادات شعبوية”.
ويثير صدور “دراسة بيزا” كل مرة جدلا قويا في البلاد. وقد سبق لبيت ف.زيمب، رئيس نقابة المدرسين بالكانتونات الناطقة بالألمانية، أن أوضح في حديث إلى swissinfo.ch: “أن هناك وعيا سياسيا متزايدا بأهمية العملية التربوية وبمتطلباتها “.
ومن غير المرجّح أن تظهر النتائج بحسب المناطق اللغوية المختلفة، او بحسب الكانتونات قبل نهاية 2011. وإذا كانت هذه الدراسة تثير كل مرة سيلا من النقاشات، فإن نسختها لسنة 2009 يمكن أن تدفع الأمور قدما، وبالنسبة لريناي ليفي: “القيمة الحقيقية لهذا النوع من الدراسات، لا تكمن في الترتيب الذي تضعه بين البلدان، والذي في النهاية لا يتجاوز كونه مجرد ترتيب بل في ما تسمح به من تحليل مقارن حقيقي وفعلي بين الوضع في عام 2000، والوضع في عام 2009”.
من المنتظر أن تصبح المدارس والتعليم من القضايا الساخنة في سويسرا في الأسابيع والاشهر القادمة، وستشكل أحد محاور حملة الإنتخابات الفدرالية في عام 2011.
“بيزا” هي الأحرف الأولى التي ترمز اختصارا إلى (
Programme for International Student Assessement” ) أي “برنامج التقييم الدولي للطلبة”؛ وهو عبارة عن مجموعة من الدراسات التي تشرف عليها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية كل ثلاثة أعوام بهدف قياس أداء الأنظمة التربوية في البلدان الأعضاء وفي بعض البلدان الشريكة.
شمل اختبار “بيزا” لعام 2009، 65 بلدا من البلدان الاعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية ومن خارجها ، من بينها ثلاث دول عربية وهي قطر وتونس والأردن إضافة إلى إمارة دبي، التي جاءت جميعها ضمن الدول التي احتلت مؤخرة الترتيب في مواد الاختبار الثلاث، لكن مع تميز بسيط لدبي.
شمل الاختبار الذي تركّز على ثلاث مواد تعليمية هي القراءة، والرياضيات، والعلوم الطبيعية 470.000 طالب من البالغ عمرهم 15 سنة، من بينهم 10.000 طالب سويسري. وخلال الإختبار أجاب المشاركون عن أسئلة تتعلق بوضعهم الشخصي، وطرقهم في التحصيل العلمي، ومدى إقبالهم على التعلم.
وللمرة الثانية تلفت “دراسة بيزا” بشان سويسرا الأنظار إلى مسألة القراءة، وتبيّن أن الطلاب السويسريين قد حققوا تقدما بست نقاط منذ عام 2000، لتحتل سويسرا بذلك المرتبة الحادي عشر وراء كل من كوريا الجنوبية، وفنلندا، وكندا واليابان، ونيوزيلاند.
أنفقت سويسرا على إنجاز دراسة بيزا 2009 مبلغا إجماله 3.5 مليون فرنك، وقد جرى تقاسمه بالتساوي بين الكنفدرالية والكانتونات.
انطلقت بعدُ الأعمال التحضيرية لدراسة بيزا 2012، وسوف تتركّز هذه الأخيرة على التحصيل في مجال الرياضيات، ومن المنتظر أن تنشر نتائجها في عام 2013.
كشف برنامج التقييم الدولي للطلبة “بيزا 2009” على ان سويسرا تحتل مرتبة أعلى من المتوسط على مستوى البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية.
بعض البلدان التي شملها التقييم الدولي سبقت سويسرا في المجالات التعليمية المختلفة، ومن بينها كوريا، واليابان وأستراليا، ونيوزيلاند، وفنلندا، البلد الأوروبي الوحيد في هذه القائمة.
مقارنة بتقييم 2006، إستطاعت سويسرا تقليص نسبة الطلبة الذين يعانون من ضعف في مادة القراءة، وتراجعت تلك النسبة من 20.4% سنة 2000 إلى 16.8% سنة 2009 .
هذا التحسّن في القراءة كان بصورة أوضح وأكثر جلاء في صفو الطلبة من أصول أجنبية، ويصبح الأمر أكثر أهمية إذا ما علمنا أن نسبة هؤلاء قد ارتفعت في نفس الفترة من 20.7% من جموع الطلبة السويسريين إلى 23.5%.
مقارنة بسويسرا التي يوجد فيها 16.8% من الطلبة الذين يعانون من صعوبات في القراءة، تبلغ تلك النسبة في ألمانيا 18.5%، وفي فرنسا 19.7%، وفي إيطاليا 21%، لكن 8.3% فقط في فنلندا.
في كل البلدان التي شملها هذا التقييم، نجد أن الفتيات يتفوّقن على الفتيان في مادة القراءة، وفي سويسرا مثلا، نجد 68% من الفتيات يطالعن من اجل متعة المطالعة مقابل 44% في صفوف الفتيان.
يظل الطلبة السويسريون روّادا في مجال الرياضيات والمواد العلمية، حيث نجد ان 24% ممتازين في الرياضيات مقابل 13% على مستوى البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.