الجامعات السويسرية تُسابق الزمن لعقد تحالفات جديدة

صورة من الأعلى لقسم العلوم الاجتماعية في جامعة برن. Keystone / Peter Klaunzer

بعد إقصائها من برنامجيْن أوروبيْين رئيسيْين في مجال تمويل البحوث وتبادل الطلاب بين المؤسسات التعليمية بسبب تعطل الحوار السياسي بين برن وبروكسل، تشق الجامعات السويسرية لنفسها مسارا آخر من خلال الانضمام إلى تحالفات جماعية مع الجامعات الأوروبية. لكن هذا التوجّه لا يُمكن أن يحل محلّ المشاركة الكاملة في برنامجي "أُفق أوروبا" و "إيراسموس+" لتبادل الطلاب.

جامعة برن هي أحدث جامعة سويسرية تنضم إلى تحالف من هذا القبيل. في 1 ديسمبر 2022، إنضمت هذه الجامعة إلى ENLIGHTرابط خارجي، وهي مجموعة من تسع جامعات متكاملة فيما بينها وتتميز بكثافة بحوثها وتمتد من غينت في بلجيكا إلى براتيسلافا في سلوفاكيا.

وأوضحت فيرجينيا ريختر، نائبة عميد جامعة برن في ردها على سؤال لـ SWI swissinfo.ch عبر البريد الالكتروني بأن “الانضمام إلى هذه المجموعة يمنح جامعة برن فرصة للحفاظ على دورها النشط في مشهد التعليم العالي الأوروبي سريع التغيّر. وستضيف عضويتنا ديناميكية جديدة لتطوّرنا المستقبلي كجامعة”.

وتأتي هذه الخطوة في وقت تكافح فيه الجامعات السويسرية للاحتفاظ بمكانتها في المشهد العام للبحث والتعليم في أوروبا.

سويسرا ليست بلدا عضوًا في الاتحاد الأوروبي، لكن برن وبروكسل تعاونتا لفترة طويلة في مجالات البحوث والتعليم والابتكار. وبعد أن علقت سويسرا المحادثات حول العلاقات طويلة الأمد مع الاتحاد الأوروبي في مايو 2021، خفضت بروكسل مشاركة برن في “أُفق أوروبا” – أكبر برنامج تمويل أبحاث في العالم بقيمة 95.5 مليار  يورو – إلى رتبة دولة ثالثة غير شريكة. وهذا الأمر يقيّد حصول سويسرا على بعض المنح والتمويلات. لقد كانت ضربة كبيرة لمجتمع البحوث والتعليم السويسري، ولم يعوّض تدخل السلطات السويسرية بتخصيص بعض التمويلات المؤقتة عن هذا الضرر.

يأتي على رأس هذا الاستبعاد (الذي تم في عام 2014) أيضا منع البلد الذي تشقه سلسلة جبال الألب من المشاركة الكاملة في برنامج “إيراسموس+” لتبادل الطلاب وتنقلهم بين الجامعات في المجال الأوروبي نتيجة لخلاف سابق أيضا مع الكتلة المكونة من 27 بلدا عضوًا.

برنامج رائد

في عام 2022، سمح الاتحاد الأوروبي للجامعات السويسرية بالانضمام إلى المخطط الرئيسي الكبير الآخر للاتحاد الأوروبي، وهي مبادرة الجامعات الأوروبيةرابط خارجي (التي هي في الواقع جزء من برنامج إيراسموس+)، كشركاء مرتبطين.

وأُطلقت هذه المبادرة التي تحظى بقبول واسع في عام 2018، وهي تشجع مجموعات الجامعات الأوروبية في جميع أنحاء أوروبا على بناء تحالفات فيما بينها لتعزيز التعاون على المستوى المؤسسي.

وأحد الأمثلة على تطبيقات هذه التحالفات حصول الطلاب على شهاداتهم من خلال الجمع بين الدراسات في العديد من الجامعات المنضمّة إلى شبكة واحدة. ويدعم هذا البرنامج أيضا الابتكار وريادة الأعمال، فضلاً عن التعاون في مجال البحث والتعليم. أما الغرض من هذا المسعى فيتمثل في تعزيز القدرة التنافسية الدولية للتعليم العالي الأوروبي – في علاقة بالولايات المتحدة والصين – على المدى الطويل.

“تم حصر المشاركة في المرحلة التجريبية من مبادرة جامعات إيراسموس+ على الجامعات كاملة العضوية في برنامج إيراسموس، ولهذا السبب لم تتمكن سويسرا من الانضمام إليها في ذلك الوقت. وقالت أماندا كراميري، رئيسة قسم التعليم العالي في الوكالة الوطنية السويسرية للتبادل والتنقل (اختصارا: “موفيتيا” Movetiaرابط خارجي): «في عام 2022، تم فتح باب المشاركة في هذه المبادرة  للأعضاء المشاركين المهتمينرابط خارجي، في منطقة التعليم العالي الأوروبية مثل سويسرا».

وبرنامج إيراسموس+ هو أيضا الفضاء الذي قدمت فيه التحالفات عروضها لتمويل المشاريع، لكن سويسرا – باعتبارها عضوا شريكا – ليست مؤهلة للحصول على هذه التمويلات. وبدلا من ذلك، يتعيّن على الجامعات السويسرية التقدم بطلب إلى وكالة “موفيتا” Movetiaرابط خارجي للحصول على منح سويسرية لتغطية احتياجاتها. كما لا يُسمح لجامعات سويسرا بتولي مهمة تنسيق أو قيادة أي مشاريع في إطار برنامج إيراسموس+.

سباق من أجل الانضمام إلى التحالفات

هذه القيود لم تشكل عائقا بوجه الجامعات السويسرية. فقد انضمت ست جامعات من أصل 12 جامعة تقليدية بالفعل إلى أحد التحالفات القائمة. وبالإضافة إلى ذلك، انضمت اثنتان من جامعات العلوم التطبيقية المشهورة في البلاد والأكثر توجّها نحو التصنيع، لأن أغلب طلابها من المتفوّقين في التدريب المهني، إلى إحدى هذه الشبكات. ومن المُرجّح أيضا أن تستفيد ثلاث جامعات أخرى من المزايا التي يوفّرها إيراسموس+ في عام 2023، وفقا لوكالة “موفيتيا”. ويدلّ هذا على أن الشبكات الأوروبية والتعاون معها يظلان مهميْن للغاية للجامعات السويسرية، كما تقول. 

تحالفات الجامعات السويسرية

جامعة زيورخ (أول من اشترك) – أونا يوروبا *

جامعة لوزان – CIVIS *

جامعة جنيف – 4EU + *

جامعة بازل – EPICUR (كعضو في EUCOR) *

* التحالفات التي تلقت تمويلًا من الاتحاد الأوروبي في عام 2022، بمشاركة سويسرية من خلال التمويل الممنوح من طرف وكالة “موفيتيا”.

تهدف التحالفات الثلاثة المعلنة التالية إلى تأمين التمويل من برنامج إيراسموس+ في عام 2023:

المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ – Enhance

جامعة برن – ENLIGHT

جامعة العلوم التطبيقية في سويسرا الغربية – UNITA

جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية ZHAWرابط خارجي – (تم الاعلان عنه يوم 26 يناير 2023)

يوجد حاليًا 44 تحالفًا للجامعات الأوروبية، تغطي 340 جامعة تتوزع على 31 دولة. ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى أن يرتفع هذا العدد إلى 60 تحالفًا مع 500 جامعة بحلول منتصف عام 2024.

بالنسبة لجامعة برن وللمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ ETH Zurich الأعلى تصنيفًا وطنيا – الذي التحق في نوفمبر 2022 بتحالف Enhanceرابط خارجي الذي يضم في صفوفه عشر جامعات تقنية أوروبية – توفر هذه التحالفات العديد من الفرص، وليس فقط إمكانية التنقل لمواصلة التعليم بين الجامعات.

وفي رد مكتوب توصلت به SWI swissinfo.ch، قال غونتر ديسيرتوري، رئيس المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ: “نحن بصدد اختبار أشكال جديدة من التعاون في مجال التدريس، وإنشاء عروض تدريس تفاعلية مشتركة، بالإضافة إلى أشكال تنسيق تعزز المهارات متعددة التخصصات لطلابنا”.

وتقدر جامعة برن عاليا أيضا أن ستة أعضاء في تحالف ENLIGHT، بما في ذلك جامعة برن، هم أعضاء في رابطة الجامعات الأوروبية ذات البحوث المكثّفة ومقرها في بروكسل، مما يُساعد على تعزيز إشعاعها أوروبيا. 

أما بالنسبة لجامعة العلوم التطبيقية في سويسرا الغربية (المعروفة باسم HES-SO)، فإن الانضمام إلى تحالف كان من بين أحد أهدافها الرئيسية. وبالفعل فقد أصبحت في يونيو 2022 جزءًا من مجموعة يونيتا UNITA. وقالت رئيسة الجامعة لوسيانا فاكّارو إن الرؤية التي تقف وراء برنامج التحالف هي «بناء نظام بيئي للمواطن الأوروبي في المستقبل».

وأضافت في حديث لـ SWI swissinfo.ch: “«هذا جيّد جدًا [بالنسبة لنا] لأنه حتى لو تم استبعادنا من برنامجيْ “أفق أوروبا” و”إيراسموس+”، يُمكننا إيجاد طريقة للبقاء في هذا التحالف الذي يُعدّ الأداة الرئيسية للاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، لذلك أشعر بامتياز كبير لأننا يُمكننا الوصول إلى ذلك».

التمويل

بشكل عام، ستقدم سويسرا 6 مليون فرنك للفترة 2022-2025 للمشاركة السويسرية في مبادرة الجامعات الأوروبيةرابط خارجي. وتأتي الأموال من التمويل السويسري للتعويض عن المشاركة في برنامج إيراسموس+.

قالت لوسيانا فاكّارو، عميدة جامعة العلوم التطبيقية في سويسرا الغربية HES-SO، التي تتولى ابتداء من 1 فبراير 2023 رئاسة مؤتمر عُمداء المعاهد التقنية العليا والمدارس العليا في سويسرا ” اختصارا: الجامعات السويسريةرابط خارجي“، إنه يجب تأمين تمويل التحالف وربما زيادته من حيث المبلغ السنوي. وقالت لـ SWI swissinfo.ch: “من المهم أن تتمكن الجامعات السويسرية من الوصول إلى خطة التمويل المهمة هذه. لكن بدون تمويل مستقر، فإن مشاركتنا الفعالة سوف تتعرض للخطر”.

“أفق أوروبا” و”إيراسموس+” يحافظان على أهميتهما

لكن قادة الجامعات كانوا واضحين في أن هذه التحالفات لا يمكن أن تحل محل الوصول الكامل إلى برنامجيْ “أفق أوروبا” و”إيراسموس+”.

وقالت ريختر نائبة عميد جامعة برن: «العديد من الباحثين المقيمين في سويسرا هم من بين العلماء البارزين في مجالاتهم، لكن العلوم الممتازة تتدفق عبر الحدود». «للبقاء في موقع رائد، يحتاج الباحثون السويسريون إلى أن يكونوا قادرين على التعاون عبر الحدود، وقيادة اتحادات دولية وتنسيق الأعمال البحثية، وهي مسائل أصبحت أكثر صعوبة بعد إقصاء سويسرا من برنامج “أفق أوروبا”.

وقد اضطرت الجامعة بالفعل إلى التنازل لفائدة جامعة ماستريخت الهولندية عن قيادة تعاون بحثي يرمي لإيجاد حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي لعلاج مرض السكري بشكل أفضل.

وكانت جامعة برن قد شاركت في 175 مشروعا من خلال برنامج “أفق 2020″، البرنامج الذي خلفه “أفق أوروبا” واستفادت من تمويل بقيمة حوالي 120 مليون فرنك، لدعم ما يقرب من 500 باحث وباحثة.

أما بالنسبة لديسيرتوري، رئيس المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، فإن هذه التحالفات تشير إلى أن سويسرا “مُنفتحة على التعاون الأوروبي”.

هذه الإشارة مطلوبة. فالمفاوضات بين برن وبروكسل حول “أفق أوروبا” و”إيراسموس+” (يظل الانضمام الكامل هو الهدف المعلن للحكومة الفدراليةرابط خارجي) والقضايا الأوسع متوقفة حاليًا. أما مجتمع البحث والتعليم السويسري، فلا يُبدي حاليا الكثير من الأمل في حصول تغيير كبير في عام 2023.

تحرير: فيرجيني مانجين

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي