باحثون سويسريون: الميكروبات “الحل الأمثل لمشكلة النفايات”
بينما كانت باريس تستضيف جولة مفاوضات بشأن معاهدة دولية لمكافحة التلوث البلاستيكي قبل أيام، أُعلن في سويسرا عن اكتشافٍ جديد لبكتيريا تتغذى من البلاستيك في جبال الألب.
وتنبعث مع هذه الأنباء آمال بإمكانية تسخير هذه البكتيريا من أجل إعادة تدوير البلاستيك. لكنَّ الباحث السويسري جويل روثي يرى أنَّ تطوير هذا الحل لا يزال بعيد المنال.
قاد جويل روثي، العالم من المعهد الفدرالي السويسري لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية (WSL)، مشروع دراسة بحثية كشفت عن أنَّ بعض الأحياء الدقيقة التي تعيش في جبال الألب في كانتون غراوبوندن السويسرية وفي القطب الشمالي قادرة على هضم نوعين من البلاستيك؛ أولهما حيوي وهو متعدد يوريثان (PUR)، والآخر أحفوري وهو مزيج عشوائي من متعدد بوتيلين أديبات تيريفثاليت ومتعدد حمض اللاكتيك (PBAT/PLA). ويستخدم الأول في صناعة الإسفنج المنزلي والفرش (المراتب) والأحذية الرياضية، والثاني في صناعة أكياس الكمبوست البلاستيكية. ووفقاً للدراسة، لم تُظهر أي من سلالات الأحياء الدقيقة القدرة على هضم البولي إيثيلين غير القابل للتحلل (PE)، وكانت نتائج الدراسةرابط خارجي قد نُشرت باللغة الإنجليزية في مجلة فرونتيرز ان ميكروبيولوجي.
ويرى العلماء أنَّ اكتشاف أحياء دقيقة قادرة على تحليل المواد البلاستيكية عند درجات حرارة متدنية (15° مئوية) قد يكون “مُدخلاً قيِّماً” في عملية استخدام الأنزيمات لأغراض تحليل المواد البلاستيكية وإعادة تدويرها.
وجاء هذا الاكتشاف في الوقت الذي كانت تجتمعرابط خارجي فيه وفود من 175 دولة في باريس (29 مايو – 2 يونيو)، من أجل صياغة معاهدة تاريخية للحدِّ من التلوِّث البلاستيكي على الصعيد العالمي. وكشفت مجريات المفاوضات عن تباين كبير في الآراء بين الدول التي تسعى إلى خفض إنتاج مواد بلاستيكية جديدة، وبين الدول المُعتمِدة على الصناعات البتروكيميائية التي تُفضِّل حلًّا يقوم على تحسين عمليات إعادة التدوير وإدارة النفايات.
SWI swissinfo.ch: لاقى البحث الذي أجريتَه أصداءً كبيرة، لا سيَّما في وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية.
المزيد
العالم خطا خطوة لإنهاء التلوّث البلاستيكي..فلننتهز الفرصة!
جويل روثي: كان الأسبوع الأول جنونيًّا. قضيت غالبية وقتي بين الردِّ على رسائل البريد الإلكتروني التي وردتني من صحافيين من جميع أنحاء العالم، وإجراء مقابلات إذاعية مع أشخاص من أستراليا، على سبيل المثال. نحن عازمون على مواصلة بحثنا، ولكن صِدقاً، لم نكن نتوقع أن يتلقى كل هذه الأصداء.
في دراستك، أخذتم عينات من 19 سلالة بكتيرية و15 سلالة فطرية كانت تنمو على مواد بلاستيكية متناثرة على الأرض أو مدفونة عن قصد فيها لمدة عام في غرينلاند، وسفالبارد (روسيا) وسويسرا. هل كانت النتائج هي الأولى من نوعها في العالم؟
جويل روثي: نعم، يمكنني أن أقول ذلك. يوجد العديد من الدراسات التي تتناول بالبحث الكائنات الحية الدقيقة آكلة البكتيريا. لكنَّ المعلومة الجديدة المهمة هي أنها تنمو عند درجات حرارة منخفضة. وهي معلومة تشكل مفاجأة. كانت هناك أيضاً دراسات سابقة، تناولت على سبيل المثال الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في أعماق البحار، كشف فيها الباحثون عن هضم وتحليل المواد البلاستيكية القابلة للتحلل الحيوي. الفرق في دراستنا، هو أننا اختبرناها فعليًّا على أنواع مختلفة من المواد البلاستيكية القابلة للتحلل الحيوي.
ولكن، علينا أن نلتزم بعض الحذر، لأننا عثرنا على كائنات حية دقيقة قادرة على هضم فقط المواد البلاستيكية القابلة للتحلل الحيوي؛ أمَّا البولي إيثلين (PE)، فلم يلحق به أيَّ تغيير. وكان من غير المفاجئ أنَّ أيًّا من السلالات لم تكن قادرة على تحليل البولي إيثلين. ولكن المفاجئ أنَّ نسبة كبيرة جداً من الأحياء الدقيقة التي اختبرناها أظهرت قدرة على تحليل نوع واحد على الأقل من أنواع المواد البلاستيكية القابلة للتحلل الحيوي.
SWI: ماذا يُمكننا أن نستشفَّ من ذلك؟
جويل روثي: أعتقد أنه يمكننا الافتراض أنَّ العديد من الأحياء الدقيقة الموجودة في البيئة يُمكنها تحليل المواد البلاستيكية القابلة للتحلل الحيوي، ولكن هذا لا يزال يعتمد اعتماداً كبيراً على عوامل بيئية.
نعرف أنها قادرة على تحليل المواد البلاستيكية تحت الظروف المخبرية، حيث نحافظ على درجات الحرارة ثابتة، ونضيف مُغذِّيات عند المستويات التي نختار. ولكننا لا نعلم إذا كانت قادرة على فعل ذلك في التربة حيث تعيش.
المزيد
طلاب سويسريون “يقتنصون” الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في أعالي جبال الألب
SWI: إذن، لا نستطيع ببساطة أن نُطلق في البيئة الكائنات الحية الدقيقة القادرة على تحليل البلاستيك، ونأمل أن تبدأ عملها.
جويل روثي: بالضبط، نعم. ففي الدراسات التي قمنا فيها بدفن البلاستيك في التراب حيث تعيش الكائنات الحية الدقيقة، رأينا أنَّ قطع البلاستيك بعد مضى خمسة أشهر كانت لا تزال سليمة إلى حدًّ كبير. كانت هناك علامات على بدء التحلل، ولكن العينات كانت لا تزال قطعة واحدة، ولم تتحلل إلّا يسيرا. هذا ما لاحظناه بعد خمسة أشهر، ولذلك لا نعلم الوقت اللازم من أجل التحلل التام لمثل هذه المواد البلاستيكية القابلة للتحلل الحيوي في ظل الظروف الطبيعية التي تسود جبال الألب – سنوات عديدة على الأرجح.
SWI: أنت ترى أنَ التحدي الصعب القادم هو التحديد الدقيق للأنزيمات القادرة على تحليل المواد البلاستيكية، وتحسين العملية من أجل الحصول على كمية كبيرة من البروتينات. ما أهمية الدور الذي تؤديه حقًّا هذه الأنزيمات في الحدِّ من التلوث البلاستيكي؟
جويل روثي: أظن أنه لا يُمكننا فعليًّا إنهاء التلوث البلاستيكي بهذه الطريقة، لأنَّ التلوث البلاستيكي مشكلة أخرى مختلفة. لا يزال ينبغي على الناس أن يتخلصوا من نفاياتهم بالطريقة الصحيحة. لا يُمكن لهذا البحث أن ينهي مشكلة إلقاء النفايات في البيئة. وأظن أن المواد البلاستيكية إذا انتهى بها المطاف في البيئة، فإنَّ هذه الأنزيمات لا يُمكنها تأدية أي دور.
أمَّا ما نعتقد أنه ممكن في المستقبل فهو محاولة إنشاء اقتصاد دائري، نحاول فيه أن نعيد تدوير البلاستيك بطرق أكثر فعالية وأكثر استدامة. وهنا، قد يكون للأنزيمات دور تؤديه لأنها تعمل عند درجات حرارة منخفضة. وقد يُصبح إعادة تدوير البلاستيك ممكناً عند درجات حرارة منخفضة؛ لن نحتاج إلى عمليات التسخين.
ولكن هذه الأنزيمات لن تحلًّ مشكلة التلوث البلاستيكي في البيئة. والنتائج التي توصلنا إليها لا يُمكن للناس استخدامها كعذر لإلقاء النفايات البلاستيكية في البيئة.
SWI: هل تواصلت معك شركات من أجل البناء على النتائج التي توصلتم إليها؟
جويل روثي: شركات، ليس فعليًّا. ولكن كتب إلينا العديد من المستثمرين من القطاع الخاص. وأعتقد أن علينا أن نتوخى بعض الحذر، فقط يظن الناس الآن أننا تقدمنا في عملنا بدرجة أكبر بكثير مما نحن عليه. لا يزال بحثنا أساسيًّا. ولا يُمكننا أن نبني عليه للخروج بمنتج. سنحتاج إلى شركاء من القطاعات الصناعية لتحقيق ذلك. ويتطلب الأمر المزيد من الاختبارات للتأكد من إمكانية استخدامه لأغراض صناعية.
المزيد
لماذا لا يقوم السويسريون بتدوير المزيد من النفايات البلاستيكية؟
ترجمة: ريم حسونة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.