جهود سويسرية لتدارك الوقت الضائع في مجال الطاقة الخضراء
تشهد أسواق التكنولوجيا النظيفة (cleantech) نموا سريعا. وتمتلك سويسرا في هذا المجال، ورقة رابحة. كما تمتلك الشركات السويسرية قُـدرة عالية على الابتكار، لكن عليها أولا أن تستدْرِك الوقت الضائع.
ومن جهته، قال هاينز مولر من المعهد الفدرالي للمِـلكية الفكرية أثناء تقديمه يوم الاثنين 4 أبريل في زيورخ لأول تقرير حول التكنولوجيا النظيفة في سويسرا: “تمّ في الكنفدرالية خلال عام 2008 فقط، تقديم طلبات براءات اختِـراع في مجال التكنولوجيا النظيفة بمعدّل 20 طلبا لكل مليون نسمة، وهو رقم آخذ في الازدِياد”، في حين سجّلت ألمانيا معدّلا أفضل، وهو 23 طلبا لكلّ مليون نسمة.
كما أوضح التقرير أيضا، بأن الشركات السويسرية تكرِّس في المعدّل من 5 إلى7٪ من استثماراتها، لرفْـع معدّل كفاءة استِـخدام الطاقة، ليصِـل إلى 12٪ بالنسبة لصناعة الورَق والآلات الكهربائية و48٪ بالنسبة لمورِّدي الطاقة الكهربائية.
في حين صرّح إريك شايديغير، نائب مدير كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، أنه “في سويسرا في عام 2008، بلغ عدد الذين عمِـلوا في هذا المجال حوالي 160 ألف شخصا، أي ما يعادِل 4,5٪ من مجموع الوظائف، كما بلغت حِـصّـة هذا القطاع 20 مليار فرنك، أي ما يُـعادل 3,5٪ من الناتج المحلي الإجمالي”، أي أن وزْن هذا القطاع الاقتصادي، فاق وزْن قطاع السياحة.
سوق متنامية
وتُـشير الأبحاث إلى أن سوق تكنولوجيا الطاقة المتجدّدة في نمُـو مستمِـر. فقد أظهرت أحدث التقارير التي نشرتها وكالة بلومبيرغ المالية للطاقة المتجدِّدة، أنه في عام 2010 بلغت الاستثمارات العالمية في هذا القِـطاع 243 مليار دولار، أي خمسة أضعاف الرقم المسجّـل في عام 2004 وضِـعف ما كان عليه في عام 2006 وأكثر بنِـسبة 30٪ عمّا كان عليه في عام 2009، وأنه من المحتمَـل أن يقفز إلى عشرة أضعاف في عام 2020.
وفيما تُعتبر سويسرا من بين الأوائل في قطاعيْ الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، فإن لديها كل ما يلزم لتتبوّأ مكانة مرمُـوقة أيضا في هذا القطاع المُـستقبلي، على حدّ قول إريك شايديغير، الذي عمد إلى سرْد كافة الميزات التي تجعل من سويسرا بلدا مِـحوَريا، وذكر منها: الاستقرار واليد العاملة المؤهلة والبنية التحتية، ذات المستوى، ومركز مالي قوي وفرص تعاوُن مع معاهد أبحاث رائدة…
ومن المؤكد، بأن لدى سويسرا خِـبرة عالية وواسعة في بعض المجالات، مثل التجميع المنفصِـل للنفايات وإعادة تدويرها وتقديم الحلول لمعالجة الملوِّثات المِـجهرية. كما أن لديها مجالات واعِـدة أخرى، مثل المحطات الدقيقة للطاقة الكهرومائية ونُظُـم استرجاع الحرارة ونُظُم الطاقة الشمسية الحرارية والضَّـوئية.
الخلايا الكهروضوئية
أما بصدد الطاقة الشمسية، فيُـمكن للشركات السويسرية أن تعتمِـد على مركز متطوِّر للبحوث، وبالأخص بالنسبة لوحدات الأغشية الرقيقة، إنه مختبَـر الخلايا الكهروضوئية في معهد التكنولوجيا الدقيقة في مدينة نوشاتيل، الذي يُـعتبر جزءا من المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، ويضُـم نحو 60 موظفا، وهو أحد المجموعات البحثية الرّائدة في هذا التخصص، ليس في سويسرا فحسب، بل في العالم بأسره.
وبدوره، ذكّـر كريستوف باليف، مدير مختبر الخلايا الكهروضوئية، أنه فقط منذ سنوات قليلة مضَـت، لم يكن أحد ليُـراهن على مستقبل الكهروضوئية ولو بقراريط، بسبب كُـلفتها العالية.
وفي غضون ذلك، تحقّـقت خطوات كبيرة، بفضل القوانين التي اعتمدتها بعض الدول، مثل ألمانيا، بغرض تعزيز وتطوير الطاقة الشمسية. وبحسب باليف: “كلَّـما تضاعَـف الإنتاج، انخفضت الأسعار بنسبة 20٪”. ولا يزال أمام سويسرا فُـرصة كي تلعب دوْرا مهمّـا، ربما ليس في مجال حجْـم الإنتاج، بل – وبشكل خاص – في مجال السوق المتخصّـصة.
ويُـشار إلى أن مختبر الخلايا الكهروضوئية في نوشاتيل، يعمَـل بالتعاون مع العديد من الشركات في هذا المجال، منها شركة أورليكون التي هي إحدى أهم المجموعات الصناعية السويسرية، التي قامت – على سبيل المثال – ببناء خلايا شمسية من السيليكون غيْـر المتبلْـور، ذات كفاءة عالية (20٪) وعملية تصنيعها حسّـاسة جدا، ولكنها محدودة المراحِـل، وهو ما أثار اهتمام العديد من الشركات الصناعية، مثل روث راو الألمانية، التي قامت بدورها بفتح فرع لها في مدينة نوشاتيل لتطوير خطّ إنتاج جديد، يقوم على استخدام هذه التقنية ويهدِف إلى إنتاج ألْـواح كبيرة الأحجام وعالية الكفاءة، تكون تكاليف تصنيعها في حدود مائتي فرنك سويسري للمِـتر المربّـع.
البحْـث عن الوقت الضائع
وفي خِـضمِّ هذه المظاهر الإيجابية، لا ينبغي أن ننسى بأن سويسرا ضيّـعت وقتا ثمينا. وكما قالت مجلة “ليبدو” في مقال لها حول التكنولوجيا النظيفة بأن: “سويسرا تستيقظ مبكّـرا، ولكنها تفيق متأخرا”. ولقد اعترفت دوريس لويتهارد، وزيرة البيئة والنقل والطاقة والاتصالات هي نفسها، بأنه بعد الطّـفرة التي كانت في التسعينات، بقي الحال “يُـراوِح مكانه”، وذلك لعدّة أسباب، منها السوق الداخلية المحدودة وعدم وجود سياسة للدّعم الموجّـه…
وعلى ذات الصعيد، لفت كريستوف باليف قائلا: “لو قُـمنا في سويسرا ببناء ألْـواح شمسية بحجْـم المساحة المبنية في ألمانيا، لأمْـكَـننا أن نُـنتج من 7 إلى 8 تيراواط ساعة، أي ما يُـعادل إنتاج محطة للطاقة النووية. إن لدينا كل المقوِّمات والإمكانيات اللاّزمة، ولكننا في السنوات الأخيرة غططنا في النوم”.
غيْـر أن الحكومة تسعى نحْـو تدارُك الأمور. ففي أوائل نوفمبر 2010، قدّمت نحو خمسين مقترحا للعاملين في القطاع، من شأنها بعد تحليل المواقف المختلِـفة، أن تُترجَـم خلال الأشهر المقبلة، إلى برنامج أكثر واقعية، لا يقوم في الأساس – بحسب إريك شايديغير – على توفير الحوافِـز بقدر تشجيع البحث ونقل المعرفة والتكنولوجيا ووضع برامج توجيهية لتنشيط السوق، ومن أجل تفعيل وتحسين مستوى التواصل بين الأطراف العاملة في القطاع.
ومن المؤكّـد، أن تقوم هذه الرّزمة من التدابير بإعطاء دُفعة لهذا القطاع، ولكن هل بإمكانها تحقيق الأهداف التي من بينها تأهيل سويسرا لكي تحتلّ في عام 2020 مكانة رائِـدة في مجال “النظيفة”؟ قد يُـساوِرنا بعض الشك، ذلك أن العديد من التدابير المشمولة في ‘المخطط الرئيسي للتكنولوجيا النظيفة’ غيْـر ملزمة، وتبقى بمثابة توصيات مقدّمة من الكانتونات ومن الأوساط الاقتصادية والعلمية، وإذا صحّـت المقولة بأن المال هو عصب الحرْب، فإن من شأن انعِـدام الحوافز المقدَّمة للشركات العاملة في القطاع، أن تعيق مسيرة تحقيق المرام.
يُـقصد بالتكنولوجيا النظيفة، تلك التقنيات التي تقلِّـل من استهلاك الموارد وتُـساعد في الحفاظ على النظم الطبيعية.
وهي تتضمن مختلف القطاعات الفرعية: الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وتخزينها والمواد المتجدّدة وإدارة النفايات والإدارة المستدامة للمياه والنقل والزراعة والغابات…
وِفقا لإحصاءات التجارة الخارجية، بلغت حصة الصادرات النظيفة خلال الفترة بين 1996 و2008 حوالي 15٪ من مجموع الصادرات السويسرية.
وكانت، حتى وقت قريب، نسبة المشاركة السويسرية في التجارة العالمية في هذا القطاع، أعلى بكثير من نسبة مشاركتها في التجارة عموما، إلا أن هذه النسبة آلت إلى التَّـراجُـع المطّـرد منذ تسعينيات القرن الماضي في جميع مناحي القطاعات الفرعية، باستثناء قطاع تخزين الطاقة.
كما تدنَّـت مكانة سويسرا في تجارة التكنولوجيا النظيفة بالنسبة للتجارة العالمية خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2007 عّما كانت عليه خلال الفترة بين عامي 1991 و1999.
وبالنظر إلى عدد براءات الاختراع، فإن أول القطاعات الفرعية التي تعوّل عليها سويسرا، هي كفاءة استخدام الطاقة وإدارة النِّـفايات وكفاءة إدارة الموارد والنقل المستدام وتكنولوجيا البيئة.
لكن النسبة المِـئوية للصادرات السويسرية من التكنولوجيا النظيفة تظهر مغايِـرَة. فإدارة النفايات وكفاءة إدارة الموارد تحتلاّن المرتبة الأولى، تليهما التكنولوجيات البيئية وتخزين الطاقة وكفاءة استخدام الطاقة.
(المصدر : التكنولوجيا السويسرية النظيفة)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.