“جامعة بازل” تضع العلوم في متناول الجمهور
بمُناسبة مرور 550 عاما على تأسيسها، إختارت جامعة بازل الإحتفال بالخروج من "بُرجها العاجي" وإقامة "سوق عِـلمية"، في خطوةٍ كبيرة منها باتجاه العامّة والجمهور الواسع، ولكنها كرّست وقتها لإلقاء نظرة على الماضي أيضاً.
حينما يقتَبس موريتس لوينبرغر، عضو الحكومة الفدرالية السويسرية ووزير البيئة والنقل والطاقة والاتصالات، مُقتطفات من تاريخ أقْـدم جامعة في سويسرا، لن يكون هناك في صفوف المستمعين من ينتابه المَلَل. وبمناسبة بدءِ الاحتفالات بيوبيل الجامعة في ليستال (مركز كانتون بازل) مُؤخّـراً، قال لوينبيرغر: “منذ أكثر من نصف قرن، اختار مواطنوا مدينة بازل لأنفسهم الطريق الجريء إلى النور”.
وفي وَصفه للفترة الزمنية التي تأسّـسَت فيها هذه الجامعة ومُقارنتها بالوقت الحالي، قال لوينبيرغر: “في عصرٍ سَيْـطرت فيه شياطين الظلام والسحر الأسود على تفكير الناس، أُنشِئت مثل هذه الأَرضية التي تسمح بإقامة جذور لِلمَعرِفة العقلانية”.
وبمناسبة مرور الذكرى السنوية لتأسيسها، رفعَت أقدَم جامعةٍ في سويسرا شعار “المعرفة تجعلنا نتحرك”. ولم يكن كبار الشخصيات الفكرية لوحدهم خلف الاحتفال بهذه المناسبة، ففي “سوق المعرفة”، الذي أقامته الجامعة، منح باحثو بازل عِـلماً ملموساً ونظرة ثاقبة إلى مجالات خِـبراتهم لجميع المُتعَطِّـشين، المعرفة من كافة الفِئات العُمرية.
الخنفساء السوداء وحبوب الدّواء
في اللغة الألمانية، هناك حشَـرة خُنفساء سوداء، تُطلقُ عليها تسمية “خرّاط الحُبوب” Pillendreher. وقبل ظُهور صناعة المُستحضرات الصيدلانية وتَطورها إلى ما هي عليه اليوم، كان على كل صيدلاني أن يقوم “بخرط” أو “تدوير” حبوب الدواء بيدهِ.
وكان الصيادلة أو مساعدوهم، مُختَصّين بتقشيط جذوع وجذور نبات عَـرق السوس (المعروف بفوائِده الطبية المُتعدِّدة وحلاوته التي تفُـوق السكر). وبعد هذه العملية، تُسْحَـق جُذوع هذا النبات – والتي لا تزال تُمْضَغ إلى اليوم كبديل عن السيجارة – لإضافة المسحوق الناتج كأحَد المُكوّنات الهامة إلى حبوب الدواء، التي يقوم الصيدلي “بخرطها” يَدوِياً.
وقد لاقت هذه العملية اهتماماً واسِعاً، حيث تزاحم الحضور على الرُكن الخاص بِمتحف صيدلة بازل لمراقبة الصيدلاني أثناء تحضيره لأقراص الدواء. وكان المتفرجون سُعَداء بتذوّق الحبوب الكُـروية الصغيرة الناتجة، دون الحاجة للإنتباه إلى التحذيرات الطبية، ولو لمرةٍ واحدة.
الكيمياء في المطبخ
تلعب الكيمياء الجُـزيئية دوراً مُتزايدَ الأهمية في المطبخ. ولا يعود ذلك إلى ظُهور الطاهي الإسباني فيران أدريا، المُصَنَّف بثلاثة نجوم – والذي انتُخِبَ مَطعَمه المُسمّى “ألـ بوللي” El Bulli، قُـرب العاصمة البرتغالية برشلونة، كأفضَل مطعمٍ يقدِّم وجَبات الطعام التي تَعتَمد على “فن الطهي الجُـزيْـئي” في العالم – حيث تُعتَبر الوجبات التي يقوم بِتَحضيرها، فناً بِذاته.
ويحاول علماء الكيمياء في جامعة بازل، الإثبات بأن فنّ الطهي الجُزيْـئي، ليس ضرباً من السِّـحر، وذلك بِقيامهم بِتَحضير مُقبِّـلاتهم الخاصة: لحم البقر المشوي بالفُرن مع زيت الزيتون.
ولا يَجد مُتذوّق هذه الوجبة أيّ اختلافٍ بين هذه الوجبة وبين وجبة لحم البقر المشوي مع زيت الزيتون العادية – ولكن ليس دائماً: فحين يُسكَـب زيت الزيتون في النيتروجين السائل، لا يَتَغير مَظهره فقط – حيث يتحوّل إلى كراتٍ صغيرة – ولكن طعمه أيضاً.
وحَسب استنتاجات غالبية متذوِّقي الخياريْـن، فإن “المَذاق في الحالة الثانية لا يشبه الزيت، ولكن نُـكهة الزيتون تَبرز بشكل أقوى”.
وكانت هذه وغيرها من المُقَبِّـلات في قِـسم الكيمياء، أفضل دعاية لهذا الموضوع، حيث قوبِلَت بالثَناء والإعجاب الكبيريْـن من قِبَـل المواطن العادي، لِجهلِه لهذا الموضوع.
الإصابة بأمراض المناطق المدارية
وتحت شِعار “التمتّـع بالصحة في سويسرا وأثناء السفر”، اختبر المعهد السويسري للصحة الإستوائية والعمومية، معلومات الأشخاص العاديين حول المخاطر الصحية في الحياة اليومية في سويسرا وكذلك في حالِ سفرِهم إلى الخارج.
وقام الباحثون بالإجابة على أسئِلة من نوع: كيف يُمكنني التعرف على القرادة؟ وما الذي يجب علي القيام به، لو تعرَّضتُ إلى عَضّة حيوان ما؟ ما هو مرض التيتانوس (الكزاز)؟ ما هو مرض النوم؟ وكيف يمكنني حماية نفسي منه؟ كيف أحمي نفسي من مرض التيفوئيذ (أو حمى النمشية) وما هي الأماكن التي تزداد فيها احتمالية الإصابة؟
وقد عثَر زوار وزائرات المَعرض على إجاباتٍ واضحةٍ على أسئِلتهم والعديد من الأسئلة الأخرى في الرُكن المختص بهذا الموضوع، كما لو كان الأمر نوعاً من التَسلية.
كما شغل سؤالٌ آخر بال العديد من الحظور، حيث كان الإندفاع شديداً، وخاصة من جانب كِبار السن، وهو “كيف يتكوّن السرطان؟” و”ما الذي يُسَبِّـب السرطان؟”، حيث تمّ طرح هذا الموضوع بالاستِعانة بلوحاتٍ ورسوم واضحة ومن قِبَل أطباء مُختصِّـين كفوئين.
أمّا الشباب، فقد جَذَبهم نموذجٌ مُكبّـرٌ لخليةٍ في جسم الإنسان، أمكَنَهم التعرف على مكوّناتها وأسرارها، من خلال فتحات مدوّرة، تُطلق عليها تسمية “عيون الثيران”.
أطفال يبحثون عن الآثار
وتحت شعار: “ما مِـن أحد أصغَر من أن يكون عالِـم آثار”، أُقيمَت حلقة دراسية خاصة بالتاريخ القديم والحديث وآثار المُقاطعات الرومانية، حول مساحة مُحَددة من الرِمال التي خُبِئت فيها كمية كبيرة من الآثار.
وفي هذه المساحة الرملية، سُمِـح للأطفال بِلعب دور عُـلماء الآثار، كما في شخصية “إنديانا جونز”، حيث وجدوا هناك ما يحلُـم به عُلماء الآثار من الشظايا الفخارية وبقايا التماثيل وقِطع من الفؤوس الحجرية، بالإضافة إلى قطع من المُجوهرات العظمية.
ومَـن تَحَلّـى بالصَبر الكافي من هؤلاء الأطفال، ظَفَرَ بِعُلماءِ آثارٍ حقيقيين لتقييم هذه الكنوز وتقديم شرحٍ حولَها. وفي الوقت الذي استمع فيه الآباء المرافقون لهذه المعلومات بكلِ اهتمام، خَفَّـت حماسة الأطفال بشكلٍ واضح.
نظرة إلى ما قبل 12000 عام
وفي ركنٍ آخر من المعرض، يُطرَح سؤال مَفاده: ما هو عِلم الدندرولوجي؟ ما قد يَبدو لنا ككلمة غريبة، ماهو إلا عِـلم حساب عُمر الأشجار بواسطة عدد الحلقات الموجودة في الجِـذع، وهو ليس أكثر من وسيلة لِتاريخ علوم جغرافية الأرض وعِلم الآثار. وباستخدام هذا العِلم، يَتمّ الربط بين الحلقات السنوية في الأشجار – وفقاً لعرضها المُختلف – وبين زمن تكوينها.
ويشرح أورس فيبَر، عالم الدندرولوجي، للجمهور المُستمع بشغف: “باستخدام هذه الطريقة، تمكّـنا من تحديد المناخ خلال فترة 12000 سنة مَضَت بصورة دقيقة جداً”.
ويُمكن كذلك تَحديد “الحالة الصحية” لشجرةٍ ما، بالاستناد على حلقات الأشجار. ويشرح فيبر قائِلاً: “تستغرق الشجرة وقتاً طويلاً لِتموت” ويُضيف: “قد يستغرق ذلك فترة 200 عام، ولكن الأشجار تُقطع هنا في سويسرا في وقتٍ سابقٍ لأوانه للأسف”.
العودة إلى البداية ثانية!
ترغب جامعة بازل كثيراً بمغادرة “بُـرجها العاجي”، ولهذا، فمن المُقرّر أن يَحُـلَّ “سوق المعرفة” ضيفاً على كانتونات شمال غرب سويسرا، مثل أرغاو وسولوتورن و الجورا. ويؤشر جدول “سوق المعرفة” إلى الثامن من مايو في بلدية “برونتروت” Pruntrutt في كانتون الجورا وإلى 29 مايو في كانتون سولوتورن، وأخيراً إلى مدينة آراو (مركز كانتون آرغاو) يوم 28 أغسطس.
ومن ناحيته، يؤيد موريتس لوينبرغر فكرة ترك الجامعات لأبراجها العاجية. وبالنسبة له، تَكمُـن أهمية الجامعة في استقلاليتها، ليس من الناحية السياسية فقط، ولكن من الناحية الاقتصادية أيضا، حيث يقول: “تلتزم الجامعات في المقام الأول بالعلوم والتعليم، أمّا تسويق معرفتها، فيأتي في المرتبة الثانية”.
إيتيان شتريبيل – ليستال – swissinfo.ch
1431 – 1448: المُجَمَّع الكنسي في بازل يُنظم جامعة للمجمع وللإدارة المركزية البابوية.
1459: عرض للوثيقة المؤسِسة للجامعة من قِبَل البابا بولس الثاني في مدينة مانتوفا الإيطالية.
4 أبريل 1460: حفل افتتاح الجامعة مع إقامة قدّاس في كنيسة “مونستَر”. 28 مايو من نفس السنة: منح الجامعة “رسالة الحرية” من قِبَل مَجلس كانتون بازل.
6 سبتمبر 1460: الجامعة تتعهّـد بعدم استغلال الإمتيازات المَمنوحة لها من قِبَل المدينة.
1529: بسبب إدخال الإصلاحات، هِجرة المحاضرين والأساتذة إلى مدينة فرايبورغ في منطقة “برايسغاو” الواقعة في منطقة بادن – فورتمبيرغ، في أقصى جنوب غرب البلاد.
1529 – 1532: العديد من الأساتذة يواصلون عملية التدريس.
نهاية عام 1532: إعادة افتتاح الجامعة بعد عمليات الإصلاح.
1531: رئيس الجامعة أوسفالد بير، يقوم بافتتاح أول قسم عام للتشريح في الجامعة.
1538: إنشاء مؤسسة أيراسموس لدَعم الطلاب المُحتاجين.
النصف الثاني من القرن السادس عشر: جامعة بازل تصبح “الجامعة الموضة” للأطباء والمحامين وتتمتّـع بإشعاع وجاذبية دولية.
1659: إنشاء أول كرسي لدراسة التاريخ، مع إعادة تنظيم تدريس مادة المَنْطق، كجزءٍ من عمليات الإصلاح في التعليم الجامعي.
17 يونيو 1818: فقدان جامعة بازل لآخر امتيازاتها وخضوعها للدولة بالكامل مع دخول قانون الجامعة الجديد حيِّـز التطبيق.
1851: رفض برلمان كانتون بازل لطلب إلغاء الجامعة، لتكون مدرسة مِهنية عِـوضاً عن ذلك.
1872: رفض طلب لقبول دراسة المرأة في الجامعة.
1890: السماح للمرأة بالدراسة في الجامعة. وإميلي فراي تصبح أول طالبة تدخل كلية الطب لتتخرج كطبيبة في عام 1896.
1928: تأهل أول إمرأة للتدريس، حيث أصبَحَت إيلسا ماهلر مُحاظِرة في الدراسات السلافية (وهو علم دراسة اللغات والأدب السلافي، كما يعرف بكونه الحقل الأكاديمي لدراسات منطقة معينة، مَعْنية بالمناطق واللغات والتاريخ والأدب والثقافة السلافية).
1950: مَنح جائزة نوبل للكيمياء لتاديوس رايخشتاين، البولندي المولد والسويسري الجنسية.
1971: إفتتاح مركز العلوم البيولوجية في الجامعة.
1978: منح جائزة نوبل في الطب لِعالِم الأحياء والجينات، السويسري فرنر أربر.
1979: افتتاح الجامعة الخاصة لِكبار السن.
1984: إلغاء حالة البقاء في المَنصب (وعدم إمكانية الطرد بسبب ظروف خاصة في العمل) لأعضاء الهيئة التدريسية.
1997: تأسيس قسم عِـلم الاقتصاد في الجامعة.
2000: افتتاح مركز العلوم الصيدلانية.
2000: التنفيذ التدريجي لنظام “تعليم بولونيا” (المُسمى على مدينة بولونيا الإيطالية والذي تم التوقيع عليه في هذه المدينة في عام 1999)، وتهدف هذه الإتفاقية إلى إنشاء منطقة أوروبية للتعليم العالي، تكون فيها معايير الدرجة الأكاديمية وضمان الجودة، أكثر قابلية للمقارنة والتوافق في جميع أنحاء أوروبا.
2003: إنشاء قسم لعِـلم النفس في الجامعة.
2004: إنشاء جامعة الأطفال.
2010: الإحتفال بذكرى مرور 550 عاما على تأسيس جامعة بازل ببرنامج خاص بهذه المناسبة، يُقام على مدار السنة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.