مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أينشتاين ونسبيّة التسويق السياحي

تحفة المعرض الرئيسية في متحف آينشتاين في برن: جواز السفر السويسري لعبقري القرن العشرين ألبرت آينشتاين، الذي أمضى وقتاً هاماً مع المبادئ الأساسية لنظرية النسبية خلال إقامته في العاصمة السويسرية. Keystone

في كلتا المدينتين يُمكن العثور على كاتدرائية ذات شهرة عالمية. وفي كلتا المدينتين أيضاً، عاش العالم المعروف ألبرت أينشتاين بوصفه "النجم الأول لعلم لفيزياء" غالباً. وفي حين لا تُولي مدينة "أولم" الألمانية هذا الإرث الكثير من الأهمية، يرى أحد أحفاد عبقري الفيزياء في بَرن أن "هَوَسْ أينشتاين" في العاصمة السويسرية مُبالغ به جداً.

تعرَّض المنزل الذي وُلِدَ فيه ألبرت آينشتاين في مدينة أولم Ulm الألمانية إلى التدمير الكامل خلال الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الوقت، لا يوجد هناك سوى القبو، الذي تم الكشف عنه وفَحصه قبل الشروع بعمليات بناء حي ‘سيديلهوفة’ (Sedelhöfe) السكني الجديد، لِيَتم رَدمه ثانية لاحقاً. أما مُخَطَّط الطابق الأرضي للمنزل فمعروض للمارة على شارع محطة قطار المدينة. akg-images

“هل بمقدوركم اختراق هذه الجدران”؟ يسأل كارل هوب، الذي يعمل كدليل سياحي في مدينة أولم (Ulm) الواقعة على نهر الدانوب جنوب ألمانيا. وجاء استخدام هوب لِتَعبير “الجدران” هنا بشكلٍ مجازي؛ ذلك أنَّ جدران المنزل الذي شَهِدَ ولادة ألبرت أينشتاين بالقُرب من محطة قطار أولم موجودة بصورة رمزية على الأرض فقط، وعلى شكل حجارة لِرَصْف الطرقات. وفي منطقة عبور المشاة، لا يمكن مشاهدة سوى نسخة من خارطة الطابق الأرضي للمنزل الذي دُمِّر تماماً أثناء الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا “الجزء من المنزل” الذي مازال الوصول إليه مُتاحاً، يستقبلني هوب مع ديرك هومبورغ، رئيس الاتصالات في مكتب سياحة أولمرابط خارجي/أولم الجديدةرابط خارجي (Ulm/Neu-Ulm Touristik). وإلى خلفنا، يمكن مشاهدة مُخَطَّط بناء كبير يروج لِحَي ‘سيديلهوفة’ (Sedelhöfe) السكني الجديد قيد الإنشاء في نفس هذا الموقع. فهل سيُعمد إلى تسوية بقايا ‘مهد آينشتاين’ مع الأرض أيضاً؟

هذا التساؤل ردَّت عليه بلدية أولم بأن كتبت: “في نطاق مشروع ‘سيديلهوفة’ سوف تتم مُراعاة الحفاظ على شكل من أشكال الذكرى، أو تهيئة ركن للذكرى”. ومن جانبه أيضاً، يؤكد كارل هوب حماسه الشديد للعمل من أجل التوصل إلى حل جيّد.

​ذكريات قليلة

من يرغب بالعثور على آثار أينشتاين في أولم، عليه أن يبحث عنهارابط خارجي، أو أن يَعْمَدَ إلى حَجْزِ جَولة مَصحوبة بِمُرشِد سياحي. ولكن الجولات الخاصة بهذا الموضوع بالتحديد لا تتوفر إلّا بِعَدَدٍ محدود خلال السنة، وفقاً لـهومبورغ.

ووفقا لرئيس الإتصالات في مكتب سياحة أولم، يأتي مُعظم السياح إلى هنا لمشاهدة الكاتدرائية الشهيرة التي يرتفع برجها الأطول في العالم إلى 161 متراً، أو للإطلاع على تمثال ‘الإنسان الأسد’ المصنوع من العاج، والذي يُعتَبَر أقدَم نحتٍ معروف لحيوان في العالم (حيث يقدَّر عمره بنحو 40,000 سنة). وفي عام 2014، بلغ عدد ليالي المبيت في مدينة أولم /أولم الجديدة 754,348 ليلة.

آينشتاين ومدينة “أولم”

وُلِدَ ألبرت أينشتاين يوم 14 مارس 1879 في مدينة أولم جنوب ألمانيا. بَيْد أنَّه لم يُقضِّ فيها سوى الأشهر الخمسة عشر الأولى من عمره، بسبب إنتقال والديه إلى مدينة ميونيخ لاحقاً.

وبمناسبة عيد ميلاده الخمسين، كتب أينشتاين لصحيفة ‘أولمَر آبند بوست’ يوم 18 مارس 1929: “ترتبط مدينة الولادة بحياة الفرد كشيء فريد من نوعه، مثلها مثل أصل الأم البيولوجية. ونحن ندين لها أيضاً بجزء من كياننا. وهكذا، أتذكر أولم بامتنان، بوصفها المكان الذي يَجمع بين التقاليد الفنية النبيلة والطابع البسيط السليم”.

“المشكلة أو التحدي الذي تواجهه أولم، هو عَدَم توفرها على الكثير مما يمكن مشاهدته حول أينشتاينرابط خارجي“، كما يقول هومبورغ. وعلى الرغم من وجود نصب تذكاري من تصميم المهندس المعماري السويسري ماكس بيلّ بجانب المخطط الأرضي للمنزل الذي شهد ولادة أينشتاين، إلّا أنَّ النافذة المُخَصَصة له في الكاتدرائية مَخفية بَعض الشيء، كما لا يُمكن الوصول إلى مبنى “zum Engländer” الذي كان والد آينشتاين يبيع فيه الريش المُستخدم في صناعة الوسائد.

علاوة على ذلك، يصعب على العديد من السياح الوصول إلى المكان الذي تُوجد فيه نافورة أينشتاين بالقرب من مستودع الأسلحة التاريخي بسبب موقعها البعيد. ووفقاً لـهومبورغ، تعتزم أولم التسويق لأينشتاين بشكل أقوى في المستقبل.

في الأثناء، يجتهد هوب، الذي يُنَفِّذ جولاته السياحية في الوسائط المتعددة تحت اسم “كارل كاينشتاينرابط خارجي” بالإستفادة القصوى من هذه المواقع القليلة المُتبقية. وهو يملأ حقيبة أوراقه بالصور والتسجيلات الصوتية، ويُخرِج بين الفينة والأخرى من جيب سترته مُختَلَف أنواع الإقتباسات المنسوبة لِعالم الفيزياء.

فضلاً عن ذلك، نَجَحَ هوب في فَرض وَضْع فيترينة (واجهة) إضافية لأينشتاين في أرشيف البلدية. “يجهل الكثيرون أن أينشتاين وُلِد هنا”، كما يعلَّق المُرشد السياحي، الذي يصف الشهور الخمسة عشر الأولى التي قضاها أينشتاين في مدينة ‘أولم’ بـ “الجوهرية”، ويرى أن “أساس الوصلات والشبكات العصبية في الدماغ يعود إلى هنا في أولم”.

مسرح أحداث مُحَبَّب

على الجانب الآخر، إستضافت العاصمة السويسرية برن أينشتاين قرابة 7 أعوام. وإلى جانب عمله في مكتب براءات الإختراع، وضع عالم الفيزياء هنا نظرية النسبية الخاصة في عام 1905. واليوم، تحول المبنى رقم 49 في شارع ‘كرام’ في برن حيث أقام أنشتاين فترة من عمره، إلى متحف يقصده العديد من الزوار.

أينشتاين وبَرن

نشأ أينشتاين في مدينة ميونيخ الألمانية. وفي عام 1895، قدم إلى سويسرا وهو في سن السادسة عشرة.

عاش في برن من عام 1902 وحتى عام 1909، حيث كان يعمل في مكتب براءات الإختراع.

يُعتبر عام 1905 بالنسبة لأينشتاين “عام المعجزات”، (أو كما يُطلق عليها باللاتينية “أنوس ميرابيليس”)، بسبب مفاجأته الأوساط العلمية حينذاك بخمسة مُنجزات رائدة من بينها نظرية النسبية الخاصة.

في عام 1914، انتقل من زيورخ الى برلين، التي أعلَن فيها عن نظرية النسبية العامة بعد عام واحد.

وعند زيارتنا لهذا المتحف، لم نعثر على أي أثرٍ للسياح الآسيويين. ووفقا لـيورغ روب، مدير متحف ‘منزل أينشتاينرابط خارجي’، تعتبر هذه الحالة إستثنائية جداً. وكما يؤكد: “هناك زوار يأتون إلى برن خصيصاً لزيارة الشقة الأصلية لأينشتاين”. ويصف روب عالم الفيزياء بـ “عامل جذب للجمهور”، حيث يفِد من 95 إلى 97% من زوار المتحف من الخارج.

وفي شقة أينشتاين السابقة الواقعة في الطابق الثاني من المبنى، والتي لا تزيد مساحتها عن 55 متراً مربعاً، يَتَطَلَّع كلا من مونتسي من أسبانيا، وجون من الولايات المتحدة حولهما. وبحسب جون، جاء عثورهما على منزل أينشتاين بِمَحض الصدفة. “ما يعجبني هو إمكانية التعرُّف على أينشتاين كشخص حقيقي”، كما تقول مونتسي، مُضيفة :”عندما إطلعت على صورِه وهو في عامه الخامس قلت لنفسي: مَن كان بوسعه أن يُعلِمه حينذاك بأنه سيُصبِح ما هو عليه اليوم بعد 30 أو 40 عاماً؟”. ومن جانبها، تجد إيمّا من المملكة المتحدة أن معرفة بعض المعلومات عن أينشتاين أمر “رائع”.

واليوم، يتوافد المزيد من السياح باستمرار لزيارة المنزل الواقع في البلدة القديمة لمدينة برن، التي أدرجتها منظمة اليونسكو منذ عام 1983 على قائمة مواقع التراث الإنساني. وبدورها، سَجَّلَت العاصمة السويسرية في عام 2014 ما مجموعه 718,575 ليلة مبيت. كما قام 46,191 شخص بزيارة منزل أينشتاين، فضلاً عن 21,799 شخص زاروا متحف أينشتاينرابط خارجي المُقام ضمن متحف التاريخ في برن.

ميزة تسويقية فريدة من نوعها

المزيد

المزيد

مزيدٌ من المبيعات بفضل أينشتاين؟

تم نشر هذا المحتوى على في تلك المناسبة، لم يكن مُتاحا للمتجول في شوارع المدينة الإفلات من صور ومُلصقات ألبرت أينشتاين التي انتشرت في كل مكان تقريبا. في السياق، حاولت العديد من المحلات التجارية القفز على الفرصة والإستفادة من الإهتمام الواسع الذي رافق التظاهرة. وإثر ذلك، تم تحويل المعرض الناجح إلى متحف دائم مُخصّص لأينشتاين.  (الصور: كريستوف بالسيغر، swissinfo.ch) 

طالع المزيدمزيدٌ من المبيعات بفضل أينشتاين؟

في هذا المتحف، تزيد مساحة العرض التي تبلغ نحو 1000 متر مربع كثيراً عن تلك الموجودة في منزل أينشتاين. كما تجد نظرية النسبية مكاناً لها أيضاً. وبحسب سيفيرين شتراسكي، مديرة التسويق والإتصالات، سلط المتحف المزيد من الضوء على السياق التاريخي للأحداث. كما تُعلِمنا شتراسكي بأن قرابة 76% من الزوار يأتون من الخارج.

وبالإطلاع على خرائط غوغل، نرى أن متحف التاريخ في برن يحمل إسم متحف أينشتاين. وكما تؤكد مديرة التسويق والإتصالات، “يمثل متحف أينشتاين ميزة تسويقية فريدة من نوعها بالنسبة لنا”، وتضيف: “من الواضح أنه ينتمي إلى متحف التاريخ في برن من الناحية القانونية، ولكن العثور على هذا الإسم في محركات البحث مُهِم بالنسبة للترويج”.

من جانبه، يرى يورغ شتيتلَر، خبير السياحة في جامعة لوتسرن، أنَّ اجتذاب شقة أينشتاين الأصغر حجماً بكثير لِضِعف عدد السياح الوافدين إلى المتحف ليس غريباً، حيث “تحظى زيارة المواقع الأصلية للأفلام أو الشخصيات المعروفة بشعبية كبيرة دائماً”، كما يؤكد.

عامل جذب أساسي

وهكذا، تركز برن بقوة على اسم أينشتاين في التسويق لسياحتها. وترى نيكول شافنَر، مسؤولة العلاقات العامة في مكتب سياحة برنرابط خارجي، أن المدينة “كسبت الجائزة الكبرى من خلال أينشتاين”. وكما تقول: “نحن سعداء أن أينشتاين أحَبَّ المدينة بهذا الشكل”.

كما تعبر شافنَر عن ثقتها بتقصُّد بعض الزوار إختيار المجيء إلى برن بسبب أينشتاين، إذ يمثل هذا الإسم عامل جَذْب أساسي للسياحة. “وهو ما يعكسه الحضور الجيد لمنزل ومتحف أينشتاين”، على حد قولها.

 مع ذلك، لن تُقام في برن هذا العام أحداث كبيرة كتلك التي نظمتها المدينة قبل عشر سنوات، حين أطلقت تسمية “عام أينشتاين” على سنة 2005، إحتفاءً بذكرى مرور خمسين عاماً على وفاته، ومرور مائة عام على نشره نظرية النسبية الخاصة.

نظرية النسبية العامة

في 25 نوفمبر 1915، قدَّم أينشتاين نظريته النسبية العامة أمام الأكاديمية البروسية للعلوم في برلين، والتي تُعتَبَر إنجاز القرن العشرين وأعظم ابتكاراته العلمية.

منذ خروج أينشتاين بهذه النظرية، ونحن نعرف أن الزمان والمكان والكتلة ليست ثوابت طبيعية. كما أماطت نظرية النسبية العامة اللثام عن لغز الجاذبية، وساهمت في تقدُّم العالم بشكل كبير.

وعلى سبيل المثال، لا يمكن تحقيق الدِقّة التي يوفرها لنا حاليا نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس) اليوم، إلّا بفضل النتائج التي توصلت إليها نظرية النسبية العامة.

أما دور آينشتاين اللاحق في تطوير القنبلة الذرية الأمريكية، فلا يزال موضع تكهنات حتى يوم الناس هذا.

“القدرة على مخاطبة جمهور واسع”

ومع كل هذا التسويق لأينشتاين في برن، إلّا أن العاملين في قطاع السياحة راغبون بالمزيد من التفاعل في المستقبل. “نحن نتمنى الحصول على عروض أكثر بالتأكيد”، كما تقول شافنَر، التي ترى في أينشتاين “علامة تجارية معروفة عالمياً لها الكثير من الإيجابية”. وكما تضيف :”إذا كانت لدينا مثل هذه الشخصية الشهيرة المؤيّدة لمدينتنا، فلِمَ لا نقوم بالتسويق لذلك”؟

ومن وجهة نظر أستاذ السياحة شتيتلر، تتوفر برن من خلال أينشتاين على “ميزة تسويق فريدة من نوعها” وغير قابلة للإستنساخ. حيث يتمتع أينشتاين بالقدرة على مخاطبة جمهور واسع، بسبب الإمكانيات المتنوعة لتقديم موضوعه ونَقل الأحداث المتعلقة به بالتالي. وهذا طالع حَسَن بالنسبة للسياحة، التي تعاني وجهاتها غالباً من سعة المواقع وعموميتها وإمكانية تبديلها الكبيرة.

تسويق “مثير للسخرية”

على صعيد آخر، يعاني شارلي آينشتاين (44 عاماً)، وهو ابن حفيد العالِم المعروف، والذي يعيش في برن منذ طفولته، من صعوبة في استيعاب تسويق العاصمة السويسرية لاسم أينشتاين. ونزولاً عند طلبه، لم يكن لقاءنا معه في مقهى أينشتاين الواقع في الطابق الأرضي للمنزل الذي أقام فيه أينشتاين، ولكن على منصة كاتدرائية مونستَر.

ومن وجهة نظره، فإنَّ إعتماد برن الكبير على أينشتاين كعلامة تجارية “مُبالغ فيه بعض الشيء”. وكما يقول :”يُستَغَلّ هذا الموضوع بشكل مُفرَط، وأنا أرى أن بإمكان برن اللجوء إلى نقاط قوة مختلفة أخرى لديها، مثل فُرَص التسوق في أروقتها المُميزة”.

كما يتساءل شارلي أينشتاين عن أثَر مدينة برن في تطوير نظرية النسبية الخاصة في 1905، ويقول: “أنا واثق من أن تأثير موقع السكن كان ضئيلاً جداً عندئذٍ. لذا أشعر أن تسويق المدينة على أساس أينشتاين أمر مثير للسخرية”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية