جهود سويسرية لمكافحة الفساد الرياضي
بينما تتعرض سويسرا، التي تستضيف 65 هيئة رياضية دولية، لضغوط من أجل تحديث قوانينها الخاصة بمكافحة الفساد الرياضي، استُقبِلت خطة الحكومة في هذا الشأن بترحاب كبير، إلا أن لدى بعض الأطراف خشية من أن تذهب الإجراءات بعيدا.
وفي التقرير الصادر يوم 7 نوفمبر 2012، خلص المكتب الفدرالي للرياضة إلى أن تدابير مكافحة الفساد المعتمدة حاليا من قبل المنظمات الرياضية، التي يوجد مقرها بسويسرا، “غير كافية”، وهناك حاجة إلى “عمل أكثر متانة”.
وطالب التقرير، المكون من 70 صفحة، الإدارات الرياضية بتنظيم أوضاعها، عن طريق تحقيق التجانس واعتماد نظم إدارية رشيدة، كما طالب الدولة بتطوير هياكل قانونية تسمح بالتعامل مع قضايا الفساد على نحو أكثر فعالية، في نفس الآن الذي تقوم فيه بتعزيز تعاونها الدولي.
وأوعزت الحكومة إلى أن: “النزاهة الرياضية، ليست هي وحدها على المحك، وإنما أيضا سمعة سويسرا، باعتبارها موطن للعديد من الاتحادات الرياضية الدولية”.
وفي هذا الصدد، دعا وزير الرياضة أولي ماورر إلى اتباع استراتيجية “عدم التسامح”، بينما هو يضع نصب عينيه امكانية ترشح سويسرا لاستضافة دورة الألعاب الاولمبية الشتوية لعام 2022.
ومن جهته، أعرب كارلو سوماروغا، النائب الاشتراكي الذي قدم في ديسمبر 2010 مبادرة برلمانية ضد الفساد في المجال الرياضي، عن ارتياحه البالغ لما ورد في التقرير، قائلا: “أنا مسرور من الدراسة واسعة النطاق التي قامت بها السلطات والتي خلصت إلى أن الفساد والتلاعب بنتائج المباريات هي مشاكل متكررة، تؤثر سلبا على صورة الرياضة ولها تداعيات جمة”، وأضاف يقول: “بيد أن أهم شيء، هو أن نتحرك”.
ومن جانب آخر، أبدى رونالد بوشيل النائب عن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، الذي قدم في نفس العام اقتراحا حول هذه القضية، مشاعر مختلطة، حيث قال: “أضعنا سنة في التأخير، والتقرير ليس صارما بما فيه الكفاية، وبشكل عام، لم يتم التعامل مع الجزء الخاص بالفساد بنفس الطريقة التي تمّ التعامل فيها بالنسبة للجزء الخاص بالتلاعب في نتائج المباريات”، وأعرب عن أسفه، معتبرا بأن القسم الذي يتحدث عن مجلس إدارة الاتحاد العالمي لكرة القدم “فيفا”: “يُقرأ كما لو أن قسم العلاقات العامة للفيفا ليس هو الذي كتبه”.
اجراءات قانونية
وفي الأثناء، يعكف محامو وزارة العدل والرياضة حاليا على دراسة مجموعة من التعديلات القانونية التي أرشد إليها التقرير الجديد. ولما كانت المحاكم السويسرية الحالية، وحتى هذا الحين، لا تتعامل مع قضايا الفساد الخاصة إلا بعدما تتلقى الشكاوى من قبل الأفراد أو الشركات أو المجموعات، فإن هؤلاء القانونيون، بدورهم، يقومون بدراسة كيفية تغيير القانون، بحيث يمكن مقاضاة حالات الفساد الخاصة تلقائيا ويتم إدراج ذلك في قانون العقوبات.
تأتي هذه الخطوة تماشيا مع التوصيات التي قدمتها مجموعة الدول المناهضة للفساد التابعة للمجلس الأوروبي من أجل النهوض بمكافحة الكسب غير المشروع، والرشوة للمسؤولين الأجانب، في إطار القطاع الخاص، والتي يتعيّن على سويسرا أن تقدم تقريرا، بشأنه، بحلول أبريل 2013.
وبناء عليه، يتباحث الخبراء، الآن، حول الكيفية، التي يتهيأ من خلالها لقوانين مكافحة الفساد، تحصين أعضاء الاتحادات والجمعيات الرياضية.
وفي قرار تاريخي، برأت المحكمة السويسرية، الشهر الماضي، ثلاثة لاعبين من الاتحاد السويسري لكرة القدم اتُّهموا بقضايا احتيال على خلفية أكبر فضيحة تلاعب في نتائج المباريات الأوروبية.
ويعتقد خبراء مكافحة الفساد، بأن مثل هذه الأمور ما كانت لتحدث فيما لو كانت أغلقت الفجوة، في القانون الجنائي ذو الصلة، عن طريق تضمين الجريمة الجديدة، “الاحتيال الرياضي”، وهذا التغيير المقترح هو قيد الدراسة.
وثمّة أولوية أخرى، وهي مراجعة التشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة اليانصيب والمراهنات غير القانونية والتلاعب بنتائج المباريات. ولدى المحامين فرصة حتى نهاية العام المقبل، من أجل التوصل إلى تعديلات محددة يمكن للبرلمان الموافقة عليها.
معارضة ممكنة
واستشرافا للمستقبل، يقول المراقبون بأنه من غير المرجّح أن تأتي معارضة التعديلات القانونية من قبل الاتحادات الدولية. وبالنسبة لجان لوب شابلي، الخبير في إدارة المنظمات الرياضية في الكلية السويسرية العليا لدراسة الإدارة العامة في لوزان، فإن: “الطريق الوحيد الذي من الممكن أن يسلكوه، سيكون في الانتقال إلى بلد آخر”، وأضاف: “لكن، سيكون من الصعب عليهم إيجاد بلد مضيف أفضل من سويسرا”.
وفي سياق محتمل، من الممكن للتغيرات القانونية الجديدة، بشأن الفساد في القطاع الخاص، أن تجد المقاومة من قبل الشركات الخاصة أو، أيضا، من قبل الرياضات السويسرية الصغيرة والجمعيات الثقافية أو الدينية، التي يمكن أن تطالها الإجراءات الجديد، أو تتخوف من تدخل الدولة.
وبرأي سوماروغا: “هناك خطر من امكانية استغلال النقاش المحتدم في إعاقة وإبطاء العملية التي لا مفر منها”.
يرتد على صاحبه
بينما رحب مارك بيث، الخبير السويسري في مكافحة الفساد ورئيس لجنة الإدارة المستقلة التابعة للفيفا التي أوصيت باعتماد التدابير التي من شأنها تنظيف كرة القدم، بالتقرير الجديد معتبرا إياه بأنه “واسع النطاق”، لكنه أعرب عن خشيته من أن السلطات قد: “تبالغ فيه ويرتد عليها”.
وأوضح قائلا: “نحن بحاجة إلى قوانين تتعلق بالفساد وتُطبّق على الكوادر الرياضية، ومن جهتي كنت أفضل نهجا محدودا للغاية، ومحصورا في الـ 65 منظمة رياضية دولية الموجودة هنا”.
وصرّح بيث: “من الناحية المثالية، كنت أود رؤية برنامج عمل بمفاهيم تضبط النظام المالي، ونظام الامتثال، وقواعد تضارب المصالح، وعدا ذلك غير مقبول، كما أنه خطر على سويسرا، مثل النظام المصرفي إلى حدّ ما”.
فرق يودل؟
وعلى أية حال، يمثل التقرير الجديد تغييرا جذريا في توجه السلطات السويسرية، التي يقول عنها المراقبون بأنها كانت تتعامل مع الاتحادات الرياضية بنوع من “الإهمال الحميد”. وتشير الانتقادات، إلى أن تحرك الدولة تأخر كثيرا، وأن معاملة الأندية الرياضية كما لو كانت مؤسسات صغيرة أتاحت لها حرية إدارة شؤونها دون أن تحشر الدولة أنفها.
وبحسب بوشل، “لم يكن طبيعيا أن تبقى الاتحادات الرياضية التي تتصرف بمليارات الدولارات تُعامَل كما لو كانت فرقة صغيرة من فرق اليودِل – الأغاني والأهازيج الخاصة بأهالي القرى الجبلية السويسرية”.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، تزايد الضغط الخارجي، للقضاء على الفساد الرياضي، بشكل مطرد، الأمر الذي قد لا يبدو محتملا في المستقبل. في المقابل، ذكر شابلي بأنه: “حتى عام 2000، كل شيء كان ممكنا، البخشيش أو العمولات السرية، الجميع كان غارقا فيها، ولم تكن محظورة قانونيا في سويسرا ولا في أي مكان آخر”.
وأردف: “لكن، منذ عام 2000، قررت كل من منظمة التعاون والتنمية والمجلس الأوروبي والأمم المتحدة، أننا بحاجة إلى تشريعات جديدة، فعليه، لم يعد أمام سويسرا أي خيار سوى التغيير”.
يوجد في سويسرا حاليا حوالي 65 اتحادا ومنظمة رياضية دولية، وكانت اللجنة الأولمبية الدولية هي أول القادمين، حيث استقرت في مدينة لوزان منذ عام 1915.
يضم كانتون فو وعاصمته لوزان نحو 20 ناديا أو مؤسسة رياضية، من بينها، بالإضافة إلى اللجنة الأولمبية الدولية، هناك المحكمة الدولية للتحكيم الرياضي والاتحاد الاوروبي لكرة القدم والاتحاد الدولي للجمباز، والاتحاد الدولي لركوب الدراجات والاتحاد الدولي لكرة الطائرة.
ومن بين المنظمات المستقرة في أماكن أخرى من سويسرا، هناك المجالس الإدارية التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم (في زيورخ)، ولكرة السلة (في جنيف)، ولكرة اليد (في بازل)، وللتزلج (في أوبرهوفن في كانتون برن)، والهوكي على الجليد (في زيورخ).
ومن الطبيعي أن تكون لسويسرا هذه الجاذبية، وذلك لعدة أسباب، منها: موقعها الجغرافي والدرجة العالية من الكفاءة في قوة العمل والاستقرار السياسي والحيادية والأمن ومستوى نوعية الحياة، ناهيك عن جاذبية النظام الضريبي والنُّظُم القانونية.
تتمتع الهيئات الرياضية التي مقرها في سويسرا بالوضع القانوني الذي للجمعيات، فهي غير ملزمة بالتسجيل الرسمي ولا بنشر حساباتها، وتحظى بالإعفاءات الضريبية وبمرونة المصطلحات القانونية التي تسمح لها بإدارة شؤونها باستقلالية والاعفاء من القوانين السويسرية الخاصة بمكافحة الفساد.
أظهرت دراسة نشرت في نهاية عام 2007، بأن الهيئات الرياضية الموجودة في كانتون فو تُهيّئ نحو 1400 فرصة عمل وتساهم في الاقتصاد بنحو 200 مليون فرنك سويسري سنويا.
تختلف تدابير مكافحة الفساد الرياضي في أوروبا من بلد إلى آخر، وهي تخضع في أغلب البلدان للمبادئ العامة للقانون الجنائي، كما في ألمانيا والنمسا وبلجيكا وفنلندا، وبعض الدول لديها أحكام خاصة بالرياضة مدرجة ضمن قانون العقوبات، كما في فرنسا واسبانيا وبلغاريا، أو ضمن القانون الرياضي، كما في قبرص واليونان وبولندا، بينما يوجد لدى ايطاليا ومالطا تشريعات خاصة بتجريم الانتهاكات في مجال الرياضة.
(المصدر: المكتب الفدرالي السويسري للرياضة)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.